وحش البحيرة!
أظلمَت قاعةُ العرض السينمائي بمقر الشياطين السري، وشرعَت آلاتُ العرض في العمل … وجلس الشياطين في القاعة الواسعة متناثرين فوق مقاعدها وقد لفَّهم الصمتُ ترقُّبًا لما ستعرضُه الكاميرات أمامهم، إن هذا الشريط السينمائي لا بد وأن تكون له علاقة بالمغامرة القادمة التي استدعاهم رقم «صفر» لأجلها على عجل.
ظهر فوق الشاشة مشهدٌ لبحيرة عريضة وقد أحاط بها ضبابٌ خفيف مما ينتشر فوق الجزر البريطانية، وراحت الكاميرا تقترب من نقطة بوسطِ البحيرة أخذَت تتَّسع حتى ظهرَت ملامحها … واكتملَت صورةُ الشيء الغامض بقلب البحيرة … وحدَّق الشياطين فيما أظهرَته الشاشةُ بجلاءٍ أمامهم غير مصدقين ما يرونه …
فقد برز من قلب الماء جسمٌ غريب يَصِل ارتفاعُه إلى مترين، وكان للجسم الغريب طبقةٌ جلدية سميكة ذات زوائد حرشفية صغيرة قاتمة اللون، وفي نهاية الجسم من أعلى برزَ رأسٌ كبير به عينان كبيرتان واسعتان مخيفتان … وفمٌ عريض … وتحرَّكَ الرأس الكبير يحدِّق في وجه الكاميرا ثم تهادى ببطء واختفى في الماء بينما ظهر بقيةُ الجسم طويلًا تحت حافة الماء … كان طولُه يصل إلى عشرين مترًا تقريبًا …
تبادل الشياطينُ النظراتِ في دهشة عظيمة وهم يتساءلون عن كنهِ ذلك المخلوق الغريب الذي لم يشاهدوا مثلَه في حياتهم … وتأخَّر تعليقُ رقم «صفر» ليشرح لهم سرَّ ما يشاهدونه وكأنه يريد أن يمتحنَ ردَّ فعلهم لما رأوه، وبدأ «أحمد» يتذكَّر، فقال بصوت خفيض كأنه يحدِّث نفسه: إنه وحشُ بحيرة «نيسي» في «اسكتلندا» …
وعلى الفور جاء صوت رقم «صفر» في وضوح يقول: هذا صحيح تمامًا يا «أحمد» …
واندهش «أحمد» أن رقم «صفر» استطاع سماعَ صوتِه الخفيض، والتفتَت رءوسُ بقيةِ الشياطين نحو «أحمد» في تساؤل! وجاء صوت رقم «صفر» مرة أخرى يقول: ما شاهدتموه أمامكم الآن على الشاشة هو وحش يعيش في البحيرات بشمال «اسكتلندا» ويُطلق عليه أهالي المنطقة اسم «نيسي»، وقد بلغ عددُ مشاهديه أكثرَ من ثلاثة آلاف مُشاهد، وتم تصويره بأفلام وصور عديدة أكَّدَت بما لا يدَعُ مجالًا للشك حقيقةَ وجوده. ومن المؤكد أيضًا أنه وحش غير مؤذٍ ينتمي إلى فصيلة ثعبان الماء، ولكنها فصيلة انقرضَت منذ ملايين السنين. أما تفسير بقاء وحش بحيرة «نيسي» حيًّا حتى الآن؛ فإن أحدًا لا يملكه حتى علماء الأحياء …
كتم الشياطين أنفاسَهم ترقُّبًا وإثارةً وهم لا يدرون ما هي علاقة مغامرتهم القادمة بذلك الوحش الخرافي من عصور ما قبل التاريخ! وظهرَت صورةٌ ثانية فوق الشاشة لا تقلُّ غرابة عن الأولى! وكانت الصورة تُشبه دبًّا قطبيًّا منفوشَ الشعر … غير أن جسم الوحش العجيب كان يرتفع عن الماء حوالي عشرة أمتار وله عينان جاحظتان هائلتان وجسدٌ سميك مجعَّد يبدو على البعد كما لو كان طبقةً كثيفة من الشعر.
وجاء صوت رقم «صفر» شارحًا: هذا وحشٌ مائي آخر يعيش في «كندا» ويُطلَق عليه اسم «كاري» للتدليل، وهو يظهر أمام ساحل «فانكوفر»، وقد تم تصويره مؤخرًا، أما أول شهود عيان لذلك الوحش فكان منذ قرن مضى … أي أن هذا الوحش قد خرج إلى الناس منذ مائة عام … أما عمره الحقيقي فربما يبلغ آلاف السنين … وأيضًا لم يستطع أحدٌ تفسيرَ بقاءِ هذا الوحش المائي من العصور السحيقة الماضية حيًّا إلى الآن.
وعلى الشاشة ظهر هيكلٌ ضخم يَصِل طولُه إلى عشرة أمتار وعرضُه مترين ملقًى على الشاطئ وبه بعضُ الزعانف على الجانبَين، والرأس صغير بالنسبة لحجم الجسم يُشبه رأسَ ثعبان الماء، وله أسنانٌ ضخمة مدبَّبة وعينان كبيرتان على جانبَي الرأس.
قال رقم «صفر»: أما هذا الكائن الغريب الذي ترونَه أمامكم فقد عُثر عليه ميتًا على شاطئ نهر «كلايو» باسكتلندا … ومن سوء الحظ أن أحدًا لم يهتمَّ بذلك الوحش الغريب من الجهات العلمية فتمَّ تقطيعُه ودفْنُه على الشاطئ بسبب ما كان يُصدره من روائح كريهة لوفاته.
