واحات مصرية: سيرة ذاتية: الجزء الثالث
«أنا دهِشٌ لأن هذه التفاصيل تشغل مكانًا واضحًا وثابتًا في ذاكرتي، ودهِشٌ لأنني أُثبتها على الورق، وذلك — فيما يبدو — دون مبرِّر، ولكنها تنتمي إلى ساعاتي الأولى في مصر، والتي لا تزيد على مائة، والتي كانت مشحونة بلقاءات وأحاديث ومشاعر يمكِن أن تملأ كتابًا كاملًا.»
ما زال الأديب «محمد عناني» يصطحبنا في واحاته الخضراء الوارِفة الظِّلال، لكن هذه المرةَ في مصر، بعدَ عودته من لندن في الربع الأخير من القرن العشرين، فيجعل من الزمن البطلَ الأول فيها؛ فالإحساسُ به وسيلةُ كلِّ قلبٍ حي للإحساس بالوجود المُطلَق، الوجودِ الذي يتجاوز البدايات والنهايات، ويربط كل حادث في النفس بوجودِ النفس ذاتها. وكانت الذاكرة هي زاد «عناني» الأول في استعادة الزمن، مستعينًا بمفكِّرته التي يُسجِّل فيها الأحداث البارزة، والخطابات المتبادَلة مع الأصدقاء، وقُصاصات الصحف. وكما كان الفرح والسرور يغمُر واحاته في أحيانٍ كثيرة، كان للأحزان والآلام أيضًا نصيبٌ فيها لا بأسَ به، فجاءت الواحات مصريةً خالصة تَمُوج بما يَمُوج به المجتمع المصري آنذاك، وتؤرِّخ للخاصِّ والعامِّ في حياة «عناني» الإنسان والأديب.