هناك مراجع كثيرة تحدثت عن الأوبرا الخديوية في القرن التاسع عشر، ولكنها اختلفت في
تاريخ
افتتاحها وفي أول عرض لها، هل هو أوبرا عايدة أو أوبرا ريجوليتو؟ كما أن هذه المراجع
صمتت
صمتًا غريبًا عن نشاط الأوبرا بعد افتتاحها، وكأن الأوبرا أقيمت من أجل عايدة فقط؛ لأن
هذه
المراجع تحدثت بعد عايدة عن ظهور يعقوب صنُّوع ثم عن قدوم الفرق الشامية! وفي هذا الجزء
سنأتي بحقائق — من خلال عدة وثائق — لم يسبقنا فيها أحد حتى الآن. وسنقسم الحديث عن تاريخ
الأوبرا في القرن التاسع عشر إلى ثلاثة أقسام؛ الأول: بناء الأوبرا، والثاني: الأمور
الإدارية، والأخير: النشاط الفني.
(١) بناء الأوبرا
تُحدِّثنا الوثائق التي بين أيدينا، عن بداية بناء الأوبرا من خلال أمر من قِبل
الخديو إسماعيل إلى المهندس أفوسكاني
١ مسئول بناء الأوبرا في ٩ / ٥ / ١٨٦٩، هذا نصه: «أمر كريم منطوقه: قد أمرنا
الخواجة أبوسكاني بأن كامل طلباته وأشغاله التي تلزم فيما يتعلق ببناء محل التياترو
الجاري إنشاؤه بمعرفته بالأزبكية يطلبها ويحرر عنها إلى علي رضا بك في ياوراتنا؛ حيث
إنه صار إحالة تأدية تلك الطلبات لعهدته. كما وأمرنا المُومَأ إليه بذلك وبإجراء باقي
الأشغال اللازمة هناك الغير داخلة مقاولة الخواجة أبوسكاني المذكور وبهذا صارت تلك
الأشغال جميعها منوطة بالبيك المومأ إليه ولا يكن إلى المقاول طلب شيء في جهتكم كما
عرفناه بذلك، وعلى هذا ينبني أن ترتبوا مع البيك الموما إليه الكُتاب والمخزنجي
اللازمين لمأمورية هذه وواحد كاتب أفرنكي أيضًا. وتكون إقامته هو والكُتَّاب المحكي
عنهم في الأود الموجودة بجهة سراي القبة الخضرة لقربها في محل العمل وملاحظة الأشغال.
وأصدرنا أمرنا هذا لكم بما ذكر للإجراء بموجبه كما هو مطلوبنا (في الإسكندرية).»
٢
وتتوالى بعد ذلك الأوامر من أجل سرعة إنجاز العمل، كأمر الخديو في ١٤ / ٥ / ١٨٦٩
بسرعة إحضار الأخشاب اللازمة لبناء الأوبرا من خلال إيصالات تؤخذ من محمد بك الفتابلي.
٣ وفي ٨ / ٦ / ١٨٦٩ أصدر الخديو أوامره من عابدين بضم المبالغ الخاصة بإضاءة
الأوبرا بالغاز
٤ إلى أمره السابق ببنود صرف إضاءة الكوميدي الفرنسي، والسيرك والأبيودروم
وسراي الأزبكية بميزانية المالية.
٥
وانتهى البناء الهيكلي للأوبرا في أول سبتمبر ١٨٦٩، وبقيت لوازم التحضير والتجهيزات
الأخيرة. ففي ١٩ / ٩ / ١٨٦٩ وصلت باخرة إنجليزية من مرسيليا تحمل ١١٧ صندوقًا من
الموبيليا، وصندوق ورق، و١٤ صندوقًا للنباتات، و١٣ صندوقًا لبعض المَركبات وعجلاتها،
وخمسة صناديق لأدوات تركيب الغاز، و٢٥ للشموع. وتم إرسال هذه الصناديق في قطار من ميناء
الإسكندرية إلى القاهرة في ٢١ / ٩ / ١٨٦٩. وفي ٢٤ / ٩ / ١٨٦٩ قال مأمور أشغال الخاصة
الخديوية بالإسكندرية، لرياض باشا بأنه استلم طرودًا أخرى خاصة بتجهيزات الأوبرا من
باخرة فرنسية تابعة لشركة بازين. وفي ٢٧ / ٩ / ١٨٦٩
وصل إلى الأوبرا ٧٦ طردًا جديدًا. وفي ٤ / ١٠ / ١٨٦٩ وصلت تجهيزات جديدة للأوبرا من
فرنسا، هي: ٣٣ صندوقًا للموبيليا والنجف، وخمسة صناديق للنباتات، و٣٠ للشمع، وثمانية
لعجل المركبات.
٦
وكان العمل يسير على قدم وساق من أجل إنهاء تجهيز الأوبرا، ليتم افتتاحها أثناء
الاحتفال بفتح قناة السويس. وبالفعل تم العمل وافتُتحت الأوبرا في أول نوفمبر ١٨٦٩.
وبعد الانتهاء من احتفالات قناة السويس وعودة الملوك والأمراء إلى بلادهم، عاد الخديو
مرة أخرى إلى الأوبرا ليتمم ما كان ناقصًا بها؛ لأن من المؤكد أن إنهاء الأوبرا في هذه
المدة القصيرة، التي لم تتجاوز ستة أشهر، لم يكن على المستوى المطلوب.
ففي ٢٣ / ١١ / ١٨٧٠ أصدر الخديو أوامره إلى نظارة المالية بصرف ٢١٩ كيسًا من حسابه
الخاص لإنهاء الأعمال المتبقية بالأوبرا. وفي ٢٢ / ٧ / ١٨٧١ وافق محافظ مصر على قيام
ذوكارللي بالقيام بأعمال النقوش والزخرفة بالأوبرا. وفي ١١ / ٣ / ١٨٧٢ تم صرف ٣٧٧
فرنكًا للخواجا بنتالي ثمن حديد لستائر الأوبرا،
٧ وصرف أموال أخرى لتوريد أصناف جديدة من الخشب والحديد.
٨ وفي ٢٢ / ٥ / ١٨٧٢ أحضر المسيو فينول أقمشة هندية للأوبرا بعشرة آلاف فرنك.
وفي اليوم التالي تم صرف ١٣٩٦ فرنكًا ثمن فوانيس الغاز لإضاءة الأوبرا من قبل الخواجا
قرنفيل. وفي ١٩ / ٦ / ١٨٧٢ قدم المسيو جران تقريرًا للخديو إسماعيل بإنهاء جميع الأعمال
السابقة.
٩
واستمرت الأوبرا على هذا الشكل في أداء عملها منذ ذلك التاريخ، دون أن تمتد إليها
يد
الإصلاح أو الترميم، حتى عام ١٨٨١، عندما شبت الحرائق في العديد من مسارح أوروبا؛ مما
جعل لجنة التياترات المصرية تتقدم بطلب إلى نظارة الأشغال في ٢٣ / ١٢ / ١٨٨١ طلبت فيه
وجوب إضاءة دهاليز الأوبرا بالزيت، لتيسير حركة
الجمهور وقت نشوب الحريق كإجراء أمني. وقدرت المبلغ المطلوب لذلك بخمسة آلاف فرنك.
١٠ وفي ١٥ / ٦ / ١٨٨٧ قامت الحكومة بتوسيع باب القاعة الأساسية لسهولة خروج
المتفرجين في حالة الحريق، بدلًا من تكاليف إضاءة دهاليز الخروج،
١١ وتكلف توسيع باب القاعة ستة آلاف جنيه.
١٢
وفي أول أكتوبر ١٨٨٧، بدأت الحكومة في تفكير جديد لتجنب احتمال احتراق الأوبرا، وذلك
بتفكيرها في استبدال نور الغاز بالنور الكهربائي.
١٣ ولم يدخل هذا التفكير حيز التنفيذ إلا في ١٨ / ٥ / ١٨٩٠، عندما أرسلت لجنة
التياترات مذكرة لنظارة الأشغال بخصوص هذا الأمر، وطلبت منها تقديم العطاءات اللازمة،
بعد أن أرفقت مع المذكرة تقريرًا حول هذا الأمر من بلوم باشا وفينك باشا وجران بك
والميجور بيش والمسيو بسكوال كليمنتي.
١٤ ورفع محمد زكي ناظر الأشغال مذكرة بهذا الأمر لمجلس النظار في
٤ / ٩ / ١٨٩٠، بالموافقة على الإنارة بالكهرباء.
١٥
ومن الجدير بالذكر أن الاعتمادات المالية المقررة لذلك كانت تشتمل على أمور أخرى
بجانب الإضاءة بالكهرباء، كَمَدِّ أنابيب للمياه [حنفيات الحريق] في جميع أنحاء
الأوبرا، وحفر سراديب أسفل الأوبرا لخروج الجمهور في حالة الحريق. وتم تقسيم الاعتمادات
المالية إلى قسمين، الأكبر للإضاءة الكهربائية، والأصغر لأنابيب المياه وحفر السراديب.
وفي ٣٠ / ٩ / ١٨٩٠ وافقت اللجنة المالية لرئاسة النظار على تكاليف القسم الأصغر، وإرجاء
تنفيذ القسم الأكبر فيما بعد. وتمت موافقة مجلس النظار على فتح نوافذ جانبية في أرضية
الأوبرا فقط في ١ / ١٢ / ١٨٩٠،
١٦ وهذا يتضح من صورة الوثيقة الآتية:
وبدأ تنفيذ مشروع إضاءة الأوبرا بالكهرباء في ٦ / ٩ / ١٨٩٤، عندما تقدمت نظارة
الأشغال بمذكرة لمجلس النظار، تعرض عليه العطاءات الخمسة المقدمة في هذا الشأن، وهي:
الأول: من المسيو نهمان عن شركة كونتيننتال إديسون بمدينة باريس. والثاني: من المسيو
بولا تشك بالإسكندرية. والثالث: من الشركة الكهربائية ببرلين. والرابع: من شركة التنوير
العمومية بباريس. والأخير: من كرمنسكي ومير وشركائهما بفيينا. وتمت الموافقة على شركة
التنوير العمومية بباريس؛ لتدني أثمانها، وقيامها — فيما سبق — بإضاءة عدة مسارح
أوروبية، وأيضًا إضاءة صالات الاستقبال بسراي عابدين.
١٧ وقد تمَّ هذا المشروع بعد ذلك، وكان آخر المشاريع المختصة بالأوبرا
الخديوية في القرن التاسع عشر.
