(١) البداية
يعتقد القارئ أن النشاط المسرحي للمدارس في مصر، بدأ في عام ١٩٣٦ عندما اعترفت به
وزارة المعارف فأنشأت له تفتيشًا خاصًّا بقيادة زكي طليمات، الذي كان أول مفتش للتمثيل
بوزارة المعارف العمومية. والحقيقة أن النشاط المسرحي للمدارس في مصر كان أسبق من هذا
التاريخ، وبالأخص نشاط المدرسة السعيدية، والتوفيقية، والخديوية في عشرينيات القرن العشرين.
١ ولا أظن أن باحثًا من قبل استطاع أن يصل في تأريخه لهذا النشاط أبعد من
ذلك، غير د. محمد يوسف نجم.
٢
وإذا كنا — فيما سبق — استطعنا أن نؤرخ لبدايات المنشآت التمثيلية بالأزبكية، مثل
السيرك وملعب الخيول والأوبرا، من خلال مجلة «وادي النيل»، فعن طريق هذه المجلة أيضًا
استطعنا أن نحصل على أهم وثيقة لأول نشاط مسرحي مدرسي في مصر عام ١٨٧٠. وهذه الوثيقة
عبارة عن تغطية شاملة لأول مسرحية مدرسية تمثَّل من قبل طلاب مدرسة العمليات أي مدرسة
الصنائع والفنون «مدرسة الهندسة»، مع ذكر أسماء الطلاب، الذي يعتبر أول قائمة لممثلين
مصريين هواة في تاريخ المسرح المصري.
قالت مجلة وادي النيل في ١٨ / ١١ / ١٨٧٠، تحت عنوان «امتحان تلامذة مدرسة العمليات
المصرية»: وبعد انتهاء الامتحان «… ازداد أهل المجلس استغرابًا وانبساطًا واشتدوا عجبًا
ونشاطًا بما حصل بعد تناول الطعام المعتاد في مثل هذا اليوم لسائر المدعوين والمعلمين
والتلامذة المتعلمين من تصوير كوميدية؛ أي لعبة تخليعية مضحكة من نوع الألعاب التياترية
في خمسة فصول تسمى باسم «أدونيس» أو «الشاب العاقل المجتهد في تحصيل العلم الكامل» كان
قد ألَّفها من قبلُ وأحفظها للتلامذة باللغة الفرنساوية المعلم لويز معلم هذه اللغة
المشهور في المدرسة المذكورة، فقام بتصويرها وحسن إلقائها وتقريرها كل واحد منهم فيما
نِيط منها لعهدته وأحيل على فطانته مع غاية الاتقان والسعد، وذلك كما لا يخفى هو من
قبيل الهزل المراد به الجِد حيث كان جُلُّ القصد من ذلك ليس هو اللهو واللعب أو التمويه
والكذب بل القصد به هو تمرين حافظة التلامذة وتعريفهم بقيمة التعليم وتوقيفهم على ثمرة
تحصيل الفنون والعلوم. ولعمري إن تصوير هذه اللعبة وإن كانت ليست من حيث القيمة الأدبية
الأوروبية وتفنن المعاني العربية من بدائع موليير أو حسن صنايع البهاء زهير، وكان اللعب
بها في صحن المدرسة على مجرد ترابيزة صغيرة مستظرفة وضع عليها عدة حانوت حلاق من غير
أبهة ولا زخرفة، كما هو شأن تصوير مثل هذه الألعاب الجاري تصويرها في العادة بالتياترات
المستعدة المعتادة، غير أنها كانت آخذة بالفؤاد عند ذوي الألباب وأنفذ للمراد في جملة
الألعاب من مثل تصوير لعبة مزين إشبيلية أو قصة حلاق بغداد. وسنعود إن شاء الله تعالى
على زيادة تعريف هذه اللعبة النفيسة وتوصيفها وتوقيف العامة على تفاصيل وكيفية تصويرها
وتصريفها.»
