في الطائرة إلى مونتريال، كندا
تعيش الطفلة في أعماقي رغم مرور العقود، أمامي عامان اثنان فقط لأبلغ الثمانين من العمر، أُطِل من نافذة الطائرة على الجبل الأخضر والوديان الممدودة الخضرة، أَعشَق خُضرة الزرع والشجر منذ الطفولة. كنتُ أفرح بركوب القطار من قريتي إلى المدينة، أصبحتُ أفرح بالتحليق فوق السحاب وأنتقل من قارة إلى قارة، يطغى الفرح بالطيران على الخوف من السقوط وتهشيم عظام رأسي. في طفولتي كنتُ أحلم بالطيران مثل العصافير، تنبُت لي أجنحةٌ ما في النوم، أو ذراعاي أُحرِّكهما في الهواء فيرتفع جسمي إلى أعلى مُحلقًا في الجو، وأسأل الله لماذا لم يخلقني عصفورةً بل خلقني بنتًا لها جسدٌ عاجز عن الطيران يحيض بالدم الفاسد كل شهر.
تبتسم المضيفة في وجهي وتسألُني بالفرنسية: ماذا تشربين يا مدام؟ تذكرتُ أنني في طريقي إلى كندا الفرنسية، اسمها الكيبيك وعاصمتها مونتريال، قرأتُ شيئًا عن تاريخ الكيبيك، جاء الفرنسيون إلى كندا قبل الإنجليز واستعمروها، كما حدث في أمريكا، احتل الفرنسيون شاطئ فلوريدا قبل الإنجليز، وشاطئ كارولينا وغيرها من الأراضي الأمريكية، لكن الإنجليز حاربوا الفرنسيِّين وانتصروا عليهم. تمَّ تغيير النشيد القومي الفرنسي إلى النشيد الإنجليزي «يا رب احفظ الملكة»! وتم فرض اللغة الإنجليزية وإزالة الأسماء الفرنسية من الشوارع والمدن، ما عدا بعض الأسماء الفرنسية الباقية حتى اليوم في بعض الولايات المتحدة الأمريكية، مثل دي ترويت، دي موا، سان ليوي. تقاوم هذه الأسماء الفرنسية الهزيمة أمام الإنجليز حتى اليوم.
نَجحَتِ الكيبيك الفرنسية الكندية في المقاومة إلى حدٍّ ما ضد الإبادة الكاملة بالآلة العسكرية البريطانية، وبقي الحكم الفرنسي حتى اليوم، إلى جانب الحكم الإنجليزي في الكيبيك، وبقيَتِ اللغة الفرنسية هي اللغة الغالبة في مونتريال وأغلب مدن الكيبيك، وسادت اللغة الإنجليزية في الأجزاء الأخرى من كندا.
أيُّ تاريخٍ دموي بين الفرنسيين والإنجليز، لا يقل دموية عن تاريخ الكاثوليك والبروتستانت في العصور الوسطى. لم تتطور عقول البشر كثيرًا رغم مرور القرون. كانت الكيبيك الفرنسية محاصرةً بجيش الإنجليز أثناء الصراع بينهما لاحتلال كندا واستعمارها، كان الإنجليز من أكلَة لحم الحصان، والفرنسيون لا يأكلون الخيول لسببٍ غير معلوم. المهم أن الفرنسيين وجدوا أنفسهم محاصرين بأكلة الخيول، أصبح الخوف يسودهم بطبيعة الحال، هزمهم الخوف أكثر من أي شيءٍ آخر، أصبح الإنجليز أصحاب السلطة في الكيبيك، كان اللحم شحيحًا في ذلك الوقت. أقام الفرنسيون مأدبة غداءٍ للإنجليز من لحم الحصان كنوع من النفاق، دفعهم الخوف من الشنق إلى أكل هذا اللحم رغم الغثيان. كانت الطبقة الحاكمة الإنجليزية هي التي تأكل لحم الحصان، وتُحرِّمه على الجنود وسائر الشعب من الفقراء العاملين الكادحين.