(٢) الأمور الإدارية
بدأت الأمور الإدارية بتعيين مدير الأوبرا «باولينو درانيت»، الذي تقلد أيضًا وظيفة
تفتيش التياترات في مصر. وعن هذا الأمر تُخبرنا مجلة وادي النيل قائلة في
٣٠ / ٤ / ١٨٦٩: «إن وظيفة تفتيش التياترات (أي الملاعب) هي من أهم الوظائف الملحقة
بديوان وزارة الدولة ببلاد فرنسة وكم من مواد دقيقة مما يتعلق بفنون الأدب ومكارم
الأخلاق … ترجع في الحقيقة لأصل هذه الوظيفة الدقيقة. فلذلك حصل لنا غاية السرور بما
بلغنا من أن الجناب الخديوي العالي ألفت نظره المتعالي لهذه المادة حسبما هو عنه على
الدوام معهود من التشبث لترتيبات الدولة الفرنساوية بالتقليد حيث أناط هذه الوظيفة
بالديار المصرية لجناب درانيت بك أفندي. وما أحسن ما وقع انتخابه عليه، وما أجدره بحسن
الالتفات له من حيث زيادة انجذاب سائر الناس إليه!»
١٨
مر الموسم الأول من نشاط الأوبرا (١٨٦٩-١٨٧٠) دون استيفاء الهيكل الوظيفي الخاص
بإدارة الأوبرا بصورة كاملة؛ لذلك قدم باولينو درانيت مدير التياترات كشفًا بأسماء باقي
الموظفين المراد ضمهم لخدمة الأوبرا، مع تقديراته لرواتبهم، وصدَّق عليه الخديو إسماعيل
في ٣ / ٥ / ١٨٧٠.
١٩ وفي ٢١ / ٤ / ١٨٧٥ قدم درانيت كشفًا بحساب مصاريف الأوبرا والكوميدي
الفرنسي عن موسم (١٨٧٥-١٨٧٦)، وبلغت مليونًا ومائتي ألف فرنك، وهي نفس مصاريف الموسم
السابق.
٢٠
وتتوقف الأوبرا — بسبب أزمة الديون وعزل الخديو إسماعيل — وتنقطع أخبارها الإدارية،
سواء في الدوريات أو الوثائق حتى ١١ / ٥ / ١٨٨٠، عندما تقدمت نظارة الأشغال بمذكرة
لمجلس النظار، بخصوص الطلبين المقدمين إليها من لجنة التياترات، لبداية نشاط الأوبرا
من
جديد. الأول من موسى بك المدير السابق لمصلحة البريد المصرية، والثاني من المسيو لاروز
أمين مخازن التياترات.
فموسى بك يريد أخذ امتياز الأوبرا عن هذا الموسم الذي يبدأ من ١٤ / ١١ / ١٨٨٠ وينتهي
في ١٣ / ٣ / ١٨٨١، ويتعهد بتقديم روايات إيطالية، وبعض حفلات الباللو، وعشرة أوبرات
جديدة. وفي مقابل ذلك يطلب تسليم الأوبرا له مجانًا مع جميع أدواتها من ملابس ونوت
موسيقية وديكورات. هذا بالإضافة إلى مساعدة الحكومة له بمبلغ ٢٥٠ ألف فرنك.
أما المسيو لاروز فيطلب امتياز الأوبرا لنفس الموسم أيضًا، بجانب قيامه بعمله الحكومي
كأمين مخازن التياترات، بالإضافة إلى ١٠٪ من إيراد الأوبرا. كما طالب أيضًا بأن يكون
منوطًا بإدارة التياترات الخديوية بالقاهرة، بما فيها الكوميدي الفرنسي مع حقه في
تأجيره أو تأجير الأوبرا. وفي مقابل ذلك قدم لاروز تصورين لنشاط الأوبرا الفني في حالة
حصوله على الامتياز؛ الأول: تقديم روايات كوميدية فرنسية وفودفيل وأوبريت، مع حفلة
باللو بها ٣٧ من الراقصات الأجنبيات. والثاني: يقدم فيه البرنامج الأول بدون حفلة
الباللو، وفي حالة تقديم الأوبريت، يتعهد بتقديمه بصورة لم يسبق لها مثيل في مصر من حيث
الديكور والملابس والأدوات الجديدة، وسيتبرع بهذا كله في النهاية لمخازن
الأوبرا.
وفي نهاية المذكرة طلبت نظارة الأشغال من مجلس النظار إعطاء القرار اللازم عن الأمور
الأربعة الآتية — التي تفحص طلبات ومقترحات لاروز، دون عرض مقترحات وطلبات موسى بك:
«الأول: هل يمكن تخصيص كريديتو لإدارة التياترات، وما يكون مقدارها؟ الثاني: هل ينبغي
إعطاء إدارة التياترات بالمقاولة أو أن إدارتها تبقى على ذمة الميري؟ الثالث: تتعين
أنواع التشخيصات المقتضى إجراؤها من أوبرة طليانية مع باللو أو كوميدية وفودفيل
وأوبيريت وباللو فرنساوي. الرابع: هل يجوز في هذه الحالة الأخيرة التسليم إلى مسيو
لاروز أمين موجودات التياترات في إدارة ونظارة التياترات على ذمة الميري؟» ومن الغريب
أن قرار مجلس النظار في ١٠ / ١٠ / ١٨٨٠ جاء بالموافقة على مقترحات ومطالب لاروز
٢١ دون النظر بالمثل في مقترحات وطلبات موسى بك.
وهذه الوثيقة تؤكد أن الأوبرا كانت قاصرة على الأجانب فقط — وهو الأمر المعروف لنا
جميعًا، ولكننا كنا في حاجة إلى دليل يؤكد ذلك. ولم نجد خير دليل على هذا الأمر من هذه
الوثيقة، وما أتبعها من وثائق في هذا الموضوع.
وعلى الرغم من أن موسى بك رُفض طلبه — أو بمعنى أوضح تم تجاهله ولم يُعرض على المجلس
— لامتياز الأوبرا في موسم ١٨٨٠-١٨٨١، إلا أنه حاول الحصول عليه في الموسم التالي، فقدم
طلبًا جديدًا لعلي باشا مبارك ناظر الأشغال العمومية في ١ / ٢ / ١٨٨١، قال فيه: «أتشرف
بأن ألتمس من سعادتكم أن تَطَّلعوا على المشروع طيَّه، وإن تفضَّلتم بالتصديق عليه
يُجري رؤيته مجلس النظار. وبودي أن الحكومة قبل أن تقبل أي إنسان كان، تعرض جميع
المشروعات المرسولة إليها بالنسبة لتياترو الأوبيره على جمهور من آل الخبرة يكون
مستعدًا لذلك وأن تعطي حقًّا للمناقضة الأكثر أرجحية لصالح مصلحة القطر … (توقيع موسى
بك).»
٢٢
وفي ٢١ / ٣ / ١٨٨١ تقدم الموسيو أرنست ويلكنسون بطلب آخر لعلي مبارك من أجل استغلال
كافة التياترات في الأزبكية عن موسم ١٨٨١-١٨٨٢، وتمت الموافقة على هذا المشروع، ولم يتم
عرض مشروع موسى بك كما حدث في الموسم السابق، لتبقى الأوبرا في حوزة الأجانب.
٢٣
وفي الموسم التالي (١٨٨٢-١٨٨٣)، تقدم الموسيو بارفه الفرنسي بطلب لنظارة الأشغال
في
١٢ / ٢ / ١٨٨٢، لاستغلال الأوبرا في هذا الموسم، وذكر تعهداته في طلبه — في حاله قبوله
— وهي: «أتعهد بإدارة التياترو وبدون طلب زيادة إعانة عن المبلغ المخصص لذلك بالشروط
الآتية؛ أولًا: بأن أعطي في بحر فصل التشخيص الثمانية تشخيصة المعتادة، ويكون ضمنها
خمسة وعشرين تشخيصة جديدة بالأقل من التشخيصات التي لم يسبق إعطاها في مصر، مثل أوبرا
كوميك وأوبيريت ماعدا الباليه. ثانيًا: بأن أنتخب نصف تشخيصات الأوبرا كوميك بالأقل من
التي اشتهرت قديمًا. ثالثًا: بأن يكون بطرفي طاقم مشخصين للباليه يكون عدده بالأقل
كالموجود الآن، ويكون من الدرجة الأولى. رابعًا، بأن يكون طاقم الموسيقى والمغنى
مستوفيًا وأعظم إتقانًا من الطاقم الموجود.»
٢٤
كما ذكر بارفه أيضًا — في طلبه — أنه يعمل منذ سنوات عديدة كمغنٍ وممثل في مسارح
باريس، لذلك فله القدرة على انتقاء ممثليه — في حالة القبول — من أشهر الممثلين بفرنسا.
كما يتعهد بإقامة حفلة باللو ويعطى إيرادها لشيخ الأزهر الشريف، ليوزعه على الجمعيات
الخيرية الإسلامية.
٢٥
وفي ٢١ / ٢ / ١٨٨٢ تقدم أرنست ويلكنسون بطلب لتجديد امتيازه في إدارة الأوبرا عن
نفس
الموسم، وقدم عدة اقتراحات منها، بث الشعور الوطني في نفوس المصريين بتقديم روايات
تاريخية مترجمة إلى العربية، وأيضًا روايات تختص بالتاريخ المصري، لتعليم أبناء مصر
تاريخهم وتاريخ الشعوب والأمم الأخرى. بل ووصل به الأمر لتقديم اقتراح غريب — في ذلك
الوقت — بأن يقدم فرقة تمثيلية مصرية وطنية صميمة، لا دخل للممثلين الأجانب فيها. كما
أنه سيشجع المؤلفين المصريين بإعطاء مكافأة مجزية لكل مصري يقدم له مسرحية مؤلفة مصرية.
وأخيرًا تم رفض هذا المشروع الوطني، وقبول مشروع بارفه في ٨ / ٣ / ١٨٨٢ من قِبل مجلس
النظار.
٢٦
ومن المؤكد أن رفض مشروع أرنست كان بسبب محاولته لصبغ الأوبرا بصبغة مصرية خالصة.
والدليل على ذلك أن مجلس النظار وافق على إعطائه الأوبرا كأجنبي في الموسم السابق، ورفض
مشروع غريمه المصري موسى بك؛ لأنه قدم مشروعًا للفن الغربي لا المصري كما حاول في هذه
المرة. أي إن الدولة في ذلك الوقت كانت ترغب في إبقاء الأوبرا شكلًا ومضمونًا للأجانب
وللفن الأجنبي. ومن وجهة نظري إذا عاد الزمن مرة أخرى، ووافق مجلس النظار على مشروع
أرنست، لكان تاريخ الحركة المسرحية في مصر تغير تمامًا؛ لأننا كنا سنقرأ ونسمع عن أول
فرقة مسرحية مصرية صميمة في ذلك الوقت، وأيضًا كنا سنقرأ أعمالًا مسرحية مؤلفة ومترجمة
عن التاريخ المصري من قِبل المصريين أنفسهم! ولم يبقَ من هذا الحلم كله إلا هذه الوثيقة
التي تؤكد على وجوده في يوم من الأيام!
وفي ٢٧ / ١٠ / ١٨٨٤ طلب سانتي وبوني وسوسكينو متضامنين استغلال الأوبرا بما فيها
من
ملابس وديكورات مجانًا، لعرض موسم مسرحي قصير من ٣٦ إلى ٥٤ ليلة مسرحية، وبشرط أن تتكفل
الحكومة كافة نفقات الإضاءة. وتمت الموافقة على أن يكون التمثيل لمدة شهر واحد فقط.
