حاجز الموت
وصل القس على جناح الطير. وقال في نفسه: ثمة أناس على استعداد لأن يُهرعوا مقابل جزء من هذا. فماذا هناك أغلى من نفس إنسانية؟ وثمَّة أناس يَفرغون من طعامهم ومعدتهم لا تزال تضج طلبًا للمزيد مقابل جزء من هذا. ﻣﻌ … دة! إني أؤمن بثلاثة أشخاص مُنفصلين في الثالوث، وإله حقيقي واحد. ضجيج المعدة ليس هناك، بل هو هنا، عندي، عندي، عندي، عندي، في معدتي، في معدتي، في معدتي … من معدتك، يا يسوع، … هناك المائدة جاهزة، المفرش الأبيض، الأطباق البورسلين الناصعة البياض، والخادمة العجفاء …
وحين دخل القس — تتبعه بعض النسوة من الجيرة من المدمنات حضور مشاهد الاحتضار — انتزع ذو الوجه الملائكي نفسه من رأس السرير الذي تنام عليه كميلة، وبدت وقع خطواته كانتزاع الجذور العميقة من تربتها. وأحضرت صاحبة الحانة كرسيًّا للقس، ثم انسحب الجميع من الغرفة.
وبدأت تتمتم كلمات الاعتراف الأخير: أنا، الخاطئة، أعترف لله ﺑ …
– باسم الأب والابن والروح القدس … يا ابنتي، كم مضى عليك منذ أن اعترفت آخر مرة؟
– شهران.
– وهل أدَّيت طقوس التوبة؟
– أجل يا أبي …
– اسردي خطاياك …
– أعترف يا أبي، أني كذبت …
– بشأن موضوع خطير؟
– كلا. وإني عصيتُ والدي، و…
«تك، تاك، تك، تاك، تك، تاك.»
– وأعترف يا أبي، إنني …
«تك، تاك.»
– لم أحضر بعض القداسات …
وبدا كأن الفتاة المريضة والقس الذي تَعترف له يتحادثان في قبو تحت الأرض. كان الشيطان والملاك الحارس والموت حاضرين الاعتراف. وأفرغ الموت نظرته الخاوية في عيني «كميلة»، بينما جلس الشيطان عند رأس السرير يَبصق عناكب، وبكى الملاك في أحد الأركان، بنشيج طويل منتحب.
– وأعترف يا أبي أنني لم أكن أواظب على تلاوة صلواتي في المساء والصباح، وأنني …
«تك، تاك، تك، تاك.»
– … تشاجرت مع أقراني من الفتيات!
– حول أمور تتعلَّق بسُمعتك؟
– كلا …
– يا ابنتي، لقد اقترفتِ إثمًا عظيمًا في حق الله …
– وأعترف يا أبي أنني ركبت الجياد كالرجال.
– أكان ذلك أمام الناس، وهل سبَّب ذلك فضيحة؟
– كلا، لم يكن هناك سوى بعض الهنود.
– إذن لقد شعرت أن بوسعك القيام بأي شيء يقوم به الرجال. إن هذا أيضًا خطيئة كبرى؛ فإن الله تعالى خلق المرأة كي تكون امرأة، وعليها ألا تُحاول أن تغير من طبيعتها وتُقلِّد الرجال، فإن هذا هو السير في طريق الشيطان الذي أراد أن يكون مُساويًا لله جلَّ شأنُه.
وفي الجزء الآخر من الغرفة، أمام النضد الذي غطوه كيما يصبح كمذبح الكنيسة، بما عليه من زجاجات من كل صنف ولون، كان ذو الوجه الملائكي «ولامسكواتا» والجيران ينتظرون، لا ينطقون حرفًا بل يتبادلون نظرات مليئة بالخوف والرجاء، ويزفرون سيمفونية من النهدات، ثقيلة بما تحمله من فكرة الموت الخانقة. وأظهر الباب الموارب لمحةً من الطريق ساطع النور، وفناء كنيسة «لامرسيد»، وبعض المنازل وحفنة من المارة. وشعر ذو الوجه الملائكي بالألم لرؤية هؤلاء الناس يروحون ويغدون بلا اكتراث رغم أن «كميلة» تُحتضر — وهم كحبات رمال ثخينة في غربال شمسي، أشباح تسيطر عليها روح التعقل، مصانع براز متنقلة …
وجر صوت القس سلاسل صغيرة من الرنين خلال الصمت الذي يسود الحجرة. وسعلت المريضة. وقطع الهواء طبول رئتَيها.
