الوصول في الوقت المناسب!
كان الصمت الذي خيَّم على الطائرة مثيرًا جدًّا، قفز «أحمد» إلى خارج كابينة القيادة، تبعه «فهد». عندما وقف عند بداية مقاعد الطائرة، وقعت عيناه على منظر، لا يستطيع أن ينساه أبدًا. كان الركاب جميعًا يبكون في صمت. برغم أن أعماقه ابتسمت إلا أنه شعر بالأسى فهو يعرف يقينًا أنهم جميعًا كانوا ينتظرون النهاية، فجأةً كانت يدٌ تربت على كتف «أحمد» وعندما الْتَفتَ كان كابتن الطائرة يقف مبتسمًا، وقد امتلأت عيناه بالدموع، وفجأةً احتضن «أحمد» وهو يهمس: إنني مَدين لك بأكثر من عمري.
ربت «أحمد» على ظهره، في نفس الوقت كانت هناك أصوات حادة تأتي من الخارج استمع إليها «أحمد» ثم ابتسم، لقد فهم أن كابتن برج المراقبة هو الذي يتحدَّث وعندما فتح باب الطائرة ظهر الكابتن فعلًا في ملابسه الرسمية وهو يصيح: أين هذا العبقري المجنون.
تقدَّم منه كابتن الطائرة، يحاول أن يرسم ابتسامة على وجهه وقال: هذا هو البطل الذي أنقذنا.
وأشار إلى «أحمد» في إعزاز، تقدَّم كابتن برج المراقبة من «أحمد» وهو يُخفي ابتسامة، وقال: أنت جعلتني أكاد انفجر غيظًا.
ثم مدَّ يده يشد على يد «أحمد» ويُضيف: نعم كدتُ أن أنفجر لكن الآن سوف أنفجر من السعادة.
ثم ضحك وأكمل: إن ما فعلتَه لا يستطيع أحد أن يُقْدِم عليه أبدًا.
انتظرَ لحظة وهو يربت على كتف «أحمد»: لقد أثبتَّ أنك مغامر عظيم.
وفي لحظة كان الركاب يغادرون الطائرة، فقد قرَّر طاقم المهندسين الذين كشفوا على الطائرة، أنها تحتاج لاستبدال الجناح. في نفس الوقت قرروا أنها معجزة، فقد كان الجناح على وشك الانفصال عن جسم الطائرة. واجتمع الشياطين حول «أحمد» وهم سُعداء به، بينما كانت سيارات الأتوبيس تقترب لتنقل الركاب إلى طائرة أخرى، ولم تمضِ ربع ساعة إلا وكانت الطائرة الجديدة تأخذ مسارها في الفضاء. فجأةً، جاء صوت مذيع الطائرة، يرحِّب بالركاب ويقدِّم الشكر ﻟ «أحمد»، ثم أعلن أن طاقم الطائرة، سوف يحتفل بالبطل على طريقته الخاصة، ولم يمضِ وقت حتى كان كابتن الطائرة يقف أمام «أحمد» وهو يدعوه إلى كابينة القيادة. قال «أحمد»: أرجو أن تأذن لي في اصطحاب زملائي.
قال الكابتن: إن ذلك يُسعدنا فعلًا.
تقدَّم الشياطين إلى كابينة القيادة، حيث كانت هناك «تورتة» رائعة في انتظارهم مع أكواب العصير. تم الاحتفال الظريف بالشياطين، بعدها استأذن «أحمد» في العودة، فهو في حاجة إلى الراحة، وعندما ألقى نفسه في مقعده كان يشعر بالرغبة في النوم، فقد كانت الساعات الطويلة التي مرَّ بها في المغامرة قد أجهدته عصبيًّا تمامًا، ولذلك استغرق في النوم مباشرة، ولم يستيقظ إلا عندما كان كابتن الطائرة يهزه في رفق، ليخبره أنهم يقتربون من «موسكو». ابتسم «أحمد» وتمطَّى، وكأنه يستجمع نشاطه، فجأة، ظهر أحد ضباط الطائرة، وهمس في أذن القائد، ورغم أن «أحمد» لم يسمع الكلمات الهامسة، إلا أنه فهم من تعبير وجه القائد أن هناك مشكلة ما. ابتسم وهو يقول للقائد: لا بأس، ويبدو أنه يوم الأزمات.