٢٧
وفي أواخر عام ١٨٨٤ تقدم الشيخ القباني وعبده الحامولي بطلب لناظر الأشغال، للتمثيل
في الأوبرا في يناير ١٨٨٥، وتمت الموافقة على ذلك؛ مما شجعهما على تقديم طلب آخر تتكفل
فيه الحكومة بثمن الإضاءة أسوة بالأجانب ممن مثلوا في الأوبرا قبل ذلك. وفي هذا الوقت
كانت الحكومة قد صرَّحت لفرقة أجنبية بالتمثيل في الأوبرا ابتداء من أول فبراير
١٨٨٥.
وحتى يوم ٢٤ / ١٢ / ١٨٨٤، لم يكن الرد على موضوع الإضاءة قد وصل إلى القباني
والحامولي، فخشيا أن يضيع عليهما الترخيص بالتمثيل فقدما طلبًا لناظر الأشغال في يوم
٢٤ / ١٢ / ١٨٨٤ بصرف النظر عن طلبهما في موضوع الإضاءة. وتمت الموافقة على ذلك من قِبل
اللجنة المالية في ٨ / ١ / ١٨٨٥.
٢٨
وتاريخ الموافقة هذا يؤكد أن الحكومة أرادت وضع العراقيل أمام تمثيل هذه الفرقة
العربية في الأوبرا، التي كافحت — أي الحكومة — طويلًا في إبقائها أجنبية الشكل
والمضمون؛ لأن هذه الموافقة جاءت بعد ثمانية أيام من قرار الترخيص بالتمثيل، أي إن هذه
الأيام لم يحدث بها تمثيل من قِبل القباني. ومن المؤكد أيضًا أن الحكومة وضعت عراقيل
أخرى أمام القباني، لأن جميع الأخبار تؤكد أن القباني لم يمثل في الأوبرا إلا في مارس
١٨٨٦.
وفي ١٧ / ٤ / ١٨٨٥ تقدم عبد الرحمن رشدي ناظر الأشغال العمومية بمذكرة لمجلس النظار،
عرض فيها عدة طلبات لاستغلال الأوبرا في موسم (١٨٨٥-١٨٨٦)، وكان ضمن هذه الطلبات طلب
من
بوني وسوسكينو الذي وافق عليه المجلس، بل ووافق المجلس أيضًا على طلبهما للموسم التالي
(١٨٨٦-١٨٨٧) في ٢٤ / ٢ / ١٨٨٦. وقد تمت الموافقة الأخيرة لأن بوني وسوسكينو قد اقترحا
في طلبهما استقدام فرقة من الراقصات الأجنبيات، فعلم الخديو توفيق بهذا الأمر، وأصدر
أوامره بإعطاء امتياز الأوبرا لهما، وذلك من خلال مكاتبة من قِبل مارتينو باشا — برغبة
الخديو هذه — إلى رئيس مجلس النظار في ١٧ / ٢ / ١٨٨٦.
٢٩
وكان ضمن الطلبات المقدمة لاستغلال الأوبرا في موسم (١٨٨٦-١٨٨٧) طلب من المسيو موجه،
وكان عرضه أقرب العروض قبولًا من عرض بوني وسوسكينو. ومن المؤكد أن خطاب مارتينو برغبة
الخديو — السابقة — لم يعلن عنه في الأوساط الرسمية في ذلك الوقت، بل كان أمرًا سريًّا
في مجلس النظار. ومن هنا وجدنا جريدة القاهرة تدلي كل يوم بخبر جديد تحت عنوان ثابت هو
«امتياز الأوبرا في السنة الآتية»، فتارة تؤكد على أنه لمسيو موجه، وتارة أخرى تؤكد أنه
لبوني وسوسكينو
٣٠ دون أن تعلم أن الأمر قد انتهى وأُعطي الامتياز لبوني وسوسكينو
بالفعل.
ويعتبر موسم (١٨٨٦-١٨٨٧) أسوأ موسم إداري في تاريخ الأوبرا الخديوية في القرن التاسع
عشر؛ فمعظم الممثلين تأخرت رواتبهم مما أدى بهم الأمر إلى رفع دعوى قضائية في المحاكم
ضد بوني وسوسكينو.
٣١ وفي نهاية عام ١٨٨٦ تنازل بوني وسوسكينو عن حقهما في امتياز الأوبرا،
٣٢ بعد أن قدم بوني تقريرًا لرئيس مجلس النظار عن هذا الموسم المسرحي، مشتملًا
على الدخل والمنصرف، وعدد الحاضرين للأعمال المسرحية، والفرق التي اشتركت في الأعمال
المسرحية. وفي ٢٩ / ١٢ / ١٨٨٦ طالبت جريدة القاهرة لجنة التياترات بأن تعطي حق امتياز
الأوبرا للممثلين أنفسهم لاستكمال الموسم؛ كي يحصلوا على مستحقاتهم المالية، أو
مساعدتهم ماليًّا.
٣٣
وفي آخر ديسمبر ١٨٨٦ حكمت محكمة التجارة بإعلان إفلاس بوني وسوسكينو؛ مما جعل الحكومة
تُسعف الممثلين بمبلغ ٢٧ ألف فرنك، وأقامت لهم حفلة خيرية في الأوبرا في ٣١ / ١٢ / ١٨٨٦
وتبرعت لهم بإيرادها البالغ ٧ آلاف فرنك، بالإضافة إلى تبرع الخديو بألف فرنك أيضًا.
ولكن هذه المبالغ كلها لا تتناسب مع أجر كبار الممثلين فقط البالغ قيمته ٥٥ ألف فرنك؛
لذلك قررت الحكومة غلق الأوبرا وعودة الممثلين إلى بلادهم على نفقة الحكومة.
٣٤
وبسبب هذا الموسم احتاطت الحكومة بعد ذلك في أمور عديدة، حتى لا يتكرر ما حدث. وأهم
وثيقة في شأن هذه الاحتياطات، جاءت في ٢٧ / ٤ / ١٨٩٠، من خلال مذكرة نظارة الأشغال إلى
مجلس النظار، هذا نصها: «إن هذه النظارة كانت قد عقدت مع المسيو ميناديه في ١٨٨٩
قونتراتو عن تشغيل تياترو الأوبرا مدة الفصل الواقع بين سنة ١٨٨٩ و١٨٩٠. وقد تقرر في
هذا القونتراتو أن الجوق يجب قبل قدومه إلى القاهرة أن يمثل في مدينة نابولي. وأنه إذا
اتضح للجنة التياترات أن الاستعلامات التي ترد إليها من تلك المدينة عن الجوق المذكور
هي غير مرضية فيفسخ القونتراتو وتستولي الحكومة على التأمين البالغ قدره أربعة عشر ألف
فرنك وقد حصل ذلك. غير أن المسيو المذكور قد طلب أن يرد إليه هذا التأمين بإفادة حررها
عن ذلك في ٨ فبراير الماضي. ولما استشيرت لجنة التياترات عن ذلك أجابت بأنه من الموافق
رد ذلك التأمين تفضلًا عليه به بشرط أن يتعهد بعدم المطالبة بشيء فيما يتعلق
بالقونتراتو المعقود معه. وقد استندت تلك اللجنة في إبداء هذا الرأي على أربعة أسباب،
وهي؛ أولًا: أن المسيو ميناديه المذكور قد بذل ما في وسعه لتأليف جوق من الممثلين مع
أن
الزمن الذي عقد فيه القونتراتو كان متأخرًا. ثانيًا: أنه يصعب على أي ملتزم أن يؤلف
جوقًا من الممثلين الماهرين «ولو في الفصل المناسب لذلك» مع قلة مبلغ الإعانة المخصص
من
الحكومة. ثالثًا: أن المسيو ميناديه قد برهن على مزيد اجتهاده في ذلك، ولا يصح أن ينسب
إليه سوء النية. رابعًا: أن الحكومة لم تتكبد بسببه خسارة ما. ولكن اللجنة المالية التي
عرضت عليها هذه المسألة ترى أن فسخ القونتراتو والاستيلاء على التأمين قد أُجريا بحسب
الأصول وبمقتضى أحكام القونتراتو نفسه وقد تقرر ذلك بناء على تلغراف ورد من شيخ مدينة
نابولي يحظر فيه لجنة التياترات بعدم نجاح ذلك الجوق، وأن شهادة وثيقة مثل هذه يجب أن
يترتب عليها قطعًا فسخ القونتراتو وفقدان التأمين، وأن ذلك لم يحصل عن إغفال في الأمر
أو مباغتة؛ ولذا يقتضي أن يبقى التأمين الذي دفعه المسيو المذكور وقدره أربعة عشر ألف
فرنك للحكومة.»
٣٥
وفي ٦ / ١٢ / ١٨٩٠ أرسلت لجنة التياترات تكليفًا إلى بسكوال كليمنتي مدير الأوبرا،
أثناء تواجده في أوروبا لقيامه بإجازته السنوية؛ كي يقوم بانتقاء فرقة مسرحية لموسم
الأوبرا (١٨٩٠-١٨٩١).
٣٦ وفي المواسم الأربعة من (١٨٩٣-١٨٩٤) إلى (١٨٩٦-١٨٩٧) أعطت نظارة الأشغال
امتياز الأوبرا إلى الموسيو جول ميلون مورفان، والسبب في إعطاء هذه المواسم بصورة لم
يسبق لها مثيل، أن العقد المبرم كان يشتمل على بند خاص، هذا نصه: «وإذا أظهرت لجنة
التياترات رضاها عن كيفية قيام الموسيو مورفان بتعهداته تجدد تلك الشروط بحكم الأحقية.»
لذلك استطاع مورفان أن يجدد عقده تلقائيًّا طوال هذه المواسم.
٣٧ وفي موسم (١٨٩٧-١٨٩٨) أُعطي امتياز الأوبرا لفرقة إيطالية،
٣٨ التي حصلت أيضًا على آخر مواسم الأوبرا في القرن التاسع عشر، وهو موسم (١٨٩٨-١٨٩٩).
٣٩
وانتهى القرن التاسع عشر والأوبرا الخديوية تتكون إدارتها من: المدير «بسكوال
كليمنتي»، وسكرتير المحاسبة «فيكتور بيلور»،
٤٠ وأمين المخازن «فورتناتو برونو»، وترزي الملابس «أدريان فومات»، والعاملات:
«هلانة طلماس – أديل كوسة – ليونتن فرنسسكيني – سيزارين ميل»، والمعاون «منصور غانم»،
والملاحظ «ألفونس جراناتو»،
٤١ والفراشين: «أحمد الكومي – محمود أحمد – محمد علي – عبد الله سيد – أحمد
علي – محمد علي – حسن موسى».
