(١-١) جوق سليمان الحداد
يقول توفيق حبيب عن سليمان الحداد في عام ١٩٢٨: إنه «ممثل كبير. اشتغل مع الخياط
والقرداحي وإسكندر فرح وشارك عبد الرازق بك عنايت، ثم مثَّل مع جورج أبيض؛ فهو
الممثل الوحيد الذي خدم التمثيل العربي منذ نشأته الأولى حتى عهده الأخير. وتوفي
منذ زمن قريب. كان الحداد أديبًا ألمعيًّا، واسع الاطلاع محبًّا للتمثيل الطبيعي في
اللغة العربية والفرنسوية. وقد دفعه غرامه بالتمثيل إلى ترك وظيفته بالحكومة
المصرية مرتين. وإليه يُعزى الفضل في ترقية لغة الروايات في جوقة إسكندر أفندي فرح.
ثم ألَّف جوقة خاصة لذاته وانتقى كبار الممثلين المشهورين في ذلك العصر، ومنهم
الأفندية: علي وهبي، وعمر وصفي، ونسيب حداد، ومحمد رياض حمودة، ورحمين بيبس،
والسيدة مريم سماط، ومحمد مصطفى، وسيد أحمد. وأعدَّ للتمثيل عدة روايات عُني
بترجمتها عن اللغة الفرنسوية ترجمة صحيحة … واتخذ دارًا خشبية للتمثيل في وجه
البركة، فلم يجد ما كان يؤمِّل من الإقبال لكثرة ما كان يحيط بمرسحه من قهوات الرقص
وتوفر ما فيها من الأسباب الداعية إلى الانصراف عن التمثيل الراقي؛ فسافر إلى
بورسعيد ومنها إلى الزقازيق. ورأى المرحوم عبد الرازق بك عنايت «الشريك المالي
للقرداحي» أن الخرج يربو كثيرًا على الدخل؛ فصفَّى الشركة، وشارك المرحوم أبا خليل
القباني ومدَّه بالمال، فانضمت جوقة الحداد كلها إلى أبي خليل. ومما يذكره الممثلون
الذين اشتغلوا مع الحداد في هذا الحين أنه كان بارًّا بهم، يكرمهم ويعتني بأمرهم
كأنهم من أفراد عائلته. فكانوا يحبونه ويعملون في خدمته بإخلاص. ومما يذكرونه أيضًا
أنه لم يكن مكتفيًا بإدارة الجوقة وتدريب أفرادها بل كان يشتغل ممثلًا وله أدوار مشهورة.»
١
ويؤكِّد المؤلِّف المسرحي محمود واصف، أن الفضل في دخول سلامة حجازي مجال الفن
المسرحي يعود إلى سليمان الحداد، وفي ذلك يقول: «قامت فئة من الشبان بإدارة الفاضل
سليمان أفندي الحداد وشخَّصوا رواية «مي وهوراس» في تياترو زيزينيا بالإسكندرية،
وكان أهم الأدوار فيها لحضرة المشخِّص البارع والموسيقي المتفنن الشيخ سلامة حجازي،
وهي المرة الأولى لدخوله في هذا الفن الجليل.»
٢
ويقول عنه د. نجم: إنه «انتقل بأسرته من لبنان إلى الإسكندرية سنة ١٨٧٣ بناءً على
دعوة تلقاها من بطريرك الروم الكاثوليك، وعاصر نشاط الفرق الشامية الوافدة وشارك
فيه، إذ عمل مع الخياط والقباني والقرداحي. وفي سنة ١٨٨٧ ألَّف جوقًا خاصًّا به
دعاه «الجوق الوطني المصري»، ظل قائمًا عليه حتى سنة ١٩٠٦.»