حاول القائد أن يرسم ابتسامة وهو يقول: لا أظن أنها أزمة.
قال «أحمد»: هل تأذن لي بمصاحبتكم؟
مرة أخرى، ظهر على وجه القائد ابتسامة وقال: إن ذلك سوف يُسعدني جدًّا.
وبسرعة كانوا يأخذون طريقهم إلى كابينة القيادة، وهناك كانت المفاجأة، إن برج المراقبة في مطار «موسكو»، قد أخبرهم أن الجو فوق المطار لا يصلح للاقتراب منه، فهناك دوَّامات هوائية عنيفة، وتوقع بسقوط ثلوج كثيفة. قال «أحمد»: لا بأس، هل يمكن الهبوط في مطار آخَر؟
رد القائد: إن أقرب مطار يحتاج لوقود لا تحمله الطائرة الآن، فالوقود الموجود في الطائرة، لا يمكن أن يكفي إلى هناك!
قال «أحمد»: إذَن، لا بد من الهبوط في مطار «موسكو».
ردَّ الكابتن: للأسف نعم.
ابتسم «أحمد» وقال: إنني المغامر المجنون.
ضحكت مجموعة القيادة ضحكات عصبية، وقال الكابتن: إن الظروف مختلفة عن المغامرة السابقة.
قال «أحمد»: لا بأس نجرِّب، وعلى كل حال إن الجو البارد أقل ضررًا من الأجواء الحارة.
ثم جلس إلى مقعد القيادة، وتحدَّث إلى برج المراقبة، وشرح له الموقف كاملًا، الوقود لا يكفي … نأمل الوصول إلى أقرب مطار، ومن الضروري الهبوط في أقرب ممر وطلب منه تحديد مدى الرؤية على المهبط وحدوده على أن يكون المطار مستعدًّا لأي ظرف طارئ.
وجاء رد برج المراقبة بتلبية كل طلباته.
استعد «أحمد» وخفض من سرعة الطائرة، فهو يعرف أن بطء السرعة، يعطي للطائرة وزنها في حين أن السرعة تجعلها أخف، وفي هدوء وتبعًا لإرشادات برج المراقبة اتجه إلى المهبط المحدَّد للطائرة. فجأة كانت دقات قوية تنزل على جسم الطائرة، فعرف أنه الثلج، رفع من درجة التكييف داخل الطائرة، حتى يذيب الثلوج التي تتجمد على الزجاج. وعندما لمست عجلات الطائرة أرض المطار هبَّت عاصفة جعلت الطائرة تهتز لكنها كانت قد استقرَّت على الأرض. وارتفع التصفيق من كل مكان.
تقدم «أحمد» بالطائرة في هدوء، حتى الْتَصقَ بها السلم وعندما فتح الباب أخذ الركاب طريقهم جَرْيًا وكأنهم يهربون من خوفهم، برغم أن قائد الطائرة أصرَّ على الاحتفال مرة أخرى ﺑ «أحمد» ولكنه اعتذر، لأنه مرتبط بموعد هام، ولم تمضِ نصف ساعة حتى كان الشياطين يدخلون المقر السري في «موسكو». كان الليل يحيط ﺑ «موسكو». والشتاء ثقيل هذا العام، كما عرفه الشياطين من قائد السيارة التي أقلَّتْهم من المطار إلى المقر. ولم تمضِ دقائق حتى كانت رسالة شفرية تصل إليهم من عميل رقم «صفر» يقول فيها: إنهم قد تأخروا وأن الصيد قد يُفلت منهم. وأن الطائر سوف يحلِّق الليلة مغادرًا القفص في طريقه إلى الفضاء. فهمَ الشياطين معنى الرسالة.
