النجدة … من الوحش الآلي!
لم يستغرق الوقت ما بين التماعة ضوء الكشاف القوي وإلقاء الشياطين أنفسهم بعيدًا عنه إلا أجزاء طفيفة من الثانية، ولولا ذلك لاخترقَت مئاتُ الرصاصات التي صُوِّبَت نحو بقعة الضوء أجسادَهم … ولم يكن الشياطين بحاجة لمن يكشف لهم ما حدث، وأدركوا أن هروبَهم قد اكتُشف وأن عددًا كبيرًا من الحراس خرج لمفاجأتهم …
وهتف «أحمد» في بقية الشياطين: تفرَّقوا بعيدًا.
وعلى الفور انطلقَت عشراتُ الرصاصات نحو مصدر صوته، فاحتمى بشجرة عريضة وصوَّب مدفعه نحو مصدر الضوء القوي وأطلق دفعة رصاص، وعلى الفور سَمِع صوتَ تحطُّمِ الكشاف الكبير وساد الظلام، وأخذ «أحمد» ينسحب بعيدًا ومئات الرصاصات تئزُّ فوق رأسه كالمطر … وفعل بقيةُ الشياطين نفسَ الشيء وهم يؤمِّنون انسحابَهم بطلقات مدافعهم الرشاشة.
وأصابَت طلقاتُ «أحمد» حارسَين على البعد، وتمنَّى لو استطاع الحصول على سلاحَيهما؛ فقد كاد الرصاص في رشاشه أن ينفد وهو نفس الموقف الذي سيواجه بقية الشياطين بعد قليل …
وعرف «أحمد» أنهم في موقف حرج … ولكن منذ متى والشياطين تخشى من المواقف الحرجة؟! أليست حياتُهم كلُّها مواقفَ حرجة؟! واشتعلت الرغبة في القتال بعروق «أحمد» وأطلق آخرَ دفعة رشاش معه نحو حارسَين تقدَّمَا نحوه من الخلف لمفاجأته … وارتمى على الأرض محتميًا من مئات الرصاصات التي انطلقَت حوله كالسيل، وحماه الظلام من اكتشاف مكانه بالضبط … ولم يستطع التقدم نحو مكان الحارس المصاب للحصول على مدفعه الرشاش … وفكَّر «أحمد» سريعًا؛ فقد كان موقفُه بلا سلاح موقفَ ضعيفٍ، وهداه تفكيره إلى فكرة؛ فأسرع يتسلَّق أقرب الأشجار، وكَمَن بين أغصانها في انتظار فريسته …
وسرعان ما اقترب أحدُ الحراس أسفل الشجرة بدون أن ينتبهَ للخطر الجاثم بأعلاها، وبخفةِ النمر قفز «أحمد» فوق الحارس الذي ارتطم بالأرض في قوة، وألقَتْه ضربةٌ من سيفِ يدِ «أحمد» أسقطَته أرضًا، وأسرع «أحمد» يستولي على سلاح الحارس … وتلفَّتَ «أحمد» حوله يسترق السمع، كان المكان هادئًا … ومن بعيد في أطراف الجزيرة دوَّت أصوات طلقات الرصاص بغزارة … وأدرك «أحمد» أن المعركة لا تزال مشتعلة بين الشياطين والحراس.
وعلى الفور أسرع «أحمد» إلى بقية رفاقه لمساعدتهم … وبخفة اقترب من مكان طلقات الرصاص … فشاهد الوحش الضخم راقدًا على الأرض بلا حَراك … وقد احتمَى بقيةُ الشياطين خلفه بعد أن نفد رصاصُهم والحراس في الأمام يُطلقون رصاصهم نحوهم وهم يصوبون كشافات باهرة الإضاءة نحو الشياطين …
كان الشياطين في موقف حرج بالفعل، وأدرك «أحمد» أن الحراس سرعان ما يصطادون الشياطين من كلِّ الجهات خاصةً وهم يفوقونهم عددًا بكثير.
ودوَّى صوت «جوتو» عبر الميكروفون وهو يقول: استسلموا أيها الشياطين وإلا فسيكون مصيركم الموت.
