الحقيبة المعدنية!
عندما توقفت أقدام رقم «صفر» كان الشياطين قد استعدوا، إن حديث رقم «صفر» لن يستغرق الكثير، بعدها يمكن الانطلاق إلى حيث المغامرة هناك، كان الصمت يسود القاعة تمامًا، ولم يكن يلمع في ضوئها الخافت إلا تفاصيل الخريطة الإلكترونية.
قطع الصمت صوت الزعيم يقول: أنتم وضعتم يدكم على القضية الرئيسية في المغامرة. فأخطر ما حدث بعد تفكُّك «الاتحاد السوفييتي»، هو ترسانته المسلحة، وأنتم تعرفون أن سباقًا ضخمًا وصراعًا شديدًا. كان يقوم بين «الاتحاد السوفييتي» القديم و«الولايات المتحدة الأمريكية». وهما القوتان العظميان اللتان تُسيطران على العالم. كلُّ واحد في معسكره. «أمريكا» في المعسكر الرأسمالي. و«الاتحاد السوفييتي» في المعسكر الاشتراكي.
توقف رقم «صفر» قليلًا، ثم أضاف: إن الصراع بين القوتين العظميين، صراع قديم. كان طبيعيًّا أن يهزم أحدهما الآخَر. فلا يوجد صراع فقط لمجرَّد الصراع. إنما هو الرغبة في الانفراد بالهيمنة وفرد سلطته على العالم، وكانت خطة «أمريكا» … أن تفتح باب الصراع النووي؛ لأنها تعرف أن ذلك يجهد ميزانية «الاتحاد السوفييتي»، وهذا ما حدث بالفعل. ومنذ أن أعلن الرئيس «ريجان» برنامج «حرب النجوم» لقد اكتشف … «الاتحاد السوفييتي» أنه يدخل في سباق على حساب خطط التنمية فيه. وهذا يؤثر على حياة الشعب.
مرة أخرى، سكت الزعيم قليلًا. ثم عاد ليكمل شرح تطوُّر الصراع، حتى الوصول إلى تفاصيل مغامرة الشياطين. قال: وبدأت الرغبة تظهر في وقف هذا السباق بين القوتين العظميين وعندما جاء الرئيس الحالي «بوش»، والرئيس السابق للاتحاد السوفييتي «جورباتشوف»، وضعت الرغبة موضع التنفيذ، وتوقَّف سباق التسلُّح، بل إنه بدأ إعدام الصواريخ متوسطة المدى، كنوع في بناء الثقة بين الاثنين، ثم جاء تفكُّك «الاتحاد السوفييتي» إلى قومياته المتعدِّدة وظهرت دول مستقلة من داخله. مثل «روسيا» و«جورجيا» و«أوكرانيا» و«أوزبكستان» وغيرها ورغم استقلال هذه الدول ظلَّت القوات المسلحة القديمة كما هي. لكن، ظهرت هناك فوضى نووية في الاتحاد الجديد فهذه الدول الجديدة المستقلة، تريد ميزانيات لبناء اقتصادها الجديد أيضًا. وبدأ التفكير في بيع الأسرار النووية، التي تساوي الكثير. ﻓ «الاتحاد السوفييتي» القديم كان متقدِّمًا تمامًا في مجال السلاح النووي. هنا تدخَّل تجَّار السلاح، والذين لا يهمهم شيء في العالم إلا الربح، حتى ولو كان ذلك على حساب رفاهية الشعوب.
في نفس الوقت هناك عدة دول غنية لا تملك الأسرار النووية لكنها تملك المال اللازم لها. ولأن الاستعمار القديم عندما قسَّم العالم، ترك وراءه الكثير من المشاكل التي لم تحسم فقد جاء وقت حسمها، وبدأت الحروب بين الدول، في نفس الوقت، أيضًا بدأت هناك تكتُّلات عالمية جديدة تظهر على الساحة، وتريد أن تمتلك هذه القوة النووية. حتى تقف ندًّا جديدًا في الساحة العالمية.
