ديناصور المحيط!
شمل الذهولُ وجوهَ الشياطين؛ فقد كانوا يتوقعون أيَّ احتمال إلا ما قاله رقم «صفر» … أن يكون هدفُهم وحشًا بحريًّا خرافيًّا من عصور ما قبل التاريخ بملايين السنين، وهم الذين اعتادوا مطاردة العصابات والمجرمين والأعداء.
وهتف «عثمان» قائلًا: هذا مذهل!
وجاء صوت رقم «صفر» هادئًا معلِّقًا: بالتأكيد إنه شيء مذهل وغير قابل للتصديق … ولكنه الحقيقة في نفس الوقت … فقد ظهر هذا الوحش الخرافي مرتين حتى الآن وفي كل مرة ظهر فيها كان هناك عددٌ من الضحايا الذين أوقعهم سوءُ الحظ في طريقه … وسأبدأ معكم منذ البداية … وصمت لحظة ثم قال: منذ شهر ونصف كانت سفينةُ شحن صغيرة محملة بشُحنة من الأجهزة الإلكترونية من ميناء «نيويورك» الأمريكي، وكانت جهةُ عبورها المحيطَ الأطلنطي قاصدةً مضيقَ جبل طارق ومنه إلى البحر الأبيض المتوسط وبعد أن تعدَّت السفينةُ جزرَ «برمودا» وبالتحديد عند خط العرض «٣٧» وخط الطول «٧٠» هُوجمت من ذلك الكائنِ البحري الغريب والذي لم يدَع للسفينة وركابها أيةَ فرصة للاستغاثة، وكل ما بعثَته رسالةُ الاستغاثة التي أطلقها ربَّان السفينة قبل غرقها هو عبارة تقول: أنقذونا … إن ديناصورًا بحريًّا هائلَ الحجم يهاجمنا ويحطم سفينتنا … لا أصدق ما أراه … هذا مستحيل … سوف نغرق … النجدة! وانتهت رسالة الاستغاثة، ويبدو أن السفينة غرقت بعدها مباشرةً. وعندما توجَّهَت أقربُ سفينة التقطَت نداءَ الاستغاثة إلى سفينة الشحن الصغيرة لم تعثر إلا على بعض الأخشاب الطافية فوق الماء والتي نتجَت من حطام السفينة الصغيرة، بالإضافة إلى جثث بعض البحارة المساكين الذين قتلَتهم ضرباتُ الوحش الخرافي … وهكذا لم يكن هناك ما يمكن إنقاذه …
صمت رقم «صفر» برهةً وكأنه يقلِّب الأوراق أمامه، ثم قال بعد لحظات قصيرة: ومنذ أسبوع أبحرَت سفينةُ شحنٍ أخرى صغيرة من نفس الميناء الأمريكي حاملةً بعضَ النظائر المشعة المحفوظة داخل صناديق سميكة من الرصاص، وحدث للسفينة الصغيرة نفسُ ما حدث للسفينة الأولى وفي نفس المكان تقريبًا من المحيط، وعندما هرَعَت أقربُ سفينة إلى مكان سفينة الشحن المحملة بالمواد والنظائر المشعة لم تعثر إلا على جثث القتلى وبعض الأخشاب الطافية في مساحة واسعة فوق الماء.
تساءل «أحمد»: ماذا قالت رسالة الاستغاثة التي أطلقها ربان السفينة الثانية؟
ردَّ رقم «صفر»: لم تكن تختلف كثيرًا عن رسالة الاستغاثة التي أرسلَتها سفينةُ الشحن الأولى في أن هناك حيوانًا بحريًّا ضخمًا أشبه بالديناصور يهاجم السفينة ويمزِّقها … وحتى الآن فإن أمامي عشراتِ التقارير من جهات أمنية عديدة اهتمَّت بالحادث خوفًا من خروج المواد المشعة من صناديقها وإلا لوَّثَت المحيط وتسبَّبَت في كارثة للأحياء المائية به؛ فأرسلَت دولٌ عديدة سفنَ الاستكشاف وطائرات الهليوكوبتر وغواصات الأعماق … وحتى هذه اللحظة لم يظهر لذلك الحيوان البحري أيُّ أثر على الإطلاق، كأنه اختفى في قلب المحيط الواسع!
قال «خالد» بصوتٍ تغلبُ عليه الدهشةُ: برغم غرابة المسألة فإننا مضطرون لمناقشتها ووضع بعض التصورات والاستنتاجات … وأول هذه الاستنتاجات أن ذلك الوحشَ يعيش في نفس المكان الذي هوجمت فيه السفينتان في المحيط أو يعيش قريبًا من هذا المكان.
رقم «صفر»: هذا استنتاج معقول.
إلهام: وأيضًا فإن هذا الوحش لا يهاجم إلا السفن الصغيرة كما حدث في المرتين، ويبتعد عن مهاجمة السفن الضخمة أو عابرات القارات.
رقم «صفر»: وهذا استنتاج معقول!
قال «أحمد» مفكرًا بصوتٍ عالٍ: هناك ملحوظة هامة … إن السفينتَين انطلقتَا إلى المحيط من ميناء واحد … «نيويورك».
رقم «صفر»: هل تريد أن تقول شيئًا يا «أحمد»؟
أحمد: أريد أن أسأل بضعة أسئلة؛ فربما كان في إجابتها ما يُنير لنا الطريق … أولًا: هل كانت السفينتان متجهتَين إلى إحدى الدول العربية؟
مرَّت لحظاتُ صمتٍ قصيرة بعدها قال رقم «صفر»: هذا صحيح تمامًا، وإن كان لا يسعني الإفصاحُ عن اسم الدولتَين اللتين ستستقرُّ بهما الشحنتان في النهاية لدواعي السرية.