جزَّ «أحمد» على أسنانه وهتف بغضب: وهل لاستسلامنا أيُّ معنى آخر سوى الموت أيها القبيح الغليظ؟! وأمسك بمدفعه وصوَّبه نحو الكشافات الضخمة وأطلق سيلًا من الرصاص حطَّم الكشافات الضخمة، وساد المكان العتمة من جديد … وعلى الفور قفز الشياطين محتمين بالظلام والطلقات العشوائية حولهم من كل اتجاه … واقترب أحد الحراس فصوَّب «أحمد» مدفعه نحوه وضغط على زناده. ولكن رصاصة واحدة لم تنطلق منه … وعرف «أحمد» أن مدفعه قد فرغ من الرصاص … وعلى الفور قفز لأعلى ليتفادى دفعةَ الرشاش التي صوَّبها الحارس نحوه، وبضربةٍ قوية ألقاه على الأرض، وأسرع يحتمي خلف بعض الأشجار الكثيفة من رصاصات زملاء الحارس، وكان أكثر ما ضايق «أحمد» في مكمنه خلف الأشجار أنه لم يستطع الحصول على مدفع الحارس … وفكَّر في أن بقية الشياطين لا بد وأنهم يعانون نفس الموقف.
وقرر أن يتصرف بسرعة؛ فقد كان الموقف يزداد سوءًا والحراس يحاصرون الغابة الصغيرة التي يحتمون بها من جميع الجهات … ولا بد أن المجموعة الثانية من الشياطين الذين سيأتون فجرًا سيكونون صيدًا سهلًا على شواطئ الجزيرة وهم يجهلون ما يجري فوقها …
وألقى «أحمد» نظرةً إلى ساعته … بقيَ نصفُ ساعة على مجيء المجموعة الثانية من الشياطين … وكان عليه أن يتصرف بأي وسيلة لإنقاذهم … وحماية بقية الزملاء المحاصرين بلا سلاح …
وفي تلك اللحظة وقعَت عينَا «أحمد» على الوحش الآلي «توكي» ولمعَت الفكرةُ في ذهنه فتألَّقَت عيناه ببريق هائل، واندفع كنمرٍ شديدِ البأس نحو قلب الجزيرة … مقتربًا من الحراس الذين كانوا يحاصرون المكان … وكان من المستحيل أن يعبر المكان إلى المبنى الأبيض العريض في قلب الجزيرة بدون أن يكشفَه الحراس ويعاجلوه برصاصهم … وبخفة تسلَّق إحدى الأشجار، وأخذ يقفز من شجرة لأخرى في مهارة شديدة حتى دنَا من قلب الجزيرة … وعلى مسافة قصيرة بأسفل ظهر سطح المبنى الأبيض العريض … وببراعة قفز «أحمد» إلى سطح المبنى دون أن يلحظَه أحدٌ، وكَمَن لحظةً صامتًا فلم يسمع أيَّ صوت … وعرف أن أول جزء من خطته قد نجح …
ومن سطح المبنى قفز خلفه، ولم يصادفه أيٌّ من الحراس المشغولين بمطاردة الشياطين وكان قد بقيَ عشرون دقيقة فقط لانبلاج الفجر … ووصول المجموعة الثانية من الشياطين … اندفع «أحمد» إلى قلب المبنى دون أن يعترضَه أحد … وأسرع يجتاز الممر الطويل الذي سار فيه من قبل وحفظ معالمه في ذاكرته إلى القاعة الكبيرة التي شاهد «جوتو» يتحكم فيها بالوحش الآلي بأجهزته الإلكترونية.
وكانت خطة «أحمد» ببساطة هو أن يسيطر على الوحش ضد الحراس!
كانت خطة جنونية … ولكنها الشيء الوحيد الذي يمكنه إنقاذهم من الموقف السيِّئ الذي يعانون منه … واندفع «أحمد» إلى قلب القاعة … ووقع بصرُه على أجهزة التحكم الإلكترونية وشاشاتها المضاءة بالأشعة تحت الحمراء والتي أظهرَت الوحشَ راقدًا على الأرض …
ألقى «أحمد» نظرةً خاطفة إلى ساعته قبل أن يشرع في إدارة الأجهزة الإلكترونية … فجأةً أوقفه صوتٌ صدرَ من الخلف، والتفتَ «أحمد» بسرعة فشاهد «جوتو» واقفًا في مدخل القاعة يحدِّق فيه بعينَيه القبيحتَين وقد ازدادتَا جحوظًا كأنه لا يصدق ما يفعله «أحمد»!