٣
وإذا تتبعنا نشاط فرقة سليمان الحداد، سنجدها بدأت في عام ١٨٨١، لا عام ١٨٨٧ كما
قال د. نجم! وأول إشارة عن هذه الفرقة تنقلها إلينا جريدة الأهرام قائلة في
٢٤ / ٨ / ١٨٨١: «في مساء السبت تُشخَّص في تياترو زيزينيا رواية «الغيور» بإدارة
حضرة الشاب البارع جدًّا في هذا الفن سليمان أفندي حداد. وأما أوراق الدخول فتباع
عند حبيب أفندي غرزوزي وأمام البورصة وعلى باب التياترو، والمرجو أن يتقدَّم
الجمهور للحضور.»
٤
ومن الجدير بالذكر أن فرقة الحداد لم تكن من الفرق المستمرة، بل كانت من الفرق
المغمورة التي تظهر وتختفي. فبعد عام ١٨٨١، ظهرت مرة أخرى في عامي ١٨٨٧، ١٨٨٨. أما
سليمان الحداد فكان يعمل عند توقُّف فرقته كممثل في الفرق الأخرى. ففي بداية فرقة
إسكندر فرح عام ١٨٩١، وجدنا الحداد أحد أعمدتها الأساسية بعد سلامة حجازي. ومن
العروض التي مثَّل فيها وأجاد، عرض مسرحية «شقاء المحبين» في ٥ / ١١ / ١٨٩١،
٥ وجميع عروض فرقة إسكندر فرح في رحلتها إلى الإسكندرية في يناير ١٨٩٢.
٦
وفي يونيو ١٨٩٢ فكَّر القرداحي في ضم الحداد إلى فرقته كشريك أساسي، ولكن هذا
الحلم لم يتحقق في حينه. وفي عام ١٨٩٣ كوَّن الحداد فرقة أخرى مثَّل بها عدة
مسرحيات بالأوبرا الخديوية، منها: «صلاح الدين الأيوبي» و«حمدان» و«شهداء الغرام» و«عائدة».
٧
وفي عام ١٨٩٤ ألَّف الحداد فرقة جديدة، قالت عنها جريدة المقطم في ١٩ / ٦ / ١٨٩٤:
«يمثِّل الجوق الجديد الذي ألَّفه حضرة الأديب البارع سليمان أفندي حداد لتمثيل
الروايات العربية أول رواية من رواياته هذا المساء في التياترو الوطني الجديد قرب
الجران بار أما الرواية التي سيمثِّلها فهي رواية القرصان (لصوص البحر) بقلم حضرة
الشيخ يوسف حبيش الرئيس الثاني لقلم الترجمة في الدومنين. وهي من الروايات البديعة
التي لم يسبق تمثيلها في اللغة العربية، تبدأ في مدينة باريس وتنتهي في بلاد
المكسيك بأمريكا، وتخللها كثير من الوقائع الغريبة والمشاهد الطبيعية التي تروق
الناظر وتشوق الحاضر. وقد جاء حضرة مدير الجوق بأشهر الممثلين والممثلات، وبلغنا أن
الناس أقبلوا عليه إقبالًا عظيمًا حتى كاد الملعب يضيق بهم على سعته فنرجو له مزيد
التقدم والنجاح، ونحثُّ الجمهور على زيادة الإقبال عليه؛ تنشيطًا لهذا الجوق العربي
وإحياءً لهذا الفن الأدبي.»
٨
ويعتبر عام ١٨٩٤ من أهم أعوام فرقة الحداد؛ حيث ظلَّت تُمثِّل طوال هذا العام،
دون انقطاع، ومن عروضها: «شجاع فينيسيا» في ٢١ / ٦ / ١٨٩٤،
٩ و«السلطان صلاح الدين» في ٢٣ / ٦ / ١٨٩٤،
١٠ و«أستير» في ٢٦ / ٦ / ١٨٩٤،
١١ و«شقاء المحبين» في ٢٨ / ٦ / ١٨٩٤،
١٢ و«روميو وجوليت» في ٢٨ / ٦ / ١٨٩٤،
١٣ و«مكايد النساء» في ٦ / ٧ / ١٨٩٤.