في القرن السابع عشر قام صراع وجدلٌ عنيف في الكيبيك الفرنسية المناضلة ضد الإنجليز، حول أكل لحم كلب البحر (البيفر)، هل هو لحمٌ حلال أم حرام؟ كان الكاثوليك يُحرِّمون أكل اللحم ١٤٠ يومًا في السنة، ويبيحون أكل السمك. اشتعل الجدل بين رجال الدين في الكيبيك وفي العاصمة الكبرى باريس، وفي السوربون، جلس القسس ورجال الدين بعمائمهم ومسوحهم ولحاهم وشواربهم، يتناقشون حول معضلةٍ هامة هي: هل كلب البحر (البيفر) من فصيلة السمك أو فصيلة الحيوان؟ رأى بعضهم أن البيفر له ذيل سمكة، وقرَّروا أنه من فصيلة السمك ويُباح أكله. البعض الآخر رأى أن البيفر له رأس حيوان وبالتالي يجب تحريمه حسب الشريعة الكاثوليكية ١٤٠ يومًا في السنة، هكذا استمر الصراع بين الفِرَق المسيحية. كان شعب كيبيك الفقير يأكل ما يمكن أن يأكله ليسد الجوع، دون حاجة إلى قرار رجال الدين، يتغلب جوع المعدة في الإنسان على أي دين. كانت كلاب البحر (البيفر) متوفرة، تَسبَح بالآلاف في الماء، يصطادها الناس ويأكلون لحمها اللذيذ، يشوونه على نار المحرقة. تتصاعد رائحة الشواء إلى الرب في السماء، يتشممها الرب بلذةٍ عارمة، ويطالب عبيده بتقديم القرابين إليه لحمًا مشويًّا وليس أي شيءٍ آخر. أجل، لم يكن الرب يتقبل (كما جاء في كتابه المقدَّس) إلا لحم الحيوان المشوي، أما القرابين الأخرى من الخضراوات أو الأسماك أو الثعابين فكان يرفضها وهو يمط بوزه إلى الأمام، في وجه من يُقدِّمها من البشر.
هل صدر قرار باريس بتحريم أكل اللحم؟ لا، لا، صدر القرار أن كلاب البحر من فصيلة الأسماك، بسبب ذيلها السمكي الأكيد، وبالتالي فإن أكلها حلالٌ حلال. بالهناء والشفاء. هكذا خضع القرار السماوي في نهاية الأمر لقرار البطون الجائعة فوق الأرض. وبعث قرار باريس السرور في الكيبيك المستعمرة الفرنسية في كندا.
في مطار مونتريال، كان في انتظاري مجموعة من الشباب والشابات الكنديات العربيات، الجيل الثاني أو الثالث من المهاجرين إلى كندا، من فلسطين ولبنان وسوريا والعراق ومصر وتونس والجزائر والمغرب، هاجروا من بلادهم هربًا من القهر، أو طلبًا للعمل أو التعليم. حملَتْني «مريم» الجزائرية في سيارتها إلى الفندق، حكت لي في الطريق قصة حياتها، كيف جاءت من الجزائر إلى كندا هاربة من جحيم الأهل والزوج، كانت في العشرين من عمرها، أُمًّا، تحمل طفلها يحبو وطفلتها ترضع، قادتها إحدى الجمعيات الخيرية إلى الكنيسة، أعطاها القسيس دروسًا في المسيحية، قال لها: المسيحية أكثر إنسانية من الإسلام، لم يكن المسيح يؤمن بقتل الكفار مثل نبي الإسلام، لا يمكن للزوج أن يُطلِّق زوجته أو يضربها كما فعل زوجك المسلم، ردَّد لها أقوال المسيح: من ضربك على خدِّك الأيمن فأدِرْ له الأيسر. قال لها: اسمعي يا مريم، إن أصبحتِ مسيحية سيكون من السهل لك الحصول على عمل في مونتريال، ليكن اسمك ماري بدلًا من مريم.
