عن التواطؤ ضد صحة الملايين في بلادنا
ضحك بسخريةٍ كثير من زملائي الأطباء، حين قلتُ لهم (في قمة الحُمَّى الإعلامية عن مخاطر إنفلونزا الطيور والخنازير) إن شركات الأدوية الدولية تُغذِّي هذه الحملات الدعائية المغرضة، لتجني الملايين أو البلايين، من بيع الفاكسينات في بلاد العالم غير المتقدم، كما فعلت لبيع فاكسينات مرض الإيدز في قارة أفريقيا. اتهمَني الزملاء الأطباء بالإيمان بنظرية المؤامرة، وعدم الإيمان بالطب والدين، كما فعلوا معي، منذ نصف قرن من الزمان، حين أعلنَت في نقابة الأطباء أن عمليات الختان ضارةٌ صحيًّا واجتماعيًّا، وليس لها فوائدُ أخلاقية أو دينية. قبل ربع قرن من يومنا هذا، وبالتحديد يوم ٨ نوفمبر ١٩٨٥م، نشرتُ في مجلة «المصور» مقالًا بعنوان: «الخطر الغامض، حقائقُ جديدة حول حقن منع الحمل»، قلتُ فيه إن ملايين النساء في العالم «الثالث» ومنهن «المصريات» يتعرَّضن لخطورة حقن منع الحمل «الديبوبروفيرا» التي تنتجها شركة «إيجون» في أمريكا، والممنوعة داخل أمريكا قانونًا، وقد ثبت لهم أنها تتسبب بأمراضٍ سرطانية، وأمراضٍ في القلب والأوردة وتشوُّهاتٍ خِلقيَّة للأجنَّة.
في عام ١٩٦٥م، كانت شركة «إيجون» قد بدأَت في استخدام النساء في ٧٠ دولة منها بلادنا، كفئرانِ تجاربَ لهذه الحقن؛ أيْ ثلاث سنوات قبل استخدامها الحيوانات لهذه التجارب. لم تبدأ الشركة في استخدام إناث الكلاب والقرود الأمريكية لتجاربها إلا في عام ١٩٦٨م، ثم توقَّفَت الشركة تمامًا عن استخدام الحيوانات عام ١٩٧٣م، بعد ثبوت إصابة إناث الكلاب والقرود بسرطان الثدي أو الرحم. لكن الشركة ظلَّت ترسل هذه الحقن الخطيرة، بأمر الحكومات أو وزراء الصحة، إلى حوالي ٨٠ دولة، منها مصر والعراق والبحرين والمغرب وعمان والكويت ولبنان وليبيا وقطر والسعودية والسودان وسوريا والإمارات العربية المتحدة وبلاد أخرى في أفريقيا وآسيا.
بعض هذه البلاد ليس فيها إداراتٌ للرقابة على الأدوية المستوردة، وقد ينكمش ضمير وزير الصحة ليقبل عمولة بآلاف المئات، أو ملايين الدولارات، لإصدار أمره بقبول أدويةٍ ممنوعة في البلاد التي تنتجها. وقد تنبهَت بعض حكومات لخطورة هذه الحقن؛ مما جعل شركة «إيجون» ترسلها مباشرة إلى الصيدليات كقطاعٍ خاص، يتمتع بحرية الاستيراد والتصدير، تحت اسم الليبرالية أو الديمقراطية أو الخصخصة.
وضع البنك الدولي أيضًا ضغوطًا على بعض الحكومات، لتعقيم النساء بهذه الحقن، تحت اسم تنظيم الأسرة أو تحديد النسل. وتم ربط الفقر في العالم «الثالث» بكثرة المواليد أو خصوبة النساء، وليس بالفقر والبطالة، بعض نتائج الاستعمار الجديد، وجشع الرأسمالية والسوق الحرة، وغياب التنمية الحقيقية الشاملة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية في هذه البلاد. كما شاركَت الهيئات الأمريكية والدولية لتنظيم الأسرة مع منظمات الأمم المتحدة في هذه الدعاية المُغرِضة، لتوزيع حقن منع الحمل، التي دمَّرَت صحة أجيالٍ متعاقبة من ملايين النساء، والأجنة داخل الأرحام. المواليد يرثون الأمراض والعاهات الخلقية من الأم المحقونة ﺑ «الديبوبريفيرا» وﺑ «النوبلانت». ومن تقرير نشر في مجلة «مالتيناشونال مونيتور» عدد «مارس ١٩٨٥م، الصفحة ٢٧»، عن حجم الأموال التي دفعَتْها شركة «إيجون» لوزراء الصحة والمسئولين الكبار في الحكومة: «دَفعَت الشركة أكثر من أربعة ملايين دولار (بالتحديد حسب التقرير ٤٥٤٢٩٤٩ دولارًا) لمسئولين في ٢٩ دولة، في عامَي ١٩٧١م و١٩٧٦م، بالإضافة إلى مبلغ نصف مليون دولار (بالتحديد ٤٧٤٠٠٠ دولار) لمسئولين غيرِ حكوميين يعملون في مجال الصحة.»