وقال «أحمد»: إن هذا معناه أن نتحرَّك الآن. لقد تعطَّلْنا كثيرًا، وكانت الرحلة سيئة للغاية.
قال «مصباح»: إلى أين نتحرَّك؟ وكيف؟
نظر لهم «أحمد» قليلًا، ثم رفع سماعة التليفون، فجاءه صوت عميل رقم «صفر» يقول: إنني أتحدَّث إليكم من الخط الخاص. إن الطائرة التي تنقل عميلنا ومعه الأسرار النووية سوف تقلع بعد ساعة من الآن! فهو في طريقه إلى مطار سري، يبعد عنا نصف ساعة بسرعة مائتي كيلومتر وإذا انطلقت الطائرة فإن الهدف يكون قد أفلت منا.
سأل «أحمد»: هل لنا عميل آخَر بين طاقم الطائرة؟
رد العميل: نعم. الملاح «جرينوف» وسوف تكون كلمة السر «نهار».
سأله «أحمد»: كم عدد طاقم الطائرة؟!
جاء رد العميل: خمسة.
قال «أحمد»: إذَن لا بأس، نحن في الطريق إلى هناك! ثم أضاف بسرعة: هل سيارتنا جاهزة؟
رد العميل: وكمبيوتر السيارة مجهَّز بكل شيء، وعنده كل المعلومات التي تطلبونها.
قال «أحمد»: إذَن إلى اللقاء.
عندما وضع السماعة، نظر للشياطين وقال: السيارة جاهزة، وداخلها ملابس الطيارين.
وفي لحظات كانت السيارة تنهب الطريق في سرعة الصاروخ، كان الليل مُظلمًا جدًّا ولم تكُن أضواء الشوارع تفيد أمام كثافة الزحام، وكثافة الثلوج التي تتساقط بكميات هائلة، لكن سيارة الشياطين كانت مجهَّزة لمثل هذا الجو الغريب.
قال «أحمد»: إنه يوم شاق، وقد تعطَّلْنا كثيرًا. لكن لا بأس.
ثم ضغط زرًّا في كمبيوتر السيارة، فظهرت المعلومات، كانوا يتابعونها بسرعة في نفس الوقت، قال «خالد»: ينبغي أن نلبس ملابس الطيارين، حتى لا نضيع وقتنا.
فجأة، أضاءت لمبة خضراء في كمبيوتر السيارة، وجاء صوت يقول: أهلًا بكم. إنني العميل رقم «٢». غرفة الطيارين عند الزاوية ١٦. الحركة تبدأ في الساعة الثانية، كل شيء تمام.
ابتسم «مصباح» وقال: كل شيء تمام.
قال «أحمد»: نرجو إلا نُفاجَأ بشيء.
ثم أضاف: إن الخطة هي القبض على الطيارين أولًا، ثم نحل مكانهم، وإذا تحقَّق ذلك بشكل جيد، فإن المغامرة تكون قد تحقَّقَت كاملة، مع كل الظروف الصعبة التي قابلناها اليوم.
نظر «أحمد» في ساعته، وكانت تشير إلى الساعة الثانية إلا ثلث. فقال: أمامنا ثلث ساعة فقط ويتحرَّك طاقم الطائرة من مكانه.
لكن لم تمضِ عشر دقائق حتى كانت السيارة تقف قريبًا من المبنى الذي يقع في مقدمة المطار … ويجلس فيه الطيارون. وبسرعة كان الشياطين يغادرون السيارة … ويتسلَّلون في هدوء إلى حيث ظهر ضوء خافت، يتسلَّل من إحدى نوافذ الغرفة!