٤٢
(٣) النشاط الفني
يستطيع أي قارئ — بكل سهولة — أن يقرأ عن نشاط الأوبرا الفني في القرن التاسع عشر،
في
أي مرجع تحدث عن هذا الأمر. والسهولة هنا مرجعها أن أخبار الأوبرا في هذه المراجع قليلة
جدًّا لا تتعدى تاريخ افتتاحها وأول عرض بها لا سيما أوبرا عايدة. هذه هي البداية
المدونة في جميع المراجع؛ لأننا بعد ذلك نقرأ فيها عن يعقوب صنوع، ويوسف الخياط
ومسرحيته «الظلوم»، التي بسببها أخرجه الخديو إسماعيل من مصر. ثم تصمت المراجع بعد ذلك
حتى تتحدث عن الفرق الشامية ونشاطها في الأوبرا، كفرقة القباني وسليمان القرداحي
وإسكندر فرح … إلخ.
هذه هي المعلومات المتاحة في جميع المراجع والكتب المتداولة بين أيدينا. وكما قلت
—
فيما سبق — إن هذه المعلومات تعطي للقارئ انطباعًا أن الأوبرا تم تشييدها وافتتاحها من
أجل أوبرا عايدة فقط. وبمعنى أوضح لا نجد أية أخبار عن نشاط الأوبرا منذ افتتاحها حتى
قدوم الفرق الشامية إلى مصر. لذلك جهدت نفسي في البحث والتقصي حتى استطعت أخيرًا أن
أحصل على معلومات مهمة
٤٣ تغطي بعض المواسم الأولى للأوبرا، وبالأخص موسمها الأول وتغطية كاملة عن
ليالي الافتتاح الأولى، من خلال بعض الدوريات التي صدرت بمصر في ذلك الوقت. وأخيرًا
توصلت إلى تغطية شاملة لبعض الحفلات والعروض المسرحية المقامة في الأوبرا طوال القرن
التاسع عشر، مع ملاحظة إبعاد حفلات وعروض الفرق المسرحية الكبرى، وكذلك عروض الفرق
المغمورة، وأخيرًا حفلات وعروض الجمعيات، خوفًا من التكرار؛ لأنني سأتحدث عنها في أماكن
مستقلة في هذا الكتاب.
وإذا أردنا أن نتحدث عن نشاط الأوبرا الفني، لا بد لنا أن نبدأ منذ ليلة الافتتاح،
تلك الليلة التي اختلفت في تحديدها معظم المراجع، فجاء الافتتاح فيها في أيام كثيرة
منها يوم ١، ١٠، ١٦، ٢٤، ٢٩ نوفمبر ١٨٦٩. كما تمثل الاختلاف أيضًا في عرض افتتاح
الأوبرا، هل هو أوبرا عايدة أو أوبرا ريجوليتو؟ وآخر الاختلافات كان في أسماء من حضروا
هذا الافتتاح من ملوك وأمراء أوروبا، وبالأخص إمبراطورة فرنسا أوجيني.
وهذه الاختلافات، أو تضاربها كان بسبب صعوبة الحصول على الوثائق التي كانت محفوظة
بمكتبة الأوبرا القديمة قبل احتراقها في ٢٩ / ١٠ / ١٩٧١. ومن حسن الحظ أن هناك دورية
لم
يلتفت إليها معظم النقاد والكتاب، وهذه الدورية أرَّخت وتحدثت بصورة حاسمة عن هذه
الأمور وفي وقتها، ألا وهي مجلة «وادي النيل»، التي تعد أول مجلة سياسية أدبية في مصر،
لصاحبها الشاعر عبد الله أبي السعود أول معرب لأوبرا عايدة.
وهذه المجلة وصفت في يوم الجمعة ٥ / ١١ / ١٨٦٩
ليلة افتتاح الأوبرا قائلة: «في ليلة الإثنين الماضي [الموافق ١ / ١١ / ١٨٦٩] حصل أول
الافتتاح مع غاية النجاح لنوع التياترو المسمى بالأوبيره (بضم الهمزة في أوله يليها واو
ساكنة ثم باء موحدة فارسية مفخمة؛ أي ملعب التخليعات التصويرية الممزوجة بالألحان
الموسيقية). وكان قبل ذلك قد افتُتح نوع التياترو المسمى باسم تياترو الكوميدية (أي
ملعب التخليعات المضحكة). وقد تشيد لكل منهما مكان مخصوص بالعناية الخديوية بالمحلة
الجديدة المسماة باسم الإسماعيلية من الأزبكية. وبعد العشاء بنحو ساعة من تلك الليلة،
كان الجناب الخديوي العالي قد شرف هذا المكان بحضرته. وجلس في الحجرة الخديوية
المُعدَّة فيه لإقامته فيما بين حضرة الأمير الإيطالياني المسمى باسم لودوق داووست،
وحضرة لادوشيس دووست زوجته. إذ كان كل منهما جليسه في تلك الليلة الأنيسة. وتم بذلك
الفرح والسرور لسائر الحضور حيث كانوا يجهرون جميعًا على عدة مرات للحضرة الخديوية
العلية بطول الحياة. وقد انكشفت الستارة أولًا عن تلحين قصيدة أغاني باللغة الفرنساوية
كان قد نظمها بعض أدباء الأمراء الإفرنجيين في مدحة الحضرة الخديوية. وقد زان هذا
المنظر الجميل صورة أعلى ذاته البهية، موضوعة في وسط المجلس على دكة عليَّة، يحيط بها
من اللاعبين واللاعبات ما يُتصور في ذاتهم بطريق الرموز الإشارية صورة العدل والحلم
والشهرة وغير ذلك من الأوصاف الجميلة التي تعود على ذاته الجليلة بالمدح ويطول منها الشرح.»
٤٤
ونلاحظ في هذا القول أن المجلة وصفت كيفية نطق كلمة الأوبيره أي الأوبرا؛ لأنها لفظة
جديدة على الشعب العربي في ذلك الوقت. ثم نجدها أيضًا تقول عن وصف دار الأوبرا بأنه
ملعب التخليعات التصويرية الممزوجة بالألحان الموسيقية. وكلمة ملعب هي مرادف لكلمة
تياترو أو مرسح في ذلك الوقت. أما كلمة تخليعات فالمقصود منها عدم التحكم في حركات
الجسد مما يعطي إحساسًا للمشاهد بالضحك؛ لأن التمثيل في ذلك الوقت كان في نظر الناس نوع
من الخلاعة والتهتك. أما محلة الإسماعيلية بالأزبكية، فهي حاليًّا منطقة «وسط البلد»
التي تمتد من ميدان الأوبرا حتى ميدان التحرير، الذي كان يسمى ميدان الإسماعيلية. واسم
المنطقة والميدان مشتق من اسم الخديو إسماعيل الذي بناهما. وكان لا يقطن محلة
الإسماعيلية إلا الأعيان والجاليات الأجنبية. وعندما تولى الخديو توفيق حكم مصر، بنى
منطقة التوفيقية المجاورة للإسماعيلية تشبُّهًا بما فعله الخديو إسماعيل.
كما نلاحظ أيضًا في هذا الخبر أمرين مهمين؛ أولهما: أن الأمير الإيطالي وزوجته هما
فقط الذين حضرا افتتاح الأوبرا. وقبل حصولنا على هذا الخبر، كنا نقرأ أن الذين حضروا
الافتتاح هم: إمبراطورة فرنسا أوجيني، وإمبراطور النمسا، وسفير إنجلترا، وسفير روسيا،
وولي عهد بروسيا، وأمير وأميرة هولندا … إلخ. والحقيقة أن هؤلاء لم يحضروا افتتاح
الأوبرا كما هو معروف، ولكنهم حضروا افتتاح قناة السويس في ١٧ / ١١ / ١٨٦٩، ولو كانوا
حضروا افتتاح الأوبرا لسارعت المجلة بذكر أسمائهم، كما سارعت بذكر وصف حضورهم لافتتاح
القناة بصورة دقيقة في أعدادها التالية.
والأمر الآخر يتمثل في أن افتتاح الأوبرا كان محددًا بقصيدة غنائية من قبل المنشدين
والمنشدات وهم واقفون حول صورة للخديو إسماعيل. ولم يكن الاحتفال كما هو معروف بأية
أوبرا تمثيلية. أي إن الأوبرا افتتحت بقطعة غنائية لا بأوبرا عايدة ولا بأوبرا ريجوليتو
كما هو مدون في جميع المراجع الحديثة.
وإذا كنا قد أثبتنا أن افتتاح الأوبرا كان في ١ / ١١ / ١٨٦٩ بقطعة غنائية، إلا أن
أوبرا ريجوليتو تم عرضها في اليوم التالي، أي يوم ٢ / ١١ / ١٨٦٩. ومن الطريف أن هذه
الأوبرا لم يكتمل عرضها؛ إذ حدث حريق أثناء العرض أدى إلى فرار الممثلين. وهذه الحقائق
تنقلها لنا المجلة في عددها التالي في ١٢ / ١١ / ١٨٦٩ قائلة: «إن من الأخبار التي يقول
المصغي لها إذا سمعها الحمد لله الذي قدر ولطف، أنه بينما كان الجناب الخديوي المعظم
قد
شرف مكان تياترو الأوبيره «ملعب التخليعات التصويرية الممزوجة بالألحان الموسيقية»،
الكائن بالمحلة الإسماعيلية بالأزبكية. وكان كل من اللاعبين واللاعبات يبدي ما عنده من
المهارة ويظهر برهان ما لديه من البراعة والشطارة في اللعبة المشهورة عندهم باسم
«لاريجواليته» في ليلة الثلاثاء الماضي «٢٨ رجب» [الموافق ٢ / ١١ / ١٨٦٩]، وإذا بثورة
من الغاز الموقد في مكان التياترو المذكور، قد قامت وكأن القيامة قد قامت. حيث فزع سائر
الحضور وانقطع سلسال الحظ والسرور. وكان أول من أَبِق من خوف النار وقال إن الغنيمة في
الفرار، أبناء الفن؛ إذ لم يسعهم غير الخروج من ذلك الكُن. وترتب على ذلك حصول اختلاط
واختباط والوقوع من الهباط واللياط في مثل ما ذكره الأديب الحريري لمناسبة وقوع المجاعة
في دمياط. وانقطع اللعب وأعقب ذلك الطرب نوع آخر من الطرب مع ما كان يحصل من طرف بعض
المتثبتين منهم من الصياح بالتطمين. وما حصل على الخصوص من لدن الجناب الخديوي العالي
من التصري بالتأمين حيث خرج من حجرة الخديوية المعدة لإقامته العلية. إذا كان قد شرف
مكان تياترو الأوبيره المصرية وجعل بنفسه يطمن الناس ويصيح بأعلى صوته على الثبات
والسكون بأنه لا بأس.»
٤٥
وهذا الخبر يؤكد أن أوبرا ريجوليتو لم يتم عرضها على الوجه الأكمل، بسبب الحريق الذي
اندلع وقت تمثيلها، كما يؤكد أيضًا أن الخديو حضر بمفرده هذا العرض ولم يُحضر معه أية
شخصية أجنبية من ملوك وأمراء أوروبا، وإلا كانت المجلة ذكرت اسمه، ووجدت في ذلك الأمر
مادة صحفية طريفة تستحق النشر.
