أقول لكم أيُّها السادة والسيَّدات
يا من تحاولون إعادة الزمن إلى الوراء، إلى ما قبل الثورات في بلادنا والعالم، من القاهرة في ميدان التحرير إلى ماديسون في ويسكونسن، وسوريا وليبيا واليمن والبحرين وغيرهم كثير من كافَّة بقاع الأرض. تحاولون إعادتنا إلى ما قبل الوعي الجماعي بالظلم والفساد والاستبداد في الدولة والعائلة والعالم، يترابط الكل من قمَّة الرأس إلى قاع القدمَين، من العالمي إلى الإقليمي إلى القومي إلى المحلِّي إلى العائلي إلى الفردي، من السياسي الاقتصادي الدولي إلى الجنسي الشخصي في الفراش، من خيانة دولةٍ عظمى لمبادئ دستورها لتغزو العراق وتنهب البترول، وتُساند إسرائيل في الغزو والنهب والقتل، من تلاعُب باراك أوباما في خطبة واشنطن بالثورات العربيَّة، من تلاعُب شيخ الأزهر بكلمة الرحمة لإنقاذ مبارك من عدالة القانون، من التجارة بالقيم الإنسانيَّة في بورصة السياسة والدين والأخلاق، من خيانة أرواح القتلى الآلاف في ميدان التحرير تحت اسم التسامُح والتصالُح، من خيانة رئيس صندوق النقد لشريكة حياته، وإخلاصه لشركاء السوق. لم يَفقدِ الرجل الاحترام بين الذكور رغم موت ضميره الإنساني، مثل غيره من الرجال الناجحين (من أهل المال أو السياسة أو الأدب أو الإعلام) يَسرِقون و«يُهبهِبون» بالورقة والقلم، بالحسابات الدقيقة المضبوطة في ظل القانون. ينتهكون أجساد النساء بالقانون دون عقاب أو عتاب، من نجيب الريحاني إلى بيرلوسكوني إلى ساركوزي إلى بيل كلينتون، وغيرهم من أزيار (جمع زير) النساء. يسيل لعابهم أمام أجساد السكرتيرات والخادمات من عمر بناتهم وحفيداتهم. الفساد الدولي والفساد الشخصي مترابطان، لا يفصل الذكر منهم بين نصفه الأعلى والأسفل، بين شهوته للسلطة والمال وشهوته للنساء وملذَّات الدنيا والآخرة؟ الفصل مستحيل كالفصل بين الدين والدولة؟ لم تنجح الأديان في كبح شهوات الرجال، مسيحيِّين مسلمين يهوديِّين بوذيِّين مؤمنين، لا دينيِّين، بينَ بين، بالإنجليزيَّة «أجنوستيك» «لا أدريِّين» باللغة العربيَّة. يقول الرجل منهم: لا أدري، هل الإله موجود. يسقط أغلب الرجال أخلاقيًّا من كل الأجناس والأحزاب: ليبراليَّة، يمينيَّة، ماركسيَّة لينينيَّة أو تروتسكيَّة، رأسماليَّة وطنيَّة أو غير وطنيَّة؟ أثبت التاريخ أنَّ فساد الرجال الجنسي لا علاقة له بالسياسة أو الدين أو الأيديولوجيا، ليس مسألةً هرمونيَّة ذكوريَّة بيولوجيَّة تتعلَّق بالجينات، إنَّها مسألة قانونٍ سياسي طبقي أبوي مزدوج فاسد، يرفع الحاكم عن المحكوم، يرفع الرجل عن المرأة، القانون الأخلاقي غير أخلاقي. يتبع السياسي الاقتصادي العقائدي، هو أساس التربية والتعليم المزدوج الفاسد في البيوت والمدارس والأحزاب والبرلمان. يتمتَّع الحاكم بالحصانة السياسيَّة وإن قتل ونهب. يتمتَّع الأب والزوج بالحصانة الأخلاقية وإن فسق. الزوج الخائن يظلُّ محترمًا بين العباد في باريس أو القاهرة أو الرياض أو بلاد تركب الجمال والأفيال. يخون الرجل زوجته مرارًا وتكرارًا، مع خادمة في فندقه، أو سكرتيرة في مكتبه أو مزارعة في حقله، أو عاملة في مصنعه، أو موظَّفة في دولته. لا يقل احترام الناس له، يعتبرونه فحلًا ذكوريًّا، يحتقرون الخادمة الصغيرة إن اغتصبها فحلٌ منهم، إن أنجبت منه يعتبرون طفلها غير شرعي، ينضمُّ إلى أطفال الشوارع بالملايين، أُمُّه يُسمُّونها عاهرة، تدخل في السجن عنبر المومسات، يدخل الفحل سوق الانتخابات، رئاسيَّة برلمانيَّة مجالس محلِّيَّة أو شورى وغير شورى، يصبح رئيس دولة أو رئيس برلمان أو رئيس المجلس الأعلى، ولِمَ لا؟ الرجل لا يعيبه إلا جيبه وكُلُّه بالقانون والورقة والقلم. منذ ظهور العهد القديم في العصر العبودي أصبحَتِ القوانين كلُّها مزدوجة، تُفرِّق بين البشر على أساس الدين والجنس والطبقة، أَمَر الإله يهوه بقتل كلِّ مَن لا يؤمن به، قد يقتل مدينةً كاملة لأن طفلًا فيها لا يؤمن به. أَمَر يهوه بقتل الطفل والأُمِّ غير العذراء، والمرأة الخائنة لزوجها، أَمَر بإلقائها في الماء الغويط، إن غرِقَت فهي آثمة، وإن طفَت فهي بريئة، كانت تنجو من الموت المرأةُ المتدرِّبة على السباحة والخيانة، وتغرق الفتاة الغريرة البريئة. أمَّا الرجل فلم يَأمرْ يهوه بامتحان عذريَّته أو إخلاصه الزوجي، لم يكن للرجل عذريَّة، أباح يهوه الخيانة الزوجيَّة للرجال، لِيضمنَ ولاءهم له، هو يهوه صاحب السلطة المطلقة في الدولة. الرجل منهم، صاحب السلطة المطلقة في العائلة، يملك أطفاله ونساءه وعبيده وجواريَه، لا تعلوه سلطةٌ إلا سلطة يهوه. كان يهوه يَحرِم النساء من تعاطي السياسة أو المال أو الجنس، يلزمن البيوت يطبخن الطعام لرجالهن بعد انتهاء اجتماعاتهم في الحزب الحاكم مع رئيسهم يهوه. تمَّ تحريم الضحك على النساء؛ لأنَّ الضحك يكشف التناقُض، يقود الضحكُ إلى الوعي بالظلم، فتبدأ الثورة تطالب بإسقاط رأس النظام يهوه. فساد البشر مثل فساد السمك يبدأ من الرأس، يعني العقل، هل أفسد يهوه عقول البشر؟ رئيس دولةٍ عظمى (بيل كلينتون) أو رئيس أعظم بنكٍ عالمي (دومينيك ستراوس كان) يشتهي جنسيًّا خادمةً من عمر حفيداته (ستراوس زعيم الحزب الاشتراكي الفرنسي مُحرِّر الكادحات) يغتصب الرجل الكبير البنت الصغيرة بمثل ما تغتصب دولةٌ كبرى أرض دولةٍ صغرى؟ يغتصب الجنود في أي جيشٍ أجساد النساء؟ لا يُوجد قانونٌ دولي حتى اليوم يعاقب دولةً قويَّة لاغتصابها أرضًا لا تَملِكها، أو عقاب جنديٍّ منتصر اغتصب امرأة. لا يُوجد قانونٌ يحاسب على الفساد والإفساد السياسي. لا يُوجد قانونٌ يعاقب رجلًا على الخيانة الزوجيَّة أو الجمع بين عددٍ مِن النساء، تُقتَل المرأة أو تُحبس أو تُحتقَر إن جمعَت بين رجلَين فقط، فما بالُ ثلاثة أو أربعة أو مائة؟ بدأت الثورة في مصر وبلادٍ أخرى كثيرة، عربيَّة وعالميَّة، لن تتوقف الثورات حتى تقضي على الفساد الدولي والمحلِّي، العامِّ والخاص، لن يعود الزمن إلى عصر العهد القديم، لن تعيش دولةٌ على قِيَم يهوه وشريعة الغاب، اغتصاب الأرض والمرأة. شُعلة الثورة أضاءت خلايا العقل المظلمة دون رجعة. لا يَنتكِس الوعي أبدًا إلى مَرحلةِ عدم الوعي، يتفتَّح عقل الشعوب على الأفكار المبدعة، يكتسب الملايين الوعي الضروري للثورة، لا يُمكِن أن يثور شعبٌ مظلوم إلا إذا اكتَسَب الوعي بالظلم. لا يمكن أن تثور امرأةٌ مقهورة إلَّا إذا اكتَسبَتِ الوعي بالقهر. هذا الوعي الممنوع، هذه المعرفة المؤثَّمة منذ يهوه، المُحرَّمة بالسياسة والتعليم والثقافة والخطوط الحمراء. لا يتجاوز الخطوطَ الحمراءَ إلا الشجاعة الثوريَّة، الثورة والشجاعة توءم المعرفة والوعي، أسقَطَتِ الثورة المصريَّة بعض رءوس النظام السابق، وسوف تَستمرُّ الثورة لإسقاط النظام كلِّه، رغم محاولات المنع والتحريم وخَلْق الخطوط الحمراء الجديدة. أقول لكم أيُّها السادة والسيِّدات، لقد انقضى العهد القديم، ومعه الخوف، كَسَر الشعب الحدود، انكشف المحجوب، وسقط الحجاب عن عقول الشباب.