الفصل الثاني

ريكور قارئًا كانط: مدخل إلى تأويلية الدين أو ما معنى «الدين في حدود مجرد العقل»؟

إذا صحَّ الاعتبار القائل بأن العقل الفلسفي قد دخل منذ قرنَين من الزمن فيما سُمي من قِبل أحد الباحثين باسم «العصر التأويلي للعقل»،١ فهل يعني هذا أن العقل الفلسفي قد خرج بعدُ من عصر النقد الذي أعلن عن مجيئه منذ قرنَين أيضًا نقد العقل المحض٢ لكانط، لا من جهة ما هو مذهب جديد في الفلسفة، بل بوصفه مُستقبل الفلسفة وشرط إمكانها، إذا ما أرادت لنفسها ألَّا تسقط ثانية فيما سمَّته الجدلية المُتعالية من كتاب ١٧٨١م «أوهام العقل» التي لا تنفكُّ تتلاعب به؟٣ أم أن هذا العقل الذي ارتضى لنفسه منذ شلايرماخر (Schleiermacher) ودلتاي (Dilthey) إلى هيدجر (Heidegger) وغادامير (Gadamer) وريكور (Ricoeur) عنوان «التأويلية» مقامًا سعيدًا له، قد يكون لم يدخل بعدُ عصر النقد الذي نبَّه عليه كانط، بوصفه إمكانًا فلسفيًّا ينبع من قدر العقل نفسه من جهة ما هو عقل مسكون بشوقٍ طبيعي إلى الإفلات من حدوده، قدْر يجعل النقد حاجة لازمنية أصلًا تقترن دومًا بكل مُغامرة تفلسفٍ أصيل؟٤
النقد أم التأويلية؟ هل على الفلسفة أن تختار بين أن «تحكم» (Juger) على نتاجات العقل فترسم له حدودًا وتُقيم له انضباطًا وتمنعه من خوض مغامرة الحلم والمعنى،٥ وبين أن «تفهم» (Comprendre) تراث العقل وآثار الإنسان بعامة فهمًا يفترض وجود معنًى أصلي نسعى إلى تأويله أو الكشف عنه؟ هل يُمكننا إذن أن نستنتِج بعدُ أن كانط قد اختار النقد بديلًا عن التأويلية السائدة في عصره بمعناها الصناعي من حيث هي اشتغال على النصوص الدينية؟
إن الغرض من هذا القول هو استقصاء العلاقة المُمكنة بين كانط والتأويلية: هل يمكن العثور لدى كانط على ضربٍ من «التأويلية الفلسفية»؟ أم أن النقد الذي ارتضاه كانط عنوانًا لفلسفته وشعارًا لعصرٍ برمَّته لا يمكن له أن يلتقي مع أية تأويلية مُمكنة؟ إن هذه المسألة هي في الحقيقة مدار نقاش فلسفي على راهنية كبرى، تنازع في شأنها أقطاب الفلسفة المُعاصرة مثل غادامير٦ وهابرماس٧ وريكور.٨

مطلبنا في هذا البحث هو الوقوف على ضربٍ من الإحصاء لما وصل إليه البحث الفلسفي في ملف علاقة كانط بالتأويلية. ونحن نقف ها هنا على ثلاث وجهات نظر متنازعة:

  • (١)
    موقف أول يسمح بإمكانية الحديث عن تأويليةٍ فلسفية عند كانط، نجده خاصة لدى بول ريكور.٩
  • (٢)
    موقف ثانٍ يردُّ على أطروحة ريكور، ويعتبر أن النقد لدى كانط إنما قام بديلًا عن التأويلية.١٠
  • (٣)
    موقف ثالث يتَّسم بالغموض والالتباس هو موقف غادامير الذي انتهى إلى اعتبار كانط «ذكرى» طيبة يحتفظ بها كل فلاسفة التأويلية والفينومينولوجيا من هوسرل (Husserl) إلى هيدجر.١١

سوف ننطلق في هذا البحث من أطروحة بول ريكور من أجل أولًا: اختبار مفهوم التأويلية الذي يصرفه ريكور على فلسفة كانط. ثانيًا: الوقوف على حدود قراءة فلسفة كانط من وجهة نظر الفلسفة التأويلية، للوصول ثالثًا وأخيرًا إلى معالجة إمكانية الحسم في علاقة كانط بالفلسفة التأويلية بعامة.

خطة هذا البحث تتوزع إذن على ثلاثة مستويات:

  • (١)

    كانط بوصفه صاحب «تأويلية فلسفية» أو أطروحة ريكور.

  • (٢)
    حدود أطروحة ريكور أو النقد ضد التأويلية.١٢
  • (٣)

    النقد أم التأويلية: آفاق المسألة.

(١) كانط صاحب «تأويلية فلسفية» أو أطروحة ريكور

إن المتصفح لكتابات بول ريكور على اختلاف الحقول التي عملت فيها، سواء تعلق الأمر بتاريخ الفلسفة أو بفلسفة الأخلاق أو الدين أو السياسة أو التاريخ، أو بالتحليل النفسي، أو بالشِّعرية، إنما يشهد على ضربٍ من العودة المستمرة إلى نصوص كانط،١٣ عودة ما انفك ريكور يقطف من ورائها جُملة من الأمارات التي تدلُّ عنده على ضربٍ من «التأويلية» الثاوية في فلسفة كانط بعامة. تأويلية عثر ريكور على دلالتها من خلال جُملة من أهم المفاهيم التي تنسج الفلسفة الكانطية من جنس مفهوم المُتعالي والأفكار الناظمة ومقولة التفكر، وكلها في تأويلية بمثابة «آفاق المعنى» التي افتتحتها فلسفة كانط على حدود انغلاق خارطة الحقيقة على جملة عالم الظواهر التي تُرجع إلى الذهن شروط إمكان معرفتها.