وأُضيئَت الشاشةُ بنور أبيض خفيف دلالةً على انتهاء الفيلم القصير العجيب، وإن لم تُضَأِ القاعة بنور قوي، فأدرك الشياطين أن رقم «صفر» لا يريد إضاعةَ ما أثاره الفيلم من مشاعر في نفوسهم، وجاء بقيةُ حديثه يؤكد ذلك، فقال: وهناك وحشٌ آخر شهير يعيش في بحيرة «أوكاناجان» في جنوب «كولومبيا»، وقد شاهد هذا الوحشَ آلافٌ من سكان البحيرة والمناطق المجاورة، واعتاد الناسُ مشاهدةَ الوحش لدرجة أنهم كانوا لا يلتفتون إليه عندما يظهر في البحيرة … وهناك وحشٌ آخر يعيش في بحيرة «وينيبيجوسيس» الكندية ويُطلَق على الوحش اسم «أوجوبوجو»، وهذا الوحش له تاريخٌ قديم، وترجع أولُ رؤية له إلى أكثر من مائة وخمسين عامًا … وهو وحشٌ ضخم يبلغ طولُه حوالي ٢٠ مترًا وهو يُشبه وحشَ بحيرة «ينسي»، غير أن هذا الوحشَ مخادعٌ وماكر؛ فلم يُتَح لإنسان ما أن يقومَ بتصويره أبدًا … وصمت رقم «صفر» برهة، ثم أضاف: أمريكا أيضًا حَظِيَت بنصيبها من تلك الوحوش الغريبة العملاقة من وحوش ما قبل التاريخ؛ ففي بحيرة «تشامبلين» والتي تمتدُّ من «كندا» جنوبًا وحتى «نيويورك» يوجد وحشٌ يسمَّى «تشامب» نسبةً إلى اسم البحيرة … وحتى في اليابان … التقط أحدُ الأشخاص صورةً لوحش يسمَّى «إيسي» في بحيرة «إيكيدا» … وبعد ذلك تمكَّن شخصٌ آخر من التقاط صورة لوحشَين من نفس النوع في نفس البحيرة …
أضيئَت القاعةُ أخيرًا وسادها جوٌّ من الصمت والترقُّب لحظة، وتقابلَت عيونُ الشياطين في صمت وتساؤل، وقطع رقم «صفر» تساؤلاتِهم الصامتةَ قائلًا: في الحقيقة إن هناك تفسيراتٍ عديدةً لظهور هذه الوحوش المائية الضخمة التي انقرضَت منذ ملايين السنين، وإن كانت أقرب التفسيرات تقول إن هذه الوحوش المائية ما هي إلا حيوان «البليسيوسورس» المائي والذي انقرض منذ سبعين مليون سنة.
أما سرُّ بقاء هذه الوحوش المائية حية حتى الآن … فإن أحدًا لا يمكن أن يقطعَ بتفسير مؤكد لها … وإذا تركنا غرائبَ عالمِ الأحياء المائية فإن هناك شهاداتٍ وحقائقَ مؤكدة عن ظهور حيوانات ضخمة مما قبل التاريخ، مثل «التنين» الذي شُوهد عام ١٩١٢ في إحدى جزر شبه جزيرة «الملايو»، وكان طولُه يبلغ ثلاثةَ أمتار، وأيضًا بعض الغوريلَّات العملاقة التي يَصِل طولُها إلى ثلاثة أمتار … وبعض الثعابين الهائلة التي يبلغ طولُ بعضها أربعين مترًا ويمكنها أن تبتلعَ شخصَين معًا في وقت واحد.
وصمت رقم «صفر» لحظة ثم قال: أما في الشرق الأقصى وخاصةً في اليابان والصين فتنتشر الأساطير حول حيوانات التنين العملاقة والديناصورات الهائلة الحجم التي لا تزال تعيش داخل المحيطات والجبال الضخمة في حالة سكون … غير أنه يبدو أن الأمر ليس مجردَ أساطير، وأن له ظلًّا من الحقيقة بالفعل. وصمت رقم «صفر» مرة أخرى … وأحسَّ الشياطين أنه يقترب من هدفه، وقال بعد ثوانٍ قليلة وهو يقلب في بعض الأوراق أمامه: أنتم تعلمون أن الديناصورات نوعٌ من الزواحف سادَت منذ مئات الملايين من السنين وأنها حيوانات ضخمة هائلة الحجم متعددة الأنواع، غير أنه بسبب حلول العصر الجليدي على الأرض انقرضَت هذه الحيوانات الهائلة لعدم استطاعتها الحصول على غذاءٍ كافٍ لها … وبعض هذه الديناصورات كان من الأحياء المائية والبرمائية، وحتى هذا النوع منها انقرض أيضًا منذ ملايين السنين، ولم تتبقَّ لنا إلا بضعةُ هياكل وآثار لهذه الزواحف الهائلة الحجم، والتي كان يَصِل ارتفاعُ بعضها إلى ثلاثين مترًا ووزنها إلى خمسين طنًّا … ولم يحدث أن ادَّعى إنسان ما منذ آلاف السنين أنه شاهد أحد هذه الديناصورات، غير أنه منذ أسابيع قليلة جاءَت شهادة مؤكدة بظهور إحدى هذه الديناصورات البرمائية في المحيط الأطلنطي … وكان من ضحاياه عددٌ من البحَّارة الأبرياء الذين أغرقهم وسفينتهم الصغيرة في قلب المحيط.
وساد صمتٌ طويل، وتساءلَت «إلهام»: هل لهذا الديناصور الخرافي علاقة بمغامرتنا القادمة؟
وجاء صوت رقم «صفر» سريعًا يقول: بل إنه موضوع مغامرتكم القادمة!