الخطة المزدوجة!
انطلقَت السيارة الأمريكية الفارهة تقطع شوارع «نيويورك» المكتظَّة بالسيارات والمارَّة … وألقى «عثمان» نظرةً خارجَ السيارة وهو يقول: لقد خُيِّل لي في لحظة من اللحظات أنني لن أعودَ إلى هذا المكان أبدًا.
قال «خالد» الذي كان منهمكًا في القيادة: لقد قمتما بعمل رائع … أنت و«أحمد».
ابتسم «أحمد» الجالس في الخلف بجوار «عثمان»، وقال: إن ما قُمْنا به من عمل ليس أكثرَ روعة من وصول طائرة الإنقاذ لنا في اللحظة المناسبة، كان من الممكن أن تشويَنا شمسُ المحيط الملتهبة … وتكون نهايتنا في بطون أسماكه.
أزاحَت «إلهام» خُصْلةَ شعرِها للوراء قائلةً: لقد كنتُ أنتظرُ قريبًا من سواحل المحيط حسبَ تعليماتِ رقم «صفر»، وما إنْ جاءَته أخبارُ الانفجار الهائل في المحيط والذي التقطَته الأقمارُ الصناعية حتى بعث رسالةً محدِّدًا لي الموقعَ الذي حدث فيه الانفجار، فأسرعتُ إلى هناك وأنا موقنةٌ أنني سأجدكما أحياء.
خالد: لقد هرعَت سفنٌ كثيرة وطائرات حربية إلى نفس المكان لاكتشافِ سرِّ الانفجار، ولكنها وصلَت متأخرةً بعد انتشال «إلهام» لكما.
تساءل «عثمان»: هل تظنون أنهم سيكتشفون الحقيقة؟
خالد: لا أظن … سوف يظن الجميع أن السفينة قد انفجرَت لأيِّ سبب.
عثمان: ولكن فَحْص مخلفات سفينة «النجم المشتعل» سوف يكشف أنها كانت محمَّلةً بالقنابل والأسلحة، خاصة وأن قوة انفجارها كانت هائلةً وهو ما سجَّلَته الأقمار الصناعية بلا شك … وهذا يُثبت قطعًا أنها كانت محملةً بالسلاح والقنابل.
إلهام: لا أعتقد أن هذا سوف يمثِّل مشكلةً ﻟ «أوزان أفران» مَلِكِ تنظيف الأموال … فهو رجلٌ مشهورٌ باتصالاته العديدة … وبمعاونة المخابرات والمافيا له، ولا أعتقد أنه سيواجه مشكلة في هذا الخصوص أو أن أحدًا سيطرح عليه أسئلة محرجة.
خالد: هذا صحيح تمامًا … سوف تتولَّى المخابراتُ حمايةَ رجلِها … لأنه يقوم بمساعدتها بما هو أهم. إنه ورقةٌ ثمينة لا يمكنها التضحية بها.
أحمد: ولكن هل تظنون أن جهاز المخابرات القوي الذي يقف خلف «أوزال»، سيتمكن من كشف السبب الحقيقي لانفجار «النجم المشتعل»؟
إلهام: ماذا تقصد يا «أحمد»؟
أحمد: إن لأجهزة المخابرات كفاءَتَها العالية … ولا بد أنهم سيحاولون كشْفَ السبب الحقيقي لانفجار السفينة. خاصة وأن بعض الأحداث غير العادية ارتبطَت برحلة «النجم المشتعل» هذه المرة … منها المعركة التي دارَت بين بعض بحَّارتها وبيننا في حانة «القط الأزرق» … وانتهَت بركوبنا السفينة … وكذلك الرسالة التي بعث بها ربَّانُ السفينة إلى أعوانه في «نيويورك» يسأل عنَّا وعن صِدْق روايتنا في مسألة سجننا لقيامنا بتهريب المخدرات.
قطَّب «عثمان» حاجبَيه قائلًا: أعتقد أنك على حقٍّ يا «أحمد»، مثل هذه الأشياء لن تخفَى على عيون رجال المخابرات، وسيكتشفون حتمًا أن الحادث كان بفعل فاعل.
إلهام: ولكنني لا أعتقد أنهم سيصلون إلى حقيقة الفاعلين أبدًا، سوف يبحثون عن شخصَين مجهولَين بلا ملامحَ أو هوية محددة.
عثمان: ولكنَّ الكثيرين شاهدونا في حانة «القط الأزرق».
أحمد: لا تنسَ أننا كنَّا متنكرين في هيئة بحَّارة.