١٤ وفي هذا العام أيضًا قامت الفرقة برحلة إقليمية فنية إلى بورسعيد،
وعادت منها لمواصلة عروضها في القاهرة في سبتمبر ١٨٩٤، بمسرحية «حلم الملوك» في ٢ / ٩ / ١٨٩٤.
١٥
وفي نهاية عام ١٨٩٤، وبعد النجاح الساحق للفرقة، تقدم سليمان الحداد بمذكرة إلى
نظارة الأشغال، ومنها إلى اللجنة المالية بمجلس النُّظَّار، لإعطائه إعانة مالية
لتمثيل عدة روايات عربية بالأوبرا الخديوية، ولكن اللجنة رفضت طلبه في ٥ / ١ / ١٨٩٥.
١٦
وتتوقف أخبار فرقة الحداد بعد ذلك حتى عام ١٨٩٩، عندما قام بتكوين فرقة جديدة
بالاشتراك مع سليمان القرداحي، وأطلق على هذه الفرقة «الجوق المنتخب». ومثَّل هذا
الجوق على مسرح القرداحي بالإسكندرية عدة مسرحيات، منها: «حمدان» في ٤ / ١١ / ١٨٩٩،
١٧ و«أوتلو» في ٩ / ١١ / ١٨٩٩،
١٨ و«الأسد المتملِّق» في ١٨ / ١١ / ١٨٩٩،
١٩ و«عائدة» في ٢٦ / ١١ / ١٨٩٩،
٢٠ و«شارلمان» في ٧ / ١٢ / ١٨٩٩.
٢١ وكانت هذه العروض آخر العروض في القرن التاسع عشر، التي شارك فيها
الحداد كشريك في فرقة مسرحية عربية.
أما نشاطه بعد ذلك فلم يتوقف. وأول إشارة عنه في عام ١٩٠٠، أخبرتنا بها جريدة
المقطم، قائلة في ١١ / ٩ / ١٩٠٠: «ليلة الأمس أحل كثيرون من الأدباء «خواطر المقطم
السانحة» عن التمثيل العربي محلها من الاعتبار، وقد رأى بعض أدباء الثغر أن تأخذوا
بما فيها من الحضِّ على ترقية التمثيل الشرقي فألَّفوا جمعية لا أدلَّ على غايتها
من اسمها «جمعية مرقاة التمثيل»، والكتاب يقرأ من عنوانه. وهي جمعية مؤلفة من
الأدباء غواة هذا الفن برئاسة الممثل الشرقي الشهير سليمان أفندي حداد. وقد كانت
ليلة الأمس ميعاد تمثيلها لروايتها الأولى، فَغَصَّ المرسح العباسي بالمشاهدين
يتقدمهم سعادة محافظنا الفاضل الذي يبذل كل سعيٍ وجهد لعضد الجمعيات الوطنية
الأدبية. أما الرواية التي اختيرت للتمثيل فهي رواية «السر الهائل» لحامل لواء
الحرية والمساواة والإخاء، فيلسوف المدنية والعمران فولتير، مُعرَّبة بلغة فصيحة
ومُرصَّعة هنا وهناك بأشعار عربية رقيقة جادت بها قريحة العرب فقيد الأدب المرحوم
نجيب الحداد. وما ارتفع الستار حتى شخصت الأنظار إلى الممثِّلين وقد كان أكثر ما
استرعى أسماعهم واستدعى إعجابهم ممثلي دور الملك والملكة وعاشقها فقد أجادوا إلقاءً وإيماءً.»
٢٢
ويتوقف الحداد عن نشاط الفرق المسرحية بعد ذلك، حتى يعود إليه في عام ١٩٠٦،
فيكوِّن فرقة مسرحية تمثِّل العديد من المسرحيات، مثل: «حمدان».
٢٣ ويكوِّن فرقة أخرى هزلية في العام التالي ١٩٠٧ مع الممثِّل عزيز عيد،
وتمثِّل هذه الفرقة مسرحيات: «ضربة المقرعة» و«ومباغتات الطلاق».