٣
وبالفعل رجعت المجلة إلى تكملة الموضوع في ٥ / ١٢ / ١٨٧٠، بصورة مطولة، يهمنا منها
بعض الأمور، مثل اسم المدرس لويس فاروجيه مؤلف المسرحية، وأن تمثيل المسرحية بالمدرسة
كان في يوم ١٥ / ١١ / ١٨٧٠. وعندما تطرقت المجلة لوصف فصول المسرحية، مع سرد شخصياتها،
وخلاصة مغزاها، قالت: كان «تصوير اللعب في أول فصل بحانوت حلاق، وفي الثاني بحجرة من
خان، وفي الثالث بمحل مرسوم بالأشجار من بستان. وهذه قائمة الأشخاص اللاعبين مع من قام
مقامهم من التلامذة النائبين، وهم: قيصر الحلاق: محمد فهيم أفندي، أدونيس (شاب مملوك
محسوب قيصر): محمد رشاد أفندي، الموسيو دوشارم (سياح فرانساوي): أحمد شوقي، الموسيو
مونفرو (رفيق طريق للسياح المذكور): أحمد عبد الوهاب أنسي أفندي، جيفار (صديق قيصر
الحلاق): نيازي أفندي، ريزينيه (رفيق أدونيس): نديم أفندي، بومبه (ترجمان): محمد وهبي
أفندي، شارلوت (ولد بونفور): محمد فاضل أفندي، كرونتار (صديق دوشارم): شاكر أفندي،
وكلهم أدَّى وظيفته على أحسن وجه وأتقن، كأنهم من أرباب الفن. وحاصل نتيجة ذلك كله
وغاية معناه ونهاية حكمته ومغزاه هو أنه بواسطة الشغل والاجتهاد مع العقل والاستعداد
يتوصل الإنسان لغاية بلوغ المراد، ويتحصل عاجلًا أو آجلًا إلى ما هو له من الحال
الصالحة أمل.»
٤
وإذا كانت بداية المسرح المدرسي جاءت بعد عام واحد من افتتاح الأوبرا، إلا أن النشاط
المسرحي المدرسي استمر طوال القرن التاسع عشر، بصورة تفوق ما نشاهده الآن في مسارح
مدارسنا، إن وجدت هذه المسارح، بعد تقنينها، ووضع الإدارات المختلفة في خدمتها.
(٢) نشاط المسرح المدرسي
وأخبار النشاط المدرسي المسرحي في القرن التاسع عشر كثيرة، ومنها على سبيل المثال:
البرنامج المسرحي لمدرسة دير السانطة بالإسكندرية، عندما مثلت عدة مسرحيات في
٦ / ٨ / ١٨٧٩، وجعلت الحضور مجانًا.
٥ وفي أبريل ١٨٨٦ مثلت المدارس الخيرية الأدبية لطائفة الروم الكاثوليك، عدة
مسرحيات في بعض مدارسها، مثل مدرسة شبرا التي مثلت رواية «أنطيوخس الملك»،
٦ وفي ٢١ / ٤ / ١٨٨٦ مثلت المدرسة الكلية بمصر رواية «ثمرة الصبر» تأليف
إسكندر مرجان بالأوبرا الخديوية.
٧
وفي ٢٤ / ٢ / ١٨٨٧ تقدم ناظر الأشغال العمومية بمذكرة إلى رئيس مجلس النظَّار، بخصوص
طلبات المدارس لحجز دار الأوبرا الخديوية لحفلاتها المسرحية، ومنها المدرسة الإسرائيلية
في ٢٤ / ٣ / ١٨٨٧.
٨ وفي ٣٠ / ٣ / ١٨٨٧ مثلت مدرسة النجاح التوفيقية رواية «النجاة في الصدق» بالأوبرا،
٩ وفي ٢ / ٤ / ١٨٨٧ مثلت المدرسة السورية بمصر رواية «عاقبة الخيانة» على
مسرح البوليتياما،
١٠ وفي ١٢ / ٨ / ١٨٨٧ مثلت المدرسة الكلية البطريكية رواية باللغة الفرنسية،
١١ وفي ١١ / ٢ / ١٨٨٨ مثل طلاب المدرسة السورية بمصر رواية برئاسة رئيس
المدرسة إبراهيم عبد المسيح،
١٢ وفي ٣ / ٤ / ١٨٨٨ مثلت المدرسة الفرنسية بالزقازيق مسرحية «يوسف الحسن»
تأليف نجيب قطيني المدرس بالمدرسة،
١٣ وفي ١٢ / ٤ / ١٨٨٨ مثلت المدرسة الحرة بكوم حمادة رواية «سيدنا معاوية مع
عبد الملك بن مروان» ومسرحية «سيدنا عمر مع الأعرابي القاتل وضامنه أبي ذر»،
١٤ وفي ٥ / ١١ / ١٨٨٨ مثلت المدرسة القبطية الأرثوذكسية بالمنيا رواية «الابن الشاطر».
