رأس جنرال
جاء ميغل ذو الوجه الملائكي، مستشار الرئيس وصفيُّه الحميم، لزيارته بعد أن فرغ من تناول الطعام.
وقال عند دخوله غرفة الطعام (كان جميلًا وشريرًا كالشيطان): ألف معذرة سيدي الرئيس، ألف معذرة سيدي الرئيس لتأخُّري … ولكن كان عليَّ أن أساعد حطابًا يحمل جريحًا وجده وسط القمامة، ولم أستطع الحضور قبل الآن. ولكني أحيط سيادة الرئيس عِلمًا بأن ذلك الجريح ليس من الشخصيات المعروفة، بل كان من عامة الشعب!
وكان الرئيس مُرتديًا كعادته ملابس حداد كاملة: حذاء أسود، وحلة سوداء، وربطة عنق سوداء، وقبَّعة سوداء لا يخلعها أبدًا. وكان يخفي لثتَه الخالية من الأسنان تحت شارب أشهب كثٍّ ممشَّط على جانبَي فمه؛ وكان ذا وجنتَين نحيلتين متهدلتَين وجفنين صغيرين.
وسأله باسطًا حاجبيه: وهل أخذته إلى المستشفى؟
– سيدي …
– ما هذا؟ إنَّ شخصًا يفخر بأنه صديق لرئيس الجمهورية لا يترك أبدًا مسكينًا شقيًّا جريحًا في الطريق ضحية اعتداء مجهول!
وحملته حركة صادرة عن باب حجرة الطعام على أن يَلتفِت جانبًا: تفضل يا جنرال.
بعد إذن سيدي الرئيس!
هل هم جاهزون يا جنرال؟
– أجل يا سيدي الرئيس!
– اذهب أنت بنفسِك معهم، قدم تعازيَّ إلى أرملته وسلِّم لها هذه الثلاثمائة بيزو باسم رئيس الجمهورية، لمساعدتها في نفقات الجنازة.
وقام الجنرال الذي كان يقف بانتباه وقبعته العسكرية في يده، دون أن تطرف عيناه ويكاد لا يتنفَّس، بالانحناء إلى الأمام وتناول النقود من على المائدة، وأدار كعبيه، ثم رؤي بعد ذلك بدقائق يرحل في عربة تحمل النعش الذي يضمُّ جثمان «ذلك الحيوان».
وسارع ذو الوجه الملائكي يشرح موقفِه: لقد فكَّرت أن أذهب إلى المستشفى مع الرجل الجريح، ولكني قلت لنفسي: إنهم سيعتنون به على نحو أفضل إذا أنا أحضرت أمرًا من السيد الرئيس. ولما كنت متوجهًا لمقابلتكم، ولكي أنقل إليكم أيضًا مرة أخرى هول ما أحسُّ به من جراء المصرع الغادر لضابطنا «باراليس سونرينتي».
– سأصدر أوامري.
– إن هذا هو ما ينتظره المرء من رجل يقولون إنه يَنبغي ألا يحكم هذا البلد.
– من يقول هذا؟
– أنا يا سيدي الرئيس. فأنا أول من يؤمن أن رجلًا مثلكم ينبغي أن يَحكم بلدًا مثل فرنسا، أو سويسرا الحرة، أو بلجيكا المجيدة، أو الدانمرك الرائعة؛ وإنما فرنسا، فرنسا فوق كل شيء. إنكم الشخص المثالي لقيادة أقدار مثل هذا الشعب العريق الذي أنجب «غامبيتا» و«فيكتور هيجو».
ولاحت ابتسامة شبه خفية تحت شارب الرئيس، بينما كان ينظف نظارته بمنديل حريري أبيض دون أن يُحوِّل عينَيه عن وجه صديقه. وبعد فترة صمت قصيرة، أخذ يتحدَّث في موضوع جديد.