٢٤ واستمرَّت هذه الفرقة بضعة أيام قليلة انسحب الحداد بعدها مباشرة من
هذه الفرقة الهزلية. فكيف يُمثِّل الكوميديا المبتذلة ويلقي النكات والكلمات
الخارجة لإضحاك الجمهور، بعد أن كان يمثِّل روائع تراجيديا المسرحيات العالمية
ويُبكي الجمهور؟! فترك الحداد هذا الابتذال واكتفى بدور مُعلم التمثيل والإلقاء
المسرحي لممثلي الفرق. وكانت فرقة جورج أبيض آخر فرقة عمل بها كمُعلم للتمثيل
والإلقاء في عام ١٩١٢، ولكنه تركها بعد أن شعر بأن هناك من يريد احتلال مكانه. فترك
مكانه راضيًا بما قدمه في سبيل الفن المسرحي، ليلحق بابنه نجيب الحداد في دار
البقاء.
(١-٥) جوق الاتحاد
كون هذا الجوق الأستاذ داود سليمان، وظهر في الإسكندرية حوالي منتصف سنة ١٨٩٤،
وكان يغادرها إلى مدن الأرياف. واستمر نشاطه حتى سنة ١٨٩٦.
٣٢ ومن أعضائه: المطربة كوكب، والممثِّل مصطفى علي، وحسين الإنبابي. ومن
أعماله الفنية: عرض مسرحية «غرام الملوك» بمسرح حمام الدانوب في ٢٠ / ٤ / ١٨٩٤، وفي
اليوم التالي عرض مسرحية «الأمير يحيى» المعروفة بحب الوطن،
٣٣ وفي ٢٦ / ٤ / ١٨٩٤ مثَّل «الأمير محمود»، وفي ٢٨ / ٤ / ١٨٩٤ «محاسن
الصدف»، واختتمها بفصل مضحك بعنوان «من جاءني بالليل»،
٣٤ وفي ٥ / ٥ / ١٨٩٤ «يوسف الصديق».
٣٥
وآخر إشارة عن هذا الجوق كانت نقدًا لاذعًا من الناقد الفني لجريدة السرور في
٣١ / ١٠ / ١٨٩٥، قال فيه تحت عنوان «فن التمثيل في الثغر الإسكندري»: «لم يخطر على
البال معاودة البحث والتنقيب في هذا الفن الخطير لولا ما رأيت من بعض المتطفلين
عليه أمورًا تضحك السفهاء منها ويبكي من عواقبها الحكيم. حدث بالأمس أنني سمعت
خبرًا مآله حضور جوقة جديدة إلى هذا الثغر لتحيي ليلة واحدة في قاعة كونيليانو
بتمثيل رواية الملك الظاهر ببرص [بيبرس]. فظننت لأول وهلة أن هذه الليلة ستكون أبدع
ما مُثِّل في لغتنا العربية، أو بالأحرى تكون بديعة. ولما علمت بأن هذا الجوق قد
صار له مدة مديدة يوالي التمثيل في سائر القطر المصري، وقد حضر اليوم إلى ثغرنا،
وتكبد مشقة السفر ومصاريفه، ليقدم ليلة واحدة فقط، أخذتني الحمية لأشاهد تمثيله.
وما استتبَّ لي المقام حتى رأيت من ممثليه أمورًا لم أرها من سواهم. وكيفية ذلك أن
الرواية المذكورة تعد من الطبقة الأولى في عالم الرواية التشخيصية، ولكنك لم ترَ
ممثلًا من هؤلاء قادرًا على القيام بدور، حتى خُيِّل للحاضرين أنهم في مجتمع يتلو
عليهم رجال هذه الرواية. والأغرب من هذا وذاك أن أغلاط النحو لديهم من أهم الشروط
التي لا تقوم الرواية بدونها. وما انتهت الرواية حتى فرغ صبر الحاضرين وملُّوا من
الانتظار. ثم ارتفع الستار فقام في المرسح أحد الممثلين بقده الذي يُخجل البان،
وتلا أبياتًا والروح تردد بين صدره وقلبه والزفرات تتصاعد من الحاضرين، لم يراعِ
بها قواعد اللغة الشريفة. وارفضَّ القوم قبل انتهاء الفصل المضحك الذي قيل عنه.
