الفصل السادس
الجزء الأول
(كترين – كاهن)
(برج لندره … ظلمة حالكة.)
كترين
:
أهذي حياتي؟! بئس عمري وأيامي
عذاب هموم في عذوبة أوهام
وما هي لذات الحياة وكلها
بكور خطوب أو أصائل أسقام
الكاهن
:
قد أُمرت من المجلس العالي بتبليغ الملكة الحكم الصارم القاضي
بإعدامها، فساعدني اللهم على أداء هذه المهمة وألهمها في هذه الساعة
الباقية من حياتها صبرًا جميلًا! (لكترين) السلام عليك يا بنيتي.
كترين
:
السلام عليك يا أبتي.
الكاهن
:
الحكم يا كترين لعلام الغيوب، واعلمي أن هذه الدار دار زوال، فتجلدي
ولا تيأسي من رحمة الله وأصغي لما صدر به حكم المجلس العالي.
كترين
:
ويلاه يا ربي! حكم؟! آه، وما هي نتيجته يا ترى؟
الكاهن
:
هاك مآله حرفيًّا: «حكم صادر من مجلس برلمان إنجلترا الأعلى بتاريخ ٩
فبراير سنة ١٥٤٢ بسراي ويت هول الساعة الرابعة والدقيقة عشرين مساء.
اطَّلعنا على الشكوى المقدمة لنا من جلالة الملك في ٧ فبراير الجاري،
وبناءً على الشواهد والأدلة التي بُنيت عليها قد اتضح لمجلس البرلمان
ثبوت تهمة الخيانة والغدر على الملكة كترين. وعليه، فقد قرر المجلس
الحكم على المتهمة وعلى شريكها الغائب والمجهول بالإعدام قتلًا في ساحة
لندرة العمومية الساعة السادسة مساءً.»
كترين
(تقع)
:
ربي خذ بناصري.
الكاهن
:
فاعتصمي يا بنيتي بالصبر الجميل، ولا تقنطي من رحمة الله إن الله
غفور رحيم (يخرج).
كترين
:
أوَّاه! جرى إذن المقدور ونفذ القضاء … آهٍ، تبًّا لحياة كان كل
الشقاء ذخيرة لي في مستقبلها. ويلاه ما أسهل الموت قولًا وأصعبه فعلًا!
(سكوت. يدق جرس الساعة دون أن تعد ثم تعي
على نفسها وتقول بلهفة) … ثلاثة … أربعة … خمسة … ساعة
واحدة وأُمسي في عداد الأموات. آه أسفي عليك يا كترين فسيضمك القبر بعد
ساعة! يا من كنت منتظرة عمرًا مديدًا … لهفي على شبابك يا كترين
فسيواريه التراب! وقد كنت منتظرة مستقبلًا نيرًا وعيشًا سعيدًا … فموتي
الآن وأنت في الثامنة عشر من عمرك فما هو إلا نتيجة أعمالك، وويل لك من
هول الآخرة … أواه! قلبان طاهران نقيان انقادا إليَّ فخدعتهما بغروري
فأنا أشقى الناس وأكفر خلق الله بنعمة ربي. ويلي من هول
الآخرة …(يدخل السياف ويركع
أمامها).
الجزء الثاني
(كترين – السياف)
السياف
:
أعرفت من أنا يا مولاتي؟
كترين
:
… أنت … أنت … (تحوِّل وجهها
عنه).
السياف
:
نعم … نعم أنا هو.
كترين
:
ولِمَا راكع؟
السياف
:
لألتمس منك السماح حسب عوائدنا.
كترين
:
عجائب! تلتمس السماح على أمر ثم تُقدِم على فعله.
السياف
:
نعم، هذه عوائدنا.
كترين
(تنظر الخاتم الذي بأنملها)
:
ولكن قل لي بحقك ألا تجد حالتك هائلة مبغوضة مرذولة من
الجميع.
السياف
:
أشد بغضًّا مما تظنين.
كترين
:
فلما إذن اخترتها؟
السياف
:
لأن أجدادي أورثتها لأبي وأبي أورثنيها.
كترين
:
وهل أنت السياف الوحيد في لندرة؟
السياف
:
الوحيد.
كترين
:
وإذا هجرت لندرة من يخلفك في هذا المنصب؟
السياف
:
يصبح خاليًا.
كترين
:
تضطر الحكومة إذن أن تحضر سياف مدينة كاليه.
السياف
:
لا شك.
كترين
(لنفسها)
:
وفي هذه الأثناء يمكني أن أرى الملك ويُحدث الإله أمرًا لم يكن في
الحسبان. (نحوه) ينبغي عليك يا
صديقي أن تهجر لندرة.
السياف
:
أمر محال.
