العملاء يتساقطون!
لم يحدُث أبدًا أن سمع «أحمد» صوت رقم «صفر» حزينًا ومُرتبكًا كما سمعه في ذلك اليوم البارد من شهر ديسمبر … لقد بدا على صوت الزعيم أنَّه في حالةٍ من الحالات النادرة الصعبة، التي لا يعرف فيها ماذا يمكن أن يفعل!
وقد كان حديث رقم «صفر» إلى «أحمد» يتمُّ في سرِّيَّةٍ تامَّة؛ فقد طلب رقم «صفر» من «أحمد» أن يتوجَّه إلى مبنًى صغيرٍ ضمن سلسلة المباني في المقرِّ السرِّيِّ للشياطين اﻟ ١٣، فطلب منه أن يجلس في الغرفة الخلفيَّة من المبنى المُقام من الصخور الصمَّاء … وقد جلس «أحمد» بعد أن طلب منه أن يقوم بتشغيل جهاز التكييف … وأن يرفعه إلى أقصى درجةٍ … وأن يرتديَ ملابسَ ثقيلةً؛ حتى لا يُصاب بالبرد.
وعرف «أحمد» — بحُكم خبرته — أنَّ رقم «صفر» يخشى من أن يتمَّ الاستماع أو تسجيل المحادثة بينه وبين الزعيم … ودُهِش «أحمد»؛ لأنَّ إجراءات الأمن في مقرِّ الشياطين الرئيسيِّ نموذجيَّةٌ، ولا يمكن لشخص — مهما كانت أهمِّيَّته أو قدرته — أن يتسلَّل إلى المقرِّ السرِّيِّ، أو يُسجِّل أو يستمع إلى أيَّة أحاديث يُمكن أن تدور فيه …
ولكن ما سمعه «أحمد» من رقم «صفر» أكَّد له أنَّ الزعيم كان على حقٍّ عندما أخذ أكثر الضمانات تطرُّفًا؛ حتى لا يستمع إلى حديثهما شخصٌ ثالثٌ، مهما كانت درجة الثقة فيه! وقد رفع «أحمد» سماعة جهاز اﻟ «ب. ب. إكس»، وهو نوعٌ من التليفزيون الداخليِّ، له وصلاتٌ مستقلَّةٌ عن أجهزة التليفزيون الأخری.
قال رقم «صفر»: إنَّ المحادثة التي بيننا الآن هي على أعلى درجةٍ من السرِّيَّة!
أحمد: بالطبع يا سيِّدي!
رقم «صفر»: حتى الشياطين اﻟ «١٣» يجب ألا يعلموا الآن شيئًا عنها!
أحمد: خيرًا يا سيِّدي!
رقم «صفر»: من المؤكَّد أنَّ هناك جاسوسًا بيننا!
صمت «أحمد» ولم يردَّ … مضى رقم «صفر» يقول: إنَّ جميع خُطَطنا مكشوفةٌ، وفي ثلاث عمليَّاتٍ هامَّةٍ سقط رجالنا في أيدي الأعداء … هناك من يُبلغ أعداءنا بالخُطَط مُسبَقًا، وكلَّما أرسلنا أحد رجالنا في مُهِمَّةٍ سرِّيَّةٍ، وُجِدَ قتيلًا في نفس المكان … ومن الواضح أنَّ هناك من يُبلغ هذه الخُطَط البالغة السرِّيَّة!
أحمد: هذا شيءٌ خطيرٌ يا سيِّدي!
رقم «صفر»: إنَّه أخطر ممَّا تتصوَّر … ولعلَّك لاحظت أنَّني لم أُسنِد إليكم أيَّة مُهِمَّةٍ في الأسابيع الماضية!
أحمد: إنَّ الشياطين مُتذمِّرون، وهم يتصوَّرون أنَّك لم تعد تثق بهم!
رقم «صفر»: هذا غير صحيحٍ … والصحيح أنَّني أخاف عليهم أن أرسلهم في مهامَّ يموتون فيها!
أحمد: هذا الكلام في مُنتَهی الخطورة يا سيِّدي!
رقم «صفر»: لهذا طلبتُ حضورك إلى هذا المكان لكي أتحدَّث معك؛ فإنَّني على ثقةٍ من أنَّك مُخلِصٌ، ولا يمكن أن تكون الخائن الذي يَشِي بنا!