ولما علمت اسم مدير هذا الجوق الزاهر بتأخره إلى الوراء قلت مع القائل:
ومذ أصبحت أذنابنا وهي أرؤس
عذوة بحكم الطبع نمشي إلى الورا
ومديره داود أفندي سليمان الذي أقام مدة في هذا الثغر منذ عام يوالي إحياء
التمثيل في عدة مراسح على طريقة أحسن وأفضل وأنظم من جوقه هذا. ولكن له عذر في
الخبرة لأنه يجهل هذا الفن، وتقدمه متوفر في اجتهاد رجاله، فليصبر إلى المنتهى. ولم
أقصد في هذا المقام التصدي لهذا المدير أو لذاك الجوق بل أرجو رجال الأحكام أن تمنع
من كان نظيره من معاطاة هذا الفن الجليل، لأنه ومن شاكله قد أوصلوا التمثيل إلى
حالة دونها خلع بُرقع الحياء. وأشكر في موضوعي هذا لأعضاء جمعية الابتهاج الأدبي
ورئيسها المجتهدين في إعلاء شأن هذا الفن الجليل. فقد نشأت هذه الجمعية وقامت على
هذا المبدأ حتى أمكنها في برهة قصيرة أن تحرز مقامًا يجعلها في مقدمة القائمين في
هذا الباب، فنرجو لها النجاح الأوفر من صميم الفؤاد (أحد الأدباء).»
٣٦
(١-٦) جوق إبراهيم حجازي
كان يطلق على جوق إبراهيم حجازي اسم «جوق شبان مصر الوطني»، وهو من الأجواق
المتجولة، وظل يعرض مسرحياته في الأقاليم منذ أواخر القرن التاسع عشر، حتى أوائل
القرن العشرين. فنجده يعرض بالمنصورة في عام ١٨٩٦ عدة مسرحيات منها «الظاهر بيبرس».
٣٧ وفي سبتمبر ١٨٩٦ عرض مسرحيات: «حسن العواقب» و«صدق الإخاء» و«غرام
الملوك» بمنيا القمح.
٣٨
وفي أكتوبر ١٨٩٧ مثَّل الجوق برشيد عدة مسرحيات، قالت عنها جريدة مصر في
٦ / ١٠ / ١٨٩٧: «كانت الليلة الماضية موعد إحياء الليلة الأولى للاحتفال بتشخيص
العشر ليالي التي عزمت الجمعية بإحيائها في البندر؛ إعانة للمصابين بالحريق، فغَصَّ
المسرح على سعته بكل كبير ووجيه وموظف، يتقدم الجميع حضرة المأمور وعدد عديد من
الفضلاء والنبلاء. ثم بدأ جوق شبان مصر الوطني بإدارة إبراهيم أفندي حجازي في
التشخيص بين هتاف السرور وضجيج الاستحسان، ثم قام حضرة الشيخ إبراهيم أحمد وألقى
خطابًا أنيقًا امتدح فيه أعمال الجمعية، ثم بدأ تمثيل رواية «الملك صلاح الدين يوسف
الأيوبي». وكانت المناظر مبهجة فأجاد الممثلون في سبك العبارات وتمثيل الوقائع حتى
صفق لهم الحضور مرارًا واستعادوهم تكرارًا، ولا سيما حضرة الشيخ إبراهيم أحمد الذي
قام بتمثيل أهم أدوارها. وظل القوم يقابلون الممثلين بالتصفيق إلى أن أتت الساعة
الثانية بعد منتصف الليل فتم التمثيل واختتم بمثل ما بدأ من الأدعية، ثم خرج الكل
وعلامات السرور واضحة. وفي الليلة التالية قام هذا الجوق بتشخيص رواية «محاسن
الصدف» فحازت إقبال الجمهور. فَنَحُثُّ أُولى الجود والكرم بالإقبال لسماع الروايات
التالية والأخذ بناصر الساعين في الأعمال الخيرية، جعل الله أيام فاعلي المبرات
سرورًا وحبورًا.»