– أبتاه، إني أعترف بكل الخطايا الصغيرة والكبيرة التي اقترفتها ونسيتها.
وتلا ذلك عبارات الغفران باللاتينية، واختفاء الشيطان مهطعًا، وظهور الملاك كهالة من نور كيما ينشر جناحيه الأبيضين فوق «كميلة». ويُنهي غضب ذي الوجه الملائكي من المارة غير المبالين، ومن كراهيته الصبيانية الممزوجة بالحنان، ويجعله يفكر — إذ إن الرحمة لها دروب خفية — في أن يعمل على إنقاذ رجل يتهدَّده خطر الموت، فربما يمنحه الله حياة «كميلة» في مقابل ذلك، رغم أن الأمر يبدو مستحيلًا من وجهة نظر العلوم الطبية.
وخرج القس في صمت، وتوقف على عتبة الباب ليشعل سيجارة من ورق الذرة ويلملم أطراف مسوحه الكهنوتي؛ فقد كان القانون يُلزمه بأن يبقيه مختفيًا تحت عباءته ما دام في الطريق. كان يبدو رجلًا مسالمًا وديعًا عذبًا. وذاعت الأنباء بأنه قد استُدعي كيما تعترف له امرأة تحتضر. وغادر الجيران البيت بعده، كما خرج ذو الوجه الملائكي كي ينفذ خطته في إنقاذ رجل.
«حارة المسيح»، «الحصان الأبيض»، ثم «ثكنات الكلفاري». وهناك سأل ذو الوجه الملائكي العريف الذي يقوم بالحراسة عن الميجور «فارفان»، فقال له أن ينتظر، ودلف جندي إلى الداخل مناديًا: الميجور «فارفان»! الميجور «فارفان»!
ومات صوتُه في الفناء الرحيب دونما جواب. ولم يردَّ عليه سوى أصداء صوته التي تردَّدت وسط المنازل البعيدة: جور فان فان! جور فان فان!
ووقف المحبوب ينتظر على بُعد خطوات قليلة من الباب، دون أن يتجاوَب مع ما كان يجري حوله. كانت الكلاب والنسور تتشاجر على قطة ميتة مُلقاة وسط الطريق. وفي مقابل هذا المشهد مباشرة كانت ثمة نافذة ومن ورائها ضابط يتسلَّى بمراقبة المعركة الشرسة وهو يفتل طرفي شاربه. وكانت ثمَّة سيدتان تحتسيان عصير الفاكهة في حانوت صغير يموج فيه الذباب. ومن الباب الخارجي للمنزل التالي خرج خمسة صبية صغار يَرتدون ملابس البحارة، يتبعهم سيد شاحب كالكرنبة وسيدة حبلى (بابا وماما). وشق جزار طريقه وسط الصبية وهو يشعل سيجارة؛ كانت ملابسه تُغطِّيها بقع الدماء، وقد شمر عن ساعدَيه، وحمل ساطوره الحاد بالقرب من صدره. وكان الجنود يروحون ويغدون، وثمة خيط متعرج من آثار أقدام حافية مبلَّلة فوق القرميد الذي يُغطي الصالة الداخلية ثم يختفي في الفناء. وصلصلت مفاتيح الثكنة وهي تصطدم ببندقية الحارس إذ كان واقفًا انتباه إلى جوار ضابط الحراسة الذي كان يجلس على مقعد حديدي في وسط حلقة من كتل البصاق.
ودلفت إلى المكان عجوز بيضاء الشَّعر، تمشي الهوينا كالغزال الصغير، جلدها في لون النحاس المحروق بفعل الشمس وقد غضنته السنون، واتجهت إلى الضابط وغطت رأسها بشالها القطني في احترام وقالت له متضرِّعة: عفوًا يا سيدي، إني أرجوك بحق الرحمة أن تدَعني أتحدث مع ابني، وستُكافئك العذراء على صنيعك.
