الشياطين و… امتحان الذكاء!
جلس «أحمد» أمام جهاز التليفزيون يشاهد نشرة الأخبار التي كانت مزدحمة بأنباء القتال في عدة أماكن متفرِّقة من أنحاء العالم في «أفريقيا» و«آسيا» و«أمريكا الجنوبية». أخذ يفكِّر ويتساءل بينه وبين نفسه: هل يمكن أن تكون هذه الحروب طبيعية؟! وهل فقد الإنسان عقله، حتى يجعل من حياته نوعًا من الجحيم! انتهت نشرة الأخبار، ثم جاء التعليق عليها، وكان موضوعه عن الأموال الطائلة التي تنفقها حكومات تلك الدول على التسليح والجيوش. وقال المعلِّق: إن ما تُنفقه هذه الدول في تسليح جيوشها يمكن أن يسدِّد كل ديون الدول المدينة. ويطعم كل الجوعى. ويقدِّم عملًا لكل عاطل. في النهاية. إن ما تُنفقه الدول على التسليح يمكن أن يجعل الحياة أكثر راحة، وأكثر رخاء مما يجعل العالم يعيش في سلام …
مرَّة أخرى تساءل: إذا كان الإنسان يعرف هذه الحقيقة فلمَ لا يحقق السلام؟ ويحقق الرخاء والأمان؟!
وظلَّ «أحمد» يناقش هذه القضية بينه وبين نفسه، شاردًا يفكِّر في هذه الأمور، لكن فجأةً أضاءت لمبة حمراء في جهاز التليفون القريب منه فضغط زرًّا. وسمع صوت «خالد» يقول: هل تشاهد نشرة الأخبار.
ابتسم «أحمد» وأجاب: أظنك تفكِّر فيما فكَّرت فيه.
قال «خالد»: إنها قضية غريبة. وتبدو كلغز هائل.
أجاب «أحمد»: إنها لغز هائل بالتأكيد. لكن لكلِّ لغز حل. وأظن أننا نعرف أن هناك تجَّارًا للحروب، يستفيدون من كل ذلك. فهذه الأموال الطائلة تصبُّ في النهاية عندهم، وتتحوَّل إلى أرصدة ضخمة في البنوك تُضاف إلى ثرواتهم.
قال «خالد»: أعرف. لكن، ماذا بعد ذلك؟ ماذا بعد تحقيق هذه الأرصدة الهائلة في البنوك؟ أعتقد أن أحدهم لن يأكل أكثر من طاقته، ولن يشرب أكثر، ولن يلبس أكثر مما يحتاج، وكل هذه الأموال لا تحقِّق شيئًا.
ابتسم «أحمد»، ثم قال بعد لحظة: أنت تتحدَّث عن الملائكة يا عزيزي «خالد».
رد «خالد»: لا، الملائكة لا تأكل يا عزيزي «أحمد».
قال «أحمد»: إذَن هو الإنسان، بكل أخطائه، وطمعه وخوفه، ورغبته في السيطرة والامتلاك.
مرَّت لحظة قبل أن يقول «خالد»: إنه لغز الإنسان مرة أخرى.
ضحك «أحمد» وقال: نعم. إنه اللغز، الإنسان هو ذلك اللغز.
لم يكمل كلامه. فقد ترددت علامة أخرى في أسفل شاشة التليفون، وجاء صوت «خالد» يقول: يبدو أننا أمام اجتماع مع رقم «صفر».
ابتسم «أحمد» وقال: كنت أنتظر ذلك! صمت «خالد» ولم يرد. فقال «أحمد»: هل أنهيت المكالمة.
رد «خالد»: كنت أفكِّر ما دمت كنت في انتظار اجتماع. فهل لديك شيء جديد.
ضحك «أحمد» وهو يقول: ليس شيئًا محدَّدًا، إنه فقط مجرَّد إحساس.
ضحك «خالد» هو الآخَر وقال: آه من إحساسك الذي لا يخطئ أبدًا يومًا ما.
قال «أحمد»: إنها التجربة يا عزيزي «خالد».
مرة أخرى تردَّدت علامة أخرى، فجاء صوت «خالد» يقول: إنه اجتماع سريع. فهيا بنا … إلى اللقاء.
ضغط «أحمد» زرَّ التليفون مرة أخرى. فاختفت اللمبة الحمراء. شرد «أحمد» لحظةً ثم قال لنفسه: هل يكون هذا الاجتماع كما فكرت! ثم وقف وهو ينصرف ويهمس لنفسه: سوف نرى.
عندما دخل قاعة الاجتماعات، كان الشياطين قد سبقوه إلى هناك. وأخذ كلٌّ منهم مكانه. ألقى عليهم التحية، فابتسم «خالد» وهو يقول: لعل «أحمد» يطفئ ظمأنا، ويكشف لنا شيئًا مما يفكِّر فيه.
ابتسم «أحمد» وهو يأخذ مكانه، دون أن يرد. بينما قالت «إلهام»: «أحمد» دائمًا لا يكشف عمَّا يفكِّر فيه إلا في الوقت المناسب.
فجأةً، انسحب ضوء القاعة، وأصبح خافتًا، ثم ظهرت الخريطة الإلكترونية وتحدَّدت على الخريطة تفاصيل «الاتحاد السوفييتي» القديم، قبل أن يتفكَّك. ابتسم «أحمد» ابتسامةً غامضة كشفَتْها «إلهام» فابتسمت هي الأخرى. فجأةً، ظهرت صورة انفجار على شاشة الخريطة، ثم ظهرت حدود الجمهوريات الجديدة بعد تفكُّك «الاتحاد السوفييتي».