وَرَدَ كلُّ هذا وأكثر في مقالي المنشور بمجلة «المصور». وزير الصحة يومها (الدكتور حلمي الحديدي) طلب مني أن أضع تحت يده كل ما عندي من وثائقَ وتقاريرَ طبية وعلمية. تصورتُ بعد ذلك أن تحقيقًا سوف يجري على الفور، أو قرارًا عاجلًا بإيقاف حقن النساء بالعقار الضار، إلا أن شيئًا لم يحدث، ثم تَغيَّر حلمي الحديدي بوزيرٍ آخر. هل أصر على عمل تحقيق رفضته قوى أكبر دوليًّا ومحليًّا؟ يمكن أن تسألوه شخصيًّا عن هذا الأمر، الذي لم أعرفه حتى اليوم.
ويؤكِّد الدكتور ليونارد هورويتز، بالبراهين والأدلة العلمية الدقيقة، أن فيروس الإيدز وصل إل سكان القارة الأفريقية بسبب هذه الأبحاث، وعن طريق الفاكسينات التي وزَّعَتها شركات الأدوية على الأفارقة لاختبارها. تم استخدامهم خنازيرَ وفئرانَ تجارب، تحت اسم «مشروعات التطعيم» للحماية من المرض، رغم إدراك هذه الشركات لخطورة التطعيمات بهذه الفاكسينات.
هكذا شاركَت منظمة الصحة العالمية في قتل الملايين الأفارقة، عن طريق المشاركة في توزيع هذه الفاكسينات. انتشر وباء «الإيدز» في أفريقيا، وأيضًا أوبئةٌ أخرى منها شلل الأطفال، وتحمَّسَت زوجات الملوك والرؤساء، في بلادنا الأفريقية والعربية، ورئيسات جمعيات النساء والأمومة والطفولة (عن علم أو جهل) لتطعيم الأطفال بهذه الفاكسينات الخطيرة.
عن طريق التمويه الإعلامي، والرشاوي للمسئولين والمسئولات، استطاعت هذه الشركات، وبما لها من قوةٍ سياسية وعسكرية واقتصادية وإعلامية، أن تُجهِض أي حركةٍ شعبية واعية لمنع هذه الفاكسينات، حتى جهود الأفراد من الأطباء تم حصارها، ومنع نشر مقالاتهم أو كتبهم، أو تسليط حكوماتهم لمطاردتهم، كما حدث لمؤلف الكتاب الدكتور هورويتز.
في شهر أكتوبر ٢٠٠٢م، بعد سبعة عشر عامًا، من نشر مقالي في «المصور» (٨ نوفمبر ١٩٨٥م) عن خطورة حقن منع الحمل، الديبوبريفيرا، التي توزعها شركة «إيجون» في مصر وبلادٍ أخرى، زرتُ قريتي «كفر طحلة» مركز بنها، محافظة القليوبية، فرأيتُ طوابير النساء الفلاحات واقفات أمام بابِ ما سُمي «مركز صحة الأم والطفل» يتنافسن على الفوز بحقنة الديبوبريفيرا في أجسادهن الضامرة الممصوصة بسبب الفقر والجهل والمرض، مع التعب والشقاء في الحقل والدار، مع شتائم الزوج ولسعات عصاه كالنار، ليلَ نهارَ.
بعضهن كن قريباتٍ لي، من عائلة جدتي الفلاحة، التي ثارت مع أهل القرية ضد الحماية البريطانية (كلمة الحماية تعني الاستعمار) والملك فاروق. في طفولتي كنتُ أسمعها تغني مع الفلاحات: يا عزيز يا عزيز كبة تاخد الإنجليز.
اليوم تُغنِّي زينب، ابنة عمتي والفلاحات: يا عزيز كبة تاخد الأمريكان.
اليوم ٢٢ أبريل ٢٠١٠م، بعد مرور عامٍ كامل من الدعاية المكثَّفة لمخاطر إنفلونزا الخنازير، قرأتُ في الصفحة الأُولى لجريدة «الأهرام» تحت عنوان: إنفلونزا الخنازير هلعٌ أحدثه تواطؤ الصحة العالمية مع شركات الأدوية العالمية الكبرى، التي حققَت أرباحًا خيالية من وراء بيع اللقاحات المضادة للفيروس، يا تُرى من يتولى التحقيق في هذه الجرائم نيابةً عن شعوبنا المقهورة؟