– لقد طلبت منك الحضور يا ميغيل من أجل مسألة أريد أن أنهيها الليلة. لقد أصدرت السلطات المختصَّة أمرًا بإلقاء القبض على ذلك الوغد الجنرال «أيوسيبيو كاناليس»، وسوف يتم ذلك في منزله مع إشراقة شمس الغد. ولأسباب خاصة، ورغم أنه واحد من قتلة «باراليس سونرينتي»، فإن الحكومة ترى من غير اللائق بها أن تضعه في السجن، ولذلك يلزم أن يقوم بالهرب فورًا. فاذهب وقابله، وقل له ما تعرف من معلومات، وانصحه بأن يهرب الليلة، كأنما هي فكرة من بنات أفكارك. وقد يتعيَّن عليك أن تساعده على الهرب، لأنه، كأي جندي محترف، يؤمن بالشرف ويفضل أن يموت على أن يهرب. وإذا قبضوا عليه غدًا فإنه سيعدم. ويجب ألا يعرف شيئًا عن حديثنا هذا، فهذا بيني بينك فحسب. وحاذر أن تعلم الشرطة شيئًا عن قيامك بزيارته. رتب الأمر بحيث لا تُثير الشبهة وحتى يتمكَّن ذلك الوغد من الهرب. بإمكانك أن تنصرف الآن.
وانصرف محبوب الرئيس وقد أخفى وجهه خلف لفاعه (لقد كان جميلًا وشرِّيرًا كإبليس). وحيَّاه الضباط القائمون على حراسة غرفة طعام سيدهم تحية عسكرية بدافع السليقة، أو ربما بدافع عِلمهم أنه يحمل مصير جنرال في يدَيه. وكان ثمة سبعون شخصًا جالسين في حجرة الانتظار يتثاءبون، يَنتظرون أن يفرغ الرئيس من مهامه حتى يقابلوه. وكانت الطرق المحيطة بالقصر وبمنزل الرئيس مغطاة بالزهور، وثمة عدد من الجنود يقومون بتزيين واجهة الثكنات المجاورة بالمصابيح وبالأعلام الصغيرة وبالشرائط الورقية الزرقاء والبيضاء، بتعليمات من رؤسائهم.
ولم يكد ذو الوجه الملائكي ليلحظ أيًّا من تلك الزينات، فقد كان عليه أن يقابل الجنرال ويدبر أمر فراره. وبدا كل شيء يسيرًا، إلى أن بدأت الكلاب تنبحه في الغابة الهائلة التي تفصل الرئيس عن أعدائه، وهي غابة قوامها أشجار ذات آذان تستجيب لأدنى صوت فتَعصِف أوراقها كأنما تهب عليها عاصفة مدمرة. ولم يكن أقل ضجيج على بعد أميال ليهرب من نهم تلك الملايين من الأغشية النباتية. ومضت الكلاب في نباحها. كانت ثمة شبكة ذات خيوط فضية، أكثر خفاء من أسلاك البرق، تصل ما بين كل ورقة وبين الرئيس، مما يمكنه من مراقبة أشد أفكار أهل الشغب سرية وخفاء!
وفكَّر ذو الوجه الملائكي: آه لو أمكن عقد اتِّفاق مع الشيطان، يبيعه فيه روحه على شرط أن تَنخدع الشرطة ويتمكن الجنرال من الهرب! بيد أن الشيطان لا يدخل في أي صفقة وراءها خير. رغم أن كل شيء تقريبًا يتهدَّده الخطر في هذه العملية الغريبة. رأس الجنرال، وشيء آخر. ونطق بالعبارة كأنَّما هو حقيقة يحمل بين يديه رأس الجنرال، وشيئًا آخر.
