التحدُّث مع الأشخاص
إن قضاء أحد الأيام بصحبة أشخاص يتحدَّثون بلغتك الهدف ويعيشون ثقافتها، يشبه من نواحٍ متعددة قضاءَ أحد الأيام في بلادهم. بمقدورك أن تنغمس في اللغة وتحصل على تدريب مكثَّف للغاية في تحدُّث اللغة وفهمها. إن الالتقاء بأشخاص من المتحدثين الأصليين لِلُّغة هو أكثر الطرق إمتاعًا لتحسين مهاراتك اللغوية، وهو أيضًا طريقة جيدة لتكتشف القواعدَ الاجتماعية لإحدى الثقافات — ما ينبغي أو ما لا ينبغي أن تفعله.
في مناسبةٍ معينة، استضفتُ أنا وزوجتي مجموعةً من الألمان في بيتنا، وقد سألتُهم باللغة الألمانية: «هل تريدون احتساء القهوة؟» فأجابت واحدة منهم قائلة بالألمانية: «شكرًا!» ومن ثَمَّ أعطيناها فنجان قهوة. كانت هذه هي المرة التي تعلَّمنا فيها أن «شكرًا» في الألمانية تعني «شكرًا، لا أريد.» فلو كانت تريد القهوة، كانت ستقول: «من فضلك.» بمعنى «نعم، من فضلك.» كان هذا درسًا عمليًّا؛ واحدًا من تلك الدروس التي لا تشتمل عليها كتبنا الدراسية.
إن وجودك برفقة مجموعة من الأشخاص الذين يتحدَّثون جميعًا بلغتك الهدف؛ يُجبِرك على أن تتحدَّث بها. وتعد هذه الطريقة ثاني أفضل طريقة لتحدُّث اللغة بعد زيارة البلد الذي تتعلَّم لغته (وهي أرخص كثيرًا).
(١) الالتقاء بمتحدِّثين أصليين لِلُّغة
ثمة عديد من الطرق التي تساعدك على الانطلاق والبدء في مقابلة الأشخاص. إن كانت هناك صحيفة محلية باللغة التي تتعلَّمها، فاشترِ واحدةً وابحث عن بيانات الاتصال بالمنظمات الثقافية التي ترعى الأشخاص المتحدِّثين بهذه اللغة، وإذا لم تستطِعِ الحصول على أي معلومات، فاتَّصلْ بالسفارة أو القنصلية المناسبة للحصول على اقتراحات. بإمكانك أن تعرج على أي كنيسة، أو معبد يهودي، أو مسجد، أو هيكل، أو مركز أو نادٍ ثقافيَّيْن. ابحث في دليل الصفحات الصفراء عن النوادي أو المنظمات التي ترعى الجماعة المتحدِّثة بلغتك الهدف.
في أغلب الأحيان، تُعلِن الصحف والإذاعات الخاصة بالمجتمعات اللغوية المحلية عن مناسبات خاصة يتسنَّى للعامة حضورها. تحتفل معظمُ الجاليات المهاجِرة بالعيد القومي لوطنها الأم وغيره من الاحتفالات. زُرْ متاجرَ بيع الكتب الخاصة بالمجتمعات اللغوية المحلية أو اللغات الأجنبية لتفقُّد إعلانات هذه المناسبات. قدِّمْ نفسك للأفراد بمتجر بيع الكتب؛ دَرْدِش معهم وكوِّنْ صداقات. ثمة كثير من الأنشطة التي يمكن أن تجدها هناك إذا بحثتَ عنها.
إذا كنتَ تتعلَّم لغةً من اللغات الرئيسية؛ مثل: الألمانية، أو الفرنسية، أو اليابانية، فإن بإمكانك الاستفادة من المنظمات الدولية؛ مثل: معهد جوته، ومنظمة آليانس فرانسي، ومؤسسة اليابان. تابِعْهم واعرف الأنشطةَ التي يقدِّمونها، وهم لديهم عادةً مكتبات جيدة وعديد من الوسائل المساعِدة لتعلُّم اللغات، بالإضافة إلى تقديم دروس تعليم اللغة، وإقامة المناسبات الخاصة، وإتاحة الفرص لالتقاء الناس والتحدُّث باللغة. إنها منهل عظيم إن كانت لديك أسئلة متعلِّقة باللغة.
(٢) حضور المناسبات الاجتماعية
إن حضورَ المناسبات الاجتماعية التي يتحدَّث فيها الأفراد بلغتك الهدف، وتجربة مهاراتك اللغوية؛ لَمغامرةٌ بكل تأكيد.
