كلمة السر … «نهار»!
لم تكُن هناك حراسة على غرفة الطيارين، كان كل شيء هادئًا تمامًا، وحتى الثلوج التي ظلَّت طوال الطريق تنزل في عنف، هدأت، والرياح العاصفة هدأت هي الأخرى، وكأن الجو متفق مع المغامرة. كان «أحمد» يتقدَّم المجموعة، وقد لبسوا ملابس الطيارين، والآن الشياطين يستطيعون الذهاب إلى الطائرة، والإقلاع بها لكن العميل الذي يحمل الأسرار النووية ليس موجودًا. لأنه سوف يصل في سيارة خاصة، عندما تكون الطائرة جاهزة للإقلاع، إذَن لا بد من التخلُّص من الطيارين أولًا.
في نفس الوقت لا يستطيع الشياطين استخدام الدخان حتى لا يصاب «جرينوف» فقد كان عليهم أن يدخلوا الغرفة التي كانت مغلقة، اقترب «أحمد» من الباب، وردَّد كلمات كأنه يغنِّي: عندما يطلع النهار! وانتظر لحظةً، ثم فتح الباب في هدوء وجاء صوت يقول: الساعة الثانية تمامًا، علينا أن نتحرك.
جاء صوت آخَر يقول: علينا أن نَصِل قبل أن يطلع النهار.
فهمَ الشياطين أن هذه كلمة السر، وأن الآخَر الذي تحدَّث هو «جرينوف» ولم يتحرَّك الشياطين أية حركة، ظلُّوا مُختفِين في الظلام، في انتظار ظهور طاقم الطائرة. وداخل الضوء الساقط من داخل الغرفة، ظهر الطيارون الخمسة، الواحد بعد الآخَر. وعندما خرجوا جميعًا وأصبحوا خارج الغرفة كان الشياطين الخمسة يقفزون قفزة واحدة، وكلٌّ منهم قد انفرد بواحد من الطاقم، حتى «جرينوف» نفسه، فقد نال ضربة قوية، لكن الضربة الأولى لم تكُن كافية، فقد ظهر أن الطيارين، يُجيدون ألعاب الكاراتيه، والكونغ فو، فما إن سقط أولهم حتى استعاد اتزانه، ودار حول نفسه في حركة رشيقة تمامًا، وهو يوجِّه عدة ضربات متتالية ﻟ «أحمد» الذي كان يتفاداها بنفس الرشاقة، لكنه في نفس الوقت، كان يعجب لهذه السرعة التي يمارس بها الضابط ألعابه، وكأنه واحد من الشياطين. فجأةً، تردَّد في الفضاء صوت طلقة رصاص، أطلقها الضابط الذي اشتبك معه «خالد» لكن الطلقة لم تصِبْ أحدًا؛ فقد استطاع «خالد» أن يتفاداها وأن يضربه ضربة قوية في يده أصاب الهدف تمامًا، وأسقط المسدس من يده، وعندما انشغل الضابط بيده التي أصابتها الضربة كان «خالد» قد استطاع أن يقفز إليه وهو يوجِّه له ضربة سريعة، لكن الضابط تلقَّاها في براعة، وردَّ عليها بضربة خطافية أصابت «خالد» في فكِّه. لكنه هو الآخَر، استطاع أن يخفِّف من حدَّتها ببراعة، وظلَّ الاشتباك مستمرًّا بينهما. كان «فهد» يقذف بمَن أمامه فيطير في الهواء وقبل أن يسقط، يتلقَّاه «فهد» في ثقة وقد ثنى ساقه، فنزل الضابط على ركبة «فهد» وصرخ، فقد كان السقوط عنيفًا، أما «باسم» فقد كان يبدو وكأنه يلعب في سيرك، ذلك أن الذي اشتبك معه كان «جرينوف» نفسه. وكان عليهما أن يظلَّا في حالة تمثيل معركة حتى لا ينكشف «جرينوف»، وكان «مصباح» قد ضرب هدفه ضربة مستقيمة جعلَتْه يقفز بعيدًا، وعندما انتظر أن يرد الضربة لم يجده … فأيقن أنه هرب في الليل، وكانت هذه مشكلة، كانت المعركة عنيفة، وكانت تحتاج لمَن يسجِّلها كما قال «أحمد» فيما بعد، وعندما انتهت كان طاقم الطائرة قد استسلم تمامًا إلا ذلك الذي هرب …
قال «أحمد»: الأهداف معنا.
