استغلال الوقت الضائع
في مناهج الدراسة التي أقدِّمها، أداوم على نصح تلاميذي باستغلال الوقت «الضائع». إذا استغللتَ الوقت الضائع، يمكنك أن تقضي وقتًا أكثر نفعًا في المذاكرة من أصدقائك الذين يسهرون ليذاكروا حتى منتصف الليل — وسيبدو الأمر كما لو أنك لا تذاكِر على الإطلاق.
(١) تعريف الوقت الضائع
الوقت الضائع هو ذلك الذي تستغرقه في السير إلى محطة القطار أو الأتوبيس، وهو الوقت الذي تمضيه منتظرًا في طابور البنك أو طابور دفع الحساب في محل المشتريات، وهو أيضًا الوقت الذي تمضيه في الانتظار في الهاتف، أو الوقت الذي تمضيه على متن القطار أو الحافلة أو الطائرة؛ كذلك هو الوقت الذي تمضيه في المطعم أو المقهى في انتظار وصول ما طلبتَه. جميعنا لديه وقت ضائع يمكن أن يحقِّق منه النفع.
هذا هو الوقت المناسب للمراجعة، ولإخراج دفتر أو بطاقات التعلُّم السريع؛ وإذا كان كتابك الدراسي أو كتاب العبارات بحوزتك، فسيمكن الانتفاع بهذا الوقت الذي كان سيضيع حتمًا لو لم تنتفع به.
ثمة أوقات ضائعة أخرى بالمثل: ماذا عن الحلاقة، أو غسيل الأطباق، أو كَيِّ الملابس، أو القيام بالمهام الروتينية في المكتب أو المنزل؟ يمكن أن تندرج تحت هذه الفئة أيُّ مهمة لا تقتضي التركيز. هذه هي الأوقات المُثلى لتشغيل الدروس المسجَّلة وتدريب أذنَيْك ومخك على اللغة المسموعة. وإذا لم تكن قادرًا على تشغيل تسجيلاتك أثناء مزاولة هذه المهام، فعلى الأقل بمقدورك التحدُّث إلى نفسك باللغة الهدف، وممارسة بعض التدريب المهم على اللغة.
ينبغي أن تحتفظ دائمًا بالتسجيلات كي تشغِّلها في سيارتك أثناء القيادة أيضًا؛ فبإمكانك أن تركِّز في الطريق والمرور في الوقت عينه. إن بإمكانك — في المعتاد — أن تُنصِت إلى راديو السيارة بلغتك الأم دون أن تتشتَّت؛ ومن ثَمَّ من المفترض — على الأقل — ألَّا تجد صعوبةً في تشغيل تسجيل اللغة التي تتعلَّمها في الخلفية أثناء القيادة.
(٢) استقطاع الوقت من الأنشطة الأخرى
عندما تستغل وقتَك الضائع في المراجعة، فما مقدار الوقت الذي تستقطعه من الأنشطة التي تحب مزاولتها؟ أنت لا تستقطع أيَّ وقت منها على الإطلاق. إنك لا تستقطع وقتًا من الأنشطة الأخرى كي تتعلَّم لغتك؛ فإنك ستفعل ذلك بينما تغسل الأطباق، أو تكوي الملابس، أو تحلق، أو تقود سيارتك، في كل الأحوال. هذا هو الوقت الذي كان سيضيع إذا لم تنتفع به، وهو منفعة هائلة. أنت تعمل كثيرًا على تطوير لغتك بفعالية دون أن تستقطع أيَّ وقت من الأنشطة الأخرى كي تفعل ذلك؛ لكنك تضيف ساعاتٍ أكثر على يومك. عندما يخبرني تلاميذي أنه لم يكن لديهم الوقت لتطبيق طرقي، أقول لهم إنهم لا يستخدمونها استخدامًا صحيحًا؛ كلٌّ منهم أضاع وقتًا كان يمكن الانتفاع به.