١٥
وفي ٢٣ / ٧ / ١٨٩٠ مثلت المدرسة الأميرية بالفيوم رواية أدبية من تأليف علي حمدي
المدرس بالمدرسة،
١٦ وفي ١ / ٨ / ١٨٩٠ مثلت مدرسة الأميريكان للبنات بالإسكندرية رواية «المريض الوهمي»،
١٧ وفي ١١ / ٨ / ١٨٩٠ مثلت المدرسة الأهلية بباب البحر رواية أدبية تبيِّن
الفرق بين العلم والجهل،
١٨ وفي ١٧ / ٨ / ١٨٩٠ مثلت مدرسة العلوم الثانوية عدة روايات عربية وأجنبية،
١٩ وفي ١٠ / ٧ / ١٨٩١ مثلت المدرسة الأميرية بالفيوم رواية أدبية تدور حول
الحث على التعليم.
٢٠
وفي ١٦ / ٩ / ١٨٩١ وصفت جريدة المقطم احتفال مدرسة البنات بشبرا قائلة: «احتفل أمس
بتوزيع الجوائز في مدرسة البنات التي مديرها حضرة السيدة كاستانيولي في قصور بوغوص
بشبرا على المستحقات من التلامذة، وقد حضر هذا الاحتفال جمهور غفير من كبار الموظفين
والأدباء والأعيان. ومُثِّلت رواية بديعة باللغة الفرنسوية، وقد أجادت الممثلات في
التمثيل كل الإجادة ثم تُليت مُلْحة باللغة العربية وتلتها محاورة باللغة العربية أيضًا
فضحك لها الحاضرون وسُرُّوا مزيد السرور. ثم وزعت الجوائز على المستحقات، وكان في جملة
اللواتي أحرزت السبق في نيل الجوائز السيدات: تريزة صواف وأليز عيروط وإملي وإيليز
صيداوي وغيرهن من التلميذات النجيبات. ثم ختمت الحفلة وانصرف المدعون يشكرون حضرة مديرة
المدرسة ويثنون على حسن عنايتها واجتهادها.»
٢١
وفي ٣٠ / ١١ / ١٨٩١ تخبرنا جريدة المؤيد عن أول فريق مسرحي محترف من التلميذات،
قائلة: «أمس تألَّفت جوقة من تلميذات مدرسة البنات الفرنساوية إدارة الست بريولي روه
التي أُسست منذ ثلاث سنوات على جسر شبرا، ومثَّلنَ رواية أدبية بتياترو حديقة الأزبكية
وألقين عدة مقالات بالعربية والفرنساوية والطليانية؛ فأعجب الحاضرون بحسن إلقائهن مع
صغر سنِّهن، حيث الكل بين الثامنة والعاشرة من العمر.»
٢٢
وفي ١٦ / ١١ / ١٨٩٣ مثَّلت مدرسة الآداب العلمية بالقللي رواية «الملك فيخوس» أحد
ملوك الدولة الثانية المصرية،
٢٣ وفي ٢٤ / ١ / ١٨٩٦ مثَّلت مدرسة الآباء اليسوعيين بالفجالة رواية «أخو الخنساء»،
٢٤ وفي ٢٤ / ١ / ١٨٩٧ مثَّلت مدرسة الجزويت رواية «الأخدود»،
٢٥ وفي ١٢ / ٨ / ١٨٩٧ مثَّلت مدرسة النجاح القبطية بالمنصورة رواية «ناكر الجميل»،
٢٦ وفي ٢٦ / ٨ / ١٨٩٧ مثلت مدرسة الروضة بأسيوط برئاسة ناظر المدرسة جرجس
بياضي رواية «غرائب الاتفاق»،
٢٧ وفي ١٠ / ٩ / ١٨٩٧ مثلت مدرسة النور العباسي بمنيا القمح إحدى الروايات الأدبية،
٢٨ وفي ٢٤ / ٩ / ١٨٩٧ مثَّلت مدرسة الاجتهاد الوطنية ببولاق رواية «الوالدين
والولدين» على مسرح القباني.