إلا أن ريكور لا يتوقف في هذا المستوى من البحث عند معالم تأويلية ضمنية عند كانط، بل يبلغ اهتمامه بكانط حدَّ اعتبار هذا الأخير صاحب تأويلية فلسفية تامة الشروط، يجد لها مقامًا صناعيًّا مُستقرًّا في أحد الكتب التي تنتمي إلى مرحلة النضج لدى كانط وهو كتاب الدين في حدود مجرد العقل الذي نشره سنة ١٩٧٣م.

إن غرضنا الدقيق هنا هو استقصاء دلالة عبارة «تأويلية فلسفية» التي قصد إليها ريكور في تأوُّله لكتاب الدين في حدود مجرد العقل بوصفه تأويلية فلسفية في الدين (Une herméneutique philosophique de la religion). ينطلق ريكور من الاعتبار التالي: ليس بوسعنا أن نعتبر كتاب كانط الدين في حدود مجرد العقل امتدادًا لمنطقة النقد التي رسمتها مؤلفات كانط النقدية، بل يجدُر بهذا الكتاب أن يحمل عنوان «تأويلية فلسفية في الدين».١٤

لِمَ يُخرج ريكور هذا النص الكانطي من دائرة الفلسفة النقدية ويُنزله ضمن مجال الفلسفة التأويلية؟ بل لماذا يتجرأ ريكور على تغيير العنوان الذي أراده كانط لنصِّه بعنوانٍ يريده ريكور أن يكون دليلًا على آثار «تأويلية فلسفية» سكت عنها؟ أليس في الأمر نية احتواء تأويلي للنص الكانطي، من حيث أن «الاحتواء» مأخوذًا في معنى «التملك» بواسطة العنف التأويلي، هو بدوره مقصد كل ممارسة تأويلية؟

يبسط ريكور على تأويله لكتاب كانط في الدين ثلاثَ حجج: تتعلق الحجة الأولى بموضوع الكتاب، من حيث إنه يخصُّ واقعة الدين، أي بالموضوع الأصلي أو الحرفي للتأويلية نفسها. أما الحجة الثانية فتهمُّ عنده ما من شأنه أن يُحرك كلَّ تفكيرٍ في الدين أي موضوعة «الشر الجذري» (Le mal radical)، وهي موضوعة تُمثل المرتبة الأولى في كتاب كانط، وهي بحسب ريكور اللحظة الأولى من تأويلية كانط في الدين. أما الحجة الثالثة والأخيرة فتتعلق بالبِنية الداخلية لهذا الكتاب القائمة على ضربٍ من التمفصُل بين واقعة الشر الجذري وما يُسمِّيه ريكور «النصية» الثلاثية للدين أي «التمثيل» (Représentation) و«الاعتقاد» (Croyance) و«المؤِسسة» (Institution)، من حيث هي بِنية تجعل من «الرجاء» (Espérance) أفُقَها الأساسي.
إن الدلالة الأولى التي تسمح بإمكانية اعتبار كتاب كانط في الدين بمثابة تأويلية فلسفية مُستقلة عن المشروع النقدي الكانطي نفسه، تنكشف لريكور انطلاقًا من موضوع الكتاب نفسه: هو كتاب لا يتعلق بفكرة الإله بل بواقعة الدين، وذلك من حيث أنه لا يضيف شيئًا إلى ما جاءت به الجدلية المُتعالية من قولٍ سالب، ولا إلى ما أعلنت عنه مُسلمات العقل العملي من قولٍ موجب في خصوص مسألة الإله.١٥ فكتاب الدين في حدود مجرد العقل إنما ينظر في موضوعةٍ خاصة به تجعله مستقلًّا عن كتب كانط النقدية، وذلك لأن هذا الكتاب يتناول الدين بوصفه واقعة (Fait)، ويُقصي بذلك من مجال انشغاله الإله بوصفه فكرة (Idée). وهنا يُقيم ريكور فرقًا أساسيًّا بين مجال النقد ومجال التأويلية، أي بين مجال «المتعالي اللاتاريخي» ومجال «الديني التاريخي». الأول هو موضع أفكار العقل المحض في استعمالاته المختلفة، من جهة ما هي أفكار تستمدُّ شرعيتها من ضربٍ من القبلية، أي من طبيعة العقل نفسه. أما مجال التأويلية فهو هنا مجال وقائع الدين التي تستمدُّ موضوعيتها من ضربٍ من «التاريخية الوجودية» التي تتجذَّر في مجال الفعل الإنساني نفسه في أبعاده الثلاثة المشار إليها. إن هذه الأبعاد الثلاثة للدين التي يعرض لها كتاب كانط، إنما هي وقائع تختلف في طبيعتها عن كل وقائع العقل الأخرى، سواء تعلق الأمر بالطبيعة، أي موضوع العقل النظري أو الذهن، أو بالحرية، أي موضوع العقل العملي أو الإرادة، أو بالفن أو بالكائن الحي داخل مملكة الحكم الإستطيقية والغائية.

إن بِنية الدين مثلما يكشف عنها كتاب الدين في حدود مجرد العقل بوصفها بنيةً قائمة على وقائع التمثيل والاعتقاد والمؤسسة، إنما تحتمِل، في اعتبار ريكور، طابعًا تاريخيًّا موجبًا، وهي تاريخية لا يمكن لوقائع العقل أن تتمتع بها، وذلك لأنها وقائع مُتعالية، أي مستقلة عن كل تجربةٍ تاريخية فعلية.