وتتوقف الحركة التمثيلية في الأوبرا الخديوية بسبب احتفالات افتتاح قناة السويس،
ثم
تعود في ١٩ / ٢ / ١٨٧٠، بعرض أوبرا سميراميس، وقد خُصص إيرادها للعاملين بالأوبرا،
وتوضح مجلة وادي النيل هذا الأمر قائلة: «… وإن شاء الله تعالى فيما بعد نذكر للراغبين
زيادة تفصيل، كما هي عادة كتبة الغازيتات [أي الدوريات من مجلات وصحف] فيما يتعلق بزبدة
[خلاصة] لعبتها. ولربما أدرجناها على سبيل الأنموذج لهذه التأليفات الأدبية في صحيفة
وادي النيل بكليتها إذا وفق الله سبحانه وتعالى فيما بعد لترجمتها … ولأجل شدة تشويق
المتفرجين … زيد على لعبة سميراميس هذه فرجة جديدة تسمى بحاوية الثعبان. وهي عبارة عن
جماعة من رقاصين التياترو يرقصون رقص السودان والبنات المغنيات من قبيل ما يُعرف باسم
العوالم المصريات، يجتمعون في ميدان التياترو ويعملون صورة فرح للملكة سميراميس
المذكورة. وتأتي معهم الحاوية فتحصل حركات متنوعة وملاعيب مبتدعة. ثم تعذب الحاوية
ثعبانها فيعضها فترقص كالمصاب بالجنون حتى تقع على الأرض.»
٤٦
وهذا الخبر على وجه الخصوص يحمل لنا عدة معلومات مهمة وجديدة في نفس الوقت. ومن هذه
الأمور، أن أوبرا «سميراميس» هي أول أوبرا تُعرض بصورة كاملة منذ افتتاح دار الأوبرا،
إذا وضعنا في الاعتبار أن الافتتاح كان بقطعة غنائية موسيقية، وأن أول عرض لأوبرا
ريجوليتو لم يتم بصورة كاملة. والأمر الثاني، عدم معرفتنا من قبل أن أوبرا سميراميس
عُرضت في هذا التاريخ؛ لأن المعروف أنها مُثلت بتياترو حديقة الأزبكية في ٧ / ٤ / ١٩٠٥.
٤٧ والأمر الثالث يتعلق بالأمل في نشر ترجمة المسرحية، وهذا الأمر يعكس لنا
مدى اهتمام الصحافة الأدبية بهذا الفن الجديد الوافد إلينا من الغرب. وبكل الأسف لم تتم
الترجمة، وبالتالي لم يتم النشر، ولو كان حدث هذا لَكُنَّا حصلنا على أول نص مسرحي
منشور في مصر. والأمر الأخير يتمثل في إدخال الاستعراض في عروض الأوبرا، وهذا وإن دل،
فإنما يدل على أن المسرح الاستعراضي واكب النشاط المسرحي في مصر منذ ظهوره.
وفي ٢٨ / ٢ / ١٨٧٠ وَفَتِ المجلة بوعدها، فأثبتت مُلخصًا — في عدة صفحات — لأوبرا
سميراميس كتبه محمد أنسي، ومن أقواله فيه: «… وهي بدعة حسنة وطريقة للتربية العمومية
مستحسنة، من حيث ما يترتب عليها من تفتيق الأذهان وتصوير أحوال الإنسان للعيان، حتى
تكتسب فضائلها، وتجتنب رذائلها إلى غير ذلك من الفوائد الجميلة والعوائد الجليلة. ويا
ليته يحصل التوفيق لتعريب مثل هذه التأليفات الأدبية وابتداع اللعب بها في التياترات
المصرية باللغة العربية، حتى ينتشر ذوقها في الطوائف الأهلية … إن أصل مبنى هذه اللعبة
على حادثة تاريخية وقصة واقعية في بلاد آسية … قبل ظهور عيسى عليه السلام بنحو ألفي عام
بمدينة بابل التي هي كرسي مملكة العراق المسماة ببلاد الأسيرية. وحاصل هذه القصة، أن
الملكة سميراميس كما هو في كتب التواريخ القديمة منصوص، كانت قد سمت زوجها الملك نينوس
ملك بلاد الأسيرية باتحادها مع رجل من أهل بيت الملك يقال له الأمير أسوريوس؛ طمعًا في
الاستبداد بالملك وطاعة لشهواتها، ولقصد أن يتزوج بها الأمير المذكور ويشاركها في سرير
الملك. وكان للملك نينوس المغدور ولد منها يسمى نيناس، فلما دنا أجله وتحقق أن الذي
قتله هو زوجته بتواطئها مع ذلك الأمير، أخفى ولده هذا وأشاع أنه انفقد من بعد أن أوصى
إليه أن يأخذ بثاره … [إلخ الملخص] وتخلل ذلك من الأقوال على لسان كل أحد بلسان مَن
صوَّره من اللاعبين واللاعبات، ما يظهر للعيان صور الشهوات كأنها مشاهدات. ومعنى ذلك
كله تقبيح القبائح وتنقيح النصائح من أن الغدر مآله ذميم والانقياد للهوى مرتعه وخيم،
وأن القاتل لا بد وأن يقتل، والظالم وإن أُمهِل لا يُهمَل، فتأمل!
وأما ما أضيف إلى هذه اللعبة التياترية من الزيادة لتشويق المتفرجين وابتهاج
المبتهجين، فقطعة الرقص المسماة بقطعة حاوية الثعبان. وهي عبارة عن أن جماعة من رقَّاص
التياترو تزيَّوا بزي الحبشة «في قديم الزمان»، وآخرون بزي الغوازي المصريات، ورقصوا
جميعًا كرقص العوالم البلديات تمامًا بتمام، حتى ظن الحاضرون أنهن رقاصات بلديات. وجاءت
راقصة أخرى وهي المسماة بحاوية الثعبان وبيدها ثعبان حقيقي، وأبدت معه من أنواع الرقص
وفنون الملاعيب ما يعد في الواقع ونفس الأمر من الصنع العجيب والبدع الغريب. حتى عجب
لذلك سائر المتفرجين وخرجوا مبهوجين (توقيع: محمد أنسي).»
٤٨
وأهمية هذا الملخص، يتمثل في: أولًا: أنه أول ملخص منشور عن عرض من عروض الأوبرا
في
ذلك الوقت؛ مما يعكس لنا نظرة الصحف والأدباء لهذا الفن، هذا بالإضافة إلى أن فائدة
التمثيل — في نهاية الملخص — جاءت بنفس المفهوم الحضاري الذي ننادي به الآن. ثانيًا:
تمني المجلة تعريب نصوص المسرحيات المعروضة في الأوبرا لاكتمال الفائدة. والحقيقة أن
هذا التعريب جاء بعد ذلك بقليل وتحديدًا في عام ١٨٧١، عندما عرب أبو السعود — صاحب
المجلة — أوبرا عايدة. ثالثًا: ذكر الآثار الإيجابية المترتبة على مشاهدة المسرحية، حيث
ذكرت المجلة العبرة المستفادة من مشاهدة هذه الأوبرا. رابعًا: الإتيان بالوصف التفصيلي
للاستعراض الراقص في الأوبرا، وهذا الوصف يعد أيضًا أول وصف لاستعراض مسرحي منشور في
مصر. خامسًا: اسم الأديب محمد أنسي محرر هذا الجزء، وهو نجل أبي السعود صاحب المجلة،
وكان من الأدباء المترجمين في هذا العصر، وأمله الذي لم يتحقق في ترجمة المسرحيات
المعروضة في الأوبرا بمجلة «وادي النيل»، استطاع تحقيقه في مجلة «روضة الأخبار»
٤٩ بعد ذلك عام ١٨٧٨، عندما ترجم الروايات الفرنسية.
وبنفس الأسلوب السابق، قامت المجلة بنشر عرض شامل لملخص ونقد أوبرا «فاوست» لجوته،
التي عُرضت بالأوبرا. والجديد في هذا الملخص أن الذي كتبه لم يكن أبا السعود أو ابنه
محمد أنسي، كما سبق، بل كان «بيريت» أحد النقاد الأجانب، وأرسله إلى المجلة فنشرته في
٤ / ٣ / ١٨٧٠.
٥٠ ومن الجدير بالذكر أن النشر تم بصورة مطولة جدًّا، يصعب إدراجه هنا بأي حال
من الأحوال، إلا أن قيمته تتمثل في أن قصة فوست لجوته عرفها الشعب المصري منذ عام ١٨٧٠،
وهذا التوثيق يخالف اعتقادنا بأن هذه القصة دخلت مصر عن طريق ترجمتها في عام ١٩٢٩ من
قِبل محمد عوض. علمًا بأنها عرضت في الأوبرا مرة أخرى في عام ١٨٨٦ عن طريق جوق بوني وسوسكينو.
٥١
أما عن آخر عرض بالأوبرا الخديوية في موسمها الأول فكان في ١٥ / ٤ / ١٨٧٠ بعرض مسرحية
«الملكة كرينولين»، وفي ذلك تقول المجلة: «قد كانت ليلة الجمعة الماضية آخر ليلة لُعب
فيها في ملعب التياترو بمصر القاهرة اللعبة المشهورة باسم «الملكة كرينولين» وبها
اختتام موسم التياترو في هذا العام. وعسى أن يسعى من عام قابل في الاستعداد لإجراء هذه
التصويرات اللعبية باللغة العربية، حتى يطلع على هذه البدعة الأدبية الجديدة ويتمتع
بهذه المتعة العصرية المفيدة من سائر أهل مصرنا الخواص والعوام.»
٥٢
ويبدأ الموسم الثاني للأوبرا في أكتوبر ١٨٧٠، وأهمية هذا الموسم على وجه الخصوص،
تتمثل في أن أسلوب لصق الإعلانات على الجدران، وتوزيع البروجرامات على الصحف وعلى
الجمهور، أصبح من أساليب الدعاية المتبعة. ففي ٢١ / ١٠ / ١٨٧٠ نشرت مجلة وادي النيل
بروجرامًا كاملًا عن عروض الأوبرا منذ بداية الموسم،
٥٣ ونشرت في ٢٨ / ١٠ / ١٨٧٠ نص أول إعلان للأوبرا لُصق على الجدران باللغة
الإيطالية، قائلة: «شاهد كل إنسان في هذه الأيام الحاضرة بشوارع مدينة القاهرة مُعلقًا
على الحيطان والجدران صورة إعلان يتميز للعيان بغرابة شكله ويستوقف المارة ببداعة طبعه
وشغله … مع كونه لم يفهم من ألفاظه … وذلك أنه مطبوع باللغة الإيطاليانية على فرخ …
طويل عريض وشكل من حروف الطبع غريب مستقبض. يتضمن أنه بأمر الحضرة الخديوية العلية
سيفتح اللعب في تياترو الأوبرا الكائن بالأزبكية في يوم الأحد الآتي أول شهر نوفمبر
القابل، بتصوير اللعبة المشهورة عند الطوائف الأوروباوية باسم «لافاووريته» أي
«المحظية». وهي عبارة عن قطعة تياترية من نوع القطع المسماة باسم «درام» (أي قصيدة
شعرية تتضمن تصوير بعض الوقايع التاريخية بطريقة مضحكة أو مبكية)، منقسمة إلى أربعة
فصول، يتخللها ألحان موسيقية مع بعض تخليعات أخرى مسلية، ورقص وعزف من بعض القيان؛ أي
الراقصات الأفرنكيات وغير ذلك من الفنون … وقد أدرجنا هنا مضمون هذا الإعلان مع بعض
تفصيل وبيان ليعرف منه كل أحد حقيقة المقصود. ويقف فيه على بيت القصيد ويُهرع إليه كل
من يريد.»
