ليلة ممطرة!
قادت «مادونا» «أحمد» إلى سُلَّمٍ في نهاية صالة الفيلا، يُؤدِّي إلى قاعةٍ صغيرةٍ؛ فتحتها بمِفتاحٍ خاصٍّ … وأضاءت النور، وشاهد «أحمد» على الجدران وفي الدواليب مجموعةً من أفضل أنواع الأسلحة.
قالت «مادونا»: كان أبي من هُواة جمع الأسلحة النادرة، وكان بطلًا في الرماية؛ وقد علَّمني الرماية!
أحمد: إذن أنت تُجيدين الرماية؟
مادونا: نعم … وأنا عضوٌ في نادي «إنترناسیونالي»!
أحمد: إنَّ هذا سيُساعدنا كثيرًا!
مادونا: ماذا تقصد؟!
أحمد: لا أدري … ولكن رادار الخطر عندي يُؤكِّد أنَّ ثمَّة شيئًا سيحدث الليلة!
وأخذ «أحمد» يتأمَّل ويتفحَّص بإعجابٍ مجموعة أسلحة «جياکومو»، وكانت تضمُّ مجموعةً رائعةً من المُسدَّسات القديمة والحديثة، وبنادق الخرطوش، وبنادق الرصاص، وبنادق آلية.
وقال «أحمد»: أيُّ الأسلحة تُجيدين استخدامها؟
مادونا: الأسلحة الخفيفة … المُسدَّسات.
أحمد: اختاري واحدًا يُناسبك.
مادونا: إنَّني أُفضِّل «سميث أندويسون»؛ فهو صغيرٌ وقويٌّ، ودقيقٌ في نفس الوقت!
أحمد: إنَّه النوع المُستخدَم في حماية رؤساء الدول، وهو فعلًا مُسدَّسٌ ممتازٌ!
واختار «أحمد» مُسدَّسًا من نفس النوع، وبندقيَّةً آليَّةً مُركَّبًا عليها «تلسكوب» … ثمَّ خرجا.
عادا إلى الصالة، ودقَّ جرس التليفون، وأسرعت «مادونا» إليه … كان المُتحدِّث مسئول العمليَّات في «أوروبا»، وكان يطلب الحديث إلى «أحمد».
الرجل: أما زلت هناك؟!
أحمد: لقد تفضَّلَت زوجة «جیاکومو» ودعتني للعشاء.
قال «الرجل»: إنَّ مُهِمَّتك في منزل جیاکومو قد انتهت، وعليك أن تذهب الآن إلى فندق «بساريا»؛ فقد حجزنا لك غرفةً هناك … وستجد في انتظارك مظروفًا به تعليماتٌ من المقرِّ الرئيسيِّ.
أحمد: سأذهب فورًا.
الرجل: اتَّصِل بي من الفندق.
أحمد: سأفعل.
التفت «أحمد» إلى «مادونا»، وشاهد على وجهها علامات قلقٍ … لقد فهِمَت من المحادثة أنَّ عليه أن يُغادر المنزل.
قالت «مادونا» له: طلبوا منك مغادرة منزلنا؟!
أحمد: نعم … إنَّ مُهِمَّتي عندكم قد انتهت!
مادونا: ولكنَّك وعدتَ بالبقاء!
أحمد: «مادونا» … القضيَّة خطيرةٌ جدًّا كما تعلمين … هناك خائنٌ في المُنظَّمة، ومُهِمَّتي هي البحث عن هذا الرجل.
مادونا: ولكنَّك وعدت ألا تذهب في هذا الجوِّ العاصِف!
أحمد: سأذهب وأعود … هل في إمكانك أن تسهري قليلًا؟
مادونا: إنَّني أسهر كثيرًا.
أشار «أحمد» إلى نافذة الصالة، وقال: اجلسي بجوار هذه النافذة … ولكن أطفئي الأنوار أوَّلًا، وليكن معك مُسدَّسك.
وسكت لحظاتٍ، ثمَّ قال: هل تثقين في الطبَّاخ؟
مادونا: طبعًا؛ إنَّه أحد رجال والدي المُخلِصين!
أحمد: ليجلس بجوار الباب، وليكن معه مدفعٌ سريع الطلقات! هل سيَّارتكم جاهزةٌ؟
مادونا: عندنا ثلاث سيَّاراتٍ.
