برنامج الانغماس في اللغة
عندما تحرِز بعض التقدُّم في دراساتك، ويصبح لديك بعض المواد التي تحتاج إلى مراجعة، خصِّصْ يومًا للاستغراق الكامل في مذاكرة اللغة؛ فبقضاء يومٍ كاملٍ في تحدُّث اللغة والتفكير بها سوف تُحرِز تقدُّمًا هائلًا. هذا هو ثاني أفضل شيء يمكنك فعله بعد زيارة البلد المُتحدِّث بلغتك الهدف، بل يمكن — في الحقيقة — أن يكون هذا أفضل من «وجودك هناك»، إذا قضيتَ الوقت في التعلُّم بالفعل؛ لأنك لا تقضي وقتَك بالضرورة في تعلُّم اللغة عندما تعيش في بلد أجنبي؛ فكثيرون يعيشون في أحد البلدان لسنوات دون تعلُّم لغتها قط.
(١) فوائد أيام الاستغراق
في بداية وصولي إلى ألمانيا، اكتشفتُ أنه كان بمقدوري فهم اللغة المنطوقة جيدًا، غير أنني لم أستطِعْ فهمَ نشرات أخبار الراديو؛ فهي تستخدِم لغةً مختلفةً أكثر رسميةً؛ ومع ذلك، بعد فترة، وجدتُ أن بمقدوري متابعة نشرات الأخبار جيدًا. وتأتي القدرة على فهم ما يُقال في آخِر المطاف. في البداية، وجدتُ أيضًا أن التحاور باللغة الألمانية سوف يُجهِدني؛ فبعدَ التحدُّث مع أصدقائي لبعض الوقت، كان تركيزي يبدأ في الضعف. كان أصدقائي يرون مسألة تراجع إتقاني لِلُّغة في أواخر الليل وتعثُّري في التعبير عن نفسي؛ أمرًا مضحكًا للغاية. كنتُ أجد أيضًا أن استماع المحاضرات باللغة الألمانية سرعان ما يُجهِدني؛ إذ يتعيَّن عليَّ أن أركِّز بدرجة أعلى مما أفعل في الطبيعي، بل في إحدى المرات اندهَشَ الجميع عندما طلبتُ من المحاضر أن يقول أي شيء مهم في أول عشر دقائق من المحاضرة؛ فلا يمكنني أن أضمن بعد ذلك أن أكون مُنصِتًا أو — على الأقل — قادرًا على التركيز.
لم تكن تجاربي مع اللغات الأخرى مختلفة؛ فقد وجدتُ أنني أشعر بالإرهاق بعد الاضطرار إلى التركيز في التحدُّث باللغة الفرنسية أو الروسية أو الهولندية لمدة ساعة تقريبًا؛ وعليه فإن النصيحة الوحيدة التي يمكن أن أقدِّمها لك هي الانغماس في اللغة لأطول وقتٍ ممكنٍ «قبل» أن تحتاج إلى استخدامها في الحياة الواقعية. بينما تفكِّر باللغة وتتدرَّب على استخدامها، ستصبح أكثر براعةً، وسرعان ما ستجد أن مستوى تركيزك ليس بالأمر الشديد الأهمية؛ فحالما يصير تفكيرك باللغة أكثر سهولةً، لن يتعيَّن عليك التركيز كثيرًا على تركيب الجملة.
كل هذا جزء من عملية تعلُّم اللغة، فلا تنزعج منه؛ استعِدَّ له فحسب. وبتخصيص أيامٍ للانغماس في اللغة، يمكنك تقليل المشكلات إلى الحد الأدنى؛ حيث تعالجها بقدر المستطاع وأنت لا تزال تتعلَّم في المنزل.
(٢) الاستعداد ليوم الانغماس في اللغة
يتعيَّن عليك التخطيط ليوم الانغماس مُقدَّمًا وتجهيز أدواتك له. إلى جانب المواد التعليمية، أعِدَّ مختاراتٍ جيدةً من الموسيقى المسجَّلة والكتب المسموعة (إذا شعرتَ في أي وقت أن الانغماس في اللغة قد أرهقك، وأنك تحتاج إلى استراحة؛ يمكنك الاستماع إلى هذه الموسيقى بينما تستريح لتناول القهوة أو وجبة طعام). انظر إنْ كان هناك أي برامج في الراديو الخاص بمجتمع متحدثي هذه اللغة يمكنك أن تستمع إليها في هذا اليوم، حتى إن كنتَ ستشغلها كمجرد أصواتٍ في الخلفية لتعديل الحالة المزاجية. وإن كان من المقرَّر عرْضُ فيلم باللغة التي تتعلَّمها، أو إطلاقُ بثٍّ إذاعيٍّ في هذا اليوم، فأَدْرِجه كجزء من برنامجك لليوم، أو جهِّزْ بعض مقاطع الفيديو أو أقراص الفيديو الرقمية من أجل هذا اليوم.
