في الأسر!
عندما فتح «أحمد» عينَيه وجد نفسه في قاعة عريضة وهو مشدود إلى مقعد معدني وقد قُيِّدَت يداه وقدماه وبجواره «عثمان» الذي راح يُفيق ببطء.
ومن الخلف علَت قهقهة عالية … وظهر «أوزال» وهو يقول: لقد أفقتما أخيرًا … هذا حسن فليس لديَّ وقت كثير لإضاعته معكما.
مال «أوزال» برأسه نحو «أحمد» قائلًا بعينَين ملتهبتَين: والآن لماذا لم تُخبرني بالجهة التي أرسلتكما إلى هذا المكان؟
أحمد: إذا كنت تعتقد أنك ستحصل منا على أية معلومة فأنت واهم!
أوزال: كثيرون قبلكما قالوا نفس الكلمات … ولكنهم اضطروا بعدها إلى الحديث، بعد أن ذاقوا طعمَ تعذيبنا … وسوف أسهِّل عليكما فأقول بأننا عرفنا أنكما مَن قام بتفجير «النجم المشتعل» بعد أن خدعتما رُبَّانها … وبالطبع فلا بد أن جهازًا عالي الكفاءة والقوة خلفكما … وإلا ما استطعتما نسْفَ «النجم المشتعل» والالتحاق بالعمل عندي!
صمت «أوزال» لحظة ثم أضاف بخبث: إن أصدقائي من رجال المخابرات يقطعون بأنكما عرب … وأنكما تابعان لجهة ما يهمُّها أمْن البلاد العربية … وهم لذلك متشوقون لمعرفة هذه الجهة التي تنتميان إليها ومعرفة قدر معلوماتكم عنا.
هتف «عثمان» في غضب: أغلق فمك أيها التركي الكريه؛ فلن تحصل على معلومة واحدة منَّا.
قال «أوزال»: سوف تُغيِّران رأيكما حالًا … بأسرع مما تتصوران.
وأشار بيده … وفي الحال سرَى تيارٌ كهربائي شديد من المقعد الذي يجلس فوقه «أحمد» و«عثمان» إلى جسدَيهما …
واكتشف الاثنان أنهما يجلسان فوق مقعدَين كهربيَّين يعملان بطاقة عالية … وشعر الشيطانان أن كلَّ خلية في جسدهما تحترق وأن رأسَيهما يكاد أن ينفجرَا.
أغمض «أحمد» عينَيه من الألم الشديد، وجزَّ «عثمان» على أسنانه كاتمًا ألمَه … وأشار «أوزال» بيده مرة أخرى، فأوقف سريان الكهرباء … والتفت إلى الشيطانَين قائلًا: ألَا زلتما مصرَّين على عدم الحديث؟
هتف «عثمان» في غضب: أغرب عني أيها الرجل، هل تظن أنك ستنجو من أيدينا … ثق أنك سوف تلاقي مصيرك العادل جزاءً لك على ما ارتكبتَه من شرور، ولو كان يحرسك ألف حارس.
قهقه «أوزال» بصوتٍ عالٍ ثم قال: إنني هنا في مملكتي التي لا يجرؤ إنسان على الاقتراب منها. وها أنتم قد شاهدتم ما يحدث لمن يحاول خدشي … والآن سأترككم بعضًا من الوقت، ستتحملان هذا العذاب. وأشار بيده مرة أخرى … فانطلق تيار الكهرباء في بدن الشيطانَين. وغامت الدنيا عن عيونهما من الألم القاتل.
واندفع أحد الأشخاص إلى داخل القاعة وهمس إلى «أوزال» بشيء في أذنه، فاحتقن وجهه وهتف: ولكنني أرغب في أن أقوم بهذا العمل بنفسي.
فأجابه الآخر: إنهم هناك ينتظرون منك إطاعة الأوامر وإرسال هذين الأسيرَين لاستجوابهما.
أشار «أوزال» بيده فتوقَّف سريان الكهرباء في جسدَي الشيطانَين، ونظر إليهما بعينين ملتهبتين وقال: إن أصدقائي يريدون أن يقوموا بهذا العمل بأنفسهم، ويقولون بأنهم أقدر على انتزاع كل المعلومات منكما بوسائل حديثة … ولا يمكنني إلا إطاعتهما … فلطالما قدَّموا لي خدمات عديدة. وأشار إلى رجاله، فاندفعوا نحو «أحمد» و«عثمان» يحلُّون قيودهما … ثم قادوهما إلى خارج القصر حيث كانت هناك سيارة مصفحة بانتظارهما.
أغلق الحراس صندوق السيارة على الشيطانَين … وانطلقت السيارة خارجة من القصر نحو الطريق الزراعي المؤدي إلى قلب «نيويورك».
