خميرة الخباز
عرفني البشر منذ قديم الزمان، وأضافوني إلى الطحين والماء، وشاركوني معهم في إنتاج رغيف خبزهم اليومي. سريعة الانتشار في الماء والبقاء فيه فترةً معقولة، ولي القدرة على التخمير؛ فبدوني لا يختمر العجين، ولا ينتفخ الخبز، ولا يكون هناك أرغفة شهية كتلك التي تخبزونها اليوم.
أنا كائن حي نباتي مجهري صغير الحجم، وحيد الخلية، ولكني لا أمتلك مادة اليخضور أو الكلوروفيل. ومن الفطريات أيضًا ولكني لا أمتلك غزلًا فطريًّا أو ميسليوم.
من سلالة مرموقة مشهورة بنشاطها وسرعة نموها وتكاثرها العالية.
أتكاثر لا جنسيًّا بالتبرعم والانقسام البسيط، حيث تكون الأفراد الناتجة عن هذا التكاثر مماثلةً لي في جميع صفاتها. في البداية يظهر بروز في جداري الخلوي وبعد ذلك تنقسم نواتي انقسامًا متساويًّا مكوِّنةً نواتين؛ واحدة تتجه نحو البروز الظاهر والأخرى تبقى في داخلي أنا الخلية الأم، ثم بعد ذلك ينفصل البروز الناتج بعد التخصُّر في جداري الخلوي وينمو معطيًا ابنتي الجميلة، خليةً جديدة تُتابع نموها لتقوم بوظائفها النافعة لكم في مجالات عديدة.
أمتاز بقدرتي الكبيرة على تخمير السكريات الموجودة في العجين، حيث أتغذَّى عليها فأحوِّلها إلى غاز ثاني أكسيد الكربون وكحول الإيثانول، الأساسيَّين في انتفاخ العجين وإنتاج الرغيف الجيد.
فما إن يتم إضافتي إلى الطحين والماء، حتى يدب في جسمي النشاط والحيوية، وأُفرز أنزيماتي الثلاثة المعروفة «الزيماز والإنفرتاز، والمالتاز» التي تباشر عملها في تحويل السكريات الثنائية الناتجة من تحلُّل نشاء الطحين إلى سكريات أحادية، ثم إلى كحول الإيثانول، وغاز ثاني أكسيد الكربون الذي يسبِّب انتفاخ العجين ويتطاير أثناء عملية الخبز، ليترك محله الفراغات التي ترَونها في أرغفة الخبز.
أُستخدم في المخابز لتحضير العجين، ويمكن استخدامي في مصانع البيرة والكحوليات لتخمير السكر وإنتاج الكحول، إلا أنه يوجد سلالة أخرى من نوعي تُدعى خميرة البيرة تقوم بهذه المهمة.
يتطاير الكحول المتشكِّل من تخميري لسكريات النشاء في الطحين نتيجة حرارة الفرن، فيساهم أيضًا في انتفاخ العجين، إضافةً إلى إكساب الخبز تلك النكهة المميزة له .. وبذلك تتضح لكم أهميتي في انتفاخ العجين وأرغفة الخبز وإكسابها تلك النكهة الشهية.
ونظرًا لحاجة الإنسان إلى خواصي هذه فقد اتجه إلى إنتاجي صناعيًّا بكميات كبيرة عن طريق الاهتمام بتربيتي وإكثاري على وسط معقَّم ومغذًّى من مادة سكرية، هي عادة مولاس الشوندر السكري، أو مولاس قصب السكر مضافًا إليه مواد كيميائية مغذية مثل كبريتات الأمونيوم، أو فوسفات أحادية الصوديوم، وحامض الفسفور والبيوتين مع توفير تهوية كافية لهذا الوسط من أجل توجيه نشاطي الحيوي باتجاه التكاثر، أمَّا في حال عدم وجود الهواء فسيتجه نشاطي نحو تخمير السكريات وإنتاج الكحول الإيثيلي عوضًا عن ذلك.
درجة الحرارة المناسبة لنموي ونشاطي هي الدرجة ٣٠ مئوية، ودرجة حموضة الوسط المُثلى تتراوح بين ٤٫٢ إلى ٥.
وقد عرف الإنسان كيف يحافظ على بقائي صالحةً لاستخداماته المختلفة؛ فأنتج مني أنواعًا تتناسب وتلك الاستخدامات، تختلف فيما بينها في محتواها من الرطوبة ومدة التخزين التي أبقى صالحةً خلالها، والفترة الزمنية اللازمة لنشاطي.