٥٤
وفي ١٨ / ١ / ١٨٧١ عرضت الأوبرا باليه «براهما»، وأسهبت المجلة في عرض الموضوع
ومغزاه، وكانت هذه الحفلة بمناسبة عيد تقليد الخديو إسماعيل للأريكة الخديوية.
٥٥ ومن المؤكد أن الأوبرا الخديوية لم تقتصر في بداية نشاطها الفني على عرض
المسرحيات أو الموضوعات الأجنبية فقط، بل تطرقت إلى الموضوعات الدينية الشرقية. ففي عدد
المجلة المؤرخ في ٢٤ / ٢ / ١٨٧١ وجدنا إعلانًا للأوبرا تعتزم فيه عرض أوبرا «موسى عليه
السلام»،
٥٦ وكان هذا الإعلان آخر عهدنا بنشاط الأوبرا التمثيلي في مواسمها الأولى بناء
على ما لدينا من أعداد مجلة «وادي النيل».
٥٧
ومن الجدير بالذكر أن أوبرا «عايدة» مُثلت في ٢٤ / ١٢ / ١٨٧١، بعد أن وضع قصتها
التاريخية ماريت باشا، وصاغها نظمًا فرنسيًّا الشاعر كاميل دو لوكل مدير الأوبرا كوميك
في باريس، وبعدئذٍ نقلها إلى النظم الإيطالي الشاعر أنطونيو جيزلنزوني، ليوقعها
الموسيقار «فردي» ولتناسب الفرقة الإيطالية التي قامت بتمثيلها في القاهرة ليلة عيد
الميلاد في ٢٤ ديسمبر ١٨٧١.
٥٨
وبعد انقطاع كبير لنشاط الأوبرا، بسبب الديون المصرية، وعزل الخديو إسماعيل، وتولي
ابنه محمد توفيق، يعود النشاط مرة أخرى للأوبرا في ٢٢ / ١١ / ١٨٨١، عندما عرض مديرها
لاروز أول رواية لمسرح الطفل في مصر، تعتمد أساسًا على فن البانتومايم.
٥٩ وفي ١ / ١٢ / ١٨٨١ عرض رواية «رافاس» لأول مرة بالأوبرا وكانت في حضور
الخديو توفيق،
٦٠ الذي حضر أيضًا عرض المسيو والِنْبي في ٦ / ١ / ١٨٨٢،
٦١ وعرض أوبريت «ديابل أكاتو» في ٣٠ / ١ / ١٨٨٢.
٦٢ وفي ٢٧ / ٢ / ١٨٨٣ عرضت الأوبرا أوبريت «جيروفلة جيروفلا»، وفي
٢ / ٣ / ١٨٨٣ «لاجراند دوسيشي»، وفي اليوم التالي له «سان فبرج» وأيضًا «لاز نفور دون
فيلا جوا».
٦٣
ومنذ عام ١٨٨٦ بدأت الأوبرا نشاطًا فنيًّا ملحوظًا، ففي يناير قدمت الجمعية الخيرية
اليونانية رواية تشخيصية مساعدة منها للفقراء،
٦٤ وفي فبراير تم تمثيل رواية من أجل إعانة مدرسة النجاح التوفيقي،
٦٥ ورواية أخرى خُصص إيرادها للمكاتب المختلطة.
٦٦ وفي ٢٠ / ٢ / ١٨٨٦ مثلت الأوبرا رواية «تي موسكينيه» وأبدعت فيها المطربة
بيرتي والممثل ريتشارد. ومع نهاية فبراير تم تمثيل رواية «كلوش دي كورنفيل» ورواية «عايدة».
٦٧ وفي ١ / ٣ / ١٨٨٦ أقيمت حفلة باللو بالأوبرا خُصص إيرادها للأيتام،
٦٨ وفي اليوم التالي مُثلت «عايدة»،
٦٩ وفي اليوم الثامن أقيمت حفلة باللو للأيتام أيضًا.
٧٠
وفي ١٤ / ٤ / ١٨٨٦ أقام محيي الدين الدمشقي حفلة لإعانة المدرسة الخيرية برمل
الإسكندرية، فقدم ستة فصول بانتومايم.
٧١ وفي أول نوفمبر مثل جوق بوني وسوسكينو رواية «اليهودية»،
٧٢ وفي ٨ / ١١ / ١٨٨٦ رواية «فاوست»،
٧٣ وفي ١٣ / ١١ / ١٨٨٦ رواية «مذبحة البروتستانت» بطولة المطربة مارتيني،
٧٤ وفي ٢٠ / ١١ / ١٨٨٦ رواية «لامتيون»،
٧٥ وفي ٦ / ١٢ / ١٨٨٦ رواية «لاترافياتا» بطولة مارتيني أيضًا،
٧٦ وفي ٢٣ / ١٢ / ١٨٨٦ رواية «بوكات».
٧٧
وبدأ عام ١٨٨٧ بحفلة خيرية تحت رعاية الكونت داوناي وزير فرنسا في القاهرة، وخُصص
دخلها لصندوق الفقراء والمساكين الفرنسيين في مصر.
٧٨ وفي اليوم التالي أقامت جمعية الروم الكاثوليك حفلة تنكرية للفقراء أيضًا.
٧٩ وفي ١٠ / ٢ / ١٨٨٧ أقيمت حفلة باللو لإعانة المدارس الإيطالية في مصر وكانت
بحضور ولي عهد إيطاليا.
٨٠ وفي ١٧ / ٣ / ١٨٨٧ أقامت جمعية الأرمن باللو تحت رعاية زوجة الخديو.
٨١ وفي أول نوفمبر ١٨٨٧ مثلت بالأوبرا رواية «جان فرجرون»،
٨٢ وفي ٢٧ / ١٢ / ١٨٨٧ رواية «الطواف حول الأرض» التي حضرها الخديو وزوجته
وكبار رجال الدولة.
٨٣
وفي عام ١٨٨٨ بدأ الجوق التركي تمثيل رواياته بالأوبرا،
٨٤ بعد أن عقدت معه نظارة الأشغال عقدًا بإمداد الأوبرا بفرقة قوامها ٣٠ من
الممثلين والممثلات، على أن يلقوا تمثيلهم باللغة التركية.
٨٥ وفي ٢١ / ٢ / ١٨٨٩ أقامت جمعية الإحسان الفرنسية ليلة خيرية لمساعدة
الفقراء الفرنسيين في مصر.
٨٦ وفي ٢٠ / ١ / ١٨٩٠ شاهد الخديو بالأوبرا تمثيل المستر هولدن بالتماثيل
الخشبية (خيال الظل).
٨٧
وفي ١٦ / ٢ / ١٨٩٠ أقامت الجمعية الخيرية الفرنسية بالأوبرا ليلة خيرية تحت رعاية
الكونت دوبيني قنصل فرنسا.
٨٨ وفي ٦ / ٣ / ١٨٩٠ تم تمثيل رواية تحت رعاية الخديو خُصص دخلها للمستشفى الأوروبي.
٨٩ وفي ١٤ / ٣ / ١٨٩٠ حضر بالأوبرا عبد الرحمن باشا رشدي سر تشريفاتي الخديو
حفل الجمعية الخيرية الإيطالية.
٩٠
وفي ٢١ / ١ / ١٨٩٢ حضر الخديو تمثيل «عايدة» بالأوبرا،
٩١ وفي اليوم التالي أقامت الجمعية الخيرية الفرنسية ليلة خيرية للفقراء.
٩٢ وفي ٢٧ / ١ / ١٨٩٣ أقامت الجالية الإيطالية ليلة من أجل الجمعية الخيرية الإيطالية.
٩٣ وفي يناير ١٨٩٤ أتم جوق المسيو مورفان تقديم مسرحياته بالأوبرا، وسافر إلى
الإسكندرية لتقديمها على مسرح زيزينيا.
٩٤ وفي ١٩ / ١ / ١٨٩٤ عرضت رواية «ابنة مدام أنجو».
٩٥ وفي ١٢ / ١ / ١٨٩٦ مثلت الجمعية الخيرية للروم الكاثوليك رواية «عايدة»
وحضرها الخديو.
٩٦ وفي ٩ / ٤ / ١٨٩٦ أقامت الجمعية الأرثوذكسية ليلتها الخيرية فتم تمثيل
رواية «بطل كستيليا»، وقام عبده الحامولي بالغناء بين الفصول.
٩٧ وفي ١٨ / ٤ / ١٨٩٦ مثلت رواية «شاه الأدب وفذلكة الطرب».
٩٨
وفي ٦ / ١ / ١٨٩٧ حضر الخديو تمثيل أوبرا «عايدة»،
٩٩ كما حضر في ١٠ يناير الليلة الخيرية لجمعية الروم الكاثوليك مع كبار رجال
الدولة وقناصل الدول الأجنبية.
١٠٠ وفي ١٩ / ١ / ١٨٩٧ أقامت الجالية الفرنسية ليلة خيرية للفقراء الفرنسيين.
١٠١ وفي ٢٧ / ١ / ١٨٩٧ أقيمت ليلة خيرية خُصص دخلها للفقراء الأرمن تحت رعاية
اللورد كرومر والميجور كنوس قائد جيش الاحتلال في مصر.
١٠٢ وفي ١ / ٤ / ١٨٩٧ مثلت فرقة الموسيو بوركه الفرنسية رواية «المسيو بواريه
وصهره» وفي اليوم التالي مثلت رواية «العشاق».
١٠٣
وفي ٦ / ٤ / ١٨٩٧ مثلت فرقة الآنسة مارسيل جوسيه الفرنسية رواية «فروفرو» بطولة
الممثل كوكلن.
١٠٤ وفي ٢٣ / ٤ / ١٨٩٧ مثلت الجمعية الخيرية المارونية رواية «مظالم الآباء»
تأليف خليل كامل.
١٠٥ ومن ٢٧ أبريل إلى ٥ / ٥ / ١٨٩٧ أقيمت ثلاث حفلات مسرحية بالأوبرا تحت إدارة
إسكندر شلهوب، خُصص دخلها للإعانة العسكرية الشاهانية والمدرسة الحميدية.