إن هذا الفرق الذي يُقيمه ريكور بين مجال العقل «المتعالي اللاتاريخي»١٦ ومجال «الديني التاريخي» هو بمثابة الشأن الذي يسمح له بإخراج الديني من وصاية المُتعالي الفلسفي، أي من مجال النقد إلى مقام التأويلية. إن الدين في اعتبار ريكور إنما يبدو ها هنا بمثابة الشأن الخارج عن الفلسفة والذي لا يمكن الاشتعال عليه إلا انطلاقًا من نقطة التقاطع ما بين المتعالي اللاتاريخي، أي حدود النقد، والديني التاريخي، أي أفق التأويلية.١٧

إلا إن هذا الاعتبار قد يَجرُّنا إلى إحراجاتٍ قد تُسقطنا في المجالات التالية: إذا كان الدين واقعة تاريخية، والعقل واقعة مُتعالية لا تاريخية فهل يصح:

أولًا اعتبار الدين والعقل على طرفي نقيض، أي اعتبار الدين لا عقلي واعتبار العقل لا تاريخي؟ وهل يمكن ثانيًا تأويل الدين في حدود مجرد العقل؟ وثالثًا أي تقاطع بين الدين والعقل داخل كتاب كانط الدين في حدود مجرد العقل؟

هنا يشير علينا بول ريكور بضرورة تأوُّل مفهوم التاريخية العالقة بواقعة الدين تأوُّلًا يسمح للديني التاريخي بالتناغُم مع العقلي المتعالي، وبالتالي يُبرئ عنوان كتاب ١٧٩٣م من تهمة التعارض بين الدين والعقلي. وحينها يشتقُّ ريكور السؤال الأصيل الذي تشتغل عليه تأويلية كانط للدين: كيف يمكن أن نُعيد تأويل الدين «تأويلًا عقليًّا» يسمح بضربٍ من التناغُم بين الديني التاريخي والمتعالي اللاتاريخي؟

يُجيب ريكور بأن التاريخية العالقة بواقعة الدين إنما هي «تاريخية وجودية»،١٨ ويعني بذلك ألَّا مجال للحديث عن أية تجربةٍ دينية من دون توسُّط القصص والرموز والأساطير. فالدين إذن واقعة تاريخية لكن تاريخيته ليست مجرد تاريخية ثقافية بل هي تتسع لأكثر من ذلك، إنها تاريخية وجودية، بمعنى أن شروط إمكانها مُتجذرة داخل الوجود البشري بعامة، أي داخل ما يُسميه كانط بواقعة «الشر الجذري» بوصفها الواقعة التي يستمدُّ منها الدين تاريخيته المخصوصة. إن مسألة الشر الجذري من حيث هي تسمية تأويلية لواقعة الخطيئة الأولى، إنما تجد موطنها الخاص ضمن دائرة الديني التاريخي أي خارج كفاءات العقل المُتعالية نفسها.
إننا هنا في «حدود مجرد العقل» أي، حسب تأويل ريكور،١٩ ضمن مجال يفلت من دائرة النقد نفسه. فالعقل هنا لا يشتغل على نفسه، أي على قدراته وحدوده بل على واقعة تاريخية مخصوصة هي واقعة الدين. وهنا نلاحظ كيف استوجب تملك ريكور لكتاب ١٧٩٣م تملكًا تأويليًّا، إعادة ترتيب كاملة لمعماريات الفلسفة الكانطية نفسها. فإن ريكور يبدو وكأنه يوزع فلسفة كانط على منطقتَين متقاطعتين هما منطقة الفلسفة المتعالية، وفيها يشتغل كانط على الفلسفة بوصفها نقدًا، ومنطقة فلسفة الدين، حيث نعثر في اعتبار ريكور على تأويلية فلسفية للدين.
إلا أن أهم حجةٍ بنى عليها ريكور تأويله لكتاب الدين في حدود مجرد العقل إنما تتعلق بالبنية الداخلية لهذا المؤلَّف، حيث نتبيَّن أهمية التمفصُل الذي يُقيمه كانط في الأقسام الأربعة من الكتاب٢٠ ما بين موضوعة الشر الجذري بما هي محرك التفكير الكانطي في الدين، من جهة أولى، وبين العناصر المكوِّنة للدين بما هو واقعة أي التمثيل والاعتقاد والمؤسسة، من جهة أخرى.
يتعلق الأمر بضرب من المراوحة بين موضوعة الشر بوصفه «تحدِّيًا» وواقعة الدين بوصفه «ردًّا» (Une réplique) على ذلك التحدي. إن هذه العلاقة بين التحدي والرد عليه، أي بين الشر والدين، ليست في تأويل ريكور شأنًا آخر غير «رابطة الرجاء» (Le lien de l’espérance).
وهكذا يظهر كتاب ١٧٩٣م على أنه معالجة فلسفية تأويلية لثالث أسئلة كانط الأساسية «ماذا يمكنني أن أرجو؟»٢١ (Que puis-je espérer).
وبالتالي إن هذا السؤال الكانطي المعروف الذي يختزل ثالث أسئلة الفلسفة النقدية، كما يُعلن عن ذلك نقد العقل المحض٢٢ لا ينتمي في تأويل ريكور إلى مجال الفلسفة المُتعالية أي مجال فلسفة النقد، بل هو السؤال المركزي لفلسفة كانط في الدين. إن موضوعة الرجاء إذن إنما هي بمثابة ما يحدُّ دائرة الديني بما هو كذلك، وعليه ينتهي ريكور إلى اعتبار كتاب الدين في حدود مجرد العقل، «تبريرًا فلسفيًّا لواقعة الرجاء الدينية».٢٣

إن ريكور لا يكتفي بتحديد المعالم العامة لهذه التأويلية الفلسفية الكانطية في الدين، إنْ من جهة الموضوع (واقعة الدين نفسها) أو من جهة الموضع الفلسفي الذي يخصُّها (التاريخي الوجودي) أو من جهة السؤال المركزي الذي يُحدد دائرتها (ماذا يُمكنني أن أرجو؟) بل يذهب إلى تأويل المضمون الفعلي للكتاب ومنهجه الفلسفي ومواقف كانط الأساسية فيه على أنها أدلة صريحة على مثل هذه التأويلية الكانطية في الدين.

