معركة مفاجأة ﻟ «أحمد» و«عثمان»
كانت المفاجأة «بلانش» ابنة «كريليوني» زعيم عصابة اليد الحديدية. تقدم «عثمان» منها، وألقى عليها التحية. فأجابته بابتسامة: هيا اركب يا «لو»، إن لي معك حديثًا.
ركب «عثمان» بسرعة، فانطلق «ميرو» بالسيارة. كان «عثمان» يجلس بجوار «بلانش» في المقعد الخلفي. ألقى نظرة جانبية، حتى يرى تعبير وجهها. كان وجهها هادئًا، لا يكشف شيئًا، وكانت تنظر إلى الشارع …
فكَّر «عثمان»: ماذا تريد؟ ولماذا لم تتحدث الآن إليه؟ وهل ما تقوله لا تريد أن يسمعه «ميرو»؟ وإلى أين سوف تذهب به؟
أسئلة كثيرة قفزت إلى ذهنه، لكنه لم يجد لها إجابة. فجأة قالت «بلانش»: تمهل يا «ميرو» …
أبطأ «ميرو» من سرعة السيارة، بعد دقائق قالت: انتظر هنا.
توقف «ميرو»، فنظرت إلى «عثمان» وقالت: هيا يا «لو»، سوف ننزل هنا.
فتحت الباب ونزلت، فنزل «عثمان» ونزل «ميرو» بسرعة.
قالت «بلانش»: انطلق أنت، ودعنا.
ركب «ميرو» السيارة، وانطلق بها، حتى اختفى، لم يكن المكان بعيدًا أو غريبًا. فهما في أحد شوارع المدينة المزدحمة، نظرت له «بلانش» مبتسمة، وقالت: أنت تفكِّر كثيرًا الآن، لا شيء مما تفكِّر فيه، يمكن أن يكون صحيحًا.
سكتت لحظة، ثم أضافت: هيا بنا، إنني أريد أن أقضي يومًا مرحًا، بلا ترتيب ولا حراسة.
نظر لها «عثمان» لحظةً، ثم سأل: هل يعلم السيد «كريليوني» بمجيئك.
ابتسمت قائلة: نعم، وقد أبدى موافقته السريعة، خصوصًا عندما ذكرت اسم «لو».
هز «عثمان» رأسه، ثم ابتسم ابتسامة عريضة وقال: هيا بنا، ماذا تريدين الآن؟
قالت «بلانش»: أريد أن نمرح، أن نفعل ما نريد دون تفكير، أو دون عمل حساب لشيء.
ابتسم «عثمان» وقال: إذن فلنبدأ جولة حرة في المدينة، ندخل السينما مثلًا.
ردت «بلانش»: كما تريد.
انطلقا في الشارع الرئيسي لمدينة «أنكونا» كان الرصيف مزدحمًا، ولذلك كان يختفي أحدهما عن الآخر بين الزحام، ثم يلتقيان ويضحكان.
فجأة قالت «بلانش»: أريد أن آكل ساندويتشًا ونحن نمشي.
ابتسم «عثمان» وقال: تريدين أن تكسري نظام البيت، ومواعيد الطعام!
ردت «بلانش» بمرح: هذا صحيحٌ!
سأل «عثمان»: ماذا تأكلين؟
ردت «بلانش»: أي شيء.
قال: بيتسا مثلًا.
قالت بفرحٍ: رائع!
عند أول مطعم، دخل «عثمان»، وظلت «بلانش» في الشارع ترقب حركته. كانت تبدو سعيدة فعلًا … أما «عثمان» فقد كان يفكر: ما المقصود بلقاء «بلانش»؟ وهل هو اختبار آخر؟
ألقى نظرة في الشارع، حيث كانت «بلانش» تقف، وهي تتلفت يمينًا ويسارًا بفرح، فكَّر: إن هناك صراعات بين العصابات، ووجود «بلانش» هكذا يمثل مشكلة بالنسبة له … فالمفروض أنه حارسها الآن.
فكَّر «عثمان» مرةً أخرى، بينما كان العامل يجهز له الساندويتش الثاني: هل أرسل رسالة ﻟ «أحمد»؟
ولم ينتظر، وضع يده في جيبه، ثم أخذ يرسل رسالة شفرية بواسطة الضغط على زر جهاز الإرسال الصغير الذي يحمله.
كانت الرسالة: «٤٠–٢٥–٢٨» وقفة «٢–٦–٣٠–٧٠» وقفة «١٥–٢٥–٢٨–٤٠» وقفة «٢–٥٠–٢٥–١٠–٢–٦–٧٠» وقفة «٣٠–٧–٣٠» وقفة «٢٢–٢٨» وقفة «٥–٩٠–٥٠–٧» وقفة «٧–١٤–٧٠» وقفة «٢–٥٠–٣٠–٢–١٦–٧٠» وقفة «١٤» انتهى …
كان العامل يضع الساندويتشات في كيس ورقي، أخذهما «عثمان»، ثم خرج بسرعة. وكانت المفاجأة الجديدة في انتظاره … لقد اختفت «بلانش» … نظر حوله وهو غير مصدق. فكر بسرعة: هل يكون ما فكر فيه حقيقيًّا؟ وهل تكون عصابة أخرى قد خطفتها؟
ظل «عثمان» ينظر حوله، اتجه يمينًا في خطوات سريعة … فلعلها قد تحركت من مكانها