ووصَل إلى بيت الجنرال كاناليس في حي «لامرسيد». كان بيتًا كبيرًا يقع على ناصية الطريق، عمره حوالي المائة عام؛ وكانت شرفاته الثماني الواقعة في واجهته، ومدخل العربات الكبير الواقع خلفه، يخلعان عليه شيئًا من المظهر الفخيم، كأنه عملية نقدية قديمة. وقرر المحبوب أن يُصغي خارج الباب ثم يطرقه للاستئذان في الدخول إذا سمع أي حركة في الداخل. بيد أن وجود رجال الشرطة يمرُّون على الإفريز المقابل أجبره على أن يتخلَّى عن هذه الخطة. وبدلًا من ذلك، سار بسرعة عبر واجهة المنزل وهو يتطلَّع إلى الشرفات ليرى ما إذا كان هناك من شخص يستطيع أن يُومئ إليه. ولكنه لم ير أحدًا. وكان من المستحيل أن يقف على الإفريز دون أن يثير الشكوك. وكان في ناصية الطريق المواجه للمنزل حانة صغيرة سيئة السمعة، فرأى أنَّ أسلم طريقة للبقاء في الحي هو الذهاب إليها وتناول مشروب هناك. زجاجة من البيرة. وتبادل بضع كلمات مع المرأة التي قدمت له الشراب، ثم حوَّل رأسه وكوب البيرة في يده ليرى من يجلس على المقعد المواجه للحائط. وكان عند دخوله الحانة قد لمح رجلًا هناك من طرف عينه. كان الرجل قد أسدل قبَّعته على جبهته حتى كادت تلامس عينيه، وربط منديلًا حول عنقه، ورفع ياقة معطفه؛ وكان يرتدي بنطالًا واسعًا وحذاء بساق عالية وأشرطته غير معقودة، مصنوعًا من المطاط والجلد الأصفر وقماش بلون القهوة. ورفع المحبوب عينه شارد الذهن وتطلع إلى الزجاجات المصفوفة على الرفوف، وحرف «س» المكتوب على مصابيح النور الكهربائي، وإعلان عن الأنبذة الإسبانية (باخوس إله الخمر يجلس فوق برميل وسط رهبانٍ منتفخي البطون ونسوة عاريات)، وصوت للرئيس أعيد إليه فيها شبابه على نحو بشع، وعلى كتفَيه شرائط بالقصب كأنها أشرطة السكك الحديدية، وملائكة صغار تُتوِّج هامته بأكاليل الغار. صورة ذات ذوق رائع! وبين الفينة والفينة، كان المحبوب يلتفت ويتطلَّع إلى منزل الجنرال. سيكون الأمر خطيرًا إذا كانت ثمة علاقة تربط الرجل الجالس على المقعد وصاحبة الحانة أكثر من علاقة الصداقة إذ سيُثيران المشاكل له. وفك أزرار سترته ووضع في نفس الوقت ساقًا فوق أخرى، مرتكزًا بمرفقِه على حافة البار كما لو لم يكن في عجلة من أمره. ولنفرض أنه طلب كوبًا أخرى من البيرة؟ وطلبها وناول صاحبة الحانة ورقة مالية بمائة بيزو حتى يكسب الوقت، فربما لا يكون لديها فكة. وفتحت المرأة درج الخوان في ضيق ظاهر، وفتشت بين أوراق النقد التي فيه ثم أغلقتْه بعنف. لم يكن لديها أيُّ فكة. نفس الشيء دائمًا! عليها أن تخرج وتبحث عن فكة. وألقت بميدعتها فوق ذراعَيها العاريين وخرجت إلى الطريق، بعد أن ألقت نظرة على الرجل الجالس على المقعد، كأنما تحذره بأن عليه أن يراقب زبونها الآخر: أن يتأكَّد أنه لن يسرق شيئًا. وكان ذلك ترتيبًا لا نفع يُرجى منه؛ لأنه في نفس تلك اللحظة، خرجت فتاة من منزل الجنرال كأنَّما قد سقطَت من السماء، وقفز ذو الوجه الملائكي إلى الخارج في لمح البصر.
قال وهو يسير إلى جوار الفتاة: يا آنسة، هل لك أن تُخبري سيد المنزل الذي خرجت منه توًّا أن لديَّ شيئًا عاجلًا للغاية أود أن أقوله له؟
– والدي؟
– هل أنت ابنة الجنرال؟
– أجل.
– إذن، لا تتوقَّفي، كلا، كلا، استمرِّي في السير، لا بدَّ أن نُواصل المسير، هاك بطاقتي. أرجوكِ أن تُخبريه أنني سوف أنتظره في منزلي في أقرب وقتٍ مُمكِن، وأنني ذاهب إلى هناك مباشرة وسوف أنتظره، وأن حياته في خطر. أجل، أجل، في منزلي في أسرع وقتٍ مُمكن.