إن كانط بحسب قراءة ريكور لا يفعل في القسم الأول من الكتاب إلا ممارسة ضربٍ من التأويلية الفلسفية على المفهوم الديني للخطيئة. أما في القسم الثاني ففيه نجِد ما يُسميه ريكور باسم «المَسيحيات الكانطية» (Christologie Kantienne).٢٤ وفيها يبدو «المسيح-النموذج» بوصفه الآخر غير الفلسفي، وهو نموذج الإنسانية نفسها. فكانط يُجري تأويلًا لواقعة المسيح نفسها، على الرغم من كونه لم يُعِر المسيح التاريخي أي اهتمام فإنه يعتبر صورة المسيح بمثابة النموذج العملي الذي ينبغي على الإنسان أن يسعى إليه.٢٥ أما القسم الثالث من الكتاب ففيه يمارس كانط تأويلية فلسفية على الموضوعة اللاهوتية المعروفة باسم «التبرئة بواسطة العقيدة» (La justification par la foi)٢٦ أما القسم الرابع والأخير، والخاص بالدين المؤسساتي أي بالكنيسة، فإنه على الرغم من العداوة التي يُصرِّح بها كانط، ويعترف بها ريكور نفسه، للدين الكنسي، فإن ريكور يتأول هذا القسم الأخير من الكتاب بوصفه يحمل هو الآخر دلالة أخيرة على تأويلية كانطية في الدين، وعليه فإنه لا ينبغي علينا بحسب ريكور٢٧ أن نختزل موقف كانط في مجرد رفض للبُعد المؤسساتي للدين، ذلك أن كانط نفسه إنما يعتبر أن سيادة «المبدأ الحسن» (Le bon principe) ضد «المبدأ السيئ»، أي سيادة «مملكة الغايات»،٢٨ إنما يقترن بمسألة العبادة الحقَّة فما مملكة الغايات التي يُبشِّر بها كانط منذ الباب الثاني من أسس ميتافيزيقا الأخلاق، أي منذ ١٧٨٥م٢٩ إلا ضرب من «الكهنوت الكانطي» (Une ecclésiologie).٣٠

وهكذا فإن أهم ما نخرج به من أطروحة بول ريكور التي تَعتبر كتاب كانط الدين في حدود مجرد العقل تأويلية فلسفية هو التالي: إن الأمر يتعلق بتأويلية للدين وليس بنقدٍ له، من أجل أن:

  • (١)

    هذا الكتاب يتعلق بواقعة الدين أي بالموضوع الأصلي للتأويلية.

  • (٢)

    وهو كتاب ينهض بتأويلية لأنه يختص بالإمكان الأصيل لكل دين، أي إمكان الرجاء.

  • (٣)

    وهو تأويلية لأنه يشتغل على المضامين اللاهوتية الأساسية أي على وقائع الخطيئة والمسيح والعقيدة والكنيسة.

(٢) حدود أطروحة ريكور: «النقد ضد التأويلية»

يتعلق الأمر في هذا المستوى الثاني من هذا البحث بمناقشةٍ قام بها أحد مؤرخي الفلسفة الكانطية لأطروحة ريكور حول كتاب الدين في حدود مجرد العقل بوصفه ينطوي على تأويلية فلسفية في الدين. لقد اعتبر دنيس توارد (Denis Thouard) في مقالٍ جدِّ هامٍّ بعنوان «كانط والتأويلية»٣١ أن فلسفة كانط القائمة في جوهرها على النقد تتعارَض في صميمها مع كل فلسفة تأويلية.
وينطلق هذا الباحث من قول لريكور نفسه، حين كان هذا الأخير يُحدثنا في كتابه٣٢ من النص على الفعل (Du texte à l’action) عن الفاصل الذي يفصل التأويلية عن النقد: أي تلك الهوة بين تأويلية التراث (هيدجر وغادامير) وفلسفة نقد الأيديولوجيات (هابرماس وكل من اضطلع بالنقد في خط ماركس نفسه). فإن ريكور يُقِرُّ بأنها هوَّة تلك التي تفصل المشروع التأويلي، الذي يجعل التراث فوق كل حكم، وبين المشروع النقدي الذي يضع التفكُّر فوق ضغوطات المؤسسة.٣٣ إن هذا الباحث يستنكر إمكانية الحديث عن تأويلية فلسفية داخل فلسفة تَطرح من اعتبارها مسألة النص ومسألة اللغة والتاريخية والوحي نفسه، فتلقي بها في مجالٍ ما هو إمبريقي ومحسوس. إن فلسفة كانط لا تضع في حسابها أبدًا الاختلاف التاريخي بين النصوص الدينية ولا حتى الاختلاف بين الأنماط الأخرى من النصوص. وعليه لا يمكن لنا أن نعتبر كانط صاحب تأويليةٍ فلسفية في الدين، إن كانط هو على وجه الدقة صاحب «فلسفة حكم» (Judgement) وليس صاحب «فلسفة تأويل» (Interprétation).٣٤
إن كتاب الدين في حدود مجرد العقل ليس تأويلية للدين مثلما ذهب إلى ذلك بول ريكور، إذ ما هو إلا قراءة عقلية أي أخلاقية،٣٥ للدين، وهي قراءة لم تكن، حسب دنيس توارد، تنشغل بالدين في تاريخيته ولا في نصِّيته التي تخصه، وبالتالي ليس بوسعنا أن نعتبر الدين عند كانط ضربًا من الآخر الذي يتميز عن الفلسفة؛ ومن ثمة يُفلت من دائرة النقد. إن العقل الذي ينتصب ها هنا حاكمًا على الدين هو لا يرى سوى ما يستمدُّه من نفسه من قوانين أخلاقية قبلية، وما دام العقل عند كانط، والعقل فحسب، هو القادر على إعطاء معنًى فلسفي معقول للدين (بل ولأية ظاهرة أخرى حتى العقل نفسه) فإن مقصد كانط، في اعتبار دنيس توارد، ليس تأويل النصوص الدينية إنما هو فحسب بيان ما يمكن للعقل، الذي هو في صميمه عقل عملي، أن يقوله في خصوص الدين. بل وأكثر من ذلك فكانط حينما يتناول وقائع الدين بالمعالجة إنما يفعل ذلك وهو على وعيٍ تام بأن أهمية النصوص الدينية لا تكمن إلا في كونها استطاعت أن تُقدِّم صياغة واضحة للقوانين الأخلاقية الكونية التي ينبغي على كل امرئٍ أن يستمدَّها من نفسه. إن نية كانط لم تكن، في أي موضع من مواضع هذا الكتاب، الاشتغال على الدلالة المحددة لنصٍّ ما، أو على تاريخيته أو على مقصد الكاتب، وهذا ما نجده بشكل صريح في أحد هوامش كتاب ١٧٩٣م.٣٦