وقبل أن يرد الضابط عليها أطلق سيلًا من البصاق، تفوح منه رائحة التبغ وتسويس الأسنان.
– ما هو اسم ابنك يا سيدتي؟
– إسماعيل يا سيدي.
– إسماعيل ماذا؟
– «إسماعيل ميخو» يا سيدي.
وبصق الضابط مرة أخرى.
– ولكن، ما هو لقبه؟
– «ميخو» يا سيدي.
– اسمعي، من الأفضل أن تعودي يومًا آخر فنحن مشغولون.
وانسحبت العجوز دون أن تُنزل الشال من على رأسها، في بطء، وهي تُحصي خطواتها كأنما هي تزن آلامها؛ وتوقفت برهة على حافة الطوار ثم عادت ثانية واقتربت من الضابط الذي كان لا يزال جالسًا على مقعده.
– اعذرني يا سيدي، ولكنِّي لا أستطيع البقاء هنا أكثر من ذلك؛ إني آتية من بعيد جدًّا، على مسافة ستين كيلو مترًا، لذلك فإني إذا لم أرَه اليوم فلا أعرف متى سأستطيع العودة. هلا استدعيته من فضلك؟
– لقد سبق أن قلت لك إننا مشغولون. اذهبي ولا تُضايقيني.
وكان ذو الوجه الملائكي يشهد هذا المنظر، وثارت فيه مرة أخرى الرغبة في أن يفعل خيرًا حتى يُكافئه الله على ذلك بإنقاذ حياة كميلة، فقال للضابط في صوت خفيض: استدع الشاب أيها اللفتنانت، وهاك شيءٌ حق السجائر.
وتناول الضابط النقود دون أن ينظر إلى الغريب وأصدر أوامره بإحضار «إسماعيل ميخو». ووقفت العجوز الضئيلة الحجم تُحدِّق إلى من أحسن إليها كأنما هو ملاك.
ولم يكن الميجور «فارفان» موجودًا في الثكنات. وظهر موظف في إحدى الشرفات وقلمه خلف أذنه، وأخبر المحبوب أن الميجور يكون عادة في هذه الساعة من الليل في دار «النشوة اللذيذة»؛ لأن ابن إله الحرب النبيل هذا يقسم وقته بين الواجب والهوى، ولكن لن يَضرَّ شيء أن يَبحث عنه أولًا في بيته. واستقلَّ ذو الوجه الملائكي عربة أجرة. كان «فارفان» يسكن شقة مفروشة في ضاحية بعيدة. وكان باب الشقة ناحل اللون كثير الفروج بفعل الرطوبة فكان يبين عن داخل الشقة المظلم. ودقَّ ذو الوجه الملائكي مرتين وثلاثًا. لم يكن هناك أحد في الداخل. وعاد لتوِّه، ولكنه ذهب يرى كيف حال «كميلة» قبل أن يتوجَّه إلى دار «النشوة اللذيذة». ودهش لصوت العربة بعد أن تركت الطرق غير الممهدة إلى الطرق المرصوفة: حوافر الجياد والعجلات، العجلات وحوافر الجياد.
حين انتهت ذات السن الذهبية من حكاية غرامها مع الرئيس، عاد ذو الوجه الملائكي إلى الصالون. كان من الأهمية لديه بمكان ألا يغرب ميجور «فارفان» عن نظره، وأن يتحقَّق من قصة المرأة التي قبضوا عليها في منزل «كاناليس» وباعها المدعي العسكري العام النذل مقابل عشرة آلاف بيزو.
كان الرقص على أشدِّه في الصالون، والراقصون يتمايلون على أنغام الفالس، يُصاحبهم صوت «فارفان» الغارق في السكر، بغنائه:
واعتدل في جلسته فجأة وأدرك أن الخنزيرة ليست معه، فتوقف عن الغناء وصاح بين نوبات الفواق: «إذن لقد ذهبت «الخنزيرة»، أليس كذلك أيها الأفاقون؟ إنها مشغولة، أليس كذلك أيها الأفاقون؟ إذن أنا ذاهب، أقول لكم إني ذاهب، أ … قو … ل لكم إني … ذاهب، ذاهب … حسنًا، ولماذا لا أذهب؟ … أقول لكم إني ذاهب …»
ونهض بصعوبة وهو يستند إلى المنضدة التي قد تمدَّد عليها، وإلى المقاعد والجدران، ومشى مترنحًا ناحية الباب. وجرَت الخادمة تفتحه له.