أحمد: أسرَعُها؟
مادونا: فيراري.
أحمد: هل عندك المفاتيح؟
مادونا: لماذا؟
أحمد: سأذهب بسرعةٍ إلى الفندق، ثمَّ أعود … ولكنِّي أريد الدخول بحيث لا يراني أحد.
مادونا: هناك بابٌ في سور الحديقة الخلفيِّ لا يعرفه إلا نحن؛ إنَّه مُغطًّى بالحشائش والنباتات، تستطيع أن تدخل منه.
أحمد: وكيف أتعرَّف عليه؟
مادونا: ستجد تمثالًا لصبيٍّ صغيرٍ على السور … الباب تحت هذا الصبيِّ تمامًا!
أحمد: عظیم!
أحضرت «مادونا» مفاتيح السيارة … وقال «أحمد» — وهو يُودِّعها: أین فندق «بساريا»؟
مادونا: ليس بعيدًا عن هنا … خذ طريق الكورنيش يمينًا، حتى تجد حديقةً في وسَط الشارع؛ دُر حولها، ثمَّ ادخل في أوَّل شارعٍ إلى اليسار — اسمه شارع «كباريللي»؛ ستجد الفندق في أوَّله.
أحمد: سأعود سريعًا.
ودَّعته «مادونا»، وخرج «أحمد» إلى الحديقة … كانت السماء تمطر بغزارةٍ، وكلُّ شيءٍ ملفوفًا بالضباب الرماديِّ … ودخل الجراج، ووجد السيارة الفيراري الصفراء، وقفز إليها، ووضع مُسدَّسه إلى جواره، وأدار المُحرِّك لحظاتٍ للتسخين، ثمَّ انطلق من الجراج مُسرعًا … وكانت الشوارع شبه خاليةٍ من المارَّة، وأضواء فوانيس الشوارع شاحبةً … وحسب تعليمات «مادونا»؛ أخذ طريق الكورنيش مُسرعًا، ولكن بحذَرٍ — خوفًا من الانزلاق — حتى وصل إلى الميدان، ثمَّ انحرف إلى أوَّل شارعٍ إلى اليسار؛ شارع «كباريللي» كما قالت «مادونا».
وشاهد لافتة فندق «بساريا» في ضباب المطر، واتَّجه إليه … وركن السيارة، واستعدَّ للنزول، عندما سمع أزيز طلقةٍ من بندقيَّةٍ كاتمةٍ للصوت … ألقى بنفسه في دوَّاسة السيَّارة، وحطَّمَت الطلقة زجاج السيَّارة في صوتٍ مكتومٍ غطَّى عليه صوت الرياح والمطر … انطلقت ثلاث رصاصاتٍ أخرى، وظلَّ قابعًا في مكانه، وأدرك أنَّ هناك من يتبعه!
رفع رأسه تدريجيًّا ينظر إلى الرصيف المقابل … وبلمحةٍ من طرف عينه، رأی السيَّارة تقف على الجانب الآخر، وشاهد ثلاثة رءوسٍ في السيَّارة، ولكنَّه لم يستطع أن يعرف من أين تأتي الطلقات!
فتح الباب، وتسلَّل إلى جانب الرصيف، ثمَّ انطلق يعدو إلى باب الفندق … كان كلُّ شيءٍ هادئًا ودافئًا في فندق «بساريا»، وكان موظَّف الاستقبال يجلس في مكانه يتصفَّح إحدى المجلات … اقترب منه «أحمد»، وسأل: سنيور … هل هناك غرفةٌ باسم «لويجي باريللي»؟
نظر موظَّف الاستقبال إلى دفتره، ثمَّ قال: نعم يا سيِّدي؛ هناك غرفةٌ محجوزةٌ باسم السنيور «باريللي».
وفي هذه اللحظة، دقَّ جرس التليفون، ورفع موظَّف الاستقبال السمَّاعة، ثمَّ قال: إنَّه تليفونٌ لك يا سنيور «باريللي»!
كان المُتحدِّث رئيس مجموعة العملاء في «أوروبا»، وكان يطمئنُّ على وصول «أحمد» إلى الفندق سالمًا!