جاء صوت «مصباح»: آسف، فقد هرب الهدف.
وكأن صدمةً قد أصابت «أحمد» فلم ينطِق مباشرة، إن هروب أحدهم يمكن أن يفسد كل شيء، وبسرعة أخرج الكشاف، ووجهه في الاتجاه الذي حدَّدَه «مصباح»، ثم ضغط زرًّا فيه انطلقت أشعة غير مرئية من الجهاز، ثم ارتدت سريعًا. وقال «أحمد» إنه لا يبعد أكثر من نصف كيلومتر، ويمكن اللحاق به، والقبض عليه، فأظن أنه مُنهَك تمامًا.
اندفع «مصباح» في الاتجاه المطلوب، أما بقية الشياطين فقد حمل كلٌّ منهم هدفه، إلى حيث غرفة الضباط. وحتى «جرينوف» كان يحمله «باسم» الذي كان يشعر بالتعب فقد كان «جرينوف» ثقيل الوزن، وفي الغرفة تم تخديرهم وربطهم بالحبال وإخفاؤهم، وبقي انتظار السيارة الهامة، التي تحمل الأسرار النووية، نظر «أحمد» في اتجاه «خالد» وقال: هل تم ربط «جرينوف».
ردَّ «خالد» طبعًا، فهذا ليس نهاية المطاف، فإذا انكشف «جرينوف» فسوف نخسره نهائيًّا، وقد نخسر غيره.
فجأة، ظهر «مصباح» وحده. نظر له «أحمد» في تساؤُل، فقال «مصباح»: لا بأس لقد انتهى كل شيء فقد وجدتُه مُلقًى على الأرض، لا يستطيع الحركة.
قال «أحمد»: لعلَّك تركتَه وعُدتَ.
ابتسم «مصباح» وقال: نعم بعد أن قيَّدتُه بالحبال. وأخفيتُه خلف تبةً رملية هناك.
هدأ وجه «أحمد» وظهرت فوقه ابتسامة هادئة. ثم قال: الآن، علينا أن نتوجه إلى الطائرة.
بسرعة نظفوا ثيابهم، وغسلوا وجوههم فأصبحوا كما كانوا. ثم خرجوا الواحد بعد الآخَر. وأغلقوا الغرفة بطريقة لا يمكن فتحها إلا في وجود الشياطين، أو نسفها. كان «أحمد» يفكِّر: إننا لم نستفِد جيدًا من «جرينوف» إلا من إشارة واحدة. وكان ينبغي أن يكون معنا لكنه عاد يقول لنفسه: إنه قد لا ينكشف، ثم إن طاقم الطائرة خمسة، ونحن خمسة. ولا نستطيع أن نضحِّي بواحد من الشياطين ثم أخذوا طريقهم إلى الطائرة التي لم تكُن بعيدة. فهمس «فهد» مبتسمًا: إنه يوم الطائرات.
ابتسم «أحمد» وقال: هذه أول مرة نقابل فيها هذا الحظ السيئ.
قال «باسم»: لكن الأمور سارت في طريقها برغم كل شيء.
فجأة تردَّد ضوء، ظهرَ ثم اختفى، ثم ظهر ثم اختفى … قال «أحمد» لعلها السيارة الهامة! ثم أضاف: لا بأس. علينا الاستمرار في طريقنا.
بدأ صوت موتور السيارة يقترب، فقال «مصباح»: أَقترح أن نظل خارج الطائرة فذلك يعطينا حرية أكبر.
قال «خالد»: خصوصًا ونحن هدفنا الطائرة ذاتها، ونحتاجها سليمة.
قال «أحمد»: ربما لفت ذلك نظرهم.
قال «باسم»: لا أظن، بل إننا خارج الطائرة يمكننا أن نرحِّب بهم.
اقترب صوت الموتور أكثر، وفجأةً … شمل المكان ضوء قوي صادر من السيارة.
فقال «أحمد»: ما المقصود؟
قال «فهد»: لعلَّها إشارة لأن نستعد.
اتجهوا للطائرة، وقال «أحمد» اصعدوا، وسوف أبقى للقائهم.