وعلى الفور امتدَّت يدُ «جوتو» إلى مسدسه المعلَّق بجرابٍ في وسطه، ولكن قفزة «أحمد» كانت أسرعَ، فأطار بقدمه اليمنى المسدس بعيدًا، وبقدمه الأخرى وبحركة دوارة سدَّد ضربةً إلى «جوتو» الذي ترنَّح قليلًا إلى الخلف، وبضربة خاطفة قوية إلى «جوتو» انحنى لها من شدة الألم ثم استقام على أثر ضربة أخرى قوية جعلَت أسنانَه الفضية تصطكُّ بصوت قوي … وضربه «أحمد» بكل قوة لشدة غضبه وسدَّدها إلى «جوتو» الذي تهاوَى على الأرض … وعلى الفور جرَّه «أحمد» من ساقَيه وأجلسه فوق المقعد الكهربي وأوصل الأسلاك الكهربية به وأدار قرص الكهرباء إلى نهايته، وأصمَّ أُذُنَيه عن سماع صرخات «جوتو».
استغرقَت المعركةُ ثلاثَ دقائق بالضبط … وتبقَّت اثنتا عشرة دقيقة … وعلى الفور أدار «أحمد» أجهزةَ التحكم بالوحش الآلي … وشاهده وهو ينهض من رقدته كما لو كان قد استيقظ من نومه، وتبدَّى طولُه الكبير وحجمُه الضخم تحت أول خيوط الفجر كما لو كان جبلًا هائلًا متحركًا …
والتمعَت ابتسامةٌ قاسية فوق وجه «أحمد»، إن الحرب خدعة، كما قال «جوتو»؛ فليذوقوا من طعام خداعهم … وبدأ الوحش الآلي يتحرك والشاشة أمام «أحمد» تكشف كلَّ حركاته، وبقية الشاشات تكشف كلَّ جزء بالجزيرة …
وظهر مكان الشياطين الذي احتمَوا به أمام «أحمد» … وكان واضحًا أن سقوطَهم أصبح وشيكًا، وعددٌ كبيرٌ من الحراس يتقدَّم نحوهم من الأمام والخلف شاهرين أسلحتَهم … وعلى الفور حرَّك «أحمد» الوحش الآلي ليصدَّ الرصاص المنهمر كالسيل على الشياطين … واصطدم الرصاصُ بجسد الوحش الخرافي وارتدَّت في كل اتجاه … ففوجئ الحراس بالوحش الضخم!
ولكن «أحمد» لم يدَع لهم فرصةً للدهشة؛ فقد أدار ذيلَ الوحش بسرعة ليُطيحَ بالحراس ويُلقيهم وأسلحتهم على مسافة بعيدة … ثم شرع الوحش يطارد بقية الحراس من الخلف …
فوجئ بقيةُ الشياطين المحاصرين بما حدث، وأدركهم الذهول لما حدث، وسرعان ما استعادوا ثباتَهم وأدركوا أن الوحش واقعٌ تحت سيطرة «أحمد»، فقفزوا في سعادة، وأسرعوا يلتقطون أسلحة الحراس التي قضى عليها الوحش وشرعوا في مطاردتهم …
وحاصر الوحشُ بقيةَ الحراس في مكان ضيق، وبذيلِه سدَّد لهم ضربةً أخرى لم ينجُ منها سوى عدد قليل من الحراس شرعوا في الهرب في كل اتجاه … وتلقَّاهم رصاصُ الشياطين فحصدهم عن آخرهم …
انتصر الشياطين، وأخذوا يُطلقون الرصاص في الهواء ابتهاجًا، وأخذت «إلهام» تُربِّت على ساق الوحش المعدني الذي حدَّق فيهم بعينَيه الزجاجيَّتَين المصفحتين كأنه يشكرهم على خلاصِه من هؤلاء المجرمين.