٣٩
وفي ديسمبر ١٨٩٧، ذهب الجوق إلى النجيلة ومثَّل بها عدة مسرحيات،
٤٠ ثم مثَّل بعدها في الأقصر مسرحية «يوسف الصديق»،
٤١ وعرض في قنا مسرحية «كليوباترا» في أبريل ١٩٠٠.
٤٢ وفي عام ١٩٠٦ مثَّل الجوق في ملَّوي مسرحيتين،
٤٣ ثم ذهب بعدها إلى نجع حمادي ومثَّل بها أيضًا.
٤٤
وظلَّت هذه الفرقة تعمل في فترات متقطعة حتى عام ١٩١٥. وكانت تتكون من: حسن صالح،
وأحمد عبد الباقي، وأديل زوجة حجازي وأختها زاهية، وماري وماتيلدة، وعبد الخالق
خليفة، وحسن فريد، وصالح إبراهيم، وعلي حلمي، وانضم للفرقة الممثل التونسي أحمد
توليمان.
ويروي المطرب عبد العزيز الجاهلي في ذكرياته وصفًا لفرقة إبراهيم حجازي التي عمل
بها فترتين، فيقول: «عندما عدت إلى الفرقة، وجدت أنها تقدَّمت عن ذي قبل؛ فقد كانت
في سنواتها الأولى تدخل كل وكالة وتقيم بها منصة متواضعة، يسدل عليها ستارة، ويوضع
لوجان لجلوس الأكابر. كانت الستائر والملابس بسيطة وبالفرقة مجموعة من الملحنين
الصغار؛ أي المبتدئين، وكان يضمهم من جمعيات تمثيلية. لكنني ألفيت الفرقة في هذه
المرة وقد انتظمت أحوالها، والْتحق بها ممثلون من فِرق القرداحي والقباني وإسكندر
فرح وغيرها. وكانوا زملاء لي في فرق أخرى.»
٤٥
(١-٧) جوق بولس قرداحي
يعتبر جوق بولس قرداحي من الأجواق المجهولة — تمامًا — فلم يتحدث عنه أي مرجع أو
كتاب من قبل. وهذا الجوق من الأجواق التي كانت تجوب الأقاليم في القرن التاسع عشر،
ولم نجد له أية إشارة تدل على قيامه بالتمثيل في القاهرة. وأول إشارة عنه كانت في
٧ / ١٢ / ١٨٩٦، عندما مثَّل مسرحية «صلاح الدين الأيوبي» في المنصورة.
٤٦ وقد ظلَّ الجوق بالمنصورة لعدة أشهر فمثل بها عدة مسرحيات، منها:
«شهداء الغرام» و«السيد» و«محمد علي باشا» و«ربيعة بن زيد المكدم» و«أستير».
٤٧ وكانت آخر عروض الجوق بالمنصورة في ٢٦ / ١٢ / ١٨٩٦،
٤٨ ولم نسمع عنه بعد ذلك.
(١-٨) الجوق الشامي
ألَّف نقولا مصابني هذا الجوق بالشام، وأتى به إلى مصر في مارس ١٨٩٦،
٤٩ وقالت جريدة المقطم عنه في ٢٦ / ٣ / ١٨٩٦: «قدم العاصمة الجوق الشامي
الجديد بإدارة حضرة الأديب نقولا أفندي مصابني؛ وذلك لإحياء بعض ليالٍ من الروايات
الهزلية (بانطوميم)، ولا شك أن أهالي العاصمة سيقبلون على حضور التمثيل نظرًا لما
هو عليه هذا الجوق من التفنن والمهارة.»