٢٩
وفي ٧ / ٤ / ١٨٩٩ مثلت مدرسة الأقباط بشبلنجة رواية «صدق الإخاء»،
٣٠ وفي ٦ / ٥ / ١٨٩٩ مثلت المدرسة العثمانية للبنات رواية من تأليف فؤاد كامل
مدرس اللغة الفرنسية بالمدرسة،
٣١ وفي ٢٥ / ٧ / ١٨٩٩ مثلت مدرسة الآباء اليسوعيين بالمنيا رواية «صدقيا ملك إسرائيل»،
٣٢ وفي ١٥ / ١٠ / ١٨٩٩ كانت آخر حفلة مدرسية مسرحية في القرن التاسع عشر، من
قِبل مدرسة الأقباط بقنا حيث مثلت رواية «إسكندر ذي القرنين».
٣٣
وإذا كنا فيما سبق تحدثنا عن بداية نشاط المسرح المدرسي، مع نماذج من هذا النشاط طوال
القرن التاسع عشر، إلا أن هناك ثلاثة أمور يجب الوقوف عليها لأهميتها في هذا الموضوع؛
الأول: يتعلق بنشاط عبد الله النديم في النشاط المدرسي المسرحي، والثاني: يتعلق بنشاط
مدرسة الفرير، والأخير: يتعلق بنشاط مدرسة العائلة المقدسة أيضًا.
(٣) عبد الله النديم
يعد عبد الله النديم من رواد المسرح المدرسي في مصر. فقد بدأ نشاطه في هذا المجال
في
عام ١٨٧٩ عندما كان مدير مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية بالإسكندرية، فكوَّن من
الطلاب جماعات للخطابة والتمثيل. وكتب مسرحيتين مشهورتين، هما: «العرب» و«الوطن وطالع
التوفيق». وكان يقصد من كتابتهما تدريب الطلاب على أساليب الخطابة. ولم يكتفِ هذا
الرائد بالتدريب النظري، بل درَّب الطلاب التدريب العملي عليهما، بأن مثَّل معهم
المسرحية الثانية على مسرح تياترو زيزينيا بالإسكندرية عام ١٨٨١. وقد نجحت المسرحية
نجاحًا منقطع النظير بالنسبة لهدفها الحقيقي. فقد كان لها في نفوس الشعب تأثير كبير بعد
أن نبَّهت الأفكار وفتحت الأنظار. فقد نقد فيها النديم العيوب الاجتماعية والسياسية،
ووصف ما كانت عليه البلاد من فوضى واضطراب.
