هروب … وحصار!
خطَا الحارس ﺑ «أحمد» داخل الزنزانة، وألقى به نحو الأرض، فلم يشعر الحارس إلا بنفسه وهو يطير في الهواء بعد أن أمسكه «أحمد» من ياقته وألقاه إلى الخلف بحركة جودو بارعة مفاجأة، فطار الحارس في الهواء واصطدمَت رأسُه بالحائط الصلب في عنف، فسقط فوق الأرض من قبل أن يتَّسع له الوقت لإطلاق آهة ألم.
ونهض «أحمد» على الفور، كان تظاهرُه بفقدان الوعي لخديعة «جوتو» والحراس بعد تأكُّدِه من اكتشاف أمره وبقية الشياطين، وخوفًا على المجموعة الثانية من الشياطين التي ستصل فجرًا … ولذلك تظاهر «أحمد» بأن الكهرباء أفقدَته وعْيَه وكانت شهقتُه جزءًا من تلك التمثيلية الصغيرة، وإن كانت الكهرباء قد سبَّبَت له بعضَ الحروق الخفيفة بالفعل فوق قدمَيه وذراعَيه مكان أسلاك الكهرباء العارية، ولم يكن لدى الشيطان الماهر أيُّ وقت، وعلى الفور خلع ملابسه وبدَّلها مع ملابس الحارس، واستولى منه على مجموعة المفاتيح وسلاحه الرشاش وفي لحظة كان يخطو خارج الزنزانة ويغلق بابها على الحارس.
سار «أحمد» في الممر الطويل بحذر، كان يريد الوصول إلى بقية زنازين الشياطين وتحريرهم، وخاصةً «إلهام» و«زبيدة».
واقترب أحدُ الحراس من «أحمد»، فأدار الشيطان وجهَه للناحية الأخرى، ولكن الحارس استوقفه بريبةٍ وسأله: هذه أول مرة أراك هنا!
ردَّ «أحمد» بثقة: إنني جديد وقد تسلَّمتُ عملي أمس فقط لحراسة مستر «جوتو»، إنه يريد أن آتيَه بالأسيرتَين فأين تقع زنزانتهما؟
أشار الحارس في صمت إلى زنزانة قريبة وهو لا يزال يحدِّق في «أحمد» بنفس الريبة، واقترب «أحمد» من الزنزانة وأدار عدة مفاتيح في قفلها قبل أن يستجيبَ له أحدها، ففتح الباب وخطَا إلى الداخل فشاهد «إلهام» وزبيدة في حالة شديدة من التعب، وقد تكوَّمَت الاثنتان فوق الأرض وتبعثر شعرهما، وظهرَت بعضُ الحروق الخفيفة فوق ذراعَيهما.
اشتعل «أحمد» بالغضب لمشهد الشياطين، واقترب منهما وهمس إلى «إلهام»: إنني «أحمد» يا «إلهام».
حدَّقَت «إلهام» في «أحمد» ذاهلة، وبسرعة صرخَت: حاذر يا «أحمد»!
التفتَ «أحمد» بسرعة البرق، فشاهد الحارس الذي سأله بالخارج وهو يَهُمُّ بضربه بمدفعه الرشاش، وعلى الفور استدار «أحمد» نصف استدارة وضرب الحارس ضربةً أسقطَته في الحال.
سقط الحارس بلا حَراك فوق الأرض، وغمغم «أحمد» بغضب شديد: هؤلاء الملاعين، أقسم لأذيقنَّهم من العذاب ما لم يروه في حياتهم أبدًا …
قالت «زبيدة» بصوت متألم: لقد تعرَّضنا لتعذيب بشع … ذلك الهواء الساخن كاد أن يشويَنا شيًّا للاعتراف، وتألَّقَت عيناها وهي تُكمل: ولكننا لم ننطق بكلمة.
قال «أحمد» باسمًا: ليس من عادة الشياطين الاعتراف إذا ما أُكرهوا عليه.
