تحليلية الجميل أو في ذاتية الكوني عناصر الحداثة الجمالية لدى كانط
تقديم
إن المُتأمِّل في هذَين الضربين من جغرافية الفلسفة يتبادر لذهنه للتوِّ السؤال التالي: ما الذي دفع بالمُحدثين إلى جعل الفلسفة تتسع إلى أكثر من ميتافيزيقا للطبيعة وميتافيزيقا للأخلاق، أي إلى اكتشاف الإستطيقا التي لم يشأ القدامى أن يرتفعوا بها إلى مرتبة العلوم الشريفة الجديرة باهتمام الفيلسوف؟ لِمَ احتاج الفيلسوف الحديث إلى اكتشاف مهارة تفلسفٍ إضافية، ألِنَقصٍ في أدوات الفلسفة التقليدية أم لِحدثٍ طارئ غيَّر طريقة تَمثُّل الإنسان لمكانته في العالم مما دفع بالفيلسوف الحديث إلى إعادة ترتيب البيت الفلسفي بعامة؟
ونحن في هذا البحث سوف ندرس أولًا مولد «الإستطيقا» لفظًا ثم مفهومًا؛ وثانيًا دراسة طبيعة العلاقة بين الإستطيقا والذاتية؛ وثالثًا وأخيرًا فتح الإستطيقا على مسألة التواصلية بعامة، انطلاقا من التسليم بأن الفن هو أعلى درجات التواصُل الكوني بين البشر.
(١) ما هي الإستطيقا؟
(١-١) مولد المفهوم لدى بومغارتن
(أ) اللفظ
(ب) المفهوم
(٢) الإستطيقا والذاتية
(٢-١) مفهوم الذاتية
(٢-٢) الذاتية بوصفها شرط إمكان الإستطيقا
إن الإحالة على إستطيقا بومغارتن بوصفها أول كتابٍ تظهر فيه الدلالة الحديثة لمُصطلحي الإستطيقا والذاتية في نفس الوقت، يُساعدنا مساعدة كبيرة على تبيُّن نوع التحضير الفلسفي الذي حقَّقه بومغارتن، سواء من حيث المصطلحات أو من حيث المسائل، لما سوف يضطلع به كانط من تأسيسٍ مُتعالٍ للإستطيقا بوصفها إستطيقا الذاتية. فإن ما نعثر عليه لدى بومغارتن في شكل عرض منطقي لقواعد إنتاج الجمال، نجده لدى كانط في صيغة تحليلية للجميل تريد أن تكون متعالية أي قادرة على تأسيس شروط إمكان الحكم الجمالي بشكل قبلي.
ومن حيث أن بِنية الذات هنا هي مبسوطة من قِبل كانط من خلال مفهوم «الذوق» فإن تحليلية الجميل هي بمثابة بسط مُتدرِّج للحكم الذوقي مفحوصًا عنه طبقًا للوظائف المنطقية للحكم، وهي أربع: الكيف والكم والعلاقة والجهة.
(٣) الإستطيقا مقام للتواصل: الفن ومسألة الكونية
إن القراءات المعاصرة لكتاب نقد ملكة الحكم، وبخاصة تلك التي أخذت تَعتبر التواصل بين الذوات مُشكلًا جوهريًّا للعقل الفلسفي، قد وجدت فيه طرافة قوية، وذلك بخاصة من جهة مفهوم «الحس المشترك» الذي بسطه كانط في الفقرة ٤٠ من هذا الكتاب. ومن أجل أن إحدى مقومات إشكالية التنوير التي التحم بها كانط هو رهان الكونية، فإن هذه القراءات قد انتهت إلى ما يُشبه المقام المُتحكم في وجه الاستفادة من الحلقة الثالثة والأخيرة من المتن النقدي، ألا وهو الدفع بالبحث نحو مساءلة جديدة لطبيعة العلاقة بين مبدأ الذاتية ورهان الكونية الذي يشد كل طرحٍ جدي لمسألة التواصل.
(٣-١) الذوق بوصفه حسًّا مشتركًا
إن معنى الذوق هنا هو أنه حسٌّ مشترك ينطلِق من الذات التي تتفكَّر في الشعور الذي من شأنها، لكنها لا تفعل ذلك إلا من أجل أنها تفترِض قبليًّا أن ذلك الحكم موافق لنمط التمثيل الذي من شأن الناس جميعًا. وهكذا فإن حكم الذوق هو في آنٍ واحد حكم الذات بقدْر ما هو حكم العقل الإنساني في جُملته من حيث ما هو نحوٌ من الحس المشترك بين الجميع.
(٣-٢) الحكم الذوقي بين الذاتية والكونية
خاتمة: حدود الإستطيقا الكانطية
إن كانط لئن أفلح في رسم معالم التأسيس الحديث لفلسفة الفن على الذاتية، ومن ثمة ضبط وجه دخول الفن في أُفق الإستطيقا، فإن مشروعه قد ظلَّ يُعاني من بعض الصعوبات الجوهرية؛ فهو ظل يُفكر في الجمال على منوال الجمال الطبيعي، وليس على منوال الجمال الفني بحدِّ ذاته (هيجل)؛ كذلك بقِي ينظر إلى الفن في صلةٍ وطيدة بالأخلاق (نيتشه)؛ وهو آخر الأمر قد أهمل البُعد التاريخي والاجتماعي للفن (أدورنو).