توقَّفَت السيارة الفارهة أمام بناية ضخمة في الحي العاشر، وغادرها الشياطين الأربعة إلى قلب البناية … وحملهم المصعد إلى الطابق السابع والثلاثين، واحتوَتهم شقةٌ صغيرة أنيقة بداخل ناطحة السحاب في قلب «نيويورك».
وما إن خطَت «إلهام» إلى داخل الشقة حتى لفتَ انتباهَها رسالةٌ خطية فوق المائدة، فأمسكَت بها باسمةً، وهي تقول: إن رقم «صفر» يُرسل بتهنئته للجميع، ويتمنَّى حظًّا طيبًا في الجزء الثاني من المهمة. وألقَت بنظرةٍ باسمةٍ إلى «أحمد» و«عثمان» قائلةً: سوف تقومان أيضًا ببقية المهمة.
عثمان: ونحن على استعداد لها … ولكن ليس قبل تناول مشروب بارد.
وأسرع إلى الثلاجة وأخرج منها عُلبةَ عصير جوافة مثلَّج، راح يشربه في نَهَم، ثم التفتَ إلى بقية الشياطين قائلًا في مرح: إنني مستعدٌّ الآن لقتالِ كلِّ الأشرار في هذا العالم.
ضحك الجميع، وجلسوا أمام الحائط الزجاجي الصلب الذي كشَف لهم عن معالم مدينة «نيويورك» الصاخبة.
قالت «إلهام»: لقد زوَّدَني رقم «صفر» بتعليمات الجزء الثاني من المهمة … وهي ذات هدف واحد هو الكشف عن حقيقة ذلك التركي «أوزال أفران» وفضْح أساليبه في تبييض الأموال وأعماله الإجرامية في تهريب المخدرات والأسلحة والأنشطة المشبوهة.
أحمد: سوف يكون عالَمُنا بدون هذا التركي أفضلَ بكثير.
إلهام: إن نسفَ «النجم المشتعل» كان مجردَ عملٍ صغير بالنسبة للمهمة القادمة؛ فسيكون عليكما دخولُ عرينِ الأسد … والتعامل مع «أوزال أفران» وجهًا لوجه.
عثمان: لا بد أن هناك خطة لذلك.
إلهام: بالطبع … لقد وضعنا أنا و«خالد» خطةً جيدة سوف تُمكِّنكما من دخول عالم «أوزال أفران»، وربما تكونان سعيدَي الحظِّ أيضًا فتعملان تحت رئاسته مباشرة … والخطة في مضمونها بسيطة جدًّا وسهلة، وإن كانت في منتهى الخطورة.
صمتَت «إلهام» لحظةً ثم أكملَت قائلة: أنتما تعرفان أن «أوزال أفران» يمتلك شركة سينمائية ضخمة تعتبر ستارًا لأعماله غير المشروعة. وهذه الشركة تُنتج الكثيرَ من الأفلام ويعمل بها عددٌ من النجوم الكبار، ومنذ أسبوعين بدأ تصوير فيلم جديد في الشركة باسم «الفهد الأرقط»، وهو من أفلام الحركة والعنف، وبه مشاهد عديدة خطرة، ويقوم ببطولته النجمُ الأمريكي «روجر مور» بطل سلسلة أفلام «جيمس بوند» الشهيرة بعد اعتزاله هذه الأفلام. والجميع يعرفون بالطبع أن «روجر مور» لا يقوم بنفسه بأداء المشاهد الخطرة في أفلامه، بل يؤديها عنه دوبلير مشهور هو «هنري فورد»، وهو مشهور بأنه الدوبلير ذو القلب الفولاذي … لأن كل مشاهده أقرب إلى العمليات الانتحارية.
تساءل «أحمد»: وأعتقد أن مهمتي … أن أكون دوبلير ﻟ «روجر مور» … أليس كذلك؟
أجابَت «إلهام» باسمةً: بالضبط يا «أحمد»، إنك سوف تحلُّ محلَّ «هنري فورد» في المشاهد التي سيقوم بتصويرها غدًا؛ وبذلك سوف تنضمُّ إلى قائمة العاملين في الفيلم.
أحمد: هذا رائع … ولكن …
إلهام: أعرف ما ستقوله … سوف نتكفَّل نحن بأمر «هنري فورد»، فنمنعه من الذهاب إلى الأستوديو لتصوير باقي مشاهده الخطرة. ونحن نأمل في أن مهارتك ستجعل رجال «أوزال» يضعون عيونهم عليك لتكون واحدًا منهم فيما بعد.