في حلقاتي الدراسية، أُعلِّم الطلاب استخدام وقتهم الضائع في تنفيذ مهام بعينها؛ إذ ينبغي استبقاء بعض المهام للوقت الضائع، فالمفردات أو القواعد النحوية أو المراجعة أمثلة على هذه المهام. احمِلْ دائمًا مجموعة من بطاقات التعلم السريع، وكتابًا دراسيًّا، أو كتابًا فكاهيًّا، أو أي مواد أخرى للقراءة باللغة الهدف، وفي أثناء انتظارك في طابور البنك، أو في طابور دفع الحساب في المتجر، أخرِجْ كتابك أو بطاقات التعلم السريع وراجع قليلًا. أحملُ معي دائمًا كتابًا لقراءته أثناء انتظاري في طابور البنك، ولا يتعين بالضرورة أن يكون كتابَ لغةٍ؛ يمكن أن يكون أي كتاب أقرؤه. لطالما فعلتُ ذلك، ومن حين لآخر، يُلقِي الناس بتعليقات، لكن عادةً ما تكون تعليقات إيجابية. إنني أتوقَّع الوقتَ الضائع، وأحرص على أن تكون بحوزتي موادُّ للقراءة، أو وسائل مساعدة لتعلُّم اللغة؛ وإلا فإنني أعتبِرُ الوقتَ ضائعًا بحق، وأستاء من أجل هذا الوقت المُهدَر. إن المكوث في المواصلات العامة أو على متن طائرة دون مواد للقراءة تعذيبٌ بالنسبة إليَّ؛ ولذا دائمًا ما تكون بحوزتي قراءات خفيفة ومعقَّدة على السواء.
إن لم يكن لديك أي شيء تقرؤه وأنت في طابور دفع الحساب في المتجر، فعلى الأقل تحدَّثْ إلى نفسك أثناء الانتظار (بالطبع ليس بصوت مرتفع). فكِّرْ كَمْ صِنفًا في عربة مشترياتك يمكنك معرفة تسميته في اللغة الهدف. أجْرِ حوارًا خاطفًا مع نفسك حول ما تفعله أو ما سيحدث أثناء انتظارك. إن كل ذلك نوع من الممارسة، وكله مفيدٌ.
انظر إلى الصحف والمجلات الموجودة عند نضد دفع الحساب، وفكِّر في مدى قدرتك على الترجمة من لغتك الأم إلى لغتك الهدف؛ بلا شك يمكنك استغلال الوقت استغلالًا أفضل من مجرد الوقوف هناك وترك مخك ينام. كلُّ هذا يحتاج بعض الجهد والتمرين في البداية، وإذا اتخذتَ من ذلك عادةً لك، فلن تجد المجهود المبذول كبيرًا، وستبدأ بفعل هذا تلقائيًّا. إن الاستفادة من وقتك الضائع أشبه بإضافة عامٍ آخَر أو عامين إلى عمرك.
(٣) التعلُّم في العمل
إذا كان لديك زملاء في العمل يتحدَّثون بلغة أخرى، فإن لديك فرصة كبيرة لتعلُّم هذه اللغة، وإن كان لديك زملاء يتحدَّثون باللغة التي تتعلَّمها، فإن هذا بمثابة فائدة إضافية. إن كنتَ تعمل مع متحدِّثين أصليين للُغات أخرى، فحاوِلْ أن تتعلَّم منهم، ولستَ مضطرًّا إلى أن تستقطع وقتًا من ساعات العمل. لقد عملتُ بالعديد من الوظائف حيث أمكنني ممارسة لغاتي الجديدة.
كان أحد زملائي في العمل — وأحد أصدقائي الأعزاء — من شمال أفريقيا، وقد كان يتحدَّث عديدًا من اللغات بطلاقة. دأب صديقي هذا على التحدُّث معي في أمور العمل باللغة الفرنسية؛ فبدلًا من أن أطرح سؤالًا متعلقًا بالعمل باللغة الإنجليزية كنتُ أطرحه بالفرنسية، وقد أخبرني صديقي أنني كنتُ الشخصَ الوحيد المهتم بالحديث معه عن المكان الذي كان يعيش فيه، وعن وطنه، وعن اللغات التي يلمُّ بها. من المحتمل جدًّا أن تجد في مكان عملك مَن يسعده التعاوُن معك في تحقيق مثل هذا الهدف؛ يمكنك أن تدَّخِر أسئلتك عن اللغة لتطرحها على المتحدِّث الأصلي للُغتك الهدف.
استغلَّ الوقتَ والفرص المتاحة لديك بالفعل، ولسوف تتعلَّم لغتك الهدف بسرعة قياسية، علاوة على أنك ستحيا حياةً أكثر إشباعًا.