وأطاح الريح بقُبَّعته فكان عليه أن يَجري ليُمسِك بها. طارت من أمامه مرتين أو ثلاث مرات، وأخيرًا أمسك بها بحركة عنيفة كمن يمسك دجاجة في حظيرة للدواجن.
وعاد إلى الحانة بحجة أخذ باقي نقوده، ولكنه كان يريد في الحقيقة أن يرى الانطباع الذي خلَّفه خروجه المفاجئ على الرجل الجالس على المقعد، ووجده يجاهد مع صاحبة الحانة: كان ظهرها إلى الحائط، بينما شفتاه المُشتاقتان تنشدان قبلة من شفتيها. وصاحت به حين تركها أخيرًا، مذعورة من وقع خطوات ذي الوجه الملائكي المقتربة: «أيها الشرطي البائس، أنت أيها الحقير، هذا هو الاسم الجدير بك!»
ورأى ذو الوجه الملائكي أن من المناسب لخطته أن يتدخَّل بلطف في الأمر، فتناول الزجاجة التي كانت صاحبة الحانة تلوح بها متوعدة، وتطلَّع إلى الرجل بإمعان.
– «مهلًا مهلًا يا سيدتي! يا للسماء، يا لها من حكاية! هيا، خذي باقي النقود لك عوضًا عن ذلك. لن تكسبي شيئًا من الشجار، وربما تحضر الشرطة، فضلًا عن أن صديقنا هذا …»
– لوسيو فاسكيز، في خدمتك.
فتمتم فاسكيز وهو يبصق شيئًا ابتلعه عن طريق الخطأ: إنَّ بإمكاني أن أضعك في دار للدعارة إن أنا أحببت!
– وهو كذلك يا سيدي، فلم أكن أقول أي شيء.
وكان صوت فاسكيز كريهًا؛ فقد كان يتحدث بطريقة أنثوية، بعبارات قصيرة متكلفة. وكان واقعًا في غرام صاحبة الحانة لقمَّة رأسه، ويجاهد معها ليلًا ونهارًا حتى تعطيَه قُبلة واحدة عن طيب خاطر، فقد كان هذا هو كل ما يطلبه. بيد أنها كانت ترفض دائمًا، على أساس أنها إذا قبلت أن تمنحه قُبلة فإن ذلك يعني منحه كل شيء. ولم يُفلح مع صاحبة الحانة أي شيء: الرجاءات، التهديدات، الهدايا الصغيرة، الدموع الحقيقية أو الزائفة، الأغاني الغرامية بالليل، الأكاذيب، فقد كانت عنيدة في رفضها، ولم تستسلم أبدًا، ولم تسمح لنفسها أن تتأثر بهذا التزلف. وكانت تقول دائمًا: «فليعرف تمامًا أي شخص يحاول أن يطارحني الحب أنه سيخوض في سبيل ذلك أهوالًا.»
ومضى ذو الوجه الملائكي يقول كأنما يُحادث نفسه، وهو يحكُّ بسبابته قرشًا معدنيًّا دُق على الحائط: «بما أننا قد سوَّينا أمركما، فسوف أحكي لكما قصتي. الفتاة التي تسكن في المنزل المُواجِه.»
وبدأ يَحكي لهما أن صديقًا له طلب منه أن يرى ما إذا كانت تلك الفتاة قد تسلَّمت خطابًا أرسله لها، حين قاطعته صاحبة الحانة قائلة: إن أيَّ شخص يرى صراحة أنك أنت الذي تسعى وراءها أيها الوغد المحظوظ!
وطرأت فكرة مُفاجئة في ذهن المحبوب. وهو يسعى وراءها … ولكن أسرتها تقف ضدَّهما … يتظاهر بأنه سيخطفها.
واستمرَّ يحكُّ سبَّابته في القرش المعدني المدقوق على الحائط، ولكن بقوة أشد هذه المرة.
قال ذو الوجه الملائكي: «هذا صحيح، ولكن المُشكلة هي أن والدها لا يوافق على زواجنا.»
فصاح فاسكيز: «تبًّا لذلك الرجل العجوز. لشدَّ ما يَعبس حين يراني كأنما هي غلطتي أن أتبعه في كل مكان يذهب إليه حسب الأوامر!»
