في الأسر!
قال «أحمد» بهدوء قبل أن يندفع بقيةُ الشياطين في تساؤلاتهم: عندما أخبرنا رقم «صفر» أن ذلك الوحش قام بتدمير سفينتين كانتَا محملتَين بأجهزة دفاعية دقيقة ومواد ونظائر مشعة كانت ستستفيد منها الدول العربية أدركتُ أن هناك يدًا خفية يهمُّها ألَّا تصلَ هذه الأشياء إلينا، وبالطبع فإن مَن قام بذلك لا يمكنه أن يشتريَ أو يستأنس وحشًا من وحوش ما قبل التاريخ ليقوم له بهذه المهمة، ولكن من السهل صُنْع وحش ميكانيكي ضخم على شكل ديناصور مثلًا بحيث يُصنَع من لدائن لا تتأثر بالرصاص، ويمكنه السباحة أو الغوص، ويحتوي على قوة ميكانيكية ضخمة تمكِّنه من تحطيم سفينة صغيرة أو متوسطة كما يمكن التحكم به عن بُعْد بأجهزة إلكترونية لدفعه إلى تدمير السفن المقصودة، ثم العودة إلى تلك الجزيرة … حيث يختبئ مَن صنعوه ويسيطرون عليه.
تساءل «عثمان» بدهشة متزايدة: وما الذي يدفع هؤلاء الأشخاص الذين صنعوه أيًّا كانوا لتكبُّدِ كلِّ هذا العناء؛ فقد كانوا يستطيعون بسهولة تدميرهما بمهاجمتهما في عرض المحيط بطائرة حربية أو بطوربيد من إحدى الغواصات؟!
أحمد: في هذه الحالة كانت الدول العربية ستنتبه بشدة إلى ذلك العدوان وتبحث عمَّن قام بتدمير سفنها … أما في حالة خلق تلك القصة الخرافية عن الوحش البحري فإن الجميع سيُصيبهم الذعرُ ولن يجرؤَ أحدٌ على التشكيك في رواية الديناصور البحري أو حقيقته بعد أن رآه شهودُ العيان من بحَّارة السفينتَين.
وضاقَت عينَا «إلهام» وهي تقول: من حسن الحظِّ أن تنبَّهَ رقم «صفر» وأرسلَنا لتقصِّي الأمر … وسوف يُدهشه حقيقةُ ما اكتشفناه!
أحمد: لا أظن … إنني واثقٌ كلَّ الثقة أن رقم «صفر» يعرف منذ البداية أن ذلك الوحشَ البحريَّ ما هو إلا آلةٌ ضخمة جدًّا صُنعت للإيهام بتلك القصة عن الديناصور البحري …
اعترضَت «زبيدة» قائلةً: ولكن كل تلك القصص عن الوحوش البحرية وثعابين البحر، وكل تلك الصور والأفلام المفصَّلة عنها.
قال «أحمد» ضاحكًا: لقد كان يُهيئنا للمواجهة ليس إلا … كان الأمر بحاجة إلى جرعة من الإثارة لتحفيزنا على العمل، وأعتقد أن رقم «صفر» نجح في ذلك تمامًا.
تساءل «عثمان»: وماذا سنفعل الآن؟
ردَّ «أحمد»: سننتظر حلولَ المساء ونتسلل إلى الجزيرة لنستكشف حقيقةَ مَن قام بصنع هذا الوحش الآلي … وأعتقد أننا بحاجة إلى قدرٍ من الراحة بعد كلِّ ما تكبدناه في رحلتنا منذ بدايتها. أومأَ بقيةُ الشياطين برءوسهم موافقين، وأرسلَت «إلهام» رسالةً عاجلة إلى بقية الشياطين بجهة ما على شاطئ المحيط، وجاءها الردُّ أنهم سيصلون فجرًا، وبعدها سرعان ما كان الشياطين الستة يرقدون في فراشهم طلبًا للراحة وتأهبًا لمعركة كبيرة قادمة.
مع أول خيوط الليل استيقظ الشياطين وهم في قمة نشاطهم برغم أن نومهم لم يستغرق سوى ساعات قليلة.