في لهجة تقريرية أكملَت: أما بطلة الفيلم التي سيتعيَّن عليك تصويرُ مشاهدك الخطرة معها، فهي النجمة الفرنسية «صوفي مارسو»!
صفَّر «أحمد» بشفتَيه في إعجاب قائلًا: هذا رائع … إنها نجمتي المفضلة.
قطَّبَت «إلهام» وجهَها في شيء من الغضب قائلةً: إن التقارير التي وصلتنا أخيرًا تُفيد أن هذه النجمة صديقة ﻟ «أوزال أفران»، أو بمعنى أدق زوجته القادمة، وأن شخصًا أو اثنين حاولوا مغازلتها فلم يُعثَر لهما على أثر بعد ذلك. ويُرجح أنهما قُتلَا ولم يُكتشَف الجاني.
أحمد: إن هذا يُثبت أن «أوزال» عاشقٌ غيور … بمشاعر حارة.
التفتَت «إلهام» إلى عثمان قائلةً: أما أنت فإن عملك لا يقلُّ خطورة؛ إننا نعرف أن هناك عشرات المتعاونين مع «أوزال» لتنفيذ بعض المهام الإجرامية الصغيرة. ومكافأتها عادةً لا تقل عن نصف مليون دولار يقوم هؤلاء الأشخاص بقبضها على موائد القمار في أكثر من كازينو يمتلكه «أوزال» في «أمريكا» و«أوروبا»، بحيث يبدو الأمر كما لو أن هؤلاء الأشخاص قد ربحوا هذا المال من القمار، في حين أن المسألة مرتبة لكي يربحوا هذه الأموال حتى يبدوَ حصولهم عليها بطريقة قانونية، وسوف تفعل أنت ذلك أيضًا. فإن هناك مليون دولار تنتظرك في كازينو «النجمة الحمراء».
تساءل «عثمان» في دهشة: كيف ذلك؟
إلهام: لقد قام أحد الأشخاص، ويُدعَى «صامو وايت»، قام بمهمة لأجل «أوزال»، وهي مهمة بشعة بالفعل، غير أنه استحق عليها أجر مليون دولار، وقد تم ترتيب الأمر بحيث إنه يحصل على المليون دولار غدًا أمام كازينو «النجمة الحمراء»؛ وسوف نتكفل نحن بمنع ذهاب «صامو» إلى الكازينو، وستذهب أنت بدلًا منه غدًا!
عثمان: إن هذا يعني أن «صامو» أسمر اللون.
إلهام: إنه يكاد يُشبهك تمامًا، وهذا لحسن الحظ، وستدخل الكازينو وتضع وردةً بيضاء في عروة سُتْرتك السوداء … وستكون هذه العلامة المتفق عليها لكي يتعرَّفَ عليك العاملون في الكازينو … ويدبِّرون الأمر بحيث تربح في لعبة الروليت «مليون دولار»!
عثمان: وبعد ذلك؟
إلهام: سوف تخرج بالمال من الكازينو، وفي هذا الوقت نكون قد أطلقنا سراحَ «صامو» الحقيقي فيُسرع إلى الكازينو بعد أن تكون قد حصلتَ على المال … وبالطبع لا بد وأن تدور معركة. ويأمل رقم «صفر» أن تُبليَ فيها بلاءً حسنًا … حتى تلفتَ أنظارَ رجال «أوزال» فيفكِّرون في ضمِّك إليهم بسبب براعتك في القتال فتكون قريبًا منه.
عثمان: ولكن كيف سأفسِّر لهم دخولي الكازينو وحصولي على المال؟
إلهام: إنها مجردُ مصادفة؛ فأنت عادةً ترتدي بدلةَ اسموكنج سوداء وتحبُّ أن تضعَ وردةً بيضاء في عروة سُتْرتك، وأنك دخلت الكازينو مصادفة، فظنَّك رجالُ «أوزال» الشخصَ المقصود فجعلوك تربح المليون دولار دون أن تكون قاصدًا لذلك!
ابتسم «عثمان» كاشفًا عن أسنان بيضاء، وقال: هذا رائع!
واصلَت «إلهام» الحديثَ: أما المطلوب منكما بعد ذلك فهو محاولةُ الاقتراب من ذلك الرجل «أوزال» وعملائه السريِّين في كلِّ دول العالم وكلِّ أنشطته المشبوهة؛ حتى يمكنَ التخلُّص من كلِّ أفراد شبكته بضربة واحدة.
التمعَت عينَا «أحمد» وهو يقول: سوف تكون هذه الضربة هي الضربة القاضية، بلغةِ الملاكمة.