فقالت صاحبة الحانة بخبث: هكذا حال الأغنياء على الدوام!
وشرح ذو الوجه الملائكي قائلًا: ولهذا فإنَّني أُخطِّط للهرب مع الفتاة. وقد وافقت هي. لقد كنا نبحث ذلك الأمر منذ هنيهة، وسوف ننفذ خطة الهرب الليلة.
وابتسمت صاحبة الحانة وفاسكيز.
قال فاسكيز: «لنتناول شرابًا. هذا أفضل.» ثم التفت وقدم سيجارة إلى ذي الوجه الملائكي: «أتُدخِّن؟»
– كلا شكرًا. حسنًا، سأتناول واحدة حتى ندشن صداقتنا.
وملأت المرأة ثلاثة أقداح بينما كانا يشعلان سيجارتيهما.
وبعد برهة قال ذو الوجه الملائكي بعد أن سرى المشروب السِّحري في جسده: إذن يُمكنني أن أعتمد عليكما؟ مهما حدث، سأحتاج إلى معونتكما. ولكن يجب أن يكون ذلك اليوم!
قال فاسكيز: لا يُمكنني المشاركة بعد الحادية عشرة مساءً، فعملي يبدأ آنذاك. ولكن هذه المرأة هنا …
– هذه المرأة أفضل منك! صُنْ لسانك!
فعاد يقول وهو ينظر إلى صاحبة الحانة: هي، «لامسكواتا»، سوف تحلُّ محلي. إنها تُساوي رجلَين. إلا إذا رغبت أن أرسل لك أحدًا مكاني؛ إن أحد أصدقائي سيُقابلني الليلة في الحي الصيني.
فقالت المرأة: لماذا بالله عليك تجرُّ دائمًا «خينارو روداس» وراءك في كل شيء، ذلك الأشبه بماء جوز الهند؟
فتساءل ذو الوجه الملائكي: ما معنى ماء جوز الهند ذاك؟
– ذلك لأنه يبدو كالموتى، إنه مخطوف … اللون!
– وما صلة هذا بمهمتنا؟
فقال فاسكيز: لا أدري فيه ما يعيب …
قالت المرأة: بل هناك ما يَعيبه، وآسفة لأن أقطع كلامكما يا سيدي. لم أحب أن أخبرك بذلك، ولكن «فيدينا» زوجة «خينارو روداس» قد حكت للجميع أن ابنة الجنرال ستكون إشبينة طفلها عند ولادته، ومن هنا ترى أن صديقك «خينارو» ليس هو الشخص المناسب للعمل الذي يعتزم هذا السيد أن يقوم به.
– كلام فارغ.
– كل شيء عندك كلام فارغ.
وشكر ذو الوجه الملائكي فاسكيز على لطفه، وأخبره أن من الأفضل ألا يُشرِك صديقه «ماء جوز الهند» في الموضوع، لأنه — كما قالت المرأة — لا يُمكن اعتباره محايدًا. وأضاف: «خسارة يا صديقي فاسكيز ألا تتمكَّن من مساعدتي هذه المرة!»
– إني آسف أيضًا لعدم مُشاركتي في الأمر، لو علمت لكنت قد طلبت إجازة هذه الليلة.
– هل يمكن تسوية الأمر بدفع شيء من النقود؟
– «كلا، لست مُعتادًا على ذلك، لا فائدة!» ورفع يدَيه وغطى بهما أذنيه.
– حسنًا، لا مناص من ذلك. سوف أعود إلى هنا قبل الفجر، حوالي الثانية إلا ربعًا أو الواحدة والصنف صباحًا، لأنه في أمور الغرام، لا بدَّ من طرق الحديد وهو ساخن.
وودَّعَهما وسار إلى الباب وهو يرفع ساعة يده إلى أذنه ليرى ما إذا كانت تعمل — وكان لارتجاف دقاتها المُتواترة ما ينذر بالشر — ثم أسرع خارجًا ولفاعه الأسود ملفوف على وجهه الشاحب. كان يحمل في يدَيه رأس الجنرال، وشيئًا آخر.