وأعلن النديم في مجلته «التنكيت والتبكيت» عن تمثيل مسرحية «الوطن وطالع التوفيق»
قائلًا في ١٠ / ٧ / ١٨٨١ تحت عنوان «إعلان إلى أبناء وطننا ومحبي التقدم والعمران»:
«عزَمنا — والعون على الله تعالى — تمثيل رواية «الوطن وطالع التوفيق» بتياترو زيزينيا
مساء يوم الخميس ١٧ شعبان سنة ٩٨ مع ليلة الجمعة، وهي الرواية التي جعلتها تذكارًا
لجلوس مولانا الخديوي — حفظه الله — فإني صورت فيها حالتنا وما كنا فيه من الذل
والإهانة، وما تحملناه من المظالم والمغارم، ثم تخلصت بجلوس مولانا الخديو ومساعدة
وزرائه الكرام على أفكاره الحسنة ومقاصده الخيرية، وما يعانيه رجاله من الاشتغال بحفظ
الأمة وصيانة الوطن، وما تنوَّرت به الأفكار حتى اهتدت لفتح الجمعيات التي بها تكثر
المعارف وتعود ثروة البلاد. وهي تشخَّص بتلامذة المدرسة ليرى الناظر ما وصل إليه
أبناؤنا من القوة التي بها يقفون في المحافل العظيمة يشخِّصون ما لا يقوم به إلا العظيم
من الرجال …»
٣٤
ومن الجدير بالذكر أن تمثيل هذه المسرحية كان حدثًا فريدًا في ذلك الوقت، تحدثت به
الصحف المصرية، ومنها جريدة الأهرام في ١٦ / ٧ / ١٨٨١ قائلة تحت عنوان «رواية الوطن
وطالع التوفيق»: «في الليلة الفائتة ازدان تياترو زيزينيا بتشريف رجال ثغرنا الكرام
لحضور تشخيص هذه الرواية البديعة من تلامذة مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية تحت إدارة
حضرة الفاضل الأديب زميلنا عبد الله أفندي النديم. ولا سبيل لأن نعلن عما كان من حسن
الإتقان وجودة التشخيص وبديع الإلقاء، فإن ذلك لا يحتاج إلى إعلان. ولقد أجاد حضرة
المدير المذكور إجادة استدعت الألسنة إلى الثناء عليه، وحبذا ما صرح به من إيجاب اللوم
على من لم يطردوا الحقوق المتبادلة والتقدم إلى المساعدة في سبيل الأعمال العائدة
بالنفع العميم على الوطن ورجاله. وإننا في كل حال نشكر اهتمامه واجتهاده ونمدح نشاط
الجمعية، وهمم التلامذة وندعو لوطننا العزيز بالتقدم والفلاح في ظل الجناب التوفيق
ورجاله الكرام.»
٣٥
وعلى الرغم من أن هذه مسرحية غير مطبوعة، بل ومفقودة أيضًا — وكذلك مسرحية العرب —
إلا أننا حصلنا على بعض أجزاء منها نشرت في عام ١٩٢٧. ولأهمية هذه الأجزاء نثبتها هنا،
لما لها من دلالات فنية وسياسية واجتماعية تعكس لنا فكر النديم في ذلك الوقت، كما تعكس
أيضًا فكر الطلاب أمام واقعهم الاقتصادي والسياسي.
(٣-١) منتخبات من رواية «الوطن»٣٦
أبو دعموم
:
الله يرحم أبوك هو عندكم شيء من اللي عندنا! خد على صابعك خد: أدحنا
متحرحرين يا أخي من المال والمقابلة والسدس ومصاريف الري والسهوم والمصلح
والشخصية وعوايد البهايم والأغنام والنخيل والدخولية.
أبو الزلفى
:
لأ وفاتك يا خي عادة الحكيم والمهندس والمزين والمشدات والطوافة وقواسة
المدير وخدَّمينه وسنوات ناظر القسم وخدمينه والعونة والصخرة وطلوع البهايم
للشفلك والبنات للقطن والولاد لتنقية الرز والبهايم للشيل والحطب للوابورات
وعليقة خيل القواسة وتِبْنهم.
أبو دعموم
:
لا، ولا تنساش شيخ البلد، واخد البهايم في غيطه والنسوان في دواره
والأولاد تجري وراه ويروح يداين من الخواجات، ويجي يقول هاتوا يا فلاحين!
وأولاده دايرة ترقع في أصداغنا، وخدمينه بتلطَّش فينا ونسوانه بتسفخ
لنسواننا.
أبو الزلفى
:
لا وخد عندك يبقى الإنسان طالع في المصلحة والمشد ينادي يقول: المدير
عاوز ميت فرخة! ويوم يقول: غربلوله أَرْدَبَّين غلة! ويوم يقول: عاوز بهيمة
حلابة! ويوم يقول: عاوز بلاصين سمن! ودا كله يلمُّه شيخ البلد. وشوف بقى
يما يوديه.
أبو دعموم
:
لا ونسيت يا خي نزلة المساحة علينا كل ساعة، والتاني يقول: أنتم عندكم
زيادة، والبحر خلف لكم جزيرة. ويمسك قصبته ويدور يتنطط في الغيطان ولا
ينكشح عنا إلا لما يأخذ له سبعين ثمانين ريال.