٥٠
وكان يطلق على هذا الجوق اسم «الجوق الشامي» أو «الجوق الدمشقي». ومن أهم الأعضاء
فيه: الممثل كامل الأوصاف، وجرجي مصابني، ونمر شيحة، والسيدة نظيرة. وهذا الجوق كان
يختص بأمور فنية خاصة، بخلاف الفرق السابقة، التي تختص بتمثيل المسرحيات، ومنها
تمثيل الفصول المضحكة، وفصول البانتومايم، والرقص الشامي «الدبكة»، وبعض الألعاب
المسلية. وكان يعرض برامجه على أكبر المسارح في هذا القرن.
ففي ٢٩ / ٣ / ١٨٩٦ مثَّل الجوق فصلين مضحكين، هما: «الأخ الخائن» و«الدب» على
مسرح إسكندر فرح بشارع عبد العزيز،
٥١ وفي ٣٠ / ٣ / ١٨٩٦ فصل «القهوجي» وآخر بانتومايم، مع رقص دمشقي، وفي
٨ / ٤ / ١٨٩٦ قام الجوق بألعاب مضحكة مع بعض ألعاب السيف،
٥٢ وفي ١١ / ٤ / ١٨٩٦ مثَّل فصل «الوزير الخائن».
٥٣ وفي يونيو ١٨٩٦ قام برحلة فنية إلى أقاليم مصر، فقدم بها بعض فصوله المضحكة،
٥٤ وعندما عاد من رحلته مثَّل فصل «الجزائر» في ٢٧ / ٦ / ١٨٩٦.
٥٥
وفي يوليو ١٨٩٦ قام الجوق برحلة فنية أخرى
إلى الإسكندرية، ومثَّل على مسارحها، مثل الدانوب ومسرح القرداحي، عدة فصول مضحكة،
منها: «أصلان بك» و«اللوكاندة» و«الدب»، وعاد من الإسكندرية في أواخر أكتوبر ١٨٩٦.
٥٦ وفي مارس ١٨٩٧ تولَّى الممثل كامل الأوصاف إدارة الجوق، وأصبح الجوق
يُعرف باسم جوق كامل. وبدأ تمثيل فصوله بمسرح شارع عبد العزيز، فمثَّل في
٤ / ٣ / ١٨٩٧ فصل «الطبيب واللوكاندة»،
٥٧ ثم انتقل الجوق إلى مسرح القباني وعرض عليه عدة فصول منها: «الخاطبين» و«الوابور».
٥٨
ومع بداية عام ١٨٩٨ طوَّر كامل من جوقه ولاقى نجاحًا كبيرًا، بعد أن عرض فصوله في
عدة مسارح، منها: مسرح إسكندر فرح، ومسرح السكاتنج رنج، ومسرح ألف ليلة وليلة. ومن
فصوله في هذا العام «الطبيب والمريضة».
٥٩ ووصل هذا النجاح حتى نهاية القرن
التاسع عشر.
٦٠ وإليك أحد أمثلة إعلانات الصحف عن هذا الجوق في نهاية القرن التاسع
عشر:
قالت جريدة الأخبار في ١٠ / ٨ / ١٨٩٩، تحت عنوان «التمثيل والألعاب الشامية»:
«يمثِّل في هذه الليلة الجوق الدمشقي بتياترو السكاتنج رنج بأول شارع باب الجنينة
البحري فصلين مضحكين جدًّا، ويبتدئ في الساعة السابعة والنصف مساء. ويقوم بأهم
الأدوار حضرة رئيس الجوق المشخِّص المشهور المعروف بكامل الأوصاف وحضرة الممثلة
الأولى الست نظيرة. وقد نالوا بحسن إلقائهم وغرابة نكتهم استحسان الجمهور، وخصوصًا
حضرة جرجس أفندي مصابني بما يبديه من مهارة في لعب السيف المذهل ورقص الدبكة.»
٦١