مَن هو الخائن؟
أضاء «أحمد» النور، ونظر إلى «مادونا»، ووجدها مكانها وعلى شفتَيها ابتسامة.
أحمد: ماذا حدث؟!
مادونا: تسلَّل هذا الرجل من نافذةٍ في الطابق الأرضيِّ، وفاجأ الحارس، وأحسستُ بحركةٍ ما … خرجتُ لأرى ما حدث، وكان معي المُسدَّس، ولكن للأسف … لقد نسيتُ أن أحشوَه بالرصاص!
ضحك «أحمد»، وقال: إنَّها ليست مهنتك على كلِّ حالٍ!
مادونا: كان الرجل يتحدَّث مع شخصٍ ما … لقد كان في انتظار ثلاثة رجالٍ لمساعدته في تفتيش الفيلَّا؛ للوصول إلى مُستنداتٍ ومذكِّراتٍ وتسجيلاتٍ هامَّةٍ، ولكن الرجال الثلاثة لم يحضروا، ولعلَّهم في الطريق الآن!
ابتسم «أحمد»، وقال: في الحقيقة إنَّهم ليسوا في الطريق، إنَّهم نائمون في الحديقة يأكلون أرزًا مع الملائكة!
مادونا: هل تخلَّصتَ منهم؟!
أحمد: نعم.
مادونا: وحدك؟!
أحمد: كان الله معي؛ لأنَّه مع الحقِّ.
مادونا: هذا شيءٌ مُدهِشٌ!
أحمد: ساعديني على شدِّ وَثاق هذا الرجل؛ فسوف يستيقظ بعد قليلٍ، وسوف أُفتِّشه أوَّلًا!
قام «أحمد» بتفتيش الرجل؛ كان معه جواز سفرٍ إنجليزيٌّ، وأجندةٌ للمذكِّرات والتليفونات، ومبلغٌ ضخمٌ من المال من عملاتٍ مختلفةٍ … وأحضرت «مادونا» حبلًا شدَّ به «أحمد» وَثاق الرجل شدًّا مُحكَمًا، ثمَّ طلب من «مادونا» أن تُساعده على سحبه إلى المطبخ.
قالت «مادونا» — مُستنكِرةً: المطبخ! هل أنت من أكَلة لحوم البشر؟!
أحمد: إنَّه ليس بشرًا؛ إنَّه خنزيرٌ … وفي ديننا نحن ممنوعون من أكل الخنازير!
ضحكت «مادونا»، وقالت: إنَّك شابٌّ مُدهِشٌ!
أحسَّ «أحمد» بقلبه يخفق، ولكنَّه أمسك الرجل من ذراعَيه، وسحبه على الأرض حتى المطبخ … وطلب من «مادونا» زجاجةً من الماء المُثلج، وسكب الماء على وجه الرجل الذي أخذ نفَسًا عميقًا ثمَّ فتح عينيه!
قال «أحمد»: من الأفضل لك أن تُجيب عن أسئلتي … الوقت ضيِّقٌ، ومُسدَّسي محشوٌّ.
لم يردَّ الرجل؛ إمَّا لأنَّ الضربة ما زالت تُؤثِّر عليه، وإمَّا أنَّه لم يُصدِّق أنَّ هذا الشابَّ هو الذي ضربه وقيَّده ويُريد استجوابه!
عاد «أحمد» يقول: من الأفضل لك أن تتكلَّم.
ولكن الرجل أطلق آهةً شديدةً … ولدهشة «أحمد»، شاهد خيطًا من الدِّماء تحت رأسه … ولم يُصدِّق «أحمد» عينَيه! فهو لم يضربه إلا ضربةً واحدةً … وأسرع يتحسَّسُ رأس الرجل، وعرف السبب على الفور؛ كانت في رأس الرجل آثار عمليَّة بلاستيك، وعندما سقط على الأرض تأثَّرَت العمليَّة … وأغلق الرجل عينَيه، وراح في سُباتٍ عميقٍ!
أسرع «أحمد» إلى الصالة ومعه «مادونا»؛ أخذ يُفتِّش في دفتر مذكِّرات الرجل، وفي أرقام التليفونات، واستوقفه أكثر من رقمٍ … ثمَّ التفت إلى «مادونا»، وقال: اطلُبي البوليس الآن … قولي لهم إنَّ أربعة رجالٍ هاجموا الفيلَّا، وإنَّ صراعًا دار بينهم وبين آخرين، وانتهى بهزيمتهم!