أبو الزلفى
:
لا، وفتنا الداهية التقيلة، اللي هو الصريف لما يفضل يديله الواحد يوم
اثنين جنيه، ويوم عشرة ريال، ويوم تلاتين بريزه، ويوم عشر خرديات، ويوم ميت
قرش. ويجي آخر السنة يقول له وصلني منك سبعين قرش وفاضل عليك عشرة جنيه وإن
اتكلم الواحد منا يشكمه شيخ البلد ويقول له: عقلك ولَّا حساب
القلم؟!
أبو دعموم
:
لا وفات يا خي رمي الكتاكيت على … وفلوس الصفصاف وليف الوسية ومقطفه
وحباله وخشبته وشيء مظروط.
أبو الزلفى
:
وفاتك يا خي ضرب الطوب للشفلك وتين الخلط وحطب الحريق وأجرة النفر
السهران وعشا البياتة وأجرة الغفير وأجرة الحمير للشيل ونفر العملية وأجرة
البنا وأجرة النجار وطلوع الحجر من المراكب ودق الحمرة.
أبو دعموم
:
وفاتك يا خي لما واحد يهج ويرمي طينه على البلد، ولَّا واحد يخرب ويوزع
دينه على البلد، والإعانة ونفر القسم وعشا الغفرا في البحر.
(٣-٢) نموذج شعري من رواية «الوطن»
إحدى القصائد التي يستثير النديم بها الهمم ويوجه فيها القول إلى الخديو توفيق
لإقصاء الوزراء وحاشية السوء التي كانت تناهض الحركة الوطنية:
لو أننا مثل أهل الأرض في همم
ما قام يندبنا أحيا مغنينا
قل للنفوس التي ماتت بلا أجل
أين القلوب التي كانت تجارينا؟
نمشي حفاةً على شوك القتاد فلا
يؤذي النفوس وكان الخزُّ يؤذينا
أستودع الله قومًا كان طبعهم
يبدي لك الحالتين: البأس واللينا
شدُّوا الجيادَ وجابوا كل بادية
كي يعمروها فعمُّوا الأرض تمدينا
وسَيَّروا الحق في الآفاق أجمعها
فاستحسنتهم ونادتهم سلاطينا
واستخلفونا فكنا شر من ورثوا
إذ لم نحافظ على ملكٍ بأيدينا
ماذا ترى في إناس لو تقربهم
إلى العلا بعدوا مما يرقينا
ما خالفوك ولكن خالفوا شرقًا
لم يعرفوا قدره ممن يولينا
فاجمع من القوم من ترضى خلائقه
واجعل لكل من الأعضا قوانينا
وشدد الأمر حتى لا يضيع سدًى
واجعل زمامك فيه العدل واللينا
وطهِّرِ القُطر ممن طبعه شَرِهٌ
وخائن يحرق المأوى ويشوينا
وكن لأهل الوفا حصنًا وملتجأ
وكن لأهل الهوى سيفًا وسكِّينا
(٤) مدارس الفرير
تعتبر مدارس الفرير بفروعها وجمعياتها المنتشرة في مصر، من أهم المدارس التي مارست
النشاط المسرحي في القرن التاسع عشر. ففي ٢٦ / ١ / ١٨٩٠ مثَّلت جمعية تلامذة مدرسة
الفرير القدماء رواية هزلية فرنسية في ساحة المدرسة،
٣٧ وفي ٢٢ / ١٢ / ١٨٩٣ مثَّلت شركة التلامذة المتخرجين في مدرسة الفرير رواية
«الملك والوزير والحشاش والظريف»، ثم فصلًا مضحكًا بعنوان «الأدباتي» بالأوبرا الخديوية،
٣٨ وفي ١٦ / ٢ / ١٨٩٤ مثَّلت جمعية المتخرجين بمدرسة الفرير إحدى الروايات
بالأوبرا الخديوية أيضًا،
٣٩ كما مثلت نفس الجمعية في ٢١ / ٤ / ١٨٩٦ رواية «محاسن الصدف» بالأوبرا،
٤٠ ومثلت في ٢٨ / ٤ / ١٨٩٧ بالأوبرا أيضًا رواية خُصص دخلها لمساعدة فقراء
المدرسة المجانية،
٤١ وفي ٢٤ / ٤ / ١٨٩٨ مثل طلاب مدرسة الفرير بالمنصورة رواية فرنسية بمسرح التفريح.