قالت «إلهام» بسرعة: إننا أمام مغامرة جديدة تمامًا. وأستطيع أن أتكهَّن ببعض التفاصيل.
ابتسم «خالد» وقال: يبدو أن «أحمد» كان محقًّا عندما قال إن هناك فارقًا حقيقيًّا بين الإنسان والملائكة.
لم يفهم بقية الشياطين شيئًا من كلمات «خالد» التي كانت جزءًا من الحوار الذي دار بينه وبين «أحمد» في التليفون. أما «أحمد» الذي ابتسم ابتسامة عريضة فقد قال: إن قليلًا من الصبر سوف يكشف أمامكم كل شيء.
فجأة جاء صوت رقم «صفر» يقول: لا بأس من هذا الحماس. وأنا أعرف لو أنكم فكَّرتم قليلًا، فسوف تصلون إلى طبيعة المغامرة. فأنا أعرف ذكاءكم. وأيضًا أعرف قدرتكم على الوصول إلى كَشْف الأشياء الغامضة.
صمت لحظةً ثم قال: سوف أعتبر كشف هذه المغامرة جزءًا من تمارين الذكاء التي تمارسونها وسوف أعطيكم فرصة.
انتظرَ لحظة. ثم أضاف: لديكم الآن فرصة نصف ساعة فقط، حتى تكشفوا المغامرة التي نحن بصددها.
كان الشياطين يسمعون كلمات رقم «صفر» في اهتمام. وعندما صمت، قال «عثمان»: أعتقد أن كشف هذه المغامرة لا يحتاج إلى عناء. إن المسألة في نظري، هي مجرَّد ترتيب للأولويات والأحداث التي نعاصرها اليوم.
قال «قيس»: إذَن، هيا بنا نبدأ الترتيب!
قال «عثمان»: لا بأس، الترتيب يبدأ أولًا من الخريطة التي أمامنا. لقد حددت شيئَين هامَّين هما «الاتحاد السوفييتي» القديم، و«الاتحاد السوفييتي» الجديد.
ثم ابتسم وأضاف: وهو لم يعُد اتحادًا طبعًا، إنما ما يسمونه الآن، دول «الكومنولث». أو الدول المستقلة التي يجمعها اتفاق.
قالت «إلهام»: ثم ماذا؟!
قال «عثمان»: تبعًا لترتيب الأولويات فإن المغامرة تتعلق بدول «الكومنولث».
ثم نظر إلى «أحمد» وسأل: أليس كذلك؟!
ابتسم «أحمد» وقال: إنني أستمع، فأنا مثلك أحاول ترتيب الأولويات.
دخل «بو عمير» في الحديث قائلًا: دعني أشترك معك في الترتيب.
مرَّت لحظة قصيرة. ثم قال: إن أهم ما حدث بعد ذلك تفكك «الاتحاد السوفييتي» القديم، هو وضع القوات المسلحة.
قال «عثمان»: هذا حقيقي.
أضاف «بو عمير»: لقد كانت هي القضية التي ثار حولها الجدل طويلًا. خصوصًا وأن الاتحاد القديم يملك ترسانة ضخمة من الأسلحة النووية، وأسرارها.
قال «فهد»: لقد وضعت يدك على قلب المشكلة.
أضاف «عثمان»: إننا نرتِّب الأولويات بطريقة جيدة تمامًا.
قال «بو عمير»: في الوقت الذي كانت فيه الأسلحة النووية مشكلة، كانت هناك دول، تريد أن تدخل «النادي النووي».
تساءلت «ريما»: ماذا تقصد؟
رد «بو عمير»: الدول الكبرى التي تمتلك أسلحة نووية تشكل ناديًا، لا ينضم إليه إلا مَن يمتلك هذه الأسلحة ولديه أيضًا ترسانة كبيرة منها.
صمت لحظة ثم أضاف: إن الصراعات التي تدور في العالم لا تنتهي. والقوة النووية تشكل أكبر القوى في عالمنا المعاصر. صحيح أن هذه القوة لا يمكن استخدامها لأنها تمثِّل كارثة. ولا تنسَ ما حدث في المفاعل النووي «السوفييتي» … «تشرنوبل»، فلا تزال أثاره مستمرة برغم مرور السنين، فما بالكم بالسلاح النووي ذاته؟!
كان الشياطين يتابعون الحوار الدائر باهتمام شديد. فقال «باسم»: دعوني أختصر لكم الطريق.
التفت إليه الجميع، في نفس اللحظة التي ابتسم فيها «أحمد»، في انتظار ذلك الاختصار الذي أشار إليه «باسم».
قال «باسم»: وسط كل ما حدث، هناك أسرار نووية، تساوي الكثير.
فجأةً، قطع صوت رقم «صفر» حوارهم وقال: لقد وصلتم فعلًا إلى طبيعة المغامرة. وهذه مسألة تُسعدني تمامًا، أن تصلوا بالحوار والفِكر إلى قلب المسألة بهذه السرعة.
توقَّف لحظة، ثم أضاف: إنني في الطريق إليكم. حتى أضع أمامكم كل تفاصيل الصورة.
أخذ صوت خطواته يقترب. في الوقت الذي كان الشياطين يشعرون بسعادة غامرة فقد نجحوا في امتحان الذكاء أمام الزعيم.