وإضافة إلى ذلك يمكن أن نستند إلى مقاربة تاريخية من أجل تبيُّن الصعوبات التي قد نسقط فيها إذا ما اعتقدنا أن كانط صاحب تأويلية فلسفية في الدين. ويمكن أن نختزل الاعتراضات التاريخية على قراءة ريكور لكانط فيما يلي:

  • (١)
    إن الدين في حدود مجرد العقل هو كتاب وَرَدَ في ظرفٍ تاريخي دقيق (١٧٩٣م) اقترن بظاهرة الرقابة التي فرضتها السلطة الألمانية على كل ما يُكتَب في الدين مما جعل البعض (Cohen) يذهب إلى اعتبار هذا الكتاب مجرد احتجاجٍ كانطي على إجراءات الرقابة، ومن ثمة هو كتاب ظرفي وهو ينتمي حسب البعض إلى صنف الكتابات الجمهورية (Ecrits populaires)، وبالتالي من الصعوبة أن نحسم، انطلاقًا من هذا الكتاب، في علاقة كانط بالتأويلية.
  • (٢)
    إن كانط قد بقي غير مُهتم بالتأويلية التي أسَّسها جورج فريدريتش ميار (George Friedrich Meier)، أشهر مَن اضطلع بالتأويلية في عصره، وذلك على الرغم من كونه كان يعتمِد مؤلَّف ميار نفسه في المنطق متنًا لدروسِه.٣٧
  • (٣)
    إن هذا الكتاب الكانطي قد لاقى معارضةً شديدة من طرف المشتغلين على تأويل الأناجيل وأصحاب «تأوُّلية الكتاب المقدس» (L’herméneutique biblique) مثل أيشهورن ( Eichhorn) وروزنمولر ( Rosenmüller) وباور ( Baurer).٣٨ فكيف يكون كانط إذن صاحب تأويلية في الدين وكتابه قد جمع ضده أهم مَن اشتغل بالتأويلية الدينية في عصره؟

(٣) النقد أم التأويلية؟

نحن لا ندعي في هذا القسم الأخير من هذا البحث إمكانية الحسم في هذه الإمِّية التي أحرجت عقولًا من صنف ريكور وغادامير وهابرماس، فهي إمِّية صارت إلى رهان فلسفي يُناظر ما بين كل المُشتغلين بمبحث المعنى (فلسفة اللغة أو فلسفة التأويل) وأولئك الذين اضطلعوا بالنقد مثلما أراده كانط نفسه، بوصفه نقدًا لوهم المعني الذي يَنزِع إليه العقل خارج حدود عالم الظواهر، أو مثلما مارسه روَّاد مدرسة فرنكفورت بوصفه نقدًا للأيديولوجيات وفضحًا لكل ادِّعاء يَفترض وجوده معنًى أخيرًا للتجربة الإنسانية. إنما نحن نسعى فقط هنا إلى الوقوف على إحصاء لنتائج هذا النقاش الفلسفي الراهن المتعلق بعلاقة كانط بالتأويلية.

لقد انتهى بنا البحث على ضرب من «النقيضة الفلسفية»، هي هذا التناقض بين أطروحتين تدَّعي كل منهما أنها على نصيبٍ من الصلاحية والمعقولية. أيهما على حقٍّ إذن؟ إن كانط يُعلمنا هنا أن ليس بإمكاننا الحكم بالصواب أو بالخطأ، أي عبر مقياس الحقيقة على نتاجات العقل، فالأثر الفلسفي الذي هو مدار النقيضة ها هنا شأنه شأن الأثر الفني والفعل الأخلاقي إنما يتنزل في مقام ما بعد الحقيقة، أي مقام الجدل المتعالي أو «نزاع العقل مع نفسه»، وهو ما يُسميه كانط نفسه مجال «التفكير» بدلًا من مجال «المعرفة».

ونحن لا ندَّعي أيضًا أننا بصدد «فَهِم الكاتب أفضل مما فهم نفسه»، مثلما فعل كانط ذات صفحةٍ من نقد العقل المحض قبالة أفلاطون،٣٩ إضافة إلى أنه يخرج عن نطاقنا في هذا السياق ادِّعاء الحسم في مسألة علاقة كانط بالتأويلية مثلما كان كانط قد حسم نقائض العقل المحض وفق قرارٍ نقدي وإرادة حقيقة متعالية وضعت حدَّا لنزاع العقل مع نفسه، في اتجاه فتحه على مجال الفعل الإنساني، المجال الوحيد لاستعمال موجب للعقل المحض خارج علم التجربة المُمكنة.