كما تحتاج إلى تجهيز مواد ممتعة للقراءة، بالإضافة إلى كتب الدراسة والعبارات خاصتك. جَهِّزْ مجلاتٍ وكتبًا فكاهية، وكتبًا مصوَّرة، أو ربما عليك تخصيص إحدى الروايات الممتعة لتقرأَها في هذا اليوم. إنها لفكرة جيدة أن يكون لديك شيء مميَّز ادَّخرتَه خِصِّيصَى من أجل هذا اليوم؛ يمكن أن يكون هذا كتابًا جديدًا، أو كتابًا مصوَّرًا، أو مقطعَ فيديو باللغة الهدف؛ أيَّ شيء ترى أنك سوف تستمتع به.
اشترِ بعضَ الطعام الذي يمكن أن تكافِئ به نفسك في أوقات تناوُل الطعام. عندما كنتُ أتعلَّم الفرنسية اشتريتُ خبزًا فرنسيًّا لأتناوله مع كوبٍ كبيرٍ من القهوة (على غرار نمط الحياة الفرنسي). كافِئ نفسك بتناول نوع من الطعام المرتبط بثقافة لغتك الهدف. يمكنك أن تتوهَّم أنك في بلد لغتك الهدف بالفعل.
(٣) خطة مقترحة
إليك بعض الاقتراحات حول كيفية تخطيط يومك:
شَغِّلْ أثناء الإفطار موسيقى خاصةً ببلد اللغة في الخلفية بينما تتناول طعامك. يمكنك أيضًا تشغيل الشريط الخاص بتعليم اللغة؛ لتراجِع الدروس القديمة في الخلفية حتى تنتهي من تناوُل وجبتك.
بعد ذلك، ابدأ المذاكرة في كتبك الدراسية؛ ابدأ صفحة أو قسمًا جديدًا في دفتر اللغة خاصتك، واكتب فيه كلَّ شيء تتعلَّمه في هذا اليوم. بهذه الطريقة، يمكنك أن تنظر في هذه الصفحة مرةً أخرى عندما ينتهي اليوم، وتقف على مكاسب محدَّدة توقَّفت عندها على مدار هذا اليوم. ذاكِرْ درسًا من كل كتاب دراسي لديك، وحلَّ بعض التمرينات التحريرية منها.
سوف تمضي جزءًا كبيرًا من وقتك في مراجعة الدروس القديمة في كتبك الدراسية، ومحاولة حلِّ بعض من التمرينات على الدروس الأولى، لكن احرصْ على محاولة مذاكرة بعض الدروس الجديدة حتى يمكنك أن تقول إنك تعلَّمت شيئًا جديدًا. اقرأ أيضًا في كتاب القواعد النحوية بغرض الاستمتاع فحسب؛ فسيمدك هذا بفهمٍ عميقٍ جديدٍ حول آلية عمل اللغة.
بعد حوالي الساعة، احصل على قسط من الراحة لتناول القهوة، وأثناء إعداد للقهوة، تحدَّثْ مع نفسك باللغة؛ قلْ مثلًا بلغتك الهدف: «لنعدَّ بعض القهوة. هل تحب تناول قدح من القهوة؟ هل تضيف إليها اللبن والسكر؟ ماذا تحب أن تتناول مع القهوة؟ هل تحب بعض الكعك؟ ماذا سنقرأ؟» أثناء احتساء القهوة، اقرأ كتابًا فكاهيًّا أو مصوَّرًا: «لنقرأ إحدى قصص مغامرات تان تان.»
يساعدك إجراء محادثة مع نفسك على التدرُّب على التحدُّث باللغة. تحدَّثْ بصوت مرتفع؛ لا يوجد أحد حولك ليظن أنك غريب الأطوار.
ربما تختار قضاء بعض الوقت على الإنترنت، لكن احرص على أن تلتزم بخطتك. اكتب رسالةَ بريد إلكتروني بلغتك الهدف أو زُرْ بعض المواقع؛ وإذا لم يكن لديك أي شخص لتكتب له، فأرسِلْ رسالةَ بريدٍ إلكتروني إلى الشخص المسئول عن الرد على الاستفسارات في أحد هذه المواقع.
إذا كنتَ مهتمًّا بإحدى الألعاب الرياضية أو حتى الألعاب اللوحية أو الورقية، فتعلَّمِ المفردات التي سوف تحتاج إليها للمشاركة فيها، أو العبها مع آخرين باستخدام لغتك الهدف؛ قد يكون هذا نشاطًا ممتعًا. أستطيع أن ألعب ألعاب الشطرنج المدونة بأي لغة تقريبًا؛ هذا ليس صعبًا، وإن كان يبدو مذهلًا.
