نساء تونس ونجاح الثورة الشعبيَّة
تفزع الحكومات العربية والحكومات خارج الوطن العربي (خاصة الحكومتَين الأمريكية الإسرائيلية) من ثورة تونس الحالية أو أي ثورةٍ شعبية أخرى، هذه الحكومات (المتعاونة داخليًّا وخارجيًّا) المتمرسة في عمل انقلابات ضد الشعوب. إنها تفهم لغة الانقلابات والمؤامرات فهمًا علميًّا محكمًا، لكنها تُصاب بالفزع والتخبُّط والجهل في مواجهة ثورة يقودها الشعب بنفسه، كما حدث في تونس في الشهر الأول من عام ٢٠١١م. سوف تنجح ثورة تونس رغم كل المناورات والتآمرات من داخل الوطن العربي وخارجه. سوف تنجح هذه الثورة الشعبية لأنها تشمل النساء والرجال والشباب والأطفال، تلاميذ المدارس من الابتدائية إلى الجامعة؛ لأنها ثورة قام بها الشعب التونسي رافعًا شعارات الحرية الكرامة العدالة، شعارات تشمل القيم الإنسانية التي تُساوي بين المواطنين، بصرف النظر عن الجنس أو الدين أو الطبقة أو الحزب السياسي أو اللغة أو اللون أو غيرها. هذه الشعارات النبيلة العليا، التي تسعى لتحقيق العدالة السياسية الاقتصادية الاجتماعية الثقافية الأخلاقية، وترتفع فوق كل الهويات الضيقة أو الانتماءات العرقيَّة الدينية الحزبية الأبوية الذكورية الجنسية، هذه العدالة والحرية والكرامة للجميع، نساء ورجالًا، صغارًا وكبارًا، هي التي تميز الثورات الشعبية عن الحركات العسكرية التي يقوم بها الجيش، أو الحركات العنصرية التي تقوم بها الجماعات الدينية أو العرفية الإثنيَّة، أو الحركات السياسية التي يقودها رجال الأحزاب والجماعات المسيطرة بحكم القوة الاقتصادية الطبقية أو الثقافية أو الجنسية. ارتفعت أصوات الملايين من الشعب التونسي بثلاث كلماتٍ هزت القلوب والعقول: الحرية الكرامة العدالة، يا لها من كلماتٍ ثلاث بصوت الملايين، نساءً ورجالًا، أطفالًا وشبابًا، تلاميذَ وتلميذات.
الضمان الوحيد لنجاح ثورة تونس هو حماية الشعب كله لها، نساء ورجالًا وشبابًا، بحيث لا تُجهض الثورة الشعبية، بالقلة المتمرسة داخلها على إجهاض الثورات، القلة من النخب الثقافية الأبوية الطبقية داخل كل بلد، القلة التي تخترق صفوف الشعب تحت اسم المعارضة أو الإصلاح السياسي أو الاقتصادي أو الديني أو الوطني أو القومي أو غيرها. هذه القلة المتدربة تاريخيًّا على القفز على الحكم الجديد تحت اسم الحكومة الانتقالية، أو إنقاذ الثورة الشعبية من الفوضى. انظروا ما يحدث في تونس اليوم، كيف يعمل وزراء ونخب «نظام بن علي الساقط» على التسلل والسيطرة على الحكومة الانتقالية، لإجهاض الثورة، لكل الشعب التونسي الواعي (نساء ورجالًا وشبابًا)، خرج إلى الشوارع مرة أخرى، كاشفًا المناورة الخفية، طاردًا النخب الانتهازية من الحكومة الانتقالية، لكن ما زالت المناورات والتآمرات الداخلية والخارجية تعمل معًا للقضاء على الثورة الشعبية التونسية.