أحمد: يا سيِّدي الزعيم …
قال رقم «صفر» — مُقاطِعًا: لا داعيَ للحديث؛ دعني أروِ لك ما حدث!
صمت «أحمد»، وتنهَّد رقم «صفر»، وقال: هل تعلم أنَّ عملاءنا في «باريس» و«مدريد» و«روما» قد قُتِلوا؟!
صمت «أحمد» مرَّةً أخرى؛ لأنَّه لم يتصوَّر أن يحدُثَ هذا، فعاد رقم «صفر» إلى الحديث: لقد كلَّفْنا كُلًّا منهم بمُهِمَّةٍ مُعيَّنةٍ، ووضعنا خُطَطًا مُحكَمةً ليقوم كلٌّ منهم بمُهِمَّةٍ، ولكن كانت المفاجأة في كلِّ مرَّةٍ أنَّ كلًّا منهم كان يُواجَه بخُطَّةٍ مُضادَّةٍ تُثبِت أنَّ هناك مَن يعرف مُقدَّمًا ما نحن مُقدِمون عليه!
أحمد: إنَّ هذا شيءٌ خطيرٌ حقًّا يا سيِّدي!
رقم «صفر»: أخطر ممَّا تتصوَّر؛ فهؤلاء العملاء الثلاثة كانوا من أفضل رجالنا في جميع أنحاء العالم … وموتهم يعني التوقُّف عن العمل لفترةٍ طويلةٍ في هذه المناطق الثلاث؛ حتى نجد آخرين يحلُّون محلَّهم!
أحمد: وهل هناك شكٌّ في شخصٍ مُعيَّنٍ يقوم بهذا العمل؟ أعني هذا الجاسوس الذي بيننا!
رقم «صفر»: إنَّ الشكوك تشمل كلَّ شخصٍ موجودٍ في المقرِّ السرِّيِّ!
أحمد: أعتقد أنَّ الكشف عن الجاسوس سيستغرق وقتًا طويلًا؛ فعدد العاملين في المقرِّ السرِّيِّ كبيرٌ!
رقم «صفر»: والمشكلة أنَّ الذي تُكلِّفه بمُهِمَّة البحث قد يكون هو نفسه مَن يعمل مع مَن هم خلف هذه الخيانة الرهيبة!
ساد الصمت لحظاتٍ، ثمَّ قال «أحمد»: ولكنِّي ألاحظ يا سيِّدي أنَّ كلَّ الذين قُتلوا كانوا من عملائنا في الخارج، وهذا يعني أنَّ الذين تُتاح لهم فرصة معرفة المُهِمَّات الخارجيَّة هم الذين يجب فحصهم جيِّدًا.
رقم «صفر»: إنَّك شابٌّ رائعٌ، وهذا ما خطر ببالي … لهذا فإنَّ كلَّ العاملين في الإشراف على العمليَّات الخارجيَّة يخضعون الآن لعمليَّة فحصٍ دقيقٍ.
أحمد: إذا لم يكن عندك مانعٌ يا سيِّدي، فإنَّني أريد الاشتراك في هذا الفحص.
رقم «صفر»: ليس الآن … إنَّني أُفضِّلُ أن تبقى في الظلِّ؛ لأنَّني سأدفع بك إلى مُهِمَّةٍ صعبةٍ … فقط بعد أن نُحدِّد بعض الأسماء.
أحمد: إنَّني على استعدادٍ لأيَّة مُهِمَّةٍ تراها.
رقم «صفر»: إنَّني متأكِّدٌ من ذلك … وحتى ذلك الوقت، أريدك أن تفتح عينيك جيِّدًا على كلِّ ما يدور حولك، وأن تستمع إلى كلِّ كلمةٍ تُقال هنا وهناك.
أحمد: سأفعل ذلك يا سيِّدي.
رقم «صفر»: وأُكرِّر ألا يعلم زملاؤك بما يحدُث الآن.
أحمد: لقد وعدتُ بذلك يا سيِّدي.
رقم «صفر»: وسأرسل لك خُطَط العمليَّات الخارجيَّة وكيف تتمُّ … وهو طبعًا على أكبر قدرٍ من السرِّيَّة.