همس «أحمد» ﻟ «عثمان»: هل أنت بخير؟
تغلَّب «عثمان» على ألمه، وقال: نعم … وأنت؟
أحمد: إن ما يؤلمني هو فشل مهمتنا. وانكشاف أمرنا لذلك الثعلب.
لمعَت عينَا «عثمان» وقال: لا أظن أن مهمتنا فشلت … فلا يزال أمامنا أمل.
أحمد: ماذا تقصد بذلك؟
وقبل أن يُجيبَ «عثمان»، دوَّى انفجار شديد، وانقلبت السيارة المصفحة على الطريق، وتعالَت أصوات طلقات رصاص. ثم هدأ كلُّ شيء … وانفتح صندوق السيارة وظهر في مدخلها «خالد» و«إلهام».
هتف «أحمد» غير مصدق: لقد جئتما في اللحظة المناسبة.
عثمان: ألم أخبرك أنه لا يزال هناك أمل … كنت أعرف أن «خالد» و«إلهام» سيتدخلان لإنقاذنا.
إلهام: لقد كنَّا نراقب المكان بوسائل إلكترونية حديثة، واكتشفنا كلَّ ما يجري لكما وتدخلنا في اللحظة المناسبة.
أحمد: فلنسرع بالعودة إلى القصر مرة أخرى … سوف تكون المفاجأة شديدة على «أوزال» ورجاله.
إلهام: هيا بنا … لحسن الحظ فقد أوشك الليل على الهبوط.
واندفع الشياطين الأربعة إلى سيارة «خالد» التي انطلقَت بهم نحو «ضيعة» «أوزال» ثم تركوا السيارة على مقربة من الطريق، وتسللوا داخل الضيعة دون أن يشعر بهم الحراس.
وقفز الشياطين الأربعة مثل الفهود خلف القصر، وتسلقوه لأعلى وقد حماهم الظلام وأخفاهم عن العيون.
وقفز «أحمد» و«عثمان» بداخل حجرة «أوزال» الذي حدق فيهما ذاهلًا ثم قال: أنتما … هذا مستحيل كيف تمكنتما من الفرار والعودة إلى هنا؟!
عثمان: تمكننا من الفرار و…
أحمد: لقد كان هناك بقية حساب يجب تصفيته … وقد جئنا لذلك.
تراجع «أوزال» إلى الوراء في خوف، وهتف متوسلًا: أرجوكما … لا تقتلاني … إنني مستعد أن أعطيَكما ما تريدان … كل ما تتمنيان … مليون … عشرة … مائة.
وفي لحظة خاطفة انتزع «أوزال» من درج مكتبه قنبلة يدوية، وقبل أن يُلقيَها على الشيطانَين كانت طلقات رصاص «أحمد» أسبق إليه.
انفجرت القنبلة في يد «أوزال» فتحول إلى أشلاء.
شعر «عثمان» بالغثيان للمشهد أمامه … وهتف «أحمد» به: إنه يستحق كل ما جرى له. هيا بنا نُسرع بمغادرة هذا المكان، فلا بد أن كل الحراس والعاملين سيهرعون إلى هنا بسبب صوت الانفجار.
عثمان: إن «إلهام» و«خالد» في النفق يحاولان فتحه … فلنسرع بمساعدتهما.
اندفع الشيطانان يهبطان لأسفل بسرعة … وصادفهما عددٌ من الحراس تكفَّل رصاص «عثمان» و«أحمد» بهم.
واندفع الشيطانان إلى النفق … في اللحظة التي هتفت «إلهام» بهما: تراجعَا للخلف. ودوَّى انفجار شديد … وتهاوى الباب المصنوع من الصلب، وظهر مدخل النفق مملوءًا بالأوراق المربوطة بعناية. وما إن ألقى «خالد» نظرة عليهما حتى قال: إنها هي الأوراق التي نبحث عنها.
عثمان: فلنأخذها ونسرع بمغادرة هذا المكان.
أحمد: لأن وجودنا هنا فيه خطر علينا … فالمكان به أكثر من مائة حارس سيسارعون إلى مطاردتنا.
لمعَت عينا «إلهام» وقالت: إن لدي وسيلة ممتازة لشغلهم عنا.
عثمان: ما هي؟
لم تردَّ «إلهام» على الفور، بل أشعلت عود كبريت ألقَته على ملايين الدولارات، فسألها «عثمان» ذاهلًا: ماذا فعلتِ يا «إلهام»؟!
إلهام: سوف ينشغل الحراس بمحاولة إطفاء النار في هذه الملايين فنستغل ذلك في مغادرتنا لهذا المكان.
أحمد: أنت رائعة يا «إلهام»!
أمسكت النار بملايين الأوراق المالية، واندفع الشياطين مبتعدين، وحدث ما توقعَته «إلهام»، فما إن شاهد الحراس النار وهي ممسكة بالنقود، حتى راحوا يحاولون إطفاءها بكل جهدهم. على حين انطلق الشياطين يغادرون المكان في أمان.