وأطلقت مريم الجزائرية ضحكةً مرحة وحرَّكَت رأسها ناحيتي. مالت بنا السيارة وكادت تسقط في النهر، قلتُ لها: لا أريد أن أموت في حادث سيارة في مونتريال. قالت مريم: لا أريد لك الموت بأي شكلٍ يا دكتورة، لولا كتابك الذي قرأتُه بالعربية في الجزائر وأنا تلميذة في الثالثة عشرة من عمري لصدقتُ كلام هذا القسيس واعتنقتُ المسيحية، لكن كتابك كشف لي كيف تقوم الأديان على العبودية والعنصرية وليس الحرية، على إبادة الآخرين غير المؤمنين بإله موسى أو المسيح أو محمد، على قهر المرأة وإخضاعها لسلطة الرجل، على الطاعة العمياء وليس الجدل أو الفكر النقدي الخلَّاق. لولا كتابكِ لَمَا تحرر عقلي من سجن الدين والدولة. جميع الدول، بما فيها كندا، لا تحكم بالعدل. منذ جئتُ إلى مونتريال منذ سبعة وعشرين عامًا قررتُ الكفاح، من أجل تعليم نفسي، والعمل ليلَ نهارَ لأبني مستقبل طفلي وطفلتي، حصلتُ على الدكتوراه في الأدب، وأصبحتُ أستاذة في الجامعة، ابني أصبح محاميًا وابنتي مهندسة، قرأتُ كتابكِ وأنا تلميذةٌ صغيرة في الثالثة عشرة من عمري، ولم تفارق كلماتك عقلي، كان حلم حياتي أن أُقابلك يا دكتورة، ابني وابنتي يريدان مقابلتك أيضًا. في الجامعة أدرِّس كتبك للطلاب والطالبات، غدًا سأكون في محاضرتك، وقد دعوتُ إليها كل طلابي وطالباتي وزملائي وزميلاتي وصديقاتي الكنديات والعربيات. سيكون العدد كبيرًا غدًا والقاعة ليس بها إلا ثمانمائة مقعد.
تأخَّرتِ المحاضرة عن موعدها نصف ساعة، بسبب الزحام عند الباب، اضطُر الكثيرون إلى الجلوس على الأرض أو السلالم أو النوافذ، تأملتُ الوجوه ومئات العيون التي ترمقني باستغراب، أو استطلاع. ماذا يمكن أن تقوله هذه الكاتبة المصرية؟ ولماذا يسعى إلى سماعها كل هؤلاء الرجال والنساء، من مختلف الأعمار، من مختلف البلاد والأديان والأجناس؟
أندهش أنا نفسي كل مرة في كل محاضرة يدهشني هذا الإقبال والحماس، في أي بلدٍ أسافر إليه، من إندونيسيا إلى أستراليا إلى أفريقيا وآسيا إلى أوروبا والأمريكيَّتَين. تُرجمَت كتبي إلى لغات العالم، لكني لا أُجيد إلا العربية والإنجليزية، وبعض الفرنسية التي درستُها في المدرسة الابتدائية في الإسكندرية لمدة ثلاثة أعوام خلال الثلاثينيات من القرن العشرين.
في الصف الأول تعرفتُ على وجوهٍ مصرية، نساء ورجال لم أرَهْم منذ أربعين عامًا وأكثر، أقباط ومسلمون ويهود، هاجروا من مصر في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات، أصبح بعضهم أساتذة في الجامعات، أغلبهم من رجال الأعمال الأثرياء. كان بعضهم من أقارب الأُسرة المالكة أيام الملك فاروق، أو الملكة فريدة، أو الملكة ناظلي أو الأمراء والأميرات. لم أتخيل في طفولتي وأنا أسمع الراديو يغني: «ملك البلاد يا زين يا فاروق يا نور العين.» أو أسمع شيخ الأزهر الأكبر في صلاة الجمعة يدعو لصاحب الجلالة الملك المعظم «أن يحفظه الله ذخرًا للبلاد مدى العمر.» لم أتخيل أنه سيأتي يومٌ ألقى فيه محاضرة على بشرٍ تجرى في عروقهم دماءٌ ملكية من نسل السلطان فؤاد، ومحمد علي باشا، القائد الألباني، الذي حكم مصر وأذلَّ شعبها، مثل غيره من الحكام.
أُحملق في العيون والعيون تُحملق فيَّ، دائمًا أبدأ محاضرتي بالنظر إلى الوجوه أمامي، أتأمَّلهم قليلًا، أحاول دراسة الجمهور الذي سأخاطبه، أستوحي من نظراتهم بعض الأفكار الجديدة، أو أتذكر أشياءَ قديمة، لكني أبدأ دائمًا ﺑ: «هنا والآن»، ماذا يشغل النساء والرجال في مونتريال، في كندا، في أمريكا، في بلادنا العربية، وغيرها من بلاد العالم، إنه عالمٌ واحد يحكمه نظامٌ واحد رأسمالي أبوي مسيحي يهودي وإسلامي، رغم الاختلافات الطفيفة بين الأديان تدور تحت لوائها الحروب الدموية منذ بداية التاريخ حتى اليوم.