٤٢
وآخر حفلة لهذه المدارس كانت في ٢ / ٦ / ١٨٩٩، وقالت عنها جريدة مصر: «ازدحم تياترو
حديقة الأزبكية مساء الجمعة الماضية بالأدباء والفضلاء لحضور رواية «لافيل ده ثامبور
ماجور» التي قدمتها جمعية التلامذة المتخرجين من مدارس الفرير، وخُصِّص دخلها لمساعدة
التلامذة الذين يتعلمون مجانًا فيها، وقد قام رجال الجوق الإيطالي بتمثيل هذه الرواية
تمثيلًا أعجب الحضور. وأطلق حضرات أعضاء لجنة الجمعية سربًا من الحمام الأبيض فطار في
المرسح كأنه يحمل شكرًا منهم للممثلين ولجميع الحاضرين. ثم شنَّفت الست ملكة سرور
الآذان بصوتها الرخيم وقُدِّمت إليها سلة من الزهور؛ دليلًا على الاستحسان، فتناولتها
شاكرة. وقد انصرف الحضور يشكرون لحضرات أعضاء الجمعية.»
٤٣
(٥) مدرسة العائلة المقدسة
بدأت هذه المدرسة نشاطها المسرحي بتمثيل مسرحية «أخو الخنساء» في ٢٤ / ١ / ١٨٩٦،
من
تأليف الأب أ. رباط اليسوعي مدرس اللغة العربية بالمدرسة.
٤٤ وفي ٢٤ / ١ / ١٨٩٧ مُثِّلت مسرحية «أصحاب الأخدود» وقالت عنها جريدة
المقطم: «احتفلت مدرسة العائلة المقدسة في العاصمة أمس بعيد المدرسة السنوي، فتصدَّر
الحفلة صاحب السعادة فخري باشا ناظر المعارف والأشغال العمومية، وكان عن يمينه صاحب
السعادة عياني باشا. وحضرها جناب المسيو برتران من قِبل فرنسا والكونت زلوسكي وكثيرون
غيرهم من الكبار والوجهاء. فمثَّل التلامذة أعضاء المحفل الملقَّب بمحفل شهداء نجران
رواية كانوا قد ألَّفوها بالاشتراك تحت إدارة حضرة مدير المدرسة، وهي رواية «أصحاب
الأخدود» أخذوها عن بعض كتَّاب العرب، مثل ابن الأثير والرازي، وقسموها إلى ثلاثة فصول؛
الأول: موضوعه نجران أيام الجاهلية، والثاني: الحرب، والثالث، الاستشهاد. فأجاد
الممثلون كل الإجادة. وكانت الموسيقى العربية تتخلل الفصول. وانصرف الحضور وهم يثنون
على حضرة مدير المدرسة ويدعون للمدرسة بالتقدم والفلاح.»
٤٥
وفي ١٢ / ٦ / ١٨٩٨ أقامت المدرسة ليلة تمثيلية على مسرح كازينو حلوان،
٤٦ وآخر أخبار نشاط هذه المدرسة أخبرتنا بها جريدة المقطم في ٢٢ / ٧ / ١٨٩٨،
قائلة: «احتفلت أمس مدرسة العائلة المقدسة بتوزيع الجوائز على مستحقيها من تلامذتها
بحضور المسيو بيير ليفيفر بونتاليس مُتَولِّي أعمال الوكالة الفرنسوية وجمهور غفير من
الأدباء والوجهاء فمثَّلت رواية وصدحت الموسيقى بالأنغام المطربة وتُليت الأناشيد
الشجية ثم وزِّعت الجوائز على مستحقيها وانصرف الحاضرون وهم يمدحون تقدم هذه المدرسة
وانتظامها ويرجون دوام النجاح والفلاح.»
٤٧