كترين
:
ولِما؟ لا مستحيل مع الإرادة.
السياف
:
ومن يُعيِّش امرأتي وأولادي؟
كترين
:
وإذا كنت أصيِّركم أغنياء، أنت وأولادك!
السياف
:
أغنياء! أغنياء!
كترين
:
نعم … نعم … كم تدفع لك الحكومة سنويًّا؟
السياف
:
خمسماية شلن.
كترين
:
أتنظر هذا الخاتم؟
السياف
:
أنظره، نعم.
كترين
:
فهو يساوي مبلغ ثلاثين ألف شلن. وهو مال يلزمك لأن تتحصل عليه خمسين
عامًا. فهو لك وملكك إذا أردت.
السياف
:
لي! ولكن … وما أفعل مقابل ذلك.
كترين
:
أن تهرب، وهذا كل ما أطلبه منك. نعم … لا أطلب منك خلاصي. فإن هذا
ليس بمقدرتك كما أن نفسي لا تساعدني على الهرب. ولكن أنت … ما من أحد
يترقب أعمالك. فانتهز هذه الفرصة واهرب فالوقت ثمين.
السياف
:
ولكن ألا تعلمين أن هذا الخاتم يخصني دون أن أُقدم على هذا الأمر
الخطير وأنني الوريث الوحيد لكل ملبوسات من أقتله بأمر الحكومة.
كترين
:
ولكن ألا تعلم أنه يمكنني أن أهبه لإحدى نسائي؟
السياف
:
ولكن ألا تعلمين أنك لن تنظريهن بعد؟
كترين
:
أولا تعلم أنه يمكنني أن أرميه وأنادي أنه نصيب من يلتقطه؟
السياف
(بنزق)
:
عي لنفسك أيتها الملكة ولا تكوني سببًا لتهييج غضبي، فتيقني أن فعلك
هذا مخالف لعوائدنا. ولا تعلمي أخيرًا أنه يمكنني أن أخطفه منك وآخذه
بالقوة قهرًا؟
كترين
(تضع الخاتم في فمها)
:
اخطفه إذن!
السياف
:
والله لا بد ولا مناص من أخذه. فإما أن تسلميني إياه وإما أن تستعدي
لفقد نفسك. فاختاري ما يحلو.
كترين
:
أرني ذلك إن كنت رجلًا.
السياف
:
دعينا من هذا الكلام يا مولاتي. وهل حقيقة هذا الخاتم يساوي ثلاثين
ألف شلن.
كترين
:
نعم ثلاثين ألف شلن.
السياف
:
أتقسمين لي بذلك؟
كترين
:
إي وربك.
السياف
:
أعطني إذن إياه وأسافر للحال … هاتي!
كترين
:
وعلى أي شيء تقسم لي بدورك أنك تسافر؟
السياف
:
أقسم لك بأكبر أولادي … بحياتي بشبابي ﺑ …
كترين
:
لا بل أقسم لي على هذه الكتب المقدسة …
السياف
:
أقسم لك بهذه الكتب المقدسة الطاهرة أنه حالما يصلني هذا الخاتم أهجر
لندرة وسكانها.
كترين
:
هذا هو … قم … ارحل (تخرجه
بقوة).
الجزء الثالث
(كترين – رئيس الأساقفة)
كترين
:
… بزغت لي شمس الرجاء وانتشر ضياء الفرج، فساعديني الآن أيتها
التقادير على نوال مرادي، فالظروف تضطرني السعي لآخر نسمة من حياتي …
ولكن، بأية طريقة وبأي سبيل … بالمكر والخبث والخداع، هو مسلك به بدأت،
ومن أجله نزعت جلباب الحياء والوقار ولقيت الرذيلة والهوان فلست أحيد
عنه الآن … (لرئيس الأساقفة) أرأيت
السياف ذاهبًا، أليس يا أبتي؟
الكاهن
:
نعم، ولكنه ليرجع في الحال.
كترين
:
ليرجع … وهل هو الذي قال؟
الكاهن
:
لم يقل لي شيئًا. ولكن لم يبقَ لك غير نصف ساعة من الزمن.
كترين
:
نصف ساعة … ولكنه لا يعلم كيف انقلب الأمر … ألتمس منك يا سيدي أن
تأخذني لأرى الملك!
الكاهن
:
أنا؟! ألا تعلمين أنه بعد بضع دقائق …
كترين
:
وإذا كان عوض بضع دقائق يتبقى لي عدة أيام؟
الكاهن
:
ولكن تنفيذ الحكم محدد الساعة السادسة.
كترين
:
وإذا كان بدل الساعة السادسة يُلغى هذا التنفيذ ولا يُعمل به؟
الكاهن
:
ومن يؤخر تنفيذه والسياف لهذا الأمر بالاستعداد.