سوف نكتفي إذن في نهاية هذا البحث ببسط الملاحظة التالية التي نعتبرها فرضيةً أو أفقًا لمعالجةٍ مستقبلية أوسع لمثل هذه المسألة.

الفرضية التي نسوقها هي التالية: إننا قد نشهد لدى كانط وعيًا تأويليًّا يتخلَّل بعض نصوصه الأساسية، لكن قد لا يكون في وسعنا أن نحكم بحضور «تأويلية فلسفية» مُستقرة المعالم داخل الفلسفة النقدية.٤٠ وإنَّ القارئ للمؤلَّف الكانطي يلتقي ببعض الأدلة على هذا الوعي التأويلي لديه. ونحن نسوق على ذلك الشواهد الأساسية التالية:
  • (١)
    في تصدير الطبعة الثانية من نقد العقل المحض نشهد وقوف كانط على مسألة الدلالة، وذلك حينما يعتبر أن النقد نفسه إنما يُعلمنا كيف نتناول الموضوع من جهة الدلالة المُضاعفة؛ إذ هو من جهةٍ ظاهرة، ومن جهة ثانية شيء في ذاته،٤١ وعليه يُمكننا اعتبار هذا النص الكانطي شاهدًا على ضربٍ من الوعي التأويلي لدى كانط وذلك في معنيين اثنين: في مرة أولى لأنه وقف على مسألة دلالة الأشياء وهو في ذلك على قرابةٍ بموضوع انشغال فلاسفة التأويل، ومرة ثانية لأنه اعتبر الموجود قابلًا للتأويل لأنه يحتمل أكثر من معنى.٤٢
  • (٢)
    قد تسمح لنا الجدلية المُتعالية من نقد العقل المحض وذلك على عكس التحليلية المُتعالية التي لا يفعل فيها كانط غير بناء شروط إمكان معرفة الطبيعة ضمن إشكالية الحكم المُعين بأن نعثر لدى كانط على ضربٍ من الوعي التأويلي حيث نُلاحظ اضطلاعه صناعيًّا صريحًا بإحدى القواعد التقليدية للتأويلية: «أن نفهم مؤلَّفًا أفضل مما فهم نفسه.»٤٣ فهو حين عزم على تحديد دلالة مصطلح «الفكرة» (Idée) اصطدم بواقعة اللغة وصعوبة أدائها للمعنى المقصود. وهنا يجد كانط نفسه أمام الإحراج التالي: إما الاضطلاع بالمفاهيم الفلسفية مثلما استقرَّت داخل المصطلح الفلسفي التقليدي، وإما بناء مُصطلحه الخاص، أي استحداث مفردات جديدة في اللغة، وهنا قرَّر كانط أن يشتغل على مصطلح «الفكرة» مثلما وضعه أفلاطون، لكنه أعلن قُدرته على فهم أفلاطون «أفضل مما فهم نفسه». ها هنا يبدو لنا كانط فيلسوفًا تأويليًّا يعترف بمشكل اللغة وبواقعة اختلاف اللغات وثرائها ويُقرر أن يحافظ على التراث بل وأن يؤوِّله، وإذا به يُقدِّم تأويلًا للمعنى الذي أعطاه أفلاطون نفسه لمفهوم الفكرة تأويلًا يُحوِّل الفكرة من الدلالة التأمُّلية لها إلى الدلالة العملية وهو مقصد فلسفة كانط نفسه.٤٤
  • (٣)
    نحن نشهد مرةً أخرى في نقد ملكة الحكم وذلك على عكس نقد العقل العملي الذي يُقدم فيه كانط قراءة نقدية للفعل الإنساني خالصة من كل علاقةٍ بالأميري والمحسوس على وعيٍ تأويلي لدى كانط يجد عبارته في مفهوم «التفكر» الذي يفتح الفلسفة على «آخَر» غير فلسفي أو «خارج» لا ينتمي إلى منطق الحقيقة ولا إلى اهتمام المعرفة، بل هو مجال المعنى الذي يجد نموذجه في الجميل والجليل وعالم الغائية بعامة. وهنا نكتفي بالإشارة إلى ما كتبه ريدولف ماكريل (Rudolf Makkreel)٤٥ حول أهمية نقد ملكه الحكم في استباق بعض قواعد التأويلية الفلسفية التي اضطلع بها دلتاي شلايرماخر إلى حدود ريكور نفسه.
  • (٤)
    وأخيرًا يمكن استحضار شاهد آخر نعثر عليه ضمن مقال نشره كانط سنة ١٧٩١م بعنوان «في الشكوك على كل المحاولات الفلسفية في موضوع الثيوديسا».٤٦ وهو مقال يُمهِّد فيه كانط لكتابه الدين في حدود مجرد العقل وينتقد كل المحاولات التي قام بها الفلاسفة (ليبنتز وولف) في مجال الثيوديسا من أجل تبرير حكمة الله وقدرته تبريرًا نظريًّا. ونحن نقف في هذا المقال على اشتغالٍ صناعي كانطي على مفهوم التأويل، بل على بوادر موقف كانط ونظريته الخاصة في التأويل حيث ميَّز بين نوعَين من التأويل: «تأويل مذهبي» (Interprétation doctrinale) اشتغل عليه بلغة كانط الدوغمائيون (ليبنتز وولف) و«تأويل أصيل» (Interprétation authentique) هو مقصد كانط نفسه، حيث لا يتعلق الأمر بتأويل عقلي نظري بل بتأويل عقل عملي وهو معنى «الثيوديسا الأصيلة» (La théodicée authentique) التي نجد صياغتها في نقد العقل العملي وفي فلسفة الأخلاق بعامة.٤٧

