رقصة الكوبرا!
لم يكن أمام «أحمد» أيُّ وقتٍ للتفكير … وبدون تردُّدٍ ضغطَ «أحمد» فوق دواسة البنزين في سيارته، وانطلق بها بأقصى سرعتِه خلف سيارة البطلة الشهيرة.
كان «أحمد» يعرف أنه لا يؤدي مشهدًا تمثيليًّا … وأن ما يفعله ربما يكلِّفه حياته، ولكنه لم يتردَّد لحظة في محاولة إنقاذ «صوفي مارسو» نجمة السينما الفرنسية.
كانت سيارة البطلة تَسْبقه بمسافة، ولكنه ضاعف سرعتَه حتى لَحِق بها … وتعلَّق «أحمد» بحاجز سيارته، ثم قفز إلى سيارة البطلة … وحملها بين ذراعَيه والسيارة تندفع لأسفل بأقصى سرعتها وتكاد تصطدم بالشاحنة بعد ثوانٍ قليلة … ولم يكن أمام «أحمد» غيرُ تصرُّف واحد، فحمل البطلة المقيدة بين ذراعَيه وقفز بها من السيارة فوق الأرض.
كانت السقطة مؤلمة، ولكن «أحمد» استطاع أن يحميَ النجمة الفرنسية من الإصابة بجسده … وما كاد يلمس الأرض حتى دوَّى انفجار هائل عندما اصطدمَت السيارة الملغومة بالشاحنة التي كانت تسدُّ الطريق.
وأسرع «أحمد» يحلَّ وَثاق النجمة الفرنسية التي همسَت له بصوتٍ مضطرب وعينَين مليئتَين بالدموع: لا أدري كيف أشكرك، لقد أنقذتَ حياتي.
أجابها «أحمد» في رقة: لا عليك.
واندفع المخرج والبطل ومعهما كلُّ العاملين في الفيلم، وصاح المخرج في ذهول: إنه عملٌ إعجازي أعظم مشهد صورتُه في حياتي … سوف أضيفه إلى الفيلم الأصلي.
احتضن «أحمد» وهو يقول: إنك رائع … أعظم «دوبلير» شاهدتُه في حياتي … لولا وجودك ما كان أحد غير الله يعرف ما سوف ينتهي إليه هذا الموقف!
وسط جمهور الواقفين لمح «أحمد» «إلهام» وفوق شفتَيها ابتسامةٌ غامضة، واندهش «أحمد» وهو يتساءل … تُرى هل كانت «إلهام» تعرف بأمر الفرامل بسيارة العصابة المحلولة؟ أو بمعنى أدق: هل كان لها يدٌ فيما جرى؟ … وهي تعرف أن «أحمد» سيُسارع لإنقاذ البطلة و…
– إنك لا بد أن تتعرف على مستر «أوزال» سوف يكون سعيدًا بالتعرف عليك، إن شابًّا مثلك جديرٌ بالعمل معه.
كان ذلك صوت النجمة الفرنسية وهي تنظر إلى «أحمد» بإعجاب شديد …
ابتسم «أحمد» وهو يقول: سيسرُّني ذلك يا سيدتي؟
صوفي: ما رأيك في أن تحضر الحفل الذي يقيمه الليلة؟
أحمد: سيسعدني ذلك جدًّا.
صوفي: حسنًا … سأكون بانتظارك أيضًا.
اتجهَت «صوفي» إلى سيارتها وانطلقَت بها … وعندما بحث «أحمد» بعينَيه عن «إلهام» وسط الواقفين لم يعثر لها على أثر.
كان من الواضح أن كلَّ ما جرى كان بتخطيط من «إلهام»؛ لكي تدفعَه للتعرف على «أوزال» بأقصى سرعة. وهمس «أحمد» كأنما يحدِّث نفسه: إنها شيطانة بالفعل.
كان الوقت مساءً … وقريبًا من كازينو «النجمة الحمراء» كان يجري مشهدٌ آخر. فقد توقَّفَت سيارة «فيراري» حمراء … وهبط منها شابٌّ أسمر ببذلة سوداء وهو يضع وردةً بيضاء في عروة سُتْرتِه. ومن بعيد لمعَت أضواءُ الكازينو … فابتسم الشابُّ لنفسه … فقد كانت تلك الليلة على موعد مع مليون دولار … وعندما تحرَّك باتجاه الكازينو أوقفه صوتٌ من الخلف يقول: أنت أيها المغرور.
التفت «صامو» إلى الخلف غاضبًا … فشاهد شابًّا له لحية صغيرة في ملابس حمراء ممسكًا بسيجارة … فهتف في «صامو» قائلًا: هل يمكنك إشعال هذه السيجارة لي؟
لم يكن الشاب غير «خالد» وقد ظل واقفًا في مكانه … هتف «صامو» في غضب: ابتعد عني أيها الشاب وإلا سبَّبتُ لك أذًى شديدًا.
خالد: وكيف ستفعل ذلك أيها المغرور المتعالي؟
أخرج «صامو» من جيب سترته مسدسًا وهو يقول: هكذا.