كترين
:
وإذا كانت المتهمة تنتظر السياف للتنفيذ ولا يأتي؟
الكاهن
:
لا أفهم لك كلامًا.
كترين
:
سأبسط لك إذن حقيقة الأمر، وتيقن أن ما أقوله هو أول اعتراف بذنوبي
والإله محرِّم عليكم إفشاء كل سر … (بصوت
منخفض) لا ينفَّذ أمر بدون منفِّذ، فالمنفِّذ هرب حينما
رأيته خارجًا. نعم هرب مغادرًا لندرة على وعد منه أن لا يرجع إليها
ثانيًا.
الكاهن
:
ما أعجب ما تقولين!
كترين
:
لا شيء يورث العجب يا سيدي نظرًا للحالة التي أنا فيها … ولكن، ماذا
نسمع؟
الكاهن
:
هذه غوغاء الشعب، فقد أخذوا يَفِدون إلى ساحة المدينة.
كترين
:
خذني إذن بحقك يا أبتي لأرى الملك. (يدخل
حارس وينظر بعجب واندهاش في أنحاء السجن ويخرج مرددًا) يا
للعجب … ليس … هنا … عفوًا يا مولاتي …
كترين
:
وما تريد؟ (بفرح) أترى يا أبتي
إنه لم يجد الذي يبحث عليه … فقد قام بوعده.
الكاهن
:
هو الإله الذي يساعدك يا بنيتي (يسمع صوت
نفير).
كترين
:
وما هذا أيضًا؟
الكاهن
(متحسرًا)
:
لا أعلم.
منادي
:
أيها الشعب، قد غاب بغتةً سياف المملكة حينما حانت ساعة تنفيذ الحكم
على الملكة. ولعدم رغبة الحكومة في تأجيله فهي تقدِّم مبلغ خمسماية شلن
لمن يُقدِم على تنفيذ هذا الحكم وله أن يتنكر إذا شاء. وهي خدمة جليلة
تستحق الشكر بكل لسان.
كترين
:
أسمعت يا أبتي؟ وهل يوجد قلب قاسٍ ليقوم بهذا العمل الفظيع؟
الكاهن
:
عسى يا بنيتي!
كترين
:
إذن لا بد أن أذهب وأرى الملك، ولكن بأي كلام أخاطبه؟ أرشدني بالله
يا أبتي فقد ضاع رشدي … ولكن هل تظن أن أحدًا يُقدِم على هذه
المأمورية؟ فقلبي يحدثني … آه ربي ربي!
الكاهن
:
هيا يا بنيتي إذا أردت الذهاب!
كترين
:
هيا يا أبتي … (ولا تكاد تسير قليلًا حتى
يفاجئهما السياف فترجع بخوف ووجل).
الجزء الخامس
(المتقدمون – أتلود متنكرًا بهيئة سياف)
كترين
:
ويلي الأقدار تعاندني! فقد علا نجم نحوسي، وخاب لي كل رجاء …
السياف
:
هل أنت بالاستعداد أيتها الملكة؟
كترين
:
ويلي … ويلي!
الكاهن
:
إذن استعيني يا بنيتي بالله وكفى به وكيلًا. وإنه وإن كانت خطاياك
كثيرة وذنوبك عظيمة، ولكن رحمة الله أكبر وأعظم. فتضرعي إليه بقلب
منسحق وباسمه تعالى أكشف عنك ضبابات اللعنة وأحلك من خطاياك وأوزارك
(تخرج مع الكاهن
والسياف).
سجان
:
رحماك اللهم! لقد صببت عليها من صوت رجزك وحمَّلتها من أليم العذاب
ما لا تطيق، فارمها الآن بنظرة منك والحظها بعين عنايتك. وعسى الأحزان
التي صادفتها في حياتها تكون كفارة عن ذنوبها …
الجزء السادس
(ساحة لندرة: الملك – هيئة المملكة – مجلس البرلمان – حرس –
السياف – كترين راكعة وبجانبها رئيس الأساقفة)
الكاتب
:
«بناءً على الحكم الصادر من مجلس برلمان إنجلترا الأعلى بجلسته
المنعقدة في ٩ فبراير سنة ١٥٤٢ بسراي ويت هول بخصوص الشكوى المقامة من
جلالة الملك هنري الثامن ضد الملكة كترين، وبناءً على ثبوت الخيانة على
الملكة المذكورة؛ فقد صدر الحكم
عليها وعلى شريكها الغائب والمجهول بالإعدام قتلًا في ساحة لندرة
العمومية الساعة السادسة مساء.»
الملك
:
هل لكم أن تبدوا شيئًا يا حضرات الأعضاء؟
الأعضاء
:
كلا.