وفي دقائق كانوا يرتدون ملابس مطاطية سوداء لتُخفيَهم في جولتهم الاستكشافية فوق الجزيرة، وانتعلوا أحذيةً مطاطية خفيفة، وكشافات ذات أضواء قليلة، وتسلَّحَ كلٌّ منهم ببعض الأسلحة الخفيفة … وتساءلَت «إلهام»: ألن نتسلَّحَ بالقنابل أو المدافع الرشاشة؟
أحمد: ليس هذا ضروريًّا؛ فإننا لن نشتبك مع الحراس، إن مهمتنا هي مهمة استكشافية فقط، وبعد أن نستكشف كلَّ أجزاء الجزيرة وحقيقة مَن يقيمون عليها فسنعود لإبلاغ رقم «صفر» بكل ما توصَّلنا إليه وننتظر تعليماتِه.
وافق بقيةُ الشياطين، وفي لحظات كانوا يخرجون من الغواصة ويسبحون في هدوء نحو شواطئ الجزيرة … وهمس «أحمد»: سنسير معًا ولا داعيَ لأن نتفرَّق، حتى إذا ما وقع أحدنا في مأزق كان من السهل نجدته.
وفي صمت الليل أسرعوا بحذر إلى قلب الجزيرة، وكان الوحش الآلي ما زال في مكانه تُخفيه الأشجار الاستوائية الكبيرة فوق الجزيرة بعيدًا عن أعين الفضوليِّين … وتحسَّس الشياطين الوحشَ وقد زالَت كلُّ رهبة من قلوبهم تجاهه.
وأومأ لهم «أحمد» فتَبِعوه، وعلى مسافة قليلة ظهر مبنًى صغيرٌ بلون أسود لا يرتفع أكثر من عدة أمتار … وينتشر على مساحة واسعة من الجزيرة وتحيط به الأشجار من كل الأركان فتُخفيه عن العيون …
اقترب الشياطين محاذرين، وأطلُّوا برءوسهم نحو النوافذ الزجاجية المضاءة فشاهدوا عددًا من الأشخاص في زيٍّ أبيضَ طويلٍ كالعلماء وهم عاكفون على بعض الأجهزة الإلكترونية أمامهم والشاشات الصغيرة التي امتلأَت بالخطوط المتقاطعة والنقاط المضيئة، على حين كانت هناك أجهزة أخرى يخرج منها أوراقٌ مخرمة تحمل بعض المعلومات …
ومن نوافذ حجرة أخرى شاهدوا أجهزة إرسال واستقبال كبيرة تمتد منها أسلاك خارج المبنى تصل إلى إيريال أُخفي بمهارة بين قمم الأشجار.
همسَت «إلهام» ﻟ «أحمد»: أعتقد أن هذه هي الأجهزة التي يتم فيها التحكم بالديناصور الآلي وتوجيهه إلى قلب المحيط.
ردَّ «أحمد» بصوت هامس: من المؤكد أن هذا المكان تسيطر عليه قوة معادية لديها استعداد للإنفاق بسخاء لمنع تقدُّم دولِنا العربية.
همسَت «زبيدة»: هذا واضح جدًّا … ولكن أليس من العجيب عدم وجود حراسة لهذه الجزيرة برغم أهميتها الشديدة للأعداء؟!
أجاب «رشيد» همسًا: ولماذا سيحرسونها؟! إنهم موقنون أن أحدًا لن يطأها أو يحاول استكشافها؛ لبُعدِها الشاسع ووجودها في قلب المحيط، بالإضافة إلى أن مساحتها بالكامل لا تتجاوز كيلومترات قليلة.
ولكنه كان مخطئًا … وتبيَّنَ خطؤه سريعًا عندما أُضيئَت المساحة التي وقف الشياطين بها بضوء قوي يغشى الأبصارَ فكشف عن عشرات الحراس الغلاظ الوجوه والذين صوَّبوا فوهاتِ مدافعهم الرشاشة نحو الشياطين، وقد ظهر في عيون الحراس أنهم مستعدون لأن يُطلقوا آلاف الطلقات نحو الشياطين عند أول محاولة للمقاومة، وعندما همَّ «عثمان» بإخراج مسدسه أوقفَته يدُ «أحمد» التي أمسكَت بذراعه في قوة … وقرأ «عثمان» في عين «أحمد» أنه لا فائدة من المقاومة.
وفي صمتٍ استسلم الشياطين للحراس، وساروا في وسط حلقة من المدافع الرشاشة المصوَّبة نحوهم، وهم يجهلون مصيرهم.