ودارت محاضرتي بإيجاز حول هذه النقاط:
تناقُضات العالم الرأسمالي الديني ما بعد الحديث، كيف يفقد العقل قدرته على التفكير؟ كيف يلعب التعليم الأكاديمي دورًا في قتل الإبداع؟ كيف يؤمن الإنسان، منذ الطفولة، باللامعقول ولا يرى التناقُضات في قوانين الدولة والدين، القيم المشتركة بين الأديان، ومنها قهر النساء، علاقة السياسة بالدين والجنس والاقتصاد، كيف يُزيف التاريخ؟ كيف يُؤدِّي التعليم الديني في الطفولة إلى اضمحلال العقل النقدي؟ كيف يعمل الاستعمار الجديد تحت زعامة البيت الأبيض في واشنطن؟ لماذا يحتاج هذا النظام إلى الأديان، ويُشجِّع تصاعدها السياسي في كل بلد في العالم؟ هل بن لادن وجورج بوش وجهان لعملةٍ واحدة؟ ما سر هذه الحروب المتتالية في أفغانستان؟ أهو الصراع حول المزرعة الكبرى للمخدرات؟ أفغانستان تنتج سنويًّا ما يزيد عن ٣٠٠ طن هيروين، تحت حماية جيش الاحتلال الأمريكي. تحمل الطائرات الحربية أطنان المخدرات إلى كل أنحاء العالم، بمكسب مائة ألف ضعف التكلفة تقريبًا. تكلفة زراعية كيلو جرام الأفيون ألف دولار تقريبًا. يُباع في السوق الحرة العالمية بمائة ألف دولار وأكثر، يتحول الأفيون إلى مورفين ثم إلى هيرويين، لتصبح تجارة المخدرات المصدر الرئيسي الثالث لأرباح الرأسمالية الدولية، يأتي ترتيبها بعد تجار السلاح وتجارة الجنس والرقيق الأبيض. وكم تتستَّر هذه الحروب الاقتصادية تحت اسم الله أو الحضارة والديمقراطية. وكما انتعش الاقتصاد البريطاني بتجارة الأفيون خلال احتلال الإنجليز للصين في الماضي، ينتعش في الحاضر الاقتصاد الأمريكي بتجارة الأفيون والحشيش والهيرويين، ثم يذهب باراك أوباما إلى القاهرة ليُلقي خطبة يوم ٤ يونيو ٢٠٠٩م يرتدي فيها مسوح البابا الأكبر أو شيخ الأزهر، ويتلو الآيات المقدسات من التوراة والإنجيل والقرآن. يترحَّم بالدموع في عينيه على ضحايا اليهود في القرن الماضي، ولا تفرُّ من عينيه دمعةٌ واحدة أو نصف دمعةٍ على ضحايا هذا القرن من الفلسطينيين. وترتدي هيلاري كلينتون الحجاب الإسلامي، وتغمز بطرف عينها إلى نتانياهو في تل أبيب. وهكذا تحدُث اليقظة أو الصحة الدينية في كل بلاد العالم، تحت رعاية الاستعمار الرأسمالي ما بعد الحديث، وهكذا يشتد القهر الواقع على النساء والأطفال والفقراء في ظل الأديان السماوية الثلاثة.
كنتُ أرتدي قميصًا باهت اللون وحذاءً قديمًا، بعد المحاضرة سألَتْني إحدى الأستاذات الأكاديميات المتأنقات: كيف أُلقي المحاضرة على الجماهير بهذا القميص الباهت والحذاء القديم؟ قلتُ لها: المهم بالنسبة لي أن يُفكِّر الناس بعقولهم، وليس بما أرتدي من أحذية أو قمصان.
تكلمتُ خمسين دقيقة وأعطيت النقاش ساعة وعشرين دقيقة دائمًا أعطي وقتًا للمناقشة والحوار أكثر من وقت المحاضرة، كما أفعل مع طلابي وطالباتي في الجامعة. يقتضي التعلم الحوار بين الجميع والنقاش المتعمق، أكثر من التلقين بواسطة المُحاضر أو المتحدث، أو المتحدثة.