في وقت الغداء، اتبع نفس الأسلوب الذي اتبعتَه أثناء استراحة القهوة في الصباح. داوِمْ على الحديث المستمر مع نفسك، وشغِّل الموسيقى أو شرائط تعليم اللغة في الخلفية.
ينبغي أن تستهل وقت ما بعد الظهيرة بكتبك الدراسية مرة أخرى؛ واصِلِ المذاكرة فيها ما دمتَ قادرًا على الاستيعاب. بعد ذلك، نَوِّع المواد المقروءة والمسموعة قدر الإمكان. من جانبي، كنت أقضي بعض الوقت في قراءة كتاب قواعد نحوية مرة أخرى.
عندما تشعر بالتعب، افعل شيئًا تستمتع به؛ شاهد مقطع الفيديو، أو اقرأ أحد الكتب التي خصَّصْتَها من أجل اليوم.
بعد ذلك، راجِعْ ما تعلَّمْتَه على مدار اليوم؛ سيساعدك دفترك في هذه المرحلة. راجع القواعد النحوية والمفردات الجديدة وأي أشياء مفيدة أخرى تشعر أنك اكتسبتها.
لتناول وجبة العشاء، ربما تروق لك زيارة أحد المطاعم التي يمكنك أن تتناول فيها الطعام الذي يشتهر به البلد أو الثقافة اللذان تهتم بهما؛ وأن تتحدَّث إلى النُّدُل بلغتك الهدف.
إذا كنتَ ستتناول طعامك في المنزل، فشغِّلْ محطة إذاعية على الإنترنت بلغتك الهدف في الخلفية أثناء تناول الطعام؛ فأنت تتدرَّب على العيش في بلد اللغة.
بعد تناول العشاء، يمكنك مشاهدة فيلم باللغة الهدف أو قراءة بعض المواد الخفيفة — ربما كتاب هزلي مصوَّر.
مع اقتراب نهاية اليوم، من المفترض أن تكون قد أحرزتَ تقدُّمًا في دراستك لِلُّغة، ومن المفترض أن تفكِّر بهذه اللغة، وأن تكون جاهزًا للخلود إلى النوم وأن تحلم بها أيضًا. ستجد أنك ستشرع في الحلم بتلك اللغة، أو تحلم أنك تتحدَّث مع أحدهم بها.
(٤) قضاء يوم الانغماس في اللغة خارج المنزل
إن يوم الانغماس الكامل في اللغة الذي خطَّطْته للتوِّ من المفترض أن يكون في المنزل. بدلًا من ذلك، قد ترغب في حضور إحدى المناسبات الثقافية لقضاء نهار أو أمسية منغمسًا بالكامل في ثقافة اللغة التي تتعلَّمها. زُرِ المدارس والنوادي، والمؤسسات الدينية والسياسية الخاصة بالمجتمعات اللغوية المحلية، واطلب نسخًا من نشراتها الإخبارية، وابحث عن المناسبات الاجتماعية؛ فالتجمُّعات التي يلتقي فيها الجميع من أجل الاستمتاع والاحتفال هي أفضل اختيار، وإن كنتَ في هذه الحالة لستَ المتحكِّم في فُرَص التعلم، وقد لا تحقِّق إنجازاتٍ بنفس القدر الذي كنتَ ستحقِّقه إبَّان يوم الانغماس في المنزل. جرِّبْ هذين النوعين من برامج الاستغراق. أعِدَّ العدَّةَ لأيام الانغماس الكامل في اللغة؛ بحيث تقضي بعضها في المنزل، والبعض الآخَر في الأماكن المناسبة. استغلَّ أي شيء من شأنه أن يفيدك.
(٥) قضاء أوقات قصيرة في الانغماس في اللغة
في بعض الأحيان، قد لا يتسنَّى لك قضاء يوم كامل من الانغماس في اللغة خلال المستقبل القريب، لكن بمقدورك دائمًا أن تقضي أيامًا قصيرة من الانغماس إن كان لديك وقتُ فراغٍ في صبيحة أو مساء أو ظهيرة أحد الأيام. إذا كان بمقدورك أن تقضي أربع ساعات أو ست ساعات أو حتى ثماني ساعات مرةً واحدة مستغرِقًا في اللغة، فسيمكنك إحراز تقدُّمٍ كبيرٍ، بل ستندهش من مدى التقدم الذي بمقدورك إحرازه. أعتقد إن عملية تحويل المخ إلى التفكير باللغة الهدف ومعالجة اللغة مباشَرةً هما أكبر مكسب.