«مادونا» … أم التعليمات؟!
تسلَّم «أحمد» مِفتاح غرفته، والمظروف الذي به التعليمات من رقم «صفر»، ثمَّ صعِد إلى غرفته، وفتح المظروف … كانت التعليمات واضحةً وصريحةً: «من رقم «صفر» إلى رقم «١»: عليك أن تتبع تعليمات مستر «بليك» رئيس المجموعة الأوروبيَّة … إنَّ عصابة «الخنجر الأسود» تعلم أوَّلًا بأوَّلٍ مُخطَّطاتنا، وأنت الآن في موقفٍ خطيرٍ، وتستطيع أن تترك كلَّ شيءٍ وتعود.»
أحسَّ «أحمد» بالدِّماء تغلي في عروقه؛ فكلُّ شيءٍ في يد الخائن … يعرف التعليمات، يقتل الرجال، ولا أحد يستطيع أن يتصدَّى له!
رفع «أحمد» سماعة التليفون، وطلب مستر «بليك» رئيس المجموعة الأوروبية، وروى له كلَّ ما حدث منذ وصوله إلى «نابولي». استمع مستر «بليك» إلى حديث «أحمد»، ثمَّ قال: لا تُغادر غرفتك، أغلق الأبواب جيِّدًا … لا تعُد إلى منزل جیاکومو مرَّةً أخرى؛ فالمنزل مُراقَبٌ كما هو واضحٌ!
أحمد: ولكن يا مستر «بليك» …
بليك: عليك أن تتبع تعليماتي بدِقَّةٍ … إنَّك مسئولٌ منِّي، وأيُّ شرٍّ يُصيبك أُحاسَب عليه!
أحمد: متى أُغادر هذا المكان؟
بليك: سأتَّصل بك في السابعة صباحًا … وكن مُستعِدًّا لمغادرة الفندق.
أحمد: سأكون جاهزًا.
وضع «أحمد» السمَّاعة، ثمَّ قفز إلى جوار النافذة، وأزاح السِّتار بحذرٍ، ونظر إلى الشارع … كانت السيَّارة التي تُطارده ما زالت واقفةً تحت المطر!
ذهب «أحمد» إلى الشُّرفة في الناحية الأخرى؛ وجدها تُطِلُّ على زقاقٍ شبه مظلمٍ … نظر إلى أسفل؛ كان في الدور الرابع، وكانت السلالم الخلفيَّة للفندق تبعد عنه بنحو مترَين. لم يتردَّد «أحمد» لحظةً واحدةً … وضع مُسدَّسه في حزامه، ثمَّ تسلَّق سور الشُّرفة، واستجمع نفسه، وحبس أنفاسه، ثمَّ قفز … كانت السلالم الحديديَّة زَلقةً بسبب المطر، وعندما طار في الهواء وأمسك بسور السُّلَّم، انزلقت يدُه اليمنى، ولكن يده اليسرى أمسكت بالعارضة الحديديَّة … كانت لحظات قاسيَّة وخطِرة. وظلَّ «أحمد» يتأرجح لحظاتٍ تحت المطر، ثمَّ استجمع قوَّة ذراعه اليسرى كلَّها، ورفع نفسه تدريجيًّا، حتى استطاع أن يُمسك العارضة بيده اليُمنى … وتأرجح لحظاتٍ في الهواء، ثمَّ أخذ يجذب جسده تدريجيًّا إلى فوق، حتى وصل إلى السُّلَّم … صعِد إليه، وأخذ ينزل سريعًا حتى وصل إلى الأرض … سار مُسرعًا إلى الجهة الأخرى، ونظر إلى غرفته؛ كانت ما زالت مُضاءةً لتضليل المنتظرين … وطاف بخاطره أنه يُخالف تعليمات رقم «صفر» ومستر «بليك» … ولكن إحساسه أنَّ «مادونا» في خطرٍ طغی على كلِّ إحساسٍ آخر!