قالت فتاةٌ كندية ترتدي حول عنقها كوفيةٌ فلسطينية: «هاربر» (رئيس وزراء كندا) مثل «جورج بوش» يُشجِّع التيارات المسيحية الأصولية في كندا، من أجل نهب الشعب بواسطة الشركات الرأسمالية والبنوك، الأزمة الاقتصادية سببها هذه المؤسسات القائمة على الجشع، نشأَتِ الأزمة بسبب التلاعُب في الأسواق والبورصات ومدخرات الناس في البنوك. بدلًا من أن تضع الحكومة يدها على هذه البنوك والمؤسسات وتحجم شهوتها للربح، إذا بها تضخُّ إليها مليارات الدولارات على حساب الشعب الكندي. تمَّت مكافأة اللصوص بأموالنا نحن الفقراء الكادحين. زاد التديُّن المزيَّف في كندا وزاد معه قهر المرأة، بالضبط كما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية في ظل إدارة جورج بوش الأب والابن، (والروح القدس). في كندا زادت البطالة واتسعَت الهوة بين الأغنياء والفقراء، وبين النساء والرجال. تُشجِّع الحكومة الأديان تحت اسم الحرية والديمقراطية؛ زادت أعداد الكنائس والجوامع والمعابد اليهودية، تعتمد الدولة على تحجيب العقول بواسطة الأديان، حماية للرأسمالية والاستغلال الطبقي والجنسي. أَصبحَت التجارة بالجنس في العالم خمسمائة مليار دولار سنويًّا، وهي المصدر الثاني للربح للرأسماليين، قبل التجارة بالمخدرات وبعد التجارة بالأسلحة. أي عالم هذا الذي نعيش فيه؟ أتفق مع كل ما قِيل في المحاضرة عن الترابُط بين الدين والمال والسلاح والاستعمار وتجارة الجنس والمخدرات، وسيطرة الرجال على النساء. نحن نعيش في عالمٍ واحد تحكمه القوة وشريعة الغابة، لا يختلف النظام في كندا عنه في أمريكا أو أوروبا أو أي بلد في العالم.
كان موت مايكل جاكسون هذه الأيام يشغل الإعلام والرأي العام، في مونتريال وكندا مثل أمريكا وأوروبا، يحمل لقب ملك البوب، ملك الغناء والرقص. حتى في موته ظل مايكل جاكسون يجذب الملايين، أوقفَت جنازته المرور في كاليفورنيا، كما كانت حفلاته تُوقِف المرور في الشوارع، مثل الإقبال على مباريات كرة القدم والبيسبول، يمتلئ الاستاد بالملايين. تسعى الدول الرأسمالية إلى إبعاد الشباب عن التفكير في فساد الحكم، بمشاهدة المباريات والمبارزات بين الديوك أو الثيران أو أفلام الجنس والجريمة، أو الرقصات العارية الخليعة. أي شيء، وكل شيء حتى لا يُفكِّر المقهورون والمقهورات بالقهر الواقع عليهم، تحت أسماءٍ جميلة منها الله أو الوطن أو الحرية أو الديمقراطية، وكم من دماءٍ أُريقت تحت هذه الكلمات الجميلة!
راح مايكل جاكسون ضحيةَ نظامٍ رأسمالي غير إنساني يحمل يافطةً إنسانية. غيَّر مايكل جاكسون لون بشرته السوداء أكثر من مرة، أجرى له أطباء التجميل عشرات العمليات الجراحية، لتغيير شكل أنفه، وشفتَيه، وجفنَيه، وحاجبَيه، وبشرة وجهه وعنقه ويدَيه ورجليه، كسب الأطباء منه الملايين ليُشوِّهوا وجهه الطبيعي، ليجعلوا منه مسخة أو نسخةً صناعية رديئة. رأيتُ صورة مايكل جاكسون في طفولته، كان جميلًا جذابًا فنانًا بالفطرة، أفسدوا فطرته وفنَّه تحت اسم الحداثة وما بعد الحداثة الرأسمالية. استنزف المحامون أمواله التي كسبها من فنه في قضايا أخلاقيةٍ مصنوعة، منها الجنس ومنها المخدرات، هكذا عاش ومات هذا الفنان الأصيل ضحية نظامٍ سياسي فاسد، قادر على إفساد الجميع، لمجرد تحقيق الربح، وتراكُم المال.
راح مايكل جاكسون كما راحت مارلين مونور وغيرها من الفنانين والفنانات.