الملك
:
إذن، نفِّذ الحكم أيها السياف.
السياف
(يهمس في أذنها)
:
اعلمي يا غادرة أن سيافك … لا … بل المنتقم لنفسه منك، هو من سلَّم
لك قلبه فخنتيه، وأودع كفك حياته فازدريتيه.
كترين
:
آه … أنت أتلود!
السياف
:
نعم نعم، إني الآن أقطع عنقك باليد التي كانت تحب أن تُقطع فداءً عن
قلامة ظفر من أظافرك. فاستعدي لشرب هذا الكأس وأنت في زهرة الصبا …
(الساعة تضرب) ولتقتل أطماعك
الباطلة وحبك لذاتك … (الساعة
السادسة) موتي بحسراتك … (صراخ
عظيم من الشعب).
السياف
(بعد أن يضرب)
:
بشراي! ليس لي ما أشكو بعد أن فزت بالانتقام.
الملك
:
الجزاء الحق من جنس العمل.
الجميع
:
الجزاء الحق من جنس العمل.
السياف
:
والآن أيها السادة قد كان ما كان ونُفِّذ الحكم على الخائنة
بالإعدام. ولكن أين شريكها؟ هل من العدل أن يبقى حيًّا يتمتع بنعيم
الحياة؟ أين هو؟ أين هو؟ هو أنا … (يرفع
النقاب. دهشة عامة. صراخ من الشعب).
الملك
(بغضب)
:
ويكم! اقبضوا عليه (تتقدم
الجند).
أتلود
:
حذار أحدًا أن يتقدم.
الملك
:
بل دعوني أروي بدمه غليلي.
الكاهن
(وقد كان يتأمل بإمعان في أتلود)
:
تمهل يا مولاي! فهو اللورد أتلود.
الجميع
:
اللورد أتلود!
الملك
:
اللورد أتلود؟!
أتلود
:
أي نعم أتلود، ولا تستغرب يا مولاي ما ترى لأن غدر الزمان أجبرني أن
أشهر عن نفسي الموت وأنا باقٍ في قيد الحياة، ثم أن أتنكر بهذا المنظر
القبيح حتى يتسنَّى لي الانتقام من هذه الخائنة الغادرة؛ لأنها امرأتي
…
الملك
:
امرأتك؟!
الجميع
:
امرأته … امرأته!
أتلود
:
أي نعم، واسأل جلالتكم الشيخ فلمنك يخبركم بحقيقة الحال. أما الآن،
فحكم مجلس البرلمان إذا أردت لن يقضي أبدًا علي. ولكن هل من العدل أن
أبقى حيًّا بعد كل هذه الأعمال؟ لا لا، الموت أفضل وأوقى … (يهم برفع الخنجر فتبادر مرجريت وتقبض على
يده).
الجزء السابع
(المتقدمون – البرنس مرجريت)
مرجريت
:
لا لا، لا تنتهي حياتك أو تنتهي بحياتين!
أتلود
:
مرجريت، آه!
مرجريت
:
نعم، المنسحقة القلب المنكسرة الخاطر التي فدتك بكل موجود ولم تفدها
يا قاسيًا بشيء من الوجود. أنقذك من الموت مرتين فلا أحظى منك يا
ظالمًا إلا بالصد والإعراض، أواه يا للشقاء.
الملك
:
ويلاه ماذا أسمع وماذا أرى!
مرجريت
:
أخي عذرًا ومغفرة، واعلم أنني إذا أحببت الحياة فما هو إلا لأكون
دعامة راحته وركن سعادته، فإما أن أعيش وإياه تحت سقف واحد، أو أن أنضم
وإياه في لحد واحد.
أتلود
:
حاشا لله ما أنت بشرا إن أنت إلا ملك كريم! فعفوًا عفوًا إن ذنبي
إليك لعظيم.
الملك
:
طِيبي يا شقيقتي نفسًا وقَرِّي عينًا، فقد عاد إليك مَن فقدت، فإن
اقترانكما مقسوم من القدر، وما جمعه الله لا يفرقه بشر. وأهنئ الآن
نفسي ثم أهنئكم يا رجال مملكتي، يعود إلينا صديقنا اللورد أتلود بعد أن
كنا يأسنا من غالي حياته. فإليَّ الآن أيها اللورد لأقبلك بين عينيك.
وها يد شقيقتي البرنسس مرجريت
أقدمها لك فلتكن لك عروسًا. واعلم أنها قاست من حبك أمورًا لا تطاق
ورأت من العذاب لبعدك ما لا تحتمله الجبال، فكن نحوها عادلًا، واقضيا
حياتكما الآن في رياض الهناء بسلام وطائر المسرة والأفراح يشدو بأطيب
الأنغام.