١٠٦ وفي ٢٠ / ١١ / ١٨٩٧ مثل الجوق الإيطالي بقيادة الموسيو لويجي رواية «أوتلو»
[عطيل]، وقد حضرها الخديو،
١٠٧ كما حضر تمثيل رواية «لوسيا دلاميرمور» في ٢٥ / ١١ / ١٨٩٧،
١٠٨ ورواية «ريجوليتو» في ٩ / ١٢ / ١٨٩٧،
١٠٩ ورواية «مانون ليسكو» في ٢٣ / ١٢ / ١٨٩٧.
١١٠ وفي ٩ / ١ / ١٨٩٨ مثلت جمعية التمثيل الفرنسية رواية «سافو»،
١١١ كما مثل جوق الأوبرا في ٥ / ٣ / ١٨٩٨ رواية «مدام سان جين»، وفي
٧ / ٣ / ١٨٩٨ رواية «دندون».
١١٢ وفي ١ / ٤ / ١٨٩٨ مثلت فرقة إسكندر فرح رواية «السيد» في احتفال الليلة
القبطية الخيرية.
١١٣ وفي ١٩ / ٤ / ١٨٩٨ أطرب عبده الحامولي جمهور الأوبرا في ليلة الجمعية
الخيرية المارونية.
١١٤ وفي ١ / ١٢ / ١٨٩٨ مثل الجوق الإيطالي رواية «أوتلو».
١١٥
وفي ٤ / ١ / ١٨٩٩ مثلت مدام ألانودا روزا الممثلة الإيطالية رواية «زوجة كلود»، وفي
اليوم التالي مثلت رواية «كنزنية»،
١١٦ وفي ١٣ / ١ / ١٨٩٩ مثلت رواية «مدام أو كاميليه».
١١٧ وفي ١٦ / ٢ / ١٨٩٩ أقامت الجمعية الخيرية للروم الكاثوليك ليلتها الخيرية
برئاسة فريد بك بابازوغلي تحت رعاية الخديو.
١١٨ وفي ١٩ / ٢ / ١٨٩٩ مثل الجوق الإيطالي رواية «بوهيم».
١١٩ وفي ٥ / ٤ / ١٨٩٩ أقامت الجمعية الخيرية للروم الأرثوذكس ليلتها الخيرية
فمثل فيها جوق إسكندر فرح رواية «السيد» بطولة المطربة مريم مراد.
١٢٠
وبعد، فهذه إطلالة سريعة على نشاط الأوبرا الفني منذ افتتاحها حتى نهاية القرن التاسع
عشر، من خلال بعض الحفلات التمثيلية والليالى الخيرية قمنا بانتقائها من أخبار وإعلانات
الدوريات الكثيرة التي صدرت في هذا القرن. وكما قلنا إن هذا النشاط يعتبر نموذجًا
بسيطًا؛ لأن نشاط الأوبرا الحقيقي سيتضح لنا فيما بعد عندما نتحدث عن الفرق الكبرى
والفرق المغمورة والجمعيات الفنية.
وقبل أن نُنهي حديثنا عن الأوبرا، يجب علينا أن نختتم هذا الجزء بالحديث عن شخصية
مهمة، ظهرت واختفت دون سابق إنذار، وهي شخصية مدير الأوبرا والتياترات المصرية «باولينو
درانيت باشا»، لما لهذه الشخصية من أهمية في تاريخ المسرح بصفة عامة، وتاريخ الأوبرا
الخديوية بصفة خاصة.
(٣-١) باولينو درانيت باشا
اسم تردد عدة مرات في الصحف المصرية والعربية لما لصاحبه من منصب كبير كمنصب مدير
الأوبرا والتياترات في مصر. ومن الغريب أن هذه الصحف وغيرها صمتت عن ذكر هذا المدير
منذ منتصف عام ١٨٧٩. ولم يعلم أي باحث أو دارس للمسرح العربي أي شيء عن نهاية هذا
الرجل حتى صدور هذا الكتاب! أو لماذا توقفت الصحف عن ذكره، وهو أول مدير للمسارح
المصرية، وبخاصة الأوبرا؟!
والحقيقة التي يجهلها كل إنسان عن نهاية باولينو درانيت، موجودة بوثائق حصلتُ
عليها من ملف خدمته الوظيفية.
١٢١ تلك الوثائق التي أوضحت السبب في الصمت المطبق الذي خيَّم على نهاية
هذا الرجل، وأظهرت لنا ما أغفله التاريخ عن نهاية أول مدير للتياترات المصرية، وأول
مدير للأوبرا الخديوية.
تقول الوثائق إنه بدأ عمله في مصر — في عهد محمد علي باشا — بوظيفة ضمن أشغال
الأجزخانة بمستشفى الجهادية بأبي زعبل، وبمدرسة الطب تحت رئاسة المسيو فيجاوي في
١ / ١٢ / ١٨٣١. ثم رُقي إلى مساعد بمدرسة الطب في ٢٧ / ٤ / ١٨٣٣. والْتَحق بخدمة
مَعيَّة سعيد باشا برتبة ميرلاي في عام ١٨٥٣ حتى ٢٩ / ١٢ / ١٨٥٩. وفي سبتمبر ١٨٦٧
أنعم عليه الخديو بنيشان عالٍ عثماني من الرتبة الثالثة. وعندما اهتم الخديو
إسماعيل ببناء المسارح، عُيِّن درانيت مديرًا للمسارح في مصر. هذا مجمل بعض الوثائق
عن بداية العهد الوظيفي لدرانيت. أما نهاية هذا العهد، تلك النهاية المجهولة فسأورد
وثائقها بصورة كاملة لأهميتها:
- الوثيقة الأولى في ٩ / ٨ / ١٨٧٩: من جناب درانيت باشا بمدينة نابولي إلى سعادة إسماعيل باشا أيوب
ناظر الداخلية: قبل قيام ركاب سعادة إسماعيل باشا من المحروسة في
٣٠ / ٦ / ١٨٧٩، شرفني بأن حرر لي تلغرافًا للحضور لديه في مدينة
نابولي. وعندما شرَّف ركاب المشار إليه بها حجزني لخدمته. وفي حال
امتثالي لذات هذا البرنس، وردت لي إفادة سعادتكم في ١٦ / ٧ / ١٨٧٩
الماضي، التي بها تشعروني بالرَّفت. مع أني أتجاسر بأن أعرض على
سعادتكم أنه عندما تشرفت بالدخول في خدامة الحكومة المصرية في سنة
١٢٤٦ مضت مدة خمسين سنة تقريبًا لحد الآن وأنا في خدامات نافعة
للحكومة المصرية ومستقيمة. ولم يحصل لي أدنى انقطاع في المدة
المذكورة على طولها. وفي أثناء هذه المدة صادفني السعد بكوني خدمت
مدة خمسة عشر سنة ذات الأمير الكبير جنتمكان المرحوم محمد علي باشا
الشهير. الذي ينبغي أن يتأسف على فقده دومًا لكونه مؤسس الديار
المصرية التي هي بالنسبة إلينا الوطن الثاني. وإن هذه الخدامات
الأخيرة صارت في معلومية جنتمكان المرحوم عباس باشا الذي استنسب
لديه مكافأتي عنها وقت أن كنت أديت خدامات في سنين قليلة. فسمح لي
من تلقاء نفسه بإعطائي معاش كامل في الماهية وفي التعيين. وبناء
على ما تشرفت بعرضه على فطنة سعادتكم ألتمس في علو عنايتكم معاملتي
في ترتيب معاش لي بموجب لائحة المعاشات كأسوة باقي مستخدمي
الحكومة. وصدور أمركم إن استحسنتم بترتيب معاش لي من ابتداء أول
أغسطس الجاري. بما أن انفصالي من الخدامة كان من تاريخ ٣٠ يوليو
الأخير. ولو لوقي بعدالة سعادتكم أرجوكم أن تقبلوا تشكراتي في
المبدأ والنهاية.
- الوثيقة الثانية في ١٤ / ١٢ / ١٨٧٩: من درانيت باشا لعطوفتلو ناظر المالية: تشرفنا بورود خطابكم في
٢٢ نوفمبر الذي به عرفتونا أنه طبقًا لقوانين المعاشات لا يمكنكم
قبول طلبنا في هذا الموضوع. وقبلًا سعادتكم أعلنتونا رفتنا من
الخدامة بغير ما توضحوا لنا عن الأسباب التي أوجبت سعادتكم لذلك.
ولا يمكنا أن نخفي على سعادتكم بأننا لم وجدنا محل شاهد لهذه
التصرفات التي اتخذتموها نحو شخصي الذي بأتعابه خدم الحكومة
المصرية بغاية الصداقة والأمانة ما ينوف عن الخمسين سنة. ولكننا
مشاهدين نفسنا معامليني كإنسان الذي فعل مخالفات وتعديات جسيمة
فيما يختص بأشغاله. فخاطب سعادتكم متعشميني بأن تعرفونا الأسباب
التي بمقتضاها صار رفتنا من مصالحنا. خصوصًا ونحن القوانين التي
تقضي بعدم ترتيب المعاش الذي طلبناه من سعادتكم.
- الوثيقة الثالثة في ١٤ / ٣ / ١٨٨٠: من درانيت باشا لعطوفتلو رياض باشا ناظر المالية: قد تشرفنا بأن
نرسل لعطوفتلو إفادة مؤرخة من نابولي ١٤ ديسمبر الماضي. التي بها
أعرضنا مسألة ترتيب معاشنا وصار تسليمها لكم من ابن شقيقتنا المسيو
ألكسندر زينتزوس المقيم بمصر. وبحيث صار مضى الآن ثلاثة شهور من
دون ما يرد لنا جوابًا عن ذلك. فنتخذ الحرية بأن نوصل لسعادتكم
يمينه نسخة إفادتنا المذكورة متعشميني بأن تجاوبونا على المسائل
التي سبق عرضها منا لسعادتكم بخصوص القضية التي تهمنا.
- الوثيقة الرابعة في ٢٨ / ٦ / ١٨٨٠: مالية ناظري عطوفتلو أفندم حضرتلري: بتذكرة الوارد في يوم تاريخه
يرام الإفادة عنه. معلوماتنا فيما أوضحه سعادة درانيت باشا أن
توجهه ليلًا برًّا كان في عهد الخديو السابق وبإذنه. وأن ذلك بعلم
عندنا. وحيث الوارد بفكرنا هو أنه في العهد السابق كان الباشا
المومأ إليه حضر بطرفنا ذات يوم يقصد الوداع. وأخبرنا أن ابنته
حاصل لها عيا وضروري من سفريته معها إلى أوروبا. وكان هذا قبل توجه
الخديوي السابق من هذا الطرف بمدة لست مفتكرها جيدًا وأظن أنها نحو
شهر ونصف. فلزم تحريره للإحاطة بذلك أفندم (توقيع خيري باشا).
[تأشيرة أسفل الوثيقة تقول] ولو أن الشهادة ليست صريحة إلا أن
المعلوم لنا بأن الخديوي السابق قد صرح شفاهًا لدرانيت باشا
بالتوجه لأوروبا وعلى ذلك فلا يكن مانع في إجراء اللازم نحو ترتيب
المعاش للمومأ إليه بحسبما يستحق. وقيد معاش المومأ إليه يكون
اعتبارًا من تاريخ رفته (توقيع رياض باشا).
