تحنيط الحيوان
لعبت الحيوانات دورًا خطيرًا هامًّا في معتقدات قدماء المصريين، ليس هنا مجال البحث فيه، مما دعاهم إلى حفظ أجسامها وتحنيطها، والعناية بتكفينها، وكان لكل منطقة حيوان مقدس، وكان لكلٍّ منها مدافن خاصة.
وقد كان لهذه الحيوانات جبانات خاصة في جميع بلدان القُطر؛ ففي أبيدوس جبانة الطائر أبيس وكذلك في تونا الجبل، وللكلاب في أبيدوس أيضًا وفي مدينة بوباست للقط، وكانت جبانة العجل في منف معروفة بالسيرابيوم.
وكانت اللفائف حول الحيوان كثيرة تأخذ شكلًا هندسيًّا جميلًا كما يظهر من الصور المرفقة، وكانت توضع مومياء الحيوانات في توابيت خاصة، فخارية أو خشبية، أو برونزية أو جرانيتية، كما هو الحال في العجل أبيس، وكما هو واضح في الصور.
وبعد فحص كثير من الموميات وُجد أن بعض الحيوانات كانت تُدفن في التربة دون عناية إلى أن تتآكل أنسجة الجسم عدا العظام التي يستخرجونها، ويعتنون بلفها، ومظهرها الخارجي.
وقد أدت عملية تحنيط الحيوان عند قدماء المصريين خدمة جليلة لعلوم الحيوان؛ إذ كشفت لنا عن فصائل مختلفة كانت تعيش في مصر في الأزمان السحيقة، وأمكن دراستها علميًّا، وتمييز أنواعها والتطورات التي نشأت بها، ومكانتها من العقائد المصرية.
وكانت عجينة الراتنج تغطي في كثير من الأحيان موميات بعض الحيوانات، وكان جسم الطيور في الغالب يُغمس في مصهور من الراتنج، والقار المعدني ثم يلف، وقد أخذت قطاعًا عرضيًّا في مومياء حورس بعد فك الأكفان، وتبين منه أن جسم الحيوان مشبع بالراتنج، وأنه قد أجريت عليه عملية التحنيط كما هي؛ إذ تحتفظ في القطاع بالأجنحة والأحشاء وجميع أجزاء الجسم، وقد أجريت بعض التجارب على تحنيط بعض الطيور كما هي بمخلوط من منصهر بعض الراتنجات، والقار المعدني فأعطتني تجارب حسنة، ولا تزال هذه الحيوانات محتفظة بكيانها حتى الآن منذ ٣ سنوات.
وإذا فككنا أحد هذه الموميات عرفنا مدى اهتمام المصريين بذلك، وقد أجريت البحث على مومياء من حفائر تونا الجبل، محفوظة ضمن مجموعة في متحف معهد الآثار المصرية، وكان طول المومياء ٣٢ سم وعرضها ١١ سم كما هو واضح في الرسم [آخر الكتاب]، وفيما يلي شرح وافٍ لهذه المومياء.
-
(١)
اللفافة السطحية عبارة عن رباط من نسيج الكتان، عرضه ٢ سم، مثني منه نصف سم، والرباط مكوَّنٌ من ثلاث قطع، طولها بالترتيب: ١٢٠، ٨٥، ٧٥ أي إن مجموع طولها جميعًا ٢٨٠سم، هذا عدا بعض قطع صغيرة مربعة، ضلعها ١٥سم تقريبًا، وضعت بين اللفات، وكانت مشبَّعة بالراتنج، ويظهر أن الغرض منها تقوية الأربطة، وإعطاء المومياء بعض الخصائص المميزة للحيوان، وهذه اللفائف مربوطة جيدًا برباط معقود من الحلفاء.
-
(٢)
يلي ذلك قطعة كِتَّان مستطيلة تقريبًا غير منتظمة الشكل طولها ٢٧سم وعرضها ١٥سم، وهي تغطي الرأس، وتطوقها بحيث تحفظ للرأس شكله الطبيعي.
-
(٣)
لفائف عرضية ملفوفة عرضيًّا يتفاوت عرضها بين ٥–١٠سم، وهي عبارة عن ٣ قطع، مجموع طولها حوالي ٤ أمتار، وُجدت موصولة بعضها بخياطة دقيقة وملفوفة تحت الأربطة الطويلة.
-
(٤)
طبقات من النسيج بعضها فوق بعض، موضوعة على الجسم؛ حتى ترفعه إلى مستوى الرأس، ثم بعد ذلك بعض اللفائف الطولية والعرضية متقاطعة، وتكشَّفَت المومياء عن جثة كلب صغير طولها ٢٧سم، ممدودة أرجلها الخلفية إلى الوراء، وعرضها ٦سم، وطول الرأس ٨سم، وعرضها ٥سم، والجثة متآكلة وملآنة بالحشرات، وقد تفتتت العظام، ولكن الرأس قد احتفظ بشكله الجميل [بالرسم آخر الكتاب] وشعره الذهبي، واحتفظ الجسم بالجلد والشعر والأظافر، ودلَّ الفحص على أنها مومياء كلب صغير لا يتجاوز سنُّه ثلاثة شهور، وقد اشترك في الفحص طبيب بيطري، والأستاذ محمد عبد التواب الحته.
ونسيج اللفائف دقيق يحتوي كل سم٢ على ١٠ خيوط.
- (١)
نسيج اللفائف ١٠ × ١٠ خيوط في كل سم٢.
- (٢)
المومياء لكلب، وكان المظنون أنها لقرد، وبذلك يظن أنه كان للكلاب مدافن خاصة في تونا الجبل.
- (٣)
أمكن اختبار كلورور الصوديوم، وكربونات الصوديوم، مما يدل على أن النطرون قد استعمل في تحنيطه.
- (٤)
أمكن اختبار مركبات الكروم (الكرومات الصفراء) التي يُظن أنها استعملت في صباغة الأقمشة، وهذه أول مرة يشار فيها إلى الكروم، وهذه النقطة تحتاج إلى تحقيق أكثر.