واستولَت «إلهام» على بندقية الحارس، وانسلَّ الثلاثة خارجين من الزنزانة، وكان الممر بالخارج خاليًا، فأشارت «إلهام» إلى ثلاث زنزانات متجاورة، وقالت هامسة: إنهم يحبسون «رشيد» و«عثمان» و«خالد» في هذه الزنازين.
هتف «أحمد»: سأحررهم حالًا.
وأسرع إلى أول زنزانة وأدار في قفلها المفتاح، وما كاد يخطو حتى اندفعَت الكرة المطاطية الشهيرة في ضربة صاروخية نحو وجهه، ولولا أن انحرف «أحمد» بنفس السرعة لحطمت له أنفه، وقبل أن ينتبه «عثمان» إلى شخصية «أحمد» كانت ضربته قد انطلقَت كالقذيفة نحو «أحمد» الذي تفاداها وقفز إلى ركن الحجرة ضاحكًا وهو يقول: إنني «أحمد» يا «عثمان»!
انتبه «عثمان» وحملق في «أحمد» ذاهلًا وهو لا يصدِّق عينَيه، وقال «أحمد» باسمًا: ليس هذا أوان الشرح، هيَّا بنا نخرج من هنا بسرعة.
وخرج الاثنان فانضمَّا إلى «إلهام» و«زبيدة» … وحرَّر «أحمد» «رشيد» و«خالد» من سجنَيهما فأصبحَت مجموعة الشياطين الستة أحرارًا … وفي كلمات سريعة أخبرهم «أحمد» بما دار بينه وبين «جوتو» الذي يبدو أنه السيد الآمر فوق الجزيرة، وأخبرهم عن المؤامرة التي دُبِّرَت في نفس المكان، وكيف أن شحنتَي الأجهزة الإلكترونية المعقدة والمواد والنظائر المشعة موجودة في أحد المخازن بالجزيرة، وأنهم استولوا على الغواصة الصغيرة أيضًا، فلمع الغضبُ في عيون الشياطين الخمسة واشتعلَت رغبةُ الانتقام في عروقهم …
وسارَت المجموعة بحذرٍ مقتربةً من نهاية الممر، وهمس «رشيد»: إننا بحاجة إلى أسلحة للدفاع عن أنفسنا.
ردَّ «أحمد»: سنحصل عليها سريعًا.
وأشار بيده فتوقَّف بقية الشياطين، كان هناك خمسة حراس قادمين، وعلى الفور توارَى بقيةُ الشياطين في إحدى الممرات، واقترب الحراس من «أحمد» وتجاوزوه بدون أن ينتبهوا له، وانقضَّ «أحمد» على آخر واحد منهم وكتم فمه بيده، وبيده الأخرى صوَّب له ضربةً عنيفة فتهاوَى الحارس بين يدَي «أحمد» بينما تكفَّل الشياطين الخمسة بالحراس … وانطلقَت الضرباتُ ساحقةً مفاجئة، وسرعان ما كان الشياطين يستولون على أسلحتهم …
وهتف «عثمان» بصوت غاضب: الآن يمكننا أن ننتقم من هؤلاء المجرمين، ويجب أن نقتنص ذلك القبيح المدعو «جوتو» لأكيلَ له من ضرباتي قبل أن أتخلَّص منه.
أحمد: لا تنفعل يا «عثمان». إن «جوتو» ليس وحده. علينا التخلص من الحراس العديدين هنا أولًا قبل أن نفكر في التخلص من هذا القبيح الغليظ.
قالت «إلهام» بقلق: إن هناك ما لا يقل عن خمسين حارسًا بالجزيرة وهم مسلحون جيدًا.
رشيد: أرى أن نؤجل هجومنا إلى حين مجيء بقية الشياطين لمساعدتنا.
أحمد: إن الوقت يجري بسرعة وسوف ينتبه الحراس لهروبنا؛ ولذلك فمن الأفضل أن نبادرهم بالهجوم.