- الوثيقة الخامسة في ٢١ / ٧ / ١٨٨٠: إعلان … قسم القضايا … السكرتارية العمومية: صار الاطلاع على
أوراق المكاتبات المتعلقة بالمعاش المتطلب ترتيبه لسعادة درانيت
باشا، وعلى مذكرة قلم المعاشات. فأما عن رفته: من حيث إن استخدامه
كان بدون قونتراتو ورفت بمقتضى أمر عالي. ومن المعلوم أن الحكومة
لها الحق في رفته كغيره الذين بدون قونتراتات متى أرادت. ومن وقت
رفته أعلنه بالرفت فهذا كاف. وعن مطلبه ترتيب المعاش. فولو أنه خدم
الحكومة زيادة عن الأربعين سنة المحددة باللايحة كما اتضح من
كشوفات مدد خدامته التي صار الاستحقاق عليها. إلا أنه من حيث
المومأ إليه معترف في خطابه الوارد لنظارة المالية بتاريخ
٩ / ٨ / ١٨٧٩ أنه سافر إلى نابولي بناء على تلغراف ورد له من
الخديوي السابق للحضور إليه في مدينة نابولي وذلك بدون إذن
الحكومة. ومن حيث بمقتضى منطوق بند ٢ من ذيل قانون معاش سنة ١٢٧١
أن مستخدم الحكومة إذا توجه إلى جهة خارجة عن الحكومة سواء استمر
بتلك الجهة أو حضر منها فإنه إذا طلب معاشًا لا يُجاب إلى ذلك. ولا
يترتب له شيء من المعاش في حالة حياته ولا لعياله بعد مماته. وكذلك
منصوص أيضًا في بند ١١ من اللايحة المذكورة أن كلًّا من أصحاب
المعاش يتمتع بحيازة معاشه المرتب له في أية جهة من الجهات الواقعة
في داخل دايرة الحكومة المصرية. وإذا توجه إلى جهة أخرى خارجة عن
دايرة الحكومة المصرية بدون إذن يقطع معاشه المرتب له. فبناء على
هذه الأسباب يشهد الواضع اسمه وختمه فيه أن درانيت باشا وإن كان
يستحق على موجب من خدامة بموجب القانون معاش كامل باعتبار شهري
٦٠٠٠ قرش على حسب الماهية التي كانت مرتبة له لغاية الرفت. إلا أنه
بموجب القانون نفسه لا يستحق شيء من هذا المعاش نظرًا لتوجهه خارج
الحكومة بدون أمرها واستخدامه بدون أمرها أيضًا في خدمة الخديوي
السابق بعد انفصاله من الخديوية. هذا ما تراءى لنا والأوراق عن طيه
(توقيع بوريلي أوكتاف ناظر قسم القضايا المالية).
- الوثيقة السادسة في ٢٧ / ٧ / ١٨٨٠: من نظارة المالية لسعادة درانيت باشا بمدينة نابولي. نتشرف بأن
نعرفكم بأن أفوكاتي مستشار المالية دُعي لإعطاء رأيه بخصوص الرفت
الذي حصل لكم. وبخصوص مسألة المعاش المتطلبين ترتيبه وحرر مذكرة،
ومنها علم بأنه بحيث إن استخدامكم كان بدون كونتراتو فالحكومة لها
الحق في رفتكم كغيركم. وفي خصوص ترتيب المعاش فوإن كنتم تستحقون
بموجب القانون نظرًا لمدد خداماتكم البالغة زيادة عن الأربعين سنة
معاشًا كاملًا على حسب الماهية التي كانت مرتبة لكم عند رفتكم إلا
أنه بمقتضى البند الأول والثاني من لايحة معاشات ١٢٧١ فلا تستحقون
شيئًا من هذا المعاش نظرًا لتوجهكم خارج الحكومة المصرية بدون إذن
لكي تستخدموا بمدينة نابولي طرف سمو أفندينا الخديو السابق طبقًا
للأمر الصادر لكم تلغرافيًّا من سموه. واقبلوا منا تأكيد اعتبار
الفايق (توقيع وكيل المالية بلوم).
- الوثيقة السابعة في ٩ / ٢ / ١٨٨١: من سعادة درانيت باشا لدولتلو أفندم ناظر الداخلية: بناء على
الإفادة الصادرة لدولتكم منا ورد لنا إفادتكم الرقيمة
٢٧ / ٧ / ١٨٨٠ تعرفونا بها بأن أفوكاتي مستشار المالية دُعي لإعطاء
رأيه بخصوص الرفت الذي حصل لنا. وبخصوص أحقية طلبنا بالمعاش وتراءى
له عن رفتنا بأن الحكومة لها الحق في رفتنا كغيرنا الذين بدون
كونتراتو متى أرادت. ونحن تطلبنا ترتيب المعاش فلو إن كنا نستحق
معاشًا كاملًا على حسب الماهية التي كانت مرتبة لنا عند رفتنا
نظرًا لمدد خداماتنا المتجاوزة عن الأربعين سنة إلا أنه بمقتضى
البند الأول والثاني من لايحة معاشات سنة ١٢٧١ﻫ لا نستحق شيئًا من
هذا المعاش؛ نظرًا لتوجهنا خارج الحكومة المصرية بدون أمرها
واستخدامنا بنابولي طرف سمو الخديو السابق بناءً على الأمر الصادر
لنا منه تلغرافيًّا. فردًّا لإفادة دولتكم المنوه عنها نفيد بأنه
من خصوص رفتنا فلا يوجد لنا اعتراض بذلك بما أنه عرفتونا بأن
الحكومة لها الحق برفت مستخدميها الذين بدون كونتراتو.
وأما من خصوص ما نسبتموه إلينا بتوجهنا خارج الحكومة المصرية
بدون إذن لكي نستخدم بنابولي طرف سمو الخديوي السابق، فيجب علينا
بأن نقول ونعرض لدولتكم ما يأتي: وهو أنه في ٢٢ / ٤ / ١٨٧٩ حيث كنا
مقيمين بمصر ورد لنا تلغرافًا من مدام درانيت تعرفنا به بأنه حصل
رمد لابنتنا؛ وبناء على ذلك سافرت عائلتنا من كفر الدوار وتوجهت
الإسكندرية فأعرضنا هذا التلغراف لجناب الخديوي السابق لكي يصرح
لنا بمقابلة عائلتنا بإسكندرية. فجنابه ليس فقط سمح لنا بالتوجه
للإسكندرية بل صرح لنا بالتوجه بأوروبا مع عائلتنا وبالإقامة بها
لحين شفاء ابنتنا. وهذه المقابلة كانت بحضور سعادة بارو باشا. وفي
اليوم ذاته ودعنا كل من أصحاب السعادة خيري باشا وعمر باشا عزمي
وخلافهم الذين أعرضنا لهم عن حالنا ويمكنهم أن يشهدوا عن ذلك عند
الاقتضاء. فبناء على هذا الأمر سافرنا من القطر المصري نحو آخر شهر
أبريل سنة ١٨٧٩ إلى مدينة ميلانو لمعالجة ابنتنا. فيتضح من ذلك بأن
توجهنا خارج الحكومة لا ينبغي أن يكون حجة لعدم ترتيب المعاش بما
أنه حصل بمقتضى أمر سمو الخديو.
ثم طرأت حوادث شهر يونيو ١٨٧٩ وبناء عليها التزم سمو إسماعيل
باشا بالتوجه خارج القطر المصري. فسفر سموه حصل عندما كنا بالإجازة
وورد لنا حينئذٍ تلغراف بالتوجه لنابولي لاستقبال جنابه فيظهر لنا
بأن هذا هو السبب في عدم ترتيب المعاش وبالنتيجة نلتمس من دولتكم
بأن تسمحوا لنا بإعطاء الإيضاحات عما ذكر. وهو أولًا بأن التلغراف
البادي ذكره كان صادر لنا من سعادة عبد الجليل بك سكرتير جناب
الخديوي الحالي بتاريخ ٣٠ / ٦ / ١٨٧٩. فإن كان هذا التلغراف محرر
لنا بأمر سمو الخديوي إسماعيل باشا نفسه إلا أنه بحيث كان صادر من
سكرتير الحضرة الخديوية؛ فينبغي أن يكون ذلك لنا علامة بأنه حصل
برضا الجناب العالي نفسه.
ومن جهة أخرى جاء جناب إسماعيل باشا لنابلولي بخدمه الذي صار
تعيينهم من الجناب الخديو ولده. فلا يمكننا إذن مطلقًا بأن نتأخر
عن الأمر الصادر لنا تلغرافيًّا من سعادة سكرتير الجناب الخديو
واحتراماتنا لجلالة والده. ومع ذلك فإننا امتثلنا للتلغراف المنوه
عنه باستقبال سمو إسماعيل باشا بنابولي وتأديتنا له الخدمات
اللازمة في هذه الجهة بدون أن نقبل من سموه أدنى مكافأة وبدون أن
نستخدم طرفه. وبحيث علمنا بعد وصوله لنابولي بخمسة عشر يومًا بأنه
أمر سعادة طلعت باشا بأن يرجو الحضرة الخديوية بإبقائنا بوظيفتنا
وبالتصريح لنا بالإقامة مدة ما بنابولي طرف والده. فالتمسنا من
سموه بعدم الإجراء بمقتضى الأمر المذكور وبأن يسمح لنا بالرجوع
لمصر. ولكن لم أمكنا بأن نسافر بما أنه صدر الأمر برفتنا في
١٦ / ٧ / ١٨٧٩. فإن كان والحالة هذه توجهنا من القطر المصري في شهر
أبريل ١٨٧٩ كان بمقتضى إذن لجناب الخديو. وإن كانت الاحترامات
والخدمات التي أديناها لجناب إسماعيل باشا بنابولي كانت مفروضة
علينا بموجب التلغراف الصادر لنا من سعادة سكرتير الحضرة الخديوية.
فلا نرى على أي وجه نسبتم إلينا بأننا توجهنا خارج الحكومة المصرية
بدون أمرها. فعلى هذا استمرينا بخدامة جناب الخديو السابق لغاية
شهر أبريل الماضي بدون مقابل. فبناءً على ذلك نلتمس من دولتكم
إعطاء الأوامر اللازمة بقيد معاشنا طبقًا للقوانين، أفندم (توقيع
درانيت باشا).
وأخيرًا تم صرف المعاش المقرر لباولينو درانيت بإيطاليا، وكان يُرسل إليه
بانتظام. وهكذا تخبرنا الوثائق بنهاية هذا الرجل التي كانت مجهولة للجميع حتى
اليوم، لدرجة أن أهالي الإسكندرية على وجه الخصوص، لا يعلمون من هو باولينو، ذلك
الاسم المسمى به أحد شوارع الإسكندرية الرئيسية حتى الآن.