– «أقول … لكم … إني ذاهب! سوف تعود هذه العاهرة، أليس كذلك يا سيدة «تشون»؟ ولكني ذاهب! لم يعد أمامنا نحن العسكريِّين المحترفين إلا أن نموت من السُّكر، وعندها يكون بوسعهم أن يستقطروا الخمر منَّا بدلًا من أن يدفنونا! يعيش يخني لحم الخنزير، وتعيش الجماهير!»
ولحق به ذو الوجه الملائكي على الفور. كان يسير على حافة الطوار مترنِّحًا كالبهلوان، يقف مرة وقدمه اليُمنى في الهواء، ومرة قدمه اليسرى، ثم مرة أخرى قدمه اليمنى، والآن قدماه الاثنتان … ولحق نفسه قبل أن يقع وقال مُلاحظًا: «هكذا … كما قال البغل للجام.»
وكانت ثمة نوافذ مفتوحة في ماخور آخر تُلقي بأضوائها في الطريق، وعازف بيانو طويل الشعر يعزف صوناتة ضوء القمر لبيتهوفن. ولم يكن هناك من أحد يُنصت له في الغرفة الخالية سوى المقاعد التي اصطفَّت كالنظارة من حول البيانو الضخم المُتهالك، الذي لم يكن يزيد في ضخامته عن حوت يونس. وتوقَّف ذو الوجه الملائكي جامدًا وقد بهرته الموسيقى. وأسند الميجور — ذلك الدمية المطواعة — إلى الحائط، واقترب كيما يُخضع شذرات فؤاده المحطوم للألحان: كان يعود إلى الحياة وسط الأموات رجل ميت ذو عينين مشتعلتين مُعلق بعيدًا بعيدًا فوق الأرض، بينما كانت عيون مصابيح الطريق تَنطفئ واحدة بعد أخرى، وقطرات الندى الليلي تتساقط من الأسطح كالمسامير التي تصلب السكارى أو التي تندقُّ في ألواح النعش الخشبية. وكان كل مفتاح صغير داخل الصندوق المغناطيسي للبيانو يجذب رمال الألحان الموسيقية الدقيقة، وبعد أن يحبسها في جوفه فترة، يُطلقها مرة أخرى على شكل أصابع للنغمات الوترية، مضاعفة كيما تسكر باب الحب المغلق على الدوام؛ نفس الأصابع دائمًا، ونفس اليد دائمًا. وكان القمر يَجنح عبر سماء ممهدة تجاه الحقول الغافية، مخلفًا وراءه أحراجًا تُخيم عليها الظلمة، مرعبة للطيور، ولأولئك الذين يجدون الدنيا قد انقلبت رحيبة واسعة كأنما بفعل السحر حين يُولد الحب، وضيعة فارغة حين يموت الحب.
واستيقظ «فارفان» ليجد نفسه راقدًا على نضد حانة صغيرة، تهزه يد أحد الغرباء كما يهزون الشجرة حتى تُسقط ثمارها الناضجة.
– ألا تعرفني يا ميجور؟
– أجل … لا … حالًا، حالًا سأعرفك …
– ألا تذكرني؟
– آ آ … أوه. تثاءب فارفان وهو ينهض من على النضد الذي كان راقدًا عليه، وقد بلَّله العرق كبغال الجمر.
– «إني ميغيل ذو الوجه الملائكي، في خدمتك.»
وحيَّاه الميجور بالتحية العسكرية.
– «أرجو أن تعذرني، فإني لم أتعرَّف عليك. ولكن، أجل، بالطبع، إنك من يُرى دائمًا مع السيد الرئيس.»
– حسنًا! لا تندهش لإيقاظي إياك، يا ميجور، على هذا النحو المفاجئ.
– لا أهمية لذلك بالمرة.