تساءل «أحمد» مرة أخرى: وهل كانت الشحنتان هامتين وذات قيمة عالية؟
ردَّ رقم «صفر» في صوت هادئ: هذا صحيح تمامًا؛ فالشحنة الأولى كانت تحتوي على أجهزة إلكترونية ذات تطور تكنولوجي فائق، يمثِّل أحدثَ ما توصَّل إليه العقلُ البشري في أنظمة الدفاع الجوي، وقد تعاقدَت إحدى الدول العربية على استيراد وشراء هذه الأجهزة، وتم الأمر في سرية تامة حتى إن بحارة سفينة الشحن وربَّانها لم يكونوا يعلمون بحقيقة تلك الشحنة التي وُضعَت في صناديق ذات أقفال إلكترونية لا تملك مفاتيحَها إلا الدولُ العربية المستوردة لهذه المعدات … ومن المؤسف أن هذه المعدات والتي يصل ثمنُها إلى مئات الملايين من الدولارات غرقَت في المحيط مع غرق السفينة!
أكمل «أحمد» مفكِّرًا: لا شك أن الشحنة الثانية من المواد والنظائر المشعة كانت ضروريةً وهامة لبعض الأبحاث النووية للدولة العربية التي اشترَت تلك الشحنة.
رقم «صفر»: هذا صحيح تمامًا يا «أحمد»؛ فإن هذه الدولة العربية قامت باستيراد تلك المواد النووية والنظائر المشعة لأجل تطوير بعض أبحاثها في الانقسام النووي تمهيدًا لإنشاء مفاعل نووي … ومن المؤسف أن تلك الشحنة التي تمَّ شراؤها بعد معاناة كبيرة وسرية تامة أُحيطَت بالمشروع أنها فُقدت أيضًا وغرقَت في المحيط عشرات الملايين من الدولارات.
قال «أحمد» باسمًا: أليس من العجيب أن ذلك الوحشَ البحريَّ لم يهاجم إلا سفينتَين محمَّلتَين بأجهزة إلكترونية ومواد مشعة هامة جدًّا لدولتَين عربيَّتَين في حين أنه لم يهاجم أية سفينة أخرى كبيرة أو صغيرة بامتداد مساحة المحيط العامر بآلاف السفن؟!
وردَّ رقم «صفر» بصوتٍ يحمل كلَّ الثقة: وهذا ما استدعيتكم من أجله!
ازداد انتباهُ الشياطين ووصل إلى ذروته، وقد بدءوا يُدركون أخيرًا بعضَ إجابات علامات الاستفهام العديدة التي دارَت برءوسهم … وجاء صوتُ رقم «صفر» يقول: هذه الملاحظة هي التي دفعَتنا للتفكير والتساؤل بدهشة؛ إذ كيف يمكن لحيوان بحري أن يعرف بشحنتَي السفينتَين فيهاجمهما ويُغرقهما في المحيط؟! إن الأمر يبدو كما لو كان مؤامرةً لعدم وصول هاتين الشحنتَين الهامتين إلى البلاد العربية … وسيكون ضربًا من الخيال أن نقول إن هناك عصابةً أو أية جهة معادية قد حصلَت على حيوان ضخم من حيوانات ما قبل التاريخ لتستخدمَه في حربها السرية ضدنا وضد تقدُّمِنا العلمي والحربي … إن المسألة بها سرٌّ كبير … ومهمَّتُكم هي اكتشاف ذلك.
قالت «زبيدة»: مهمَّتُنا ستبدأ من «نيويورك».
رقم «صفر»: تمامًا … سوف تسافر مجموعة منكم إلى «نيويورك» على أول طائرة، وهناك ستستقلُّون سفينةَ شحنٍ صغيرة باعتباركم بحَّارتها، وسنُشيع أن تلك السفينة تحمل بعضَ قطعِ الغيار الهامة جدًّا لأحدث الطائرات التي امتلكها العرب، وأنه بدونها لا يمكن تشغيل هذه الطائرات، وسوف تُبحرون في نفس خط سَير السفينتَين السابقتَين.
أحمد: وهل تتوقع أن تكون هناك مواجهة ثالثة مع ذلك الحيوان البحري الرهيب؟
رقم «صفر»: بالطبع … لأننا لن نكتشفَ حقيقة هذا الحيوان إلا عند ظهوره للمرة الثالثة … إن مهاجمة ذلك الوحش للسفينتَين السابقتَين لم تكن مصادفة …
وصمت رقم «صفر» برهة قصيرة ثم قال: لقد تم حجزُ ستِّ تذاكر للمجموعة المكونة من «أحمد» و«إلهام» و«عثمان» و«خالد» و«زبيدة» و«رشيد» إلى «نيويورك» وستُقلع الطائرة بعد ساعة ونصف … وعندما تهبطون في مطار «نيويورك» ستجدون بقيةَ الترتيبات معدَّة لإبحاركم، وسوف يلحق بكم بقيةُ الشياطين في وقت لاحق للمساعدة إذا ما احتجتم إلى مساعدة. ثم سمعوا صوت رقم «صفر» وهو ينهض من مقعده، وجاءهم صوتُه يقول: أتمنَّى لكم حظًّا موفَّقًا.
وإن كان هذا يبدو أمرًا صعبًا جدًّا، بل يكاد يكون في حكم المستحيل؛ إذ كيف سيواجهون حيوانًا بحريًّا هائلًا من حيوانات ما قبل التاريخ وينتصرون عليه وهم موقنون أن كلَّ أسلحتهم ضده ستكون بالنسبة له مثل لعبة الأطفال؟!