خاتمة

ننتهي إذن من هذا البحث إلى ما يلي: ضرورة التمييز بين أن يكون لدى كانط وعي تأويلي لكن من دون أن يتحول التأويل إلى صناعة لها مقامها الخاص في فلسفة النقد الكانطية، وبين أن يكون كانط صاحب «تأويلية فلسفية» متكاملة المعالم، فبين التأويل (Interprétation) و«الهرمينوطيقا»٤٨ (Herméneutique)، من حيث هي صناعة مستقرة لدى أهلها، هناك فاصِل لا يُستهان به.
بدا لنا أن النقد يتعارض تعارضًا جوهريًّا مع كل نيةٍ هرمينوطيقية؛ ذلك أن النقد هو رسم الحدود، أي هو يفترض أن للعقل حدودًا لا يتخطَّاها إلا وهمًا، وإن كان طبيعيًّا ولا مرد له، في حين أن الهرمينوطيقا لا تعترف لنفسها بحدود. وإن النقد فضْح للمأثور والمعروف والتراث والتقليد، في حين أن الهرمينوطيقا إنما هي اشتغال على التراث بما هو كذلك. ولأن النقد لا يُدخل في اعتباره الوقائع في تاريخيتها والآثار في دلالاتها، في حين أن ذلك هو منهج كل هرمينوطيقا. وقد نشهد في حملة كانط، ضمن أهمِّ كُتبه ما قبل النقدية أحلام صاحب رؤيا مبينة بأحلام الميتافيزيقا (١٧٦٦م)،٤٩ على كتابات الروحاني شفيدنبورغ (Schwedenberg) آية على عزوفه الحاد عن أي اشتغال على القَصص الغنوصي في عصره. كذلك نشهد في معاداته للدين الكنسي في نص الدين في حدود مجرد العقل (١٧٩٣م) دلالة هامة على تعارض النقد الكانطي مع وقائع النص السردي بمختلف أشكاله من أسطورة أو دينٍ أو شِعر، الذي يمثل مجال اهتمام أصحاب التأويل أو أصحاب مجال التخييل بعامة.٥٠ إن أصحاب «التأويلية الدينية» هم عند كانط إما دوغمائيون أو حالِمون، أما «التأويل الأصيل» فإن عليه أن يمرَّ عبر «محكمة النقد».
١  Jean Greish, L’age herméneutique de la raison, Paris, Éditions du Cerf, 1985, p. 7–11.
٢  E, Kant, Critique de la raison pure, in : Œuvres philosophiques I, Paris, Gallimard, 1980, p. 727, note (AK, IV, 9).
٣  ما يُسميه كانط باسم «أوهام العقل الطبيعية» ليست سوى التراث الميتافيزيقي نفسه الذي أقامت ضده فلسفة كانط محاكمة نقدية صارمة. انظر:
E. Kant, Critique de la raison pure, op. cit., pp. 1015 (AK, III, 236-237).
٤  E, Kant, Critique de la raison pure, op. cit., p. 725 (AK, IV, 7).
٥  Ibid., p. 1339 (AK, III, 502).
٦  H. G. Gadamer, L’art de comprendre. Écrits II: Herméneutique et champs de l’expérience humaine, Paris, Aubier, 1991, pp. 69–80.
٧  J. Habermas, Logique des sciences sociales et autres essais. traduction française, Paris, P.U.F., 1987, ch. 3 du A, “La compréhension du sens”. Philippe Fleury, “Lumières et tradition. Jürgen Habermas face à Hans-Georg Gadamer,” in: Comprendre et interpréter. Le paradigme herméneutique de la raison, Présentation de Jean Greisch, Paris, Beauchesne, 1993.
٨  P. Ricoeur, Du texte à l’action, Essai d’herméneutique II, Paris, Seuil, 1986.
٩  P. Ricoeur, “Une herméneutique philosophique de la religion: Kant (1992),” in Lectures 3. Aux frontières de la philosophie, Paris, Seuil, 1994, pp. 19–40.
١٠  Denis Thouard, “Kant et l’herméneutique,” in Archives de philosophie, 61, 1998, pp. 629–658.
١١  Gadamer, op. cit., p. 80.
١٢  Denis Thouard, op. cit.
١٣  Anne-Marie Roviello, “L’horizon kantien,” in Esprit, 1988, 7-8, pp. 152–162.
١٤  P. Ricœur, “Une herméneutique philosophique de la religion: Kant (1992),” in Lectures 3. Aux frontières de la philosophie op. cit., pp 19–40.
١٥  P. Ricœur, “Une herméneutique philosophique de la religion: Kant (1992),” op. cit., p. 19.
١٦  P. Ricœur, “Une herméneutique philosophique de la religion: Kant (1992),” op. cit., p. 19.
١٧  P. Ricœur, “Une herméneutique philosophique de la religion: Kant (1992),” op. cit., p. 19.
١٨  P. Ricœur, “Une herméneutique philosophique de la religion: Kant (1992),” op. cit., p. 20.
١٩  وهو تأويل نستغربه: لأن عبارة «في حدود مجرد العقل»، كما يفسر ذلك كانط ضمن رسالة إلى فيشته بتاريخ ٢٢ فبراير ١٧٩٢، تعني على وجه الخصوص ضرورة فهم الدين من دون الاستناد إلى «القصص التاريخي للمعجزات»، وليس استثمارها استثمارًا تأويليًّا. انظر:
E. Kant, Kant, “Lettre du 22 février 1792 à Johann Gottlieb Fichte,” traduction de Jacques Rivelaygue, in Œuvres philosophiques III, Paris, Gallimard, 1986, pp. 245–247 (AK, XI, 2, 309).