فقد أكون على شكل معجونة أُدعى بالخميرة الطازجة أو المضغوطة، ناعمة الملمس متينة القوام، ذات لون بني مصفر أو بيج، شديدة التلف، لا أتحمَّل التخزين لفترات طويلة.
وقد أكون جافةً نشطة، فعَّالة أحتوي على القليل من الخلايا الحية النائمة المحاطة والمغلَّفة بحطام الكثير من الخلايا الميتة التي تكوَّنت على سطح الحُبيبات أثناء عملية تجفيفي. ولتحرير الخلايا الحية النائمة يتم إذابة حبيباتي في سائل دافئ مع قليل من السكر لتفعيلي وتنشيطي بين درجة حرارة ٣٥ و٣٨ درجةً مئوية؛ حيث أستغرق بعض الوقت لأتمكَّن من تخمير العجين، ولكن ذلك لا يقلِّل من أهميتي؛ حيث أمتاز بقابليتي الكبيرة للتخزين ومحافظتي على صفاتي فترةً طويلة، والبقاء مدة سنتين في درجة حرارة الغرفة دون أن أتلف، وقد تمتد صلاحيتي لأكثر من عشر سنوات في حال حفظي بالتجميد.
وقد أكون من نوع الجافة السريعة، أُدعى بالخميرة الفورية، على شكل حبيبات جافة ناعمة، صغيرة الحجم، أمتاز عن باقي الأنواع؛ فأنا أكثرها قابليةً للذوبان بالماء، يمكن إضافتي إلى الطحين مباشرةً دون إذابة مسبقة لحبيباتي بالسائل ودون الحاجة لتنشيطها بإضافة السكر، وبكميات أقل من كمية الخميرة الطازجة، وأمتاز أيضًا بسرعة نشاطي في نفخ العجين بسبب ارتفاع نسبة الخلايا الحية وقلة عدد الخلايا الميتة؛ حيث يتم إنتاجي تحت درجة حرارة منخفضة دون تعريض للحرارة. ونظرًا لانتشار استخدامي فقد تم تعليبي في عبوات لكافة الاستخدامات المنزلية والصناعية والتجارية بأوزان مختلفة تناسب كميات العجين المطلوبة تتراوح بين: ٥ غرامات – ١٢٥ غرامًا – ٥٠٠ غرام – ٥٠٠٠ غرام – ٢٥٠٠٠ غرام.
مع ملاحظة ضرورة استخدامي خلال يومين من فتح العلبة، ويمكن إغلاق العلبة وحفظها في الثلاجة للاستخدام خلال أسبوع مع مراعاة عدم تماسِّي المباشر مع الثلج أو الماء المثلَّج.
وقد أكون خميرةً شبه جافة، أُدعى «أف – س – دي – واي»، أُستخدم في العجين المجمَّد، أحتفظ بكافة خصائصي لمدة عامين كاملين عند تخزيني بدرجة حرارة ١٨ مئوية.
أمتاز باندماجي التام بالطحين دون أي ذوبان مطلوب، وقوة تخمير مستمرة على مدى فترات طويلة من الزمن في العجين المجمَّد. كما أمتاز بمقاومتي للصدمة الحرارية للتجمُّد العميق.
وقد أكون خميرةً ميتة أُدعى بالخميرة المعطَّلة، لا يوجد لي قيمة تخمير، أُستخدم عادةً في تحضير البيتزا وبعض أنواع الخبز.
ومهما تعدَّدت أشكالي فأنا أقوم بأدوار أساسية هامة في صناعة وإنتاج الخبز — المادة الغذائية الأساسية في طعامكم — فأُحدث تغيُّرات في بناء وقوام العجين نتيجة التمدُّد الذي يحدث بسبب فقاعات ثاني أكسيد الكربون، وأُكسب الخبز نكهةً طيبة ومميزة بسبب الكحول المتكوِّن، وأُساهم في زيادة قيمته الغذائية.
ولي مزايا غذائية مدهشة؛ حيث أحتوي على عناصر هامة لأجسامكم كالفيتامينات والأحماض الأمينية الأساسيَّة، والمعادن. أحتوي على ثمانية عشر فيتامينًا يدخل في نطاقها مجموعة فيتامينات ب، كما أحتوي على ستة عشر حمضًا أمينيًّا وأربعة عشر معدِنًا جوهريًّا لحياتكم.
أستمد طاقتي من تحليل السكر في محيطي بواسطة الإنزيمات التي أُفرزها للخارج فتخمِّره وتهضمه، ثم أمتص جزيئات الغذاء المهضوم وأضمه إلى خلايا جسمي.