من الممكن الاستعداد لهذه المغامرة. تتمثَّل إحدى الطرق المفيدة في أن تُجرِي حوارًا مع نفسك باللغة الهدف؛ لتحمل نفسك على التفكير باللغة. اعتدتُ في بعض الأحيان أن أسافر بسيارتي من ألمانيا إلى فرنسا، كنتُ قد تعوَّدْتُ على الحديث والتفكير باللغة الألمانية؛ ومن ثَمَّ لكي «أنقل» عقلي إلى اللغة الفرنسية، كنتُ أتحدَّث إلى نفسي باللغة الفرنسية لدى اقترابي من الحدود. افعلْ نفس الشيء لدى زيارتك للنادي أو الكنيسة أو المركز الثقافي أو المطعم؛ فبهذه الطريقة لن تكون معقودَ اللسان إذا تحدَّثَ أحدُهم إليك على حين غِرَّة.
عند بداية تعرُّفك إلى الأفراد، حاوِلْ أن تحفظ أسماءهم في الحال؛ اكتبْ أسماءهم إذا لزم الأمر، أو اجعل أحدهم يكتبها لك. حاوِلْ أن تستخدم هذه الأسماء أثناء المحادثة، واحرص على أن تنطقها نطقًا صحيحًا، واسأل الآخَرين عمَّا إذا كنتَ تنطق أسماءَهم نطقًا صحيحًا.
كي تقطع حبل الصمت، ربما يروق لك أن تسأل عن الممارسات التي تثير اهتمامك: «أيمكنك أن تشرح لي لماذا يبدو كلُّ فرد …؟» عادةً ما يجد الأفراد متعةً في الإجابة عن هذه النوعية من الأسئلة. انتهِزِ الفرصة كي تعرض على الآخرين مشروباتٍ أو مرطباتٍ بلُغتهم. حاوِلْ أن تنسجم وتتحدَّث باللغة قدر الإمكان؛ سيقدِّر الأفراد المجهودَ الذي تبذله؛ فتعلُّمُ لغة الآخرين عملٌ ينمُّ عن الصداقة.
عندما تحضر مناسبات اجتماعية، كنْ مستعِدًّا بكل الوسائل الممكنة لطرح الأسئلة، لكن لا تستحوذ على وقت أي فرد بأسئلتك؛ فالناس يحضرون هذه الفعاليات للاستمتاع. إن واتَتْك الفرصة لتطرح أسئلتك اللغوية، فحاوِلْ أن تطرحها بسرعةٍ وأَجزِل الشكر.
(٣) تكوين الصداقات
ربما يكون الوافدون الجدد إلى بلدك حريصين على تكوين صداقات مع أبناء البلد ومتحدِّثي اللغة الإنجليزية (اللغة الأم)، بنفس حرصك على مقابلة متحدثين أصليين للغتك الهدف، فإذا كوَّنتَ صداقة مع أحدهم في إحدى المناسبات الاجتماعية، يمكنك أن تعرض عليه المساعدة في التغلُّب على تعقيدات العيش في بلادك. يمكنك أن تتابِع التواصُل معه من خلال زيارات شخصية، ويمكن أن يساعد كلٌّ منكما الآخَر في دراسته اللغوية.
تكوين أصدقاء جدد يمكن أن يزيد من متعة المغامرة.
(٤) زُرِ البلد الذي تتعلَّم لغته
إذا كان بإمكانك تدبير زيارة إلى بلد لغتك الهدف، فهذا أمر رائع؛ فما من شيء يمكنه أن يتيح لك ممارسة اللغة أو يمنحك الثقة في استخدامها، مثل شراء تذكرة أتوبيس، أو طلب وجبة، كما أن السفر هو أفضل طريقة لمقابلة المتحدِّثين الأصليين باللغة.
على ما يبدو، تتمتَّع المجموعات اللغوية المختلفة بثقافات مختلفة، وحتى داخل المجموعة اللغوية الواحدة ستجد فروقًا، فنجد أن متحدثي كثير من اللغات؛ مثل الإسبانية والفرنسية والإنجليزية، أشخاص من ثقافات شديدة الاختلاف. من الجيد أن تكون مُلِمًّا بقدر الإمكان عن البلد الذي تزوره وشعبه وثقافته «قبل» الزيارة؛ أرى هذا جزءًا جوهريًّا في تعلُّم اللغة.