مادونا: كيف أشكرك؟
أحمد: أين الحارس؟
مادونا: لقد نسيته تمامًا!
أسرع إلى الباب … كان الحارس مُمَدَّدًا على الأرض، وأسرع «أحمد» يبحث عن إصابته، ولكنَّه لم يجد شيئًا سوی ورمٍ في رأسه، فقال: إنَّه ليس مُصابًا؛ لقد ضُرب على رأسه فقط … المسألة بسيطة.
مادونا: وأين ستذهب؟
أحمد: لا بُدَّ أن أعود إلى فندق «بساريا» فورًا؛ إنَّ هذه هي الأوامر.
مادونا: خذ حذرك!
أحمد: هل تعرفين مكان المُستندات التي كان يحتفظ بها والدك؟
مادونا: طبعًا؛ إنَّها في خزانةٍ سرِّيَّةٍ لا يعرف مكانها أحدٌ إلا أنا!
أحمد: هل عندك مانعٌ من أن أطَّلِع عليها؟
مادونا: خُذها؛ إنَّها مصدرُ خطرٍ علينا.
أحمد: شكرًا لك!
شدَّ كلٌّ منهما على قبضة الآخر، وانطلق «أحمد» مرَّةً أخرى إلى الشارع؛ حيث وجد سيَّارة الرجال الأربعة وبها مفاتيحها، فلم يتردَّد … قفز فيها، وقادها حتى الميدان، ثمَّ نزل منها، وسار حتى وصل إلى الشارع الخلفيِّ للفندق، ونظر إلى الرصيف الآخر … لم يكن هناك أثرٌ للسيَّارة التي كانت تتبعه، فدخل الفندق من الباب … كان موظَّف الاستقبال جالسًا في مكانه، ولكنَّه كان مُستسلِمًا للنوم؛ فقد كانت الساعة قد تجاوزت الثانية صباحًا!
صعِد «أحمد» إلى غرفته، وبعد أن اغتسل، قفز إلى فراشه، وأغمض عينيه … وتذكَّر «مادونا» قبل أن يستسلم لنومٍ عمیقٍ.
استيقظ على رنين جرس التليفون … كان المُتحدِّث هو «بليك»؛ سأل «أحمد»: هل نِمتَ جيِّدًا؟
أحمد: نعم.
بليك: إنَّك ستركب أوَّل طائرةٍ تُغادر «نابولي» إلى «روما» … في المطار سيستقبلك أحد رجالي؛ إنَّه يُدعى «مارك» … ستعرفه لأنَّه يضع وردةً حمراء في عُروَة الجاكت، وسيرتدي حُلَّةً رماديَّةً، وقميصًا أزرق، وربطةَ عُنُقٍ حمراء.
أحمد: متى تُغادر الطائرة «نابولي» إلى «روما»؟
بليك: في التاسعة والنصف … لقد حجزنا لك التذكرة، وما عليك إلا الذهاب إلى هناك!
أحمد: سأكون هناك في الموعد.
تناول «أحمد» إفطارًا خفيفًا، ثمَّ اتَّصل ﺑ «مادونا» تليفونيًّا، وقد ردَّت على الفور.
أحمد: آسفٌ لإيقاظك مُبكِّرًا!
مادونا: لقد استيقظتُ منذ ساعة.
أحمد: إنَّني مسافرٌ الآن إلى «روما»، ولا أعرف ما هي خُطَط الزعيم المُقبِلة.
مادونا: اتَّصِل بي عندما تعرف.
أحمد: سأفعل.
مادونا: تشاو.
أحمد: تشاو.
وصل إلى المطار مُبكِّرًا، وأسرع إلى التليفون، وطلب رقمًا في القاهرة، وتحدَّث إلى عميل رقم «صفر».
قال له: أرسِلْ برقيَّةً سرِّيَّةً جدًّا إلى رقم «صفر»، وقُلْ له إنَّني اتَّصلت بك، وفي طريقي إلى «روما» … قل له إنَّني حدَّدتُ شخصيَّة الخائن … اطلب منه ألا يُعلِم أحدًا بهذا، إلا هو وأنت وأنا؛ وإلا تعرَّضَت حیاتي للخطر!