أنا مصدر مهم للبروتين، وتناولي مع الماء يُعيد الحيوية والنشاط إلى أجسامكم المنهكة خلال دقائق، فتهدِّئ أعصابكم، وتعدِّل مزاجكم، وتحسِّن نومكم، وأُساعد في وقايتكم من فقر الدم بسبب احتوائي على عنصر الحديد.
ولكن هناك أشخاص يعانون من عدم تحمُّلهم لي؛ حيث تُنتج أجسامهم رد فعل الْتهابي على بروتيناتي، وعلى هؤلاء الأشخاص الابتعاد عن تناول الأغذية التي أدخل فيها.
وفي مجال التجميل أُستخدم في صناعة ماسكات الوجه وتسمينه، وفي علاج حساسية الجلد، وحَب الشباب، ومرض النقرس، وأُفيد في التخلُّص من نحافة الجسم الشديدة وأُساعد على زيادة الوزن.
ولا تقتصر أهميتي التغذوية عليكم وحدكم، بل يتم إضافتي إلى أغذية حيواناتكم الأليفة التي تربُّونها في المنزل، وإلى أعلاف الحيوانات والطيور التي تربُّونها في المزرعة كالخيول والأبقار والأغنام والماعز والدجاج والبط والإوز. يتم إضافتي كمتمِّم غذائي يحسِّن من قيمة الأعلاف ويزيد من كفاءة هضمها وامتصاصها والاستفادة من مكوِّناتها الغذائية، فتحافظ على سلامة حيواناتكم وصحتها وترفع من درجة مقاومتها للأمراض.
أنا صديقة مخبوزاتكم الدائمة، وصناعاتكم الكحولية، كائن صغير وحيد الخلية، إلا أنني أمتلك تنظيمًا خلويًّا يشبه تنظيمكم الخلوي. محتواي الوراثي موجود داخل نواتي؛ ممَّا يصنِّفني مع الكائنات الحقيقية النواة، على عكس غيري من أُحاديات الخلية، والبكتريا، التي لا تحتوي على نواة.
إن ٣١٪ من جيناتي تُشبه إلى حد كبير جيناتكم البشرية، كما أن ٢٠٪ من جينات الأمراض لديكم موجود عندي مثيل لها، الأمر الذي جعل مني نظامًا نموذجيًّا شهيرًا لدراسة جينات الأمراض البشرية، والكائن المفضَّل في الدراسات التي تهدف إلى تحديد طريقة عمل مختلِف الأدوية.
استخداماتي الرئيسية التي تعرفونها في مجال الغذاء هي إنتاج الخبز، وأحيانًا البيرة والنبيذ، ولكنني أيضًا أُستخدم في إنتاج الإضافات الغذائية والملوِّنات ومضادات الأكسدة ومحسِّنات النكهة وكبديل للجبن، وفي نفش الفشار …
أمَّا في صناعة البتروكيماويات فيتم استخدامي لإنتاج الوقود الحيوي مثل الإيثانول، والفورسينين، وسلائف وقود الديزل النفَّاث، وفي إنتاج مواد التشحيم والمنظِّفات، وفي إنتاج الأنزيمات الصناعية والمواد الكيميائية.
وغالبًا ما يتم استخدامي في إنتاج المستحضرات الصيدلانية والأدوية بما في ذلك مضادات الحساسية والمركَّبات المضادة للسرطان، والمستحضرات الصيدلانية الحيوية مثل الأنسولين، واللقاحات.
أُعتبر من أغنى المصادر الغذائية في فيتامين «ب١» المعروف باسم الثيامين الذي يؤمِّن إنتاج وحدات الطاقة لأجسادكم ويقيها من تراكم حامض البيروفيك الذي يعدُّ سمًّا شديد التأثير على جهازكم العصبي إذا لم يتحلَّل سريعًا، كما أن نقصه يؤدِّي إلى اضطرابات وظيفية في دقات القلب ونبضه، إضافةً إلى حدوث اضطرابات تؤثِّر سلبيًّا في الروح المعنوية لديكم؛ كالشعور بالكسل والوهن وضعف الهمة وقلة النشاط وتعكُّر المزاج وسوء الحالة النفسية، الأمر الذي يعزِّز أهمية تواجدي في غذائكم للمحافظة على أجسامكم صحيحةً قوية.
أنا خميرة الخباز من عائلة السكيرائيات، صف الفطريات السكرية، ضمن قطاع الفطريات الزقية، وينتهي نسبي إلى مملكة الفطريات.