وانضم «أحمد» سريعًا إلى بقية الشياطين فتعانقوا في سعادة … وأخبرهم أن «جوتو» لم يحتمل الكهرباء … وأنه ذهب إلى الجحيم.
تبدَّى الفجر في الأفق وأنار الجزيرة بلونٍ فضيٍّ رائع … وظهرَت مقدمةُ غواصة كبيرة على مسافة من الجزيرة، وانطلق منها زورقٌ بخاريٌّ سريع يشقُّ الماء وفي قلبه المجموعة الثانية من الشياطين، وقد تسلَّحوا بقنابلهم ومدافعهم وصواريخهم … وعندما خطوا فوق الجزيرة فُوجئوا بما قامت به المجموعة الأولى من عمل وانتهاء المعركة!
قالت «إلهام»: سأُرسل تقريرًا عاجلًا إلى رقم «صفر» بما تم.
فقال «رشيد»: وأنا سأبحث عن غواصتنا الصغيرة التي استولى عليها هؤلاء المجرمون.
وقال «عثمان» مفكرًا: من الأفضل نسْفُ هذه الجزيرة بمَن عليها.
أحمد: هناك مهمة أخيرة لنا فوق هذه الجزيرة قبل نَسْفها … لقد خبَّأَت العصابةُ شحنتَي السفينتَين داخل أحد المخازن في قلب الجزيرة، علينا استعادتهما ونقلهما إلى الغواصة الكبيرة لرقم «صفر» حتى يمكنَه إعادتهما إلى الدولتَين العربيَّتَين اللتين تمتلكانهما … إن المخزن بأطراف الجزيرة.
اعترض «خالد» بقلق قائلًا: وكيف سننقل هذه الصناديق الضخمة إلى الغواصة؟! إنها بحاجة إلى رافعة عملاقة لتحريكها.
ارتسمَت ابتسامةٌ واسعة فوق شفتَي «أحمد» وقال: هل توجد رافعة أفضل من وحشنا الآلي «توكي»؟! إنه كما جاء بها من المحيط فسيُعيدها إليه.
واتجه «أحمد» إلى غرفة التحكم بالوحش الآلي … ووجَّهه إلى مكان المخزن الكبير، فبدأ الوحش الضخم يحمل الصناديق وينقلها إلى الغواصة الكبيرة …
وانتهَت «إلهام» من إرسال تقريرها إلى رقم «صفر»، وجاء ردُّه بالتحية والشكر للشياطين لما قاموا به من مجهود … وسرعان ما عثر «رشيد» على غواصة الشياطين الصغيرة تحت الماء جنوب الجزيرة … وفي خلال ساعتين انتهى الوحشُ الآلي من شحن الصناديق داخل الغواصة، وانتهى بقيةُ الشياطين من زرع المتفجرات في كل مكان بالجزيرة …
وبعد أن انتهى «توكي» من مهمته أيضًا قام «أحمد» و«عثمان» بزرع المتفجرات حول جسمِه ورقبته وساقَيه، وقد استسلم لهما الوحش الآلي بصمت وبلا حَراك، وراقبتهما «إلهام» بعينَين حزينتَين كأنها ستفقد صديقًا عزيزًا. وسرعان ما كان الشياطين يعودون إلى غواصتهم الصغيرة وهم يراقبون فوق شاشاتها سطح الجزيرة لآخر مرة في حياتهم ووجه الوحش الآلي ينظر إليهم كأنه يُلقي إليهم النظرة الأخيرة … وبدأ عقربُ الثواني يدور بسرعة وغواصة الشياطين قد انطلقَت في عرض المحيط تسبقها الغواصةُ الكبيرة المحمَّلة بشحنتَي السفينتَين الغارقتين …
وصلَت لحظةُ الصفر … وانفجرَت أول قنبلة فوق الجزيرة، فتَبِعها عشراتُ القنابل الكبيرة لتُحيل الجزيرة إلى كتلة من اللهب محذرةً بأن هذا هو مصيرُ كلِّ مَن يحاول اعتراضَ أعجبِ مجموعة من الشياطين على وجه الأرض.