صمت رقم «صفر» بينما كان الشياطين يتابعون هذا السرد التاريخي للمشكلة كلها. مرَّت دقيقتان ثم عاد ليكمل حديثه: إننا أمام قضية هامة لها أطراف عديدة. طرف يملك الأسرار النووية، وطرف يريد شراءها ويملك المال. ويصبح من الضروري أن يدخل مَن يقوم بدور الوسيط ليعقد هذه الصفقات. خصوصًا وأن القوى التي تريد امتلاك السر النووي تفعل ذلك سرًّا.
فجأةً سألت «زبيدة»: لكننا بعيدون عن هذا الصراع النووي.
جاء رد رقم «صفر» يقول: إن منطقتنا من المناطق الملتهبة في العالم، والقابلة دائمًا للانفجار، فهي تملك أكبر احتياطي بترول في العالم بالإضافة إلى إنها غنية بالمعادن، وبالأراضي الزراعية … وبسوق استهلاكي كبير. ومَن يسيطر عليها يربح الكثير وأنتم تعلمون طبعًا ما حدث في حرب الخليج واعتداء «العراق» على «الكويت» ولم تنسوا أيضًا الثماني سنوات التي ظلَّت الحرب خلالها مشتعلة بين «العراق» و«إيران» بجانب أن هناك صراعات في جنوب شرق آسيا، وهي منطقة ملاصقة لمنطقتنا تمامًا. أما تجار السلاح والحروب، فيهمهم أن يدخل السلاح النووي منطقتنا، لأن ذلك سيكون بداية مشاكل لا نهاية لها … لقد رسم الزعيم خلفية كاملة للصراع النووي … ورغم أن الشياطين كانوا يسمعون ذلك باهتمام … ولكنَّ المغامرة ذاتها لم تكُن قد تحدَّدَت بعد.
مرَّت فترة صمت قبل أن يقول الزعيم: والآن، تأتي مغامرتنا. إن هناك صفقة نووية سوف تتم، وسوف تنتقل بعض هذه الأسرار النووية من جمهورية «أوكرانيا» إلى الشرق الأوسط، وحتى نجنب منطقتنا من هذا الصراع الجديد، فإن علينا أن نوقف هذه الصفقة المدمِّرة. إن أمامنا عدوًّا عالميًّا. إنهم مجموعة من تجار الحروب «الأمريكان» و«الإنجليز» و«الفرنسيين» وهناك أطراف أخرى. هذه الأسرار النووية موجودة في حقيبة معدنية سرية، إن هذه طبعًا هي الخطوة الأولى. فهناك أشياء أخرى تابعة لا بد من الحصول عليها، حتى تتم صناعة القنابل النووية كالماء الثقيل وغيره. لكن شيئًا من هذا لن يتم، ما لم يتم الحصول على هذه الأسرار التي تمثل الخطوة الأولى في هذه الصناعة القاتلة. هناك مَن يمتلكون هذه الأسرار في دول أخرى، وهم مَن نسمِّيهم أعضاء «النادي النووي» وإنْ كنتُ أسمِّيه «نادي الشر» لكنهم يسيطرون على هذه الأسرار حتى لا تتسرب خارج بلادهم. وما حدث في «الاتحاد السوفييتي» القديم، هو بداية هذه الفوضى النووية، التي يمكن أن تدمر ليس منطقتنا فقط، لكن يمكن أن تدمر العالم كله. فأي مجنون يستطيع لو امتلك هذه القوى الجبارة، أن يُشعل حربًا، يكون فيها فناء العالم.
فجأةً سأل «مصباح»: هل تمَّت الصفقة.
أجاب الزعيم: نعم. ويبقى أن تصبح واقعًا، وأن تنتقل هذه الأسرار النووية من مكانها إلينا.
صمت الزعيم لحظة ثم أضاف: إن المجموعة التي ستخرج إلى المغامرة سوف تجد كل التفاصيل عنها عند عميلنا هناك، ذلك أن مجموعة من رجالنا يتابعون كلَّ ما يتم، بل إن واحدًا منهم اشترك في الصفقة فعلًا.
ظهرت الدهشة على وجوه الشياطين، فقال الزعيم: أعرف أن ذلك يُدهشكم، لكن كان لا بد أن نكون هناك، وأن نعرف أدقَّ التفاصيل عن هذه العملية الخطرة.
