تناقُض الرأسمالية في علاج الأزمة الاقتصادية
- (١)
ضمان الأرباح، دون مراعاة القيم الأخلاقية الإنسانية الفردية أو الجماعية.
- (٢)
حرية السوق والتجارة والبيزنس القائمة على المسئولية الفردية.
يقوم النظام الأمريكي كله، سياسيًّا واقتصاديًّا وأخلاقيًّا، على الفلسفة الفردية، احترام إرادة الفرد وحريته؛ بمعنى أن يعيش الناس أحرارًا يتحملون مسئولية قراراتهم، وهذا يُحتِّم عليهم الحرص والتروِّي في اتخاذ القرارات؛ هذا يعني أن الناس يحصلون على ما يريدون وما يستحقون، حسب اجتهادهم وما يملكونه من أموال أو عقارات أو شركات، أو خبرات وتدريبات وتكنولوجيا متطورة.
ربما يفهم الناس أن هذه هي العدالة في الحصول على الرزق، وهي نوع من العدالة يرضى بها الأمريكيون ويتفقون عليها، لكن الأزمة الاقتصادية الأخيرة كشفَت عن كثير من الخلل في هذه الفلسفة الفردية، أو ما تُسمى مسئولية الفرد وحريته في التجارة، والربح وكسب البلايين من الدولارات، وبناء ناطحات السحب، وإنتاج ما يريد من الأسلحة الكيماوية أو النووية.
خلال هذه الأزمة الاقتصادية، تشابهَت حكومة أوباما وحكومة جورج بوش السابقة عليها في طريقة علاج الأزمة. يقوم العلاج على تعويض أصحاب المصانع التي أفلسَت، والشركات والبنوك التي أوشكَت على الإفلاس. هؤلاء الذين تخلَّوا عن المسئولية الفردية وكانوا السبب الرئيسي للأزمة، إعطاء مكافآتٍ لهم نظير اللامسئولية الفردية! تعويض هؤلاء الذين غامروا في السوق الحرة على نحوٍ مجنون!
هؤلاء الفاسدون يتم تعويضهم عن فسادهم!
بأموال مَن يتم تعويض المفلسين الفاسدين؟ بأموال الناس الذين لم يفلسوا ولم يغامروا ولم يفسدوا، وعملوا بأمانة ودفَعوا الضرائب كلها دون تهرُّبٍ أو زوَغان.
يكتُم الأمريكيون غضبهم على أوباما، لم تمضِ إلا شهورٌ قليلة على انتخابهم له، وها هو يفعل ما فعله سابقه جورج بوش! عبَّر بعضهم عن غضبه قائلًا: هذا ضد العدالة، هذا ظلم، حكومة أوباما تُشجِّع سوء السلوك. لم يسألنا أوباما إن كنا نريد تعويض الفاسدين! لم يسألنا إن كنا نغفر لهم ذنوبهم، يقول أطباء النفس إن في الغرفة المغلقة مع الزوجَين المريضَين نفسيًّا يكون ثالثهما «الزواج» نفسه.
نظام الزواج، منذ نشوئه في التاريخ العبودي، يقوم على عدم العدالة بين الزوجَين على أساس الجنس أو النوع، مثل النظام الرأسمالي، يقوم على عدم العدالة بين الناس على أساس الطبقة، رغم توافق الزوجَين، يظل قانون الزواج ماثلًا بينهما كالشبح القبيح، يفرض عليهما القيم الذكورية الطبقية القديمة، تحت اسم الأخلاق أو الفضيلة أو الدين، أو الطبيعة، كذلك تفرض الرأسمالية على الناس قبول التفرقة الطبقية والظلم تحت اسم حرية السوق أو الحرية الفردية والديمقراطية.
في ظل النظام الرأسمالي الأبوي أو الذكوري، يدفع الفقراء دائمًا، وفي كل الظروف، أكثر مما يدفع الأغنياء. يُعوِّض الفقراء عن فساد الأغنياء الاقتصادي، يُعاقب النساء والأطفال عن فساد الرجال الأخلاقي.
في مصر مليونا طفلٍ غير شرعي في الشوارع، ضحايا آبائهم الفاسدين. يغتصب الواحد منهم فتاةً صغيرة في الطريق ثم يهرب منها، يُبرئه المجتمع والقانون الديني والمدني من الإثم، وتُعاقَب الأم الصغيرة وحدها ومولودها. حين طالبَتِ الشاعرة والكاتبة المصرية الدكتورة منى حلمي في عيد الأم باحترام اسم الأم، ووقَّعَت باسمها الثلاثي الجديد (اسمها واسم أمها وأبيها) أخذوها إلى المحكمة لتُعاقَب باعتبارها تنتهك الدين والأخلاق والقانون!
لا يختلف الظلم الواقع على الفقراء عن الظلم الواقع على النساء وأطفالهن، في ظل النظام الرأسمالي الذكوري، إلا بأن الظلم الواقع على النساء يشمل الجنس والنوع والدين أيضًا.
وهل يمكن لحكومة أوباما أن تعالج أزمة الرأسمالية الناتجة عن فساد النظام ذاته؟
رغم الظلم المتزايد على الفقراء وتضاعُف أعداد العاطلين، خاصة في ولاية جورجيا حيث أكون، رأيتُ مظاهرة بالأمس تسير في شوارع أطلانطا. رجالٌ ونساء وشباب من الفقراء والعاطلين، يحملون اللافتات المكتوب عليها: لا للاشتراكية، لا لتأميم البنوك والشركات، نعم للرأسمالية والحرية الفردية، والديمقراطية. لا للإلحاد والشيوعية، الله معنا ضد الملاحدة والمتآمرين ضد القيم الأخلاقية والحضارة الأمريكية. رأيتُ بعض النساء المحجَّبات والمنقَّبات يَسِرن داخل صفوف المظاهرة، يحملن لافتةً تقول: الإسلام ضد الشيوعية، الإسلام مع حرية الإنسان. وكان هناك قُسس في المظاهرة يحملون شعار الكنيسة، ورجال دين من اليهود يسيرون ببرانيطهم المميزة أو الطاقية اليهودية المقدسة، كيف اتحدت جميع الأديان في هذه المظاهرة؟
هكذا تُنظِّم قوى الرأسمالية والسوق الحرة صفوفها. هكذا يصبح الله حليفًا للقوى الطبقية الأبوية. وهكذا يتم تجهيل الفقراء والنساء للإيمان بأفكار ضد مصالحهم.
وخطر لي سؤال: لماذا لا تُنظِّم قوى التقدُّم والعلم من النساء والرجال صفوفها في أمريكا (وغيرها من البلاد، بما فيها بلادنا) كما تفعل قوى التخلُّف والظلام؟