كانط والحداثة الدينية
«لكن لماذا كانط؟ اتِّقاءً لشر الترف الميتافيزيقي الثاوي في هذا السؤال الذي تخلَّى عنه العقل الفلسفي منذ زمن، لنتوجَّه في التفكير وجهةً تدلنا على صورةٍ لكانط أكثر قابلية للاستعمال في مواجهة مشاكل الإنسان المعاصر، ولنسأل حينئذٍ: ماذا يُمكننا أن نستعمِل من فلسفة كانط اليوم في فهم المسائل الراهنة للحداثة؟»
لماذا العودة إلى «كانط» في زمن العودة إلى الدين؟ تفترض مؤلفة الكتاب أن الغرب قد انخرط في ضربٍ من الحداثة الدينية مُواكِب للحداثة العلمية والسياسية، أي في استعمالٍ مدني حديث للدين؛ إذ نجد في كتاب «الدين في حدود مجرَّد العقل» ﻟ «كانط» عبارته التامة، وفيه يقترح معالجةً عقلية طريفة للدين قائمةً على مكاسب العقل الحديث وصورة المجتمع المدني، وبخاصةٍ مبدأ الحرية وأخلاق المواطنة الكونية. ولذلك تعود في كتابها إلى «كـانط»، بعد قرنَين كـاملَين من العودات المتلاحِقـة إليـه، من أجل البحث في فلسفته عن دربٍ إضافي للاقتراب أكثر من أنفسنا، أو ممَّن يقومون مقام أنفسنا طالبين اللجوء، هذه المرة، إلى ذات كتابٍ لم يَعرِف بعدُ الطريقَ الملكي إلى الثقافة العربية الإسلامية، وهي أكثر الثقافات اليوم تضرُّرًا من جهة احتمالها لأنطولوجيا دينية أصبحت محلَّ توجُّس وخِيفة من طرَف الجميع.