فجأةً لمع ضوء في طرف الخريطة، فقال رقم «صفر»: سوف أعود إليكم حالًا. هناك رسالة في الطريق.
أخذ صوت قدمَيه يبتعد حتى اختفى تمامًا.
قال «عثمان»: إنها مغامرة جديدة، فهذه أول مرة سوف نقوم بمغامرة في الاتحاد الجديد.
أضاف «فهد»: إنها مغامرة نووية.
ابتسم الشياطين لهذا التعليق، أما «أحمد» فقد كان مستغرقًا في التفكير، حتى إن «إلهام» داعبته قائلة: هل جاءت المغامرة كما فكَّرت؟!
ابتسم «أحمد» ابتسامة صغيرة وأجاب: كالعادة.
ولم يعلِّق بأكثر من هذه الكلمة. لكن «إلهام» عادت تقول: أنت تُخفي عنَّا الكثير يا عزيزي «أحمد».
ضحك «أحمد» ضحكة خافتة وعلَّق: وهل يخفى شيء على الشياطين.
تردَّد صوت أقدام رقم «صفر»، فاستعدَّ الشياطين، وعندما توقَّفت قدماه تمامًا قال: لقد حقق عميلنا في الصفقة انتصارًا هائلًا.
لم يستطع «عثمان» الانتظار فتساءل: كيف؟
قال الزعيم: سوف يقوم هو شخصيًّا بنقل الحقيبة السرية.
التقت أعين الشياطين. وتردَّدت تعليقات سريعة بينهم؛ فقد كان الخبر مثيرًا فعلًا.
فسألت «إلهام»: كيف.
قال رقم «صفر»: إن عملاءنا يعرفون تمامًا ما يريدون ويستطيعون تحقيقه.
قالت «ريما»: إذَن، لقد تحقَّقَت المغامرة.
رد الزعيم: طبعًا لم تتحقَّق. فليس معنى ذلك؛ أن يقوم أحد رجالنا بنقل الحقيبة أنها انتهت، فهناك عشرات العيون التي سوف تكون وراءه. ويمكن أن تتخلَّص منه في الوقت المناسب. أيضًا، إنه شيء خطير أن ينكشف أحد رجالنا فيعرف تجار الحروب أن رجالنا بينهم.
تساءل «بو عمير»: أظن أن الزعيم يقصد واحدًا من اثنين.
جاء صوت الزعيم يقول: هذه بداية جيدة … ما هما؟
قال «بو عمير»: إما خطف رجلنا بالحقيبة، أو خطف الحقيبة ذاتها.
قال رقم «صفر» في صوت به رنة ابتسامة: لن نقول خطف. ولكن نقول الحصول عليها. إن مهمتكم سوف تكون الحصول على هذه الحقيبة الهامة جدًّا. أما عميلنا، فيجب عدم التعرُّض له، أو إعطائه الفرصة للهرب، حتى يظل قادرًا على العمل بينهم.
سكت رقم «صفر» وانتظر أن يقول أحد الشياطين شيئًا. لكن أحدًا لم يتحدَّث.
فقال: أظن أن مهمتكم الآن أسهل، وقد تحدَّدت تمامًا.
ثم تدارك وقال: لا أقصد أسهل لأنها عملية بسيطة بالعكس، إنها عملية مُعقَّدة، لأنكم سوف تتعرَّضون لأعداء مختلفين. وربما في كل خطوة يظهر عدو آخر، في نفس الوقت لا بد من الحرص على سلامة عميلنا.
ثم سكت لحظة سريعة وأضاف: «أحمد» يعرف ذلك جيدًا.
ابتسم «أحمد» وقال: نعم أيها الزعيم.
قال رقم «صفر»: إذَن عليكم بالانطلاق الآن، فسوف يكون عميلنا في «أوكرانيا» بعد غد، وعليكم أن تكونوا هناك، لتتابعوا العملية من بدايتها.
وبعد لحظة أضاف: المجموعة سوف تعرفونها، وأنتم تجهِّزون أشياءكم.
ثم قال: أتمنى لكم التوفيق!
وأخذ صوت أقدامه يتباعد حتى اختفى، وكان على الشياطين أن يسرعوا استعدادًا لهذه المهمة الخطرة.