سار مُسرِعًا في اتِّجاه الكورنيش، وشاهد ملهًى ليليًّا تقف أمامه السيَّارات والتاكسيَّات … وأسرع يستقلُّ أحد التاكسيَّات، وأعطى للرجل العنوان … دقائق قليلة، ووجد نفسه قريبًا جدًّا من فيلا «جیاکومو» … طلب من السائق إنزاله من السيَّارة، ثمَّ دار دورةً واسعةً حول الفيلَّا … وأحسَّ بالخطر، وهو يقترب من الحديقة ليدخُل من الباب الخلفيِّ … انزوی بجوار شجرةٍ ضخمةٍ، ونظر إلى السُّور، كان هناك شبحُ رجلٍ يسير فوق السور مُتَّجهًا إلى الفيلا؛ حيث ينتهي السور عند الجانب الغربيِّ منها، وأدرك على الفور أنَّ الرجل يريد دخول الفيلا عن طريق نافذةٍ قريبةٍ من السور … سار «أحمد» مُحاذِرًا، حتى اقترب من مكان الرجل، ثمَّ أخرج المُسدَّس الذي أخذه من «مادونا»، ووضع عليه كاتم الصوت، ثمَّ رفعه في هدوءٍ، وأطلق على ساق الرجل طلقةً واحدةً … وسمع صيحةً في الظلام ضاعت في جَلَبَة الرياح، ثمَّ هوی الرجل من فوق السور، وسمع «أحمد» صوتًا مكتومًا عندما ارتطم جسم الرجل بالأرض.
سمع «أحمد» صوتًا قريبًا يصيح: ماريو … ماريو!
وعلى صدى الصوت، أطلق «أحمد» رصاصته، وسمع آهةً عاليةً.
ربض «أحمد» في مكانه يستمع؛ لم يكن هناك سوى زمجرة الريح، وصوت طَرقات المطر الغزير … سار مُحاذِرًا، وفجأةً أحسَّ بذراعٍ تمتدُّ في الظلام، وصوت يقول — في خشونةٍ: قف مكانك!
لم يُضِع «أحمد» ثانيةً واحدةً … ألقى بنفسه على الأرض، وجذب ساق الرجل بعنفٍ، فاختلَّ توازُنُه، ولكن الرجل استند على السور، وانقضَّ على «أحمد» … وأحسَّ «أحمد» أنَّه يُصارع غوريلَّا وليس رجلًا؛ فقد كان الرجل ضخمًا وقويًّا … وأضاء البرق المكان، فشاهد وجهًا قبيحًا يُشبه الغوريلَّا فعلًا، ونظراتٍ قاسيةً، وبندقيَّةً في يد الرجل … وألقى الرجل بالبندقية، وأمسك بذراع «أحمد» التي بها المُسدَّس، وأخذ يلويها بعنفٍ ووحشيَّةٍ، وأحسَّ «أحمد» أنَّ عظامه تكاد أن تتكسَّر، ولجأ إلى حيلةٍ، وهي الضرب بالرُّوسيَّة … قفز بكلِّ قوَّته، وأطلق رأسه كالقذيفة إلى الرجل … وتراخت قبضة العملاق لحظاتٍ كانت كافيةً لكي يُفلت «أحمد» من اليد الحديديَّة … واستدار ووجَّه للرجل المُترنِّح ضربةً قويَّةً، فاختلَّ توازن الرجل، ثمَّ سقط على الأرض كأنَّه مَنزِلٌ ينهار!
أسرع «أحمد» إلى باب الحديقة تحت التمثال، ودخل منه، واتَّجه إلى الباب الخلفيِّ للمنزل … دقَّ الجرس وانتظر، ولكنَّ أحدًا لم يردَّ … أحسَّ بشيءٍ من التوتُّر. دقَّ الجرس مرَّةً أخرى، ولكنَّ أحدًا لم يردَّ … هل نامت «مادونا»، ونام الحارس؟ إنَّه لم يَغِبْ طويلًا، وقد وعدته «مادونا» بأن تنتظره … دار حول الفيلَّا؛ دُهِش عندما وجد إحدی النوافذ مفتوحةً! اجتاز النافذة إلى الداخل بحذرٍ شديدٍ، ومشی مُحاذرًا في الظلام … حدَّدَ موضع باب الغرفة، وبحذرٍ شديدٍ فتحه؛ وجد دِهلِيزًا، وعرف أنَّه يُؤدِّي إلى الصالة … اتَّجه على أطراف أصابعه. وسمع صوتًا يتحدَّث؛ لم يكن صوت «مادونا» ولا الحارس، ونظر بحذرٍ … شاهد رجلًا غريبًا يُمسِك مُسدَّسًا بيده ويتحدَّث تليفونيًّا، وعلى أحد المقاعد كانت «مادونا» جالسةً، وقد بدت مُرهقةً … لم يُرِدْ «أحمد» أن يُطلق رصاصةً من مُسدَّسه؛ حتی لا يُزعج السيِّدة المريضة … وأخذ يبحث عن أزرار الإضاءة، ولحُسن الحظِّ وجدَها بجواره، ومدَّ يده وأطفأ النور … وفي ثلاث قفزاتٍ سريعةٍ كان بجوار الرجل؛ وجَّه إليه ضربةً قويَّةً، ثمَّ قال — بصوتٍ مرحٍ: «مادونا» أنا «أحمد»!