صعد الشياطين. وبقي «أحمد» في حين كانت السيارة قد اقتربت تمامًا. ثم توقفت. ألقى «أحمد» عليها نظرة فاحصة، واستطاع أن يحدِّد عميل رقم «صفر» فقد رفع يده ومسح بها فوق رأسه. ففهم «أحمد» أنها إشارة تعارُف. ولم يكُن العميل وحده. كان معه أربعة آخرون، أحدهم يحمل صندوقًا في شكل حقيبة، اقتربوا من «أحمد»، فجأةً ظهرت الدهشة على وجه أحد الرجال … ثم همس في أذن العميل الذي ادَّعى الدهشة هو الآخَر، لكنه همس بكلمات جعلت الرجل يتوقَّف، كان الرجل ينظر إلى «أحمد» نظرات فاحصة، ثم قال في حِدَّة: وهو يخاطب «أحمد»: كابتن «بلوف».
أدركَ «أحمد» بسرعة، أن اسم قائد الطائرة هو «بلوف» رسم ابتسامة على وجهه وقال: الكابتن «بلوف» اعتذر يا سيدي. فقد أصابته نزلة برد أجهدَتْه جدًّا.
لكنَّ عينَي الرجل كانت كصقر. نظر له العميل وقال: هذه مسألة طبيعية أن يعتذر الكابتن «بلوف» يا عزيزي «كالين».
لكن «كالين» وقف مُتشكِّكًا، وفجأةً أخرج من جيبه جهازًا صغيرًا، ثم أجرى به عدة عمليات سريعة وانتظر. بينما قال العميل: ماذا يا عزيزي «كالين» … إن الجو قد تحسَّن، ويجب أن نتحرك الآن.
قال «كالين» في هدوء حاد: ينبغي أن أبلِّغ الزعيم؛ فهناك شيء غامض.
نظر إلى الجهاز في يده، ثم ظهرت الدهشة على وجهه، أدرك «أحمد» أن الموقف قد تعقد وأن وجودهم قد انكشف. وقبل أن يفكِّر أحد في شيء كان قد أطلق صفارة يفهمها الشياطين، في نفس الوقت الذي طار فيه في الهواء وضرب «كالين» ضربة قوية، جعلته يصطدم بالرجال الذين يقفون خلفه، فسقط الجميع على الأرض، في نفس اللحظة كان الشياطين قد قفزوا من الطائرة إلى الأرض، بينما انتحى العميل جانبًا وقد أمسك بالحقيبة الحديدية، وبدأت معركة رهيبة بين الجميع، فقد اشتبك «أحمد» مع «كالين» في صراع عنيف، ذلك أن «كالين» مفتول العضلات يُجيد الصراع جيدًا. أما «فهد» و«خالد» و«باسم» فقد اشتبكوا مع الثلاثة الآخرين بينما وقف «مصباح» متحفِّزًا لأي طارئ، في نفس الوقت كان يفكِّر: من الضروري أن يصل آخَرون وقد تفشل المغامرة، ونفقد هدفنا … أطلق صفارة طويلة ثم قفز في اتجاه «أحمد» و«كالين» فانسحب «أحمد» مباشرة بينما «مصباح» يسدِّد ضربة ﻟ «كالين» بعد أن طار في الهواء كان «كالين» قد أجهده الصراع مع «أحمد» بينما «مصباح» لا يزال يحتفظ بكل نشاطه، همس العميل: لا تتركني هكذا.
وبسرعة فهم «أحمد» ما يقصد، فاندفع نحوه في حركة تمثيلية، ووجَّه إليه عددًا من الضربات المتتالية السريعة فسقط على الأرض وأخذ «أحمد» الحقيبة الحديدية ثم أطلق صفارتين متتاليتين وقفز إلى الطائرة، في نفس اللحظة كان الشياطين قد كسبوا معركتهم وتركوا الآخَرين ممدَّدِين على الأرض، وفي رشاقة قفزوا إلى الطائرة، في الوقت الذي أدار «أحمد» فيه المحرِّك، وعندما كان صوت سيارة يقترب كانت الطائرة تحلِّق في الفضاء، بينما قال «خالد»: أخشى أن تكون المعركة القادمة في الفضاء.
رد «فهد»: مَن يدري؟ فهم لن يتركونا.
وغنَّى الشياطين معًا … أغنية النصر!