جمِّعْ أكبر قدر مستطاع من المعلومات السياحية من الإنترنت قبل ذهابك. حمِّلْ خرائط البلد ومقالات حول عاداته وثقافته. تصفَّحِ المواقع الإلكترونية السياحية وحاوِلْ أن تعثر على نصائح شخصية من المسافرين الذين زاروا قبلك البلدَ الذي تنوي زيارته. دائمًا ما تكون الصفحات السياحية الحكومية مفيدة في هذا الصدد. ابحث عن حقائق وأرقام بشأن البلد؛ ما اللغات المتحدَّث بها هناك، ومَن هم المتحدِّثون بها؟ ما هي الأديان التي يدين بها الناس هناك؟ وما عدد المدينين بكلٍّ منها؟ ما التعداد السكاني للبلد، ولكلٍّ من المدن الرئيسية؟ ما وسائل المواصلات الرئيسية؟ كيف ينبغي أن ترتدي ملابسك؟ هل ينبغي أن تغطي رأسك أم تتركها مكشوفة؟ أينبغي أن تخلع حذاءك قبل أن تدخل منزل أحدهم؟
لا يشتمل منهج تعلُّم اللغة على كل هذه المعلومات، بل ستجدها — على الأرجح — على الإنترنت وفي أدلة السفر.
إذا كنتَ مسافرًا إلى بلدٍ لأسباب متعلِّقة بالعمل، فمن الضروري أن تُلِمَّ بأكبر قدر ممكن من المعلومات عن ثقافة البلد وتقاليده. يبدو هذا أمرًا بديهيًّا، بَيْدَ أني رأيتُ كثيرين يزورون بلدانًا ويرتكبون أخطاء بالغة البساطة، فيدمِّرون أي فرصة للنجاح؛ من الجيد أن تطلب نصائح من هذه النوعية من أبناء البلد الذين ستعمل معهم؛ أخبرهم أنك لا تفهم ثقافة البلد جيدًا، واطلب مساعدتَهم ونصائحَهم، واطلب منهم أن يَعْذروك مقدَّمًا على أي أخطاء قد تقع فيها. أيضًا عندما تغادر البلد، اعتذر عن أي أخطاء ربما تكون اقترفْتَها؛ لقد توصَّلْتُ إلى أن هذا سلوك حسن. وبإمكانك أن تتجنَّب المواقف غير السارة في البلد الذي تسافر إليه إنْ كنتَ مستعدًّا، كما أن ذلك يعظِّم فُرَصَك في تكوين علاقات عمل وصداقات جيدة مع الأشخاص الذين تلتقي بهم.
(٥) زُرِ الجاليات المحلية
بلا ريب، زيارة البلد الذي تتعلَّم لغته أمر مثالي، لكن في الوقت ذاته، يلي ذلك في المنفعة زيارة الجاليات المحلية المقيمة في بلدك التي تتحدَّث لغتك الهدف. تضم معظم المدن الأسترالية الكبرى حيًّا صينيًّا، ويوجد في الكثير منها مناطق خاصة بالجاليات اليونانية والإيطالية والفيتنامية، وغيرها كثير من الجماعات العِرْقية. ثمة أماكن ونوادٍ لتجمُّع الجماعات الدينية التي ترعى المتحدثين من مختلف اللغات؛ تردَّدْ على هذه الأماكن في مدينتك، واعثرْ على أحدهم لتتحدَّث معه. هل تتعلَّم اللغة الفيتنامية؟ زُرْ مطعمًا فيتناميًّا أو أحد المتاجر التي يديرها فيتناميون؛ حيث يمكنك أن تمارس مهاراتك اللغوية. وإذا كنتَ تتعلَّم اللغة الألمانية أو الفرنسية أو التايلندية أو اليونانية أو الإيطالية أو الصينية أو الفيتنامية، فإن ثمة كثيرًا من المطاعم التي يمكنك أن تزورها لممارسة التحدُّث باللغة.
هذه طريقة ممتعة للانغماس في اللغة. استغِلَّ الفُرَص؛ ستجد كثيرًا من الفرص إذا بحثتَ عنها.
(٦) لا تقلق بشأن الوقوع في الأخطاء
عادةً ما يرحِّب الناس بالتحدُّث إلى الآخرين الذين يبذلون مجهودًا لتعلُّم لغتهم، بل يحرصون بشدة على فعل ذلك؛ وفي الأغلب سوف يساعدونك على تحسين مهاراتك اللغوية. لا تقلق بشأن الوقوع في أخطاء، ولا تشعر بالإحراج. إن تعلُّم لغة ليس مباراةً، ولن يعاقبك أحدهم إذا استخدمتَ «فعلًا» استخدامًا خاطئًا، أو كانت لديك صعوبةٌ في توصيل ما تريد قوله للآخرين.
لم تتجاوز معرفتي باللغة الصينية الإلمام بالتعبيرات المهذبة الأساسية، بَيْدَ أن قول «مرحبًا»، و«من فضلك»، و«أشكرك»، و«تصحبك السلامة» باللغة الصينية، ساعدني على تكوين صداقات كثيرة (وباستطاعتي أن أطلب مشروب ميلو المثلج باللغة الصينية).