خالد: معك حقٌّ يا «أحمد»، هيَّا بنا … من الأفضل اصطيادُ الحراس بالخارج، أما الحراس بداخل هذا المبنى فسيكون من السهل اقتناصهم عند محاولة خروجهم للدفاع عن زملائهم.
واندفعوا خارجين من المبنى في حذر … وهمس «أحمد» بصوت خفيض لرفاقه: حاذروا من استخدام أسلحتكم الآن … فلتؤجلوا استخدامها لآخر لحظة حتى لا ينتبهَ الحراس، وحتى نستطيعَ اقتناص أكبر عدد من الحراس في هدوء قبل أن ينتبهَ بقيةُ زملائهم.
أومأ الشياطين في صمت، وانتشروا داخل أشجار الجزيرة وقد أخفاهم الظلام … وظهر على البعد خمسة حراس وهم يسيرون بين الأشجار ضاحكين، وأومأ «أحمد» لرفاقه، وبإشارات من يده فَهِم بقيةُ الشياطين المطلوب منهم واختفوا في الحال لتنفيذ الخطة …
اقترب الحراس الخمسة من قلب الجزيرة، وأوشكوا أن يتجاوزوا منطقة الأشجار إلى المبنى الأبيض العريض، وفجأة سقط «عثمان» أمامهم كالشبح … من فوق رءوس الأشجار فجمدوا لحظة وقد أخذَتهم المفاجأة، وقبل أن تمتدَّ أيديهم إلى أسلحتهم كانت هناك خمس أذرع من فولاذ تطبق على أعناقهم وتُعاجلهم بضربات رهيبة تمدَّدوا على أثرها على الأرض بلا حَراك.
وأسرع الشياطين يُخفون الحراس خلف الأشجار … وظهر على البعد ثلاثةُ حراس آخرين، وكان أحدهم يهتف لزميله: أقسم لكما أنني شاهدتُ شبحًا يسقط من فوق الأشجار.
اعترض زميلُه ساخرًا وهو يقول: وهل تجرؤ الأشباح على الدنوِّ من جزيرتنا؟!
وقال الزميل الثاني: لعله قرد …
قال الحارس الأول معترضًا: ولكن القرود لا تعيش فوق هذه الجزيرة … دعونا نتفحص المكان.
أشعل الثلاثة بطارياتهم الجافة وصوَّبوها نحو مكان سقوط «عثمان»، ولكنهم لم يشاهدوا أيَّ أثر لشبح … وقال أحدهم ساخرًا: ألم أخبركما أن الأشباح تخشى هذه الجزيرة؟!
ولم يُكمل عبارته؛ إذ وجد الأرضَ تنشقُّ عن ثلاثة أشباح أمامهم … أما مهمة التخلص منهم فقام بها على أكمل وجه ثلاثةُ أشباح أخرى جاءت من خلف ظهورهم بدون أن يحسُّوا بها، وفي لحظات كان مصيرهم كزملائهم الخمسة.
رفع «أحمد» يدَه بعلامة النصر … وقالَت «إلهام» ضاحكة: لو استمررنا في هذه الخطة فمن المؤكد أنه سيكون أسهل قتال دخلناه في حياتنا.
ردَّ «أحمد»: لقد قال لي «جوتو» مفاخرًا إن الحرب خدعة … فليَذُق رجاله طعمَ خداعنا.
ألقَت «زبيدة» نظرةً إلى ساعتها الفسفورية، وقالت: لقد تبقَّت ساعة لحلول الفجر.
رشيد: سنمكثها هنا … وسنكون حَسَنِي الحظِّ لو صادفنا مزيدًا من الحراس.
وفجأةً سقط ضوءُ كشافٍ قوي نحو وجوه الشياطين، وبسرعة البرق ألقى الشياطين بأنفسهم على الأرض في اتجاهات مختلفة قبل أن تنطلقَ مئاتٌ من طلقات الرصاص نحوهم تشقُّ سكونَ الليل وتضيءُ المكان بصوت راعد.