٢٠  يتعلق الأمر في الحقيقة بتأويلٍ يعرضه علينا ريكور لخطَّة الكتاب نفسها؛ حيث يتوزع الكتاب في أصله على أربعة أقسام: الأول خاص بمسألة الشر الجذري وعلاقتها بالطبيعية الإنسانية، أما الثاني فيتعلق بأصلية المبدأ الحسن لدى الإنسان وانتصاره على المبدأ السيئ المتجذِّر فيه، والقسم الثالث يخصُّ إمكانية الحديث عن مملكة الإله على الأرض (الكنيسة)، أما الرابع والأخير فيدرس الدين الكنسي وموقف كانط من الكهنوت.
٢١  ينبغي أن نلاحظ هنا حيلة ريكور في احتواء النص الكانطي احتواءً تأويليًّا حيث يفضل إحالتنا في خصوص السؤال الكانطي المعروف «ماذا يُمكنني أن أرجو؟» إلى مولد هذا السؤال ومقامه الأول أي نقد العقل المحض بل إلى كتاب Opus Postumum. دون ذكر الموضع. انظر:
Ricoeur, op. cit., p. 20.
٢٢  E. Kant, Critique de la raison pure, op. cit., p. 1365 (AK, III, 522-523).
وإذا كان السؤال الأول عند كانط نظريًّا والثاني عمليًّا فإن الثالث يفتح أفق «الرجاء» الإنساني. لكن هل يقصد كانط بذلك أفق الرجاء الذي يوفره لنا الدين بخاصة؟
٢٣  P. Ricoeur, op. cit., p. 20.
٢٤  P. Ricoeur, op. cit., p. 29.
٢٥  Ibid., p. 31.
٢٦  Ibid., p. 32.
٢٧  Ibid., p. 35.
٢٨  P. Ricoeur, op. cit., p. 36.
٢٩  E. Kant, Les fondements de la métaphysique des mœurs. traduction de Victor Delbos, revue et modifiée par Ferdinand Alquié, in Œuvres philosophiques, II, p. 295 (AK, IV, 430).
٣٠  P. Ricoeur, op. cit., p. 36.
٣١  Denis Thouard, op. cit.
٣٢  P. Ricoeur, Du texte à l’action, op. cit.
٣٣  Ibid., p. 35.
٣٤  Denis Thouard, op. cit., p. 629.
٣٥  Denis Thouard, op. cit., p. 242.
٣٦  E. Kant, La religion dans les limites de la simple raison, op. cit., p. 59, note (AK, VI, 43).
٣٧  Denis Thouard, op. cit., p. 641.
٣٨  Ibid., p. 632.
٣٩  E. Kant, Critique de la raison pure, op. cit., p. 1027 (AK, III, 246).
٤٠  ينبغي أن نُشير هنا بأننا قد استوحينا هذه الفرضية من مقال دنيس توارد المذكور الذي يرد إمكانية وجود «وعي تأويلي» لدى كانط إلى ما عثر عليه في مستوى الجدلية المُتعالية من طرحٍ لمشكلة الفهم «فهم المؤلف أفضل مما فهم نفسه.» إلا أننا نفترض إمكانية سحب هذه الفرضية على مواضع أخرى عديدة أساسية من المتن الكانطي بدلا من اختزالها في مستوى نصِّ الجدلية المُتعالية من نقد العقل المحض.
Denis Thouard, op. cit., p. 634.
٤١  E. KANT, Critique de la raison pure, op. cit., p. 746 (AK, III, 17).
٤٢  نجد أن هيدجر قد اهتمَّ بهذا الطابع المزدوج للموجود بوصفه ظاهرة وشيئًا في ذاته في نفس الوقت. انظر:
M. Heidegger, Kant et le problème de la métaphysique, Introduction et traduction de l’allemand par Alphonse de Waelhens et Walter Biemel, Paris, Gallimard, 1953, pp. 92–95.
٤٣  E. Kant, Critique de la raison pure, op. cit., p. 1027 (AK, III, 246). “Comprendre un auteur mieux qu’il ne s’est compris lui-même”.
وهو مبدأ يبدو، كما يُبين مؤرخو الفلسفة الألمانية، أن كانط استلهمه من الفقرة ٩٢٩ من كتاب المنطق اللاتيني (Logica Latina) لوولف (Wolff)، حين نبه هذا الأخير إلى إمكانية أن يفهم المؤوِّل نصًّا غامضًا أفضل من كاتبه. انظر:
Denis Thouard, op. cit., p.634, note 8.
٤٤  E. Kant, Critique de la raison pure, op. cit., p. 1025 (AK, III, 245, 247).
٤٥  ذكره دنيس توارد ونقد أطروحته. انظر:
D. Thouard, op. cit., pp. 637–640.
٤٦  E. Kant, Sur l’insuccès de toutes les tentatives philosophiques en matière de théodicée (1791). inŒuvres philosophiques II, Paris, Gallimard, 1985, pp. 1391–1413 (AK, III, 255–271).
٤٧  Ibid., p. 1405 (AK, VIII, 246).
٤٨  وهو أمر سيُصبح صريحًا انطلاقًا من شلايرماخر. انظر:
F. Schleiermacher, Herméneutique, traduction et introduction de Marianna Simon, Genève, Éditions Labor et Fides, 1987, ch. 5.
٤٩  E. Kant, Reves d’un visionnaire Expliques par des reves metaphysiques, in Œuvres philosophiques I, op. cit., pp. 574é592 (AK, II, 357–373).
٥٠  يذهب بول ريكو إلى أن ذلك راجع إلى أن كانط لا يمتلك بويطيقا-ميثية (Mytho-poétique) عن المخيلة. انظر:
P. Ricoeur, “Une herméneutique philosophique la religion; Kant,” in Lecture 3, op. cit., p. 35.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