– ولكن لقد حان الآن وقت عودتك إلى الثكنات، وكان يجب أن أحادثك على انفراد، ومن المصادفة أن كانت صاحبة هذه … فلنقل هذا المقهى، غائبة الآن. لقد بحثت عنك في كل مكان، كالإبرة في كومة من القش، أصيل أمس، في الثكنات، في شقتك. يجب أن تعدني بألا تبوح لشخص بما سوف أقوله لك الآن.
– كلمة شرف.
وشد المحبوب على يد الميجور بحرارة وقال له بصوت خفيض وعينه على الباب: إنني في مركز يمكنني أن أعرف أنه قد صدرت أوامر بالتخلص منك. لقد أُرسلت تعليمات إلى المستشفى العسكري بأن تُعطي لك جرعة منوِّمة قاتلة في أول مرة تدخل هذه المستشفى عقب إحدى سهراتك الصاخبة. لقد أبلغت العاهرة التي تصاحبها في دار «النشوة اللذيذة» السيد الرئيس عن نوباتك الثورية.
وتصلب «فارفان» في موضعه من وقع كلمات المحبوب إليه. ثم رفع قبضته في الهواء صائحًا: آه، الكلبة!
وضرب الهواء بقبضته كأنما هو يَضرب العاهرة، ثم أحنى رأسه كأنما هو قد انسحق.
– يا إلهي، وماذا سأفعل؟
– لا تسكر في الوقت الحاضر، فهذا هو السبيل الوحيد لاتقاء الخطر الداهم، ثم لا …
– هذا ما كنت أفكر فيه، ولكني قد لا أتحمل ذلك، فهو شيء صعب جدًّا. ماذا كنت ستقول؟
– كنت سأقول لك أيضًا إنه يجب ألا تتناول طعامًا في الثكنات.
– لا أعرف كيف أشكرك.
– بالصمت …
– بالطبع. ولكن هذا لا يكفي. ومع ذلك، فلا بد أن تسنح لي فرصة أرد لك فيها هذا الجميل؛ ومن الآن؛ يمكنك أن تعتمد علي في أي شيء، فأنا مدين لك بحياتي.
– ولسوف أعطيك نصيحة أخرى طيبة كصديق. حاول أن تعثر على طريقة تُصبح بها من أتباع السيد الرئيس.
– أجل، هذا هو طريق الخلاص، أليس كذلك؟
– لن يُكلفك هذا شيئًا.
وكان كلٌّ منهما يضيف إلى ذلك الكلام في سريرته:
إن أفضل وسيلة لكسب ثقة السيد الرئيس هي: ارتكاب جريمة، مثلًا، أو الجور العلَني على الناس الضعفاء العزَّل، أو إظهار تفوق القوة الغاشمة على الرأي العام، أو اكتساب الأموال على حساب الأمة، أو …
… وأفضل وسيلة هي ارتكاب جريمة قتل، إن القضاء على أحد الزملاء هو أفضل برهان يقدمه مواطن على ولائه للسيد الرئيس. ثم يقضي شهرين في السجن حفاظًا على المظاهر، ثم يتولى بعد ذلك مباشرة أحد المناصب العامة المخصصة لأهل الحظوة؛ مما لا تُمنح إلا لمن له قضية معلقة أمام المحاكم لم يتمَّ البت فيها؛ وذلك حتى يمكن الزج بهم في السجن مرة ثانية إذا هم لم يُحسنوا السلوك.
– لن يكلفك هذا شيئًا.
– إنك لفي غاية الكرم يا سيد «ميغيل».
– كلا يا ميجور، لا تشكرني، إن قراري بإنقاذ حياتك هو قرباني إلى الله مقابل حياة مريضة في حالة خطرة. حياتك مقابل حياتها.
– أهي زوجتك؟
وطافت أجمل كلمة في نشيد الإنشاد فترة سابحة في الهواء، كوشي سحري لطيف، وسط أشجار مليئة بالملائكة الصغار، وبراعم أزهار البرتقال.
وبعد أن خرج الميجور، قرص ذو الوجه الملائكي نفسه كيما يتأكد أنه هو بلحمه ودمه — الرجل الذي ساق الكثيرين إلى حتفهم — هو الآن بنفسِه الذي يدفع رجلًا إلى الحياة، في تلك الزرقة الصافية للصباح الطالع.