فن التصوير عند العرب
لِمَ لَمْ يصور العرب؟ أتحرَّجًا دينيًا كان إحجامهم عنه، وقد رأيناه على ثيابهم وأثاثهم وجدرانهم وفي دورهم وأفنيتهم؟ أم عجزًا خصُّوا به فيه دون صنوانه من الصناعات، كالنحت والحفر، والنجر والنقش وغيرها، وقد بلغوا فيها الشأو المعجز؟ وبعد فبين أيدينا من أسمائهم المنقوشة على أثارهم، وما سجلته الأخبار عن مصوريهم؛ وروي لنا عن طبقاتهم ككتاب «ضوء النبراس وأنس الجلاس في أخبار المزوقين من الناس» المذكور في خطط المقريزي ما يدحض هذا الزعم الباطل والرأي القائل.
وفي باب التصاوير من صحيح البخاري أيضًا عن أبي زرعة أنه قال: «دخلت مع أبي هريرة دارًا بالمدينة فرأى أعلاها مصورًا يصور إلى آخر ما جاء في الحديث، والدار دار مروان بن الحكم وقيل سعيد بن العاص ولم يقف العلامة ابن حجر على اسم هذا المصور.
وما نظمه الشعراء في أشعارهم من وصف المصورين كقول بعضهم في رسام وقد أورده الصفدي في «جلوة المذاكرة وخلوة المحاضرة»:
وقول برهان الدين الباعوني:
وقول الصفديّ في رسّام أيضًا:
وقال فيه:
وقال في نقاش:
وقال فيه:
وقال فِي دهّان:
ولبعضهم في دهّان أيضًا:
وأنشد السبكي في طبقاته لمنصور ابن محمد الأزدي قاضي هراة:
إلى غير ذلك مما لم تستحضره الذاكرة.
وذكر الخطيب في مقدمة تاريخ مدينة السلام شارعًا ببغداد كان يسمى بشارع المصوّر، غير أنه لم يفصح عن اسمه، ولا ريب في أنه كان مشهورًا بالبراعة في فنه حتى نسب إليه هذا الشارع. ويشبه قصة الجاحظ مع المرأة والصائغ ما رواه الداغستاني في «تحفة الدهر ونفحة الزهر من أهل العصر»، وقد ذكر القصة استطرادًا في ترجمة السيد يحيى بن حسين هاشم فقال: يحكى عن ابن قزمان: أنه تبع إحدى الماجنات، وكان أحول فأشارت إليه أن يتبعها فتبعها حتى أتت به سوق الصاغة بإشبيلية، فوقفت على صائغ وقالت له: يا معلم مثل هذا يكون فص الخاتم الذي قلت لك عنه، تشير إلى عين ذلك الأحول الذي تبعها، وكانت كلّفت ذلك الصائغ أن يعمل لها خاتمًا يكون فصه عين إبليس، فقال لها الصائغ: جيئيني بالمثال فإني لم أر هذا ولا سمعت به قط وحكاها بعضهم على وجه آخر أنها ذهبت إلى الصائغ فقالت: صور لي صورة الشيطان، فقال لها: ايتيني بمثال، فلما تبعها ابن قزمان جاءته به وقالت له مثل هذا، فسأل ابن قزمان الصائغ فأعلمه فخجل ولعنها.
وليس بين أيدينا عن هذا النوع من التصوير في الصحف أو الألواح — نصوص تبلغ في الكثرة مبلغ ما تقدم في الكلام على المصورين ذكر ثلاث صور إحداها «للكتامي» صور بها يوسف عليه يوسف السلام في الجب وهو عريان أبدع فيها والثانية «لابن عزيز» صور بها راقصة بثياب حمراء في صورة حنية صفراء من رآها ظن أنها بارزة من الحنية والثالثة «للقصير» صور بها راقصة بثياب بيضاء في صورة حنية سوداء كأنها داخلة في الحنية، ولا يخفى ما يستدعيه ذلك من البراعة في التصوير. وسيأتي أيضًا في هذا الفصل ذكر بعض ألواح من القاشاني مصورة ولكنها على ما نرى تعد من نوع التصوير على الجدران لأن الغالب في القاشاني أن يلصق بها.
وذكر المسعودي وغيره صورة «لماني» القائل بالنور والظلمة — كانت متخذة للمأمون يمتحن بها القائلين بقوله فإذا بلغه خبر بعضهم — أحضره وأحضر له الصورة وأمره أن يتفل عليها ويتبرأ من صاحبها فإن فعل نجا وإلا علم أنه من شيعته فعاقبه. وحديث الطفيلي مع الزنادقة الذين اتهموا بهذه النحلة وحملوا إلى المأمون معروف فلا حاجة لذكره.