السؤال الآن: أين المرأة التونسية المناضلة في هذه الحكومة الانتقالية؟ أغلب الوجوه التي رأيناها رجال، مع أن النساء التونسيات شاركن في الثورة الشعبية؟ قرأت في الصحف مؤخرًا أن مخرجةً تونسية أصبحت وزيرة للثقافة في الحكومة الجديدة، هذا خبرٌ جيد، لكن هل يكفي أن تكون المرأة مخرجةً سينمائية لتكون ضد القهر الطبقي الأبوي الداخلي والخارجي؟ هل تعيين امرأة وزيرة للثقافة يكفي لحماية الثورة الشعبية؟ هل يحمي الثورة الوزراء والوزيرات في الحكومات؟ أم المنظمات الشعبية التي قامت بالثورة، نساء ورجالًا؟ ألا تصبح الوزيرات النساء الثوريات (مثل الوزراء الرجال الثوريين) جزءًا من النظام الجديد الحاكم؟ ألم تتبنَّ النساء الوزيرات وعضوات البرلمان في بلادنا (والبلاد الأخرى في أمريكا وأوروبا بما فيها السويد) المصالح الطبقية الأبوية الدينية العرفية تحت اسم الديمقراطية؟ وإن تزايدت أعداد النساء في البرلمانات تحت اسم «الكوتة»؟ فهل زيادة العدد هي الفيصل أم تغيير العقلية الطبقية الأبوية العنصرية لدى النساء؟ لو نظَرنا إلى تاريخ القيادات الثورية في بلادنا والعالم فماذا نرى؟ ألم يتحوَّل الوزراء الاشتراكيون إلى رجالِ أعمالٍ رأسماليين بمجرد الجلوس في الكرسي؟ ألا يُغيِّر الكرسي من المبادئ التي يؤمن بها الرجل أو المرأة؟ ألم يخلعِ الرئيس التونسي المخلوع (بن علي) رئيسه السابق (الحبيب بورقيبة) تحت اسم ثورة التصحيح الديمقراطية الشعبية؟
منذ تولى «بن علي» الحكم في تونس زادت الدكتاتورية شراسةً تحت اسم الديمقراطية، بالضبط كما حدث منذ عصر أنور السادات في مصر مع الانفتاح على بضائع أمريكا وإسرائيل. تم اعتقال أو نفي أصحاب الفكر الإبداعي الحر خارج البلاد وداخلها، الخديعة الطبقية الأبويَّة الاستعمارية، تحت اسم الديمقراطية والليبرالية الجديدة، أنا مثلًا دخلتُ سجن السادات في مذبحة المعارضة المصرية سبتمبر ١٩٨١م، وطوال عهد «بن علي» لم أدخل تونس، كنتُ أتلقى دعوات من الشعب التونسي، نساءً ورجالًا، قرءوا كتبي ورواياتي، يأتون بالآلاف لسماع محاضراتي، في إحدى المرَّات تعطل المرور في تونس بسبب الزحام على المحاضرة، مما دعا المنظمين إلى تغيير وقتها ومكانها، فاستقل الناس القطارات لحضورها في جامعة القيروان. كان ياسر عرفات (يومئذٍ) في اجتماع بتونس مع قياداتٍ عربية، منهم وزير الإعلام في عهد عبد الناصر، قال لي محمد فائق: «كانت محاضرتك حديث تونس وياسر عرفات قال إن شعبيتك في تونس مثل أم كلثوم.» وقلت: «شعبية أي كاتب (أو كاتبة) لا تقارن بشعبية لاعب كرة أو راقصة أو مطربة عادية فما بال أم كلثوم كلها؟» حتى أصدر بورقيبة (قبل سقوطه في ١٩٨٧م) قرارًا بمنعي من دخول تونس. قلتُ في حديث للتلفزيون التونسي إن الحركة النسائية النضالية عبر القرون هي التي تُحرِّر النساء وليس الحاكم الفرد (بورقيبة حينئذٍ). سمع بورقيبة هذا الحديث (صدفة في التلفزيون) فإذا به يفصل رئيس التلفزيون من منصبه. كان بورقيبة يعتبر نفسه المحرر الوحيد لنساء تونس، كيف يسمح رئيس التلفزيون لمخلوق أو لمخلوقة أن تسلب الإله الحاكم من حقه المسجَّل في التاريخ الوطني ومناهج التعليم؟ نشرتِ الصحف المغربية خبر فصل رئيس التلفزيون بقرار من بورقيبة ذاته، كاشفة عن ديمقراطيَّته الزائفة.
من يضمن استمرار الثورة التونسية لتحقق الحرية والكرامة والعدالة لنساء تونس ورجالها بالتساوي؟ كم مرة شاركت النساء في الثورات الشعبية (الثورة الجزائرية، الفلسطينية، المصريَّة، اللبنانيَّة، السودانيَّة وغيرها من الثورات) ما إن استقر الحكم الجديد حتى أصبحت حقوق النساء في خبر كان؟ سؤال ورد في مقال د. منى حلمي في بابها غناء القلم ٢٢ يناير ٢٠١١م: هل تتحرر النساء (أوتوماتيكيًّا) من القهر الأبوي في الأُسرة حين يتحرر الرجال من القهر الطبقي في الدولة؟ سؤال أجاب عنه التاريخ بالنفي؛ لأن العام لا ينفصل عن الخاص، البيت أو الأُسرة لا تنفصل عن الدولة، التحرير الطبقي والأبوي يحدث في آنٍ واحد، لا يمكن تأجيل تحرير نصف المجتمع، النساء، حتى يتحرر النصف الآخر، تكتب د. منى حلمي: «يثور الرجل ضد الحاكم المستبد في الدولة، ويرجع إلى بيته مشتاقًا للاستبداد بزوجته.»