ولكن، وقبل أن يضغط على زناد مسدسه، انطلقَت قدم «خالد» فأطاحت بالمسدس بعيدًا، ثم وبقدمه الأخرى وجَّه ضربة قوية إلى «صامو» فترنَّح إلى الخلف، وطارت قبضة «خالد» إلى «صامو» مرة أخرى فتقلَّص من شدة الألم … وبعدها كانت ضربة بالسيف من يد «خالد» كفيلة بإلقائه في عالم الغيبوبة.
جرى المشهد سريعًا … وكان هناك أكثر من شخص يمرون في نفس المكان وشاهدوا ما جرى، ولكنهم آثروا عدمَ زجِّ أنفسهم في المشاكل وابتعدوا عن المكان مسرعين.
حمل «خالد» الشابَّ الأسود ووضعه في سيارته، ثم رفع أصابعه بعلامة خاصة، ومن خارج أحد الأركان ظهر «عثمان» بوجهٍ باسمٍ وبذلةٍ سوداء في سترتها وردة بيضاء، وتحرك «عثمان» نحو كازينو «النجمة الحمراء».
جرى بعد ذلك كلُّ شيء كما كان مخطَّطًا له … فوجد «عثمان» كلَّ شيء مهيَّأً له في الداخل للحصول على المليون دولار بلا عناء … وقد ظن العاملون بداخل الكازينو أنه «صامو» … وقبل أن يخرج «عثمان» من الملهى كان «صامو» قد استعاد وَعْيَه برائحة النوشادر التي انبعثَت حوله فجأة كأنما ألقى به أحد إلى داخل سيارته.
تذكر «صامو» ما حدث له، وشجاره مع صاحب البذلة الحمراء … والمليون دولار التي تنتظره في كازينو «النجمة الحمراء»، فأسرع يغادر سيارته مهرولًا نحو «الكازينو».
في الداخل كانت بانتظاره مفاجأة … والعاملون يخبرونه بأمر الشخص الذي سبقه منذ لحظات وحمل المليون دولار …
انطلق «صامو» خارجًا من الكازينو كالمجنون ومعه أكثر من سبعة من عمال الكازينو وحرَّاسه وقد تسلَّحوا بكل ما وصلَت إليه أيديهم. وفي نهاية الشارع، وتحت ضوء لمبات أعمدة الإضاءة الشاحبة لمح الجميعُ «عثمان» وهو يسير حاملًا حقيبة الدولارات وهو يصفر بشفتَيه في سعادة.
هتف أحد العاملين مشيرًا إليه: ها هو لنستعد المليون دولار منه.
صاح «صامو» في غضب: بل سوف أستعيد حياته منه أيضًا … فهذه الليلة تبدو حافلة بالأحداث الغريبة.
انطلق الجميع يجرون باتجاه «عثمان» … ولم تظهر على الشيطان الأسمر أيُّ دهشة وهو يشاهد الأشخاص الثمانية وهم يحيطون به من كل جانب … وهتف به أحد العاملين بالكازينو: أنت أيها المخادع … لقد خدعتنا وحصلت على هذه الدولارات بالغش.
هتف «عثمان» متظاهرًا بالدهشة: أي غش … لقد دخلت الكازينو ولعبت مثل أي شخص وربحت.
صاح «صامو» غاضبًا: إنها ملكي أنا … لقد كانت هذه الدولارات تنتظرني أنا لا أنت.
لمعت أسنان «عثمان» عندما ابتسم وهو يقول: حسنًا … فلتحاول أن تأخذها.
زمجر «صامو» قائلًا: هذا ما سأفعله حالًا.
اندفع «صامو» نحو «عثمان» شاهرًا مطواة، كان هذا هو آخر ما انطبع في وعيه تلك الليلة … فقد قفز الشيطان الأسمر في الهواء، وبضربة قوية أطاح بالمطواة بعيدًا … وضربه ضربة قوية، وبكل قوته دفع «عثمان» بحقيبة الدولارات نحو وجه «صامو»، فاندفع الأخير إلى الوراء وسقط أمام الرصيف بلا حَراكٍ … واندفع الباقون يهاجمون «عثمان» في وقت واحد … وتحرك الشيطان الأسمر في خفَّة كأنه فهد، وفي قوة كأنه أسد، وفي مهارة كأنه حية، وانهالت ضربات وركلات «عثمان» فوق مقاتليه، وراح يستعرض أمامهم ألعاب الكونغ فو «وثبة النمر» أو «رقصة الكوبرا» … وتساقط المقاتلون واحدًا وراء الآخر فوق الطريق وهم لا يصدقون القوة المذهلة التي يقاتل بها ذلك الشيطان الأسمر.
التقط «عثمان» حقيبة الدولارات وهو يقول: والآن وداعًا أيها الرفاق.
اتجه إلى سيارة صغيرة فتحها وركبها ثم أدار محركها مبتعدًا.
التقط أحد العاملين بالكازينو رقم السيارة، وتحامل على نفسه وسار على ساقه المحطمة وأسرع إلى أقرب تليفون لإبلاغ مساعدي «أوزال أفران» بكل ما جرى، وبرقم سيارة «عثمان» لكي يتم التحري عنه والقبض عليه.
كان هذا هو ما خططت له «إلهام» بالضبط … وقام الشيطان الأسمر بتنفيذه بكل براعة.