جزيرة الديناصور!
جزيرة الديناصور.
ظهر الديناصور للشياطين وقد برز نصفُه العلوي فقط، وكان يرتفع ما لا يقلُّ عن عشرين مترًا، برقبةٍ طويلة قطرُها لا يقل عن متر ونصف، وله رأسٌ حادٌّ، وفكٌّ رهيب ذو أسنان أشبه بالخناجر الحادة، وعينان واسعتان مخيفتان، قطرُ كلٍّ منهما يَصِل إلى عشرين سنتيمترًا … وكانت له ذراعان أماميتان طولُ كلٍّ منهما لا تقلُّ عن خمسة أمتار، وقد ظهر ذيلُه من الخلف يمتدُّ تحت سطح الماء في منظر مخيف، وقد امتلأ جسمُ الديناصور بزوائد حرشفية قاتمة اللون.
وَجَم الشياطين لحظة وهم يحدِّقون في الديناصور الضخم الذي أخذ يحدِّق فيهم بعيونه الواسعة! ثم مدَّ رأسَه برقبته الهائلة الحجم تجاه «زبيدة» وقد فتح فمه المرعب عن آخره …
وصرخ «عثمان» محذِّرًا «زبيدة» فألقت بنفسها بعيدًا عن الفك المرعب، وفي نفس اللحظة انطلق من مدفع «أحمد» الرشاش عشراتُ الطلقات نحو رأس الديناصور، ولكن الطلقات ارتدَّت من رأس ورقبة الديناصور دون أن تخترقَ جلدَه السميك أو تمسَّه بأذًى …
والتفت الديناصور برأسه غاضبًا نحو «أحمد»، فألقى «أحمد» بنفسه بعيدًا، وفي نفس الوقت انطلقَت مئاتُ الطلقات من مدافع الشياطين نحو الديناصور الذي زاد هياجُه نحو السفينة وأمسك بها بقدمَيه الأماميَّتَين وهزَّها بقوة كأنها لعبة، فارتجَّت السفينة وفقدَ الشياطين توازنَهم فسقطوا على أرضية السفينة، وخبط الديناصور حاجزَ السفينة بيده فحطَّمه، وبدأ الماء يتسرَّب داخل السفينة، واعتدل «أحمد» واستعاد توازنه وقد التمعَت عيناه ببريق غاضب وصوَّب طلقةَ مدفع بازوكا نحو الديناصور، ولكن الديناصور الضخم تحاشى مسار الطلقة وجذبها بيده فانفجرَت في الهواء، وتناثرَت إلى شظايا بعد أن أطاحَت بأصابع الديناصور.
وجنَّ جنون الديناصور، وقبل أن يتمكن أحد آخر من الشياطين من استعمال أسلحته اندفع الديناصور نحو السفينة ولطمها بذيله الهائل لطمةً عنيفة شقَّت السفينة نصفين، ووجد الشياطين أنفسَهم يسقطون في قلب المحيط … وبدأت السفينة المحطمة تغرق ببطء.
وهتف «أحمد» في رفاقه: ابتعدوا عن هذا الوحش المرعب …
ولكن الديناصور استدار نحو الشياطين ومدَّ فكَّه المرعب نحو «عثمان»، فأسرع «عثمان» يسبح بأسرع ما يستطيع، وأمسك بخشبة كبيرة من حطام السفينة ووضعها في فم الوحش فسدَّه، وزأر الديناصور بغضب هائل وحاول إخراج الخشبة الكبيرة من فمه، وانتهز الشياطين الستة الفرصةَ فأسرعوا يبتعدون سابحين، وأشار «أحمد» إلى الشياطين أن يتبعوه وأخذ نفَسًا عميقًا وغاص لأسفل، وعلى الفور تَبِعه الشياطين.
وعلى مسافة خمسين مترًا كانت الغواصة الصغيرة تنتظرهم، حيث كانت مجهزةً من قبل لتتوقف عند هذا العمق في حالةِ تحطُّمِ السفينة وغرقِها … وأسرع «أحمد» يفتح أحدَ أبوابها وسقط في جوفها ليتناول كمامةَ أكسجين قريبة متصلة بأسطوانة أكسجين وتنفَّس بعمق. وتَبِعه بقيةُ الشياطين داخلين، وعندما اكتمل عددُهم انغلق باب الدخول، وأدار «أحمد» أجهزةَ تصريف المياه عن الغواصة، وأسرعوا جميعًا إلى غرفة القيادة الصغيرة في مقدمة الغواصة … وظهر فوق شاشتها الإلكترونية صورةٌ واضحة للديناصور الهائل الحجم وهو يبحث عنهم فوق سطح المحيط، وقد تناثرت أخشاب السفينة المحطمة فوق الماء، وعلى حين غاصَت الصناديق الثقيلة بحمولتها إلى قاع المحيط. وبدأ الديناصور يتحرك ببطء فوق الماء، كان يدفع الماءَ بذراعَيه الأماميَّتَين وقدمَيه الخلفيَّتَين للخلف، وذيلُه يعلو ويهبط في الماء مثل دفة تعمل بطريقة رأسية … على حين مدَّ الديناصور رأسَه ورقبته للأمام بعد أن نجح في التخلُّص من الخشبة الكبيرة التي كانت تسدُّ فمَه … وفي بطءٍ راحَت الغواصة تتبع الديناصور من أسفل على عمق مائتي متر …
خبط «رشيد» جبهتَه بيده وهو يراقب الديناصور فوق الشاشة الإلكترونية وقال ذاهلًا: إنني لا أصدِّق ما أراه … لقد كنتُ أظنُّ أن المسألةَ لهوٌ فارغٌ حتى آخر لحظة!
تحسَّس «عثمان» ذراعَه المصابة التي اصطدمَت بالديناصور عند محاولته التهامَه وقال: لا أظن أنني في حياتي سأنسى هذا المشهد المرعب، وذلك الديناصور المخيف الذي كاد أن يلتهمني!
ضحك «أحمد» قائلًا: لا أظنه كان سيجدك وجبة شهية يا «عثمان».
قال «عثمان» بغيظ: معك حقٌّ … من المؤكد أنني كنت سأنحشر في زوره لأخنقه …
قطَّب «أحمد» جبينه قائلًا: من المؤكد أنها فكرة ممتازة للتخلص من هذا الوحش … ومن المؤسف أنه فات أوانُ الاستفادة منها.
حملق «عثمان» في «أحمد» بدهشة! وانفجر بقيةُ الشياطين في الضحك، وسرعان ما كان «عثمان» يشاركهم ضحكهم الذي أنساهم لحظات التوتر العصبية التي عاشوها منذ وقت قصير …
وتساءلَت «إلهام» وهي تلفُّ رباطًا ضاغطًا حول قدمها التي أصابها الصندوق بالأمس قائلة: ترى إلى أين سيذهب هذا الديناصور؟
ردَّ «رشيد»: إلى بيته طبعًا … لعله في أحد الكهوف بقاعِ المحيط أو في إحدى الجزر.
أحمد: أرجو ألَّا يهبطَ إلى القاع؛ فإننا لن نستطيع اللحاق به؛ لأن غواصتنا غير مجهزة للأعماق الكبيرة وإلا حطمها ضغطُ الماء الثقيل فوقها مثل قشرة بيضة هشة.
راقب «عثمان» الديناصور فوق الشاشة الإلكترونية وقال: لا أظن أن هذا الوحش سيغوص إلى الأعماق وإلا لكان قد فعل منذ أن حطم سفينتنا … ومن الواضح أيضًا أنه لا يتنفس في الماء لأننا لم نرَ له خياشيم.
قالت «زبيدة» ساخرة: وكيف أتى إلينا إذن من قلب المحيط! لقد ظهر فجأة من جوف الماء، ولا بد أنه قطع المسافة غائصًا وهو يقترب منَّا تحت الماء؛ ولذلك فلا بد أنه يتنفس تحت الماء وإلا لكان قد اختنق كل هذا الوقت.
خالد: ليس شرطًا يا «زبيدة»؛ إن الحيتان لا تتنفس إلا الهواء، ومع ذلك فهي تستطيع أن تحبس أنفاسها تحت الماء مدة عشرين دقيقة.
قالت «إلهام» ضاحكةً متناسيةً ألمَ قدمِها: هذه مناقشةٌ طريفة … وبدلًا من أن نتساءل مَن يكمن خلف هذا الوحش الخرافي فإننا نتساءل هل يتنفس الهواء أم من الماء … ترى ما رأيك يا «أحمد»؟
قطَّب «أحمد» جبهتَه وقال بصوت غامض: أظن أنه لا يتنفس على الإطلاق.
تساءلت «إلهام» بدهشة: ماذا تقصد بذلك؟! وهل هناك أيُّ مخلوق لا يتنفس؟!
لاذَ «أحمد» بالصمت ولم يردَّ … وتعلَّقَت أعينُ الشياطين بالشاشة التليفزيونية … وبعد دقائق غاص الديناصور إلى قلب الماء واندفع في قلب الماء بسرعة وذراعاه وقدماه وذيله يعملون بطريقة سريعة مدهشة تدفعه في قلب الماء بسرعة لا تقلُّ عن خمسين كيلومترًا.
وراقب الشياطين الشاشةَ ذاهلين، وتمتمَت «زبيدة» وهي تهزُّ رأسَها غيرَ مصدقة: هذا عجيب … عجيب جدًّا! إنه وحشٌ مذهل تمامًا!
هتف «عثمان»: إنه أشبه ما يكون بغواصة لها أرجل وأقدام وذيل … سيكون مذهلًا لو اصطدنا هذا الوحش وعُدْنا به! ربما أفكر في استئناسِه للتمتع بركوب ظهره والسباحة به، وسأقطع تذاكر لمن يريد مشاهدته …
لم يعلِّق أحدُ الشياطين على حديث «عثمان» لفرط إثارتهم لمشهد الديناصور، وزاد «أحمد» من سرعة الغواصة لتلحق بالوحش المندفع في قلب الماء …
ونبضَت نقطةٌ في قلب شاشة صغيرة مستديرة إلى اليسار، فقالت «إلهام»: إننا نقترب من إحدى الجزر المرجانية الصغيرة.
ألقى «رشيد» نظرةً إلى خريطة كبيرة أمامه، وقال: لا توجد جزر في هذه المنطقة.
إلهام: من المؤكد أنها جزيرة صغيرة لا وجودَ لها على الخرائط، ولا بد أنها المكان الذي يختفي فيه هذا الوحش؛ ولذلك لم يكتشفه أيُّ إنسان من قبل؛ لأنه يسكن جزيرة مجهولة في قلب المحيط. واقترب الديناصور من شواطئ الجزيرة المرجانية، ثم ارتفع إلى سطح الماء واقترب من شواطئ الجزيرة حتى لامسها …
وأسرع «أحمد» يدير الغواصة لترتفع إلى سطح الماء ليتمكنوا من مشاهدة الديناصور … ومن خلال البوابة شاهدوا الديناصور وهو يخطو إلى شاطئ الجزيرة ويتقدم فوقها وسط أشجار الجزيرة، ثم يتوقف مكانه كالتمثال بلا حَراك.
ومضَت دقائق والوحش قابعٌ في مكانه بلا حراك، وهمسَت «زبيدة» بدهشة: ماذا حدث له … هل مات؟ وجاء الرد سريعًا … فقد ظهر مجموعة من الأشخاص وهم يحملون سلَّمًا كبيرًا واقتربوا من الديناصور فأسندوا السلَّم إلى رقبته، وصَعِد أحدُهم إلى رقبته وأخذ يعبث بجزء فيها في المكان الذي استقرَّت به شظيةٌ كبيرة، فانتزع الشظية من مكانها فانكشف جوفُ رقبة الديناصور عن مجموعة من الأسلاك والروافع أخذ الرجال يعالجونها بمهارةٍ وصمتٍ على حين كان بقية الأشخاص على الجزيرة قد راحوا يفعلون نفس الشيء بأيدي الديناصور التي أصابَتْها قذيفة «أحمد»، فأخذوا يُصلحون من وضع الأسلاك ويرقعون الجلد الخارجي بأجهزة خاصة.
وتمتم «عثمان» ذاهلًا: ما هذا الذي يحدث؟! إن هذا الديناصور ليس سوى آلة ضخمة!
ردَّ «أحمد»: هذا ما توقعتُه منذ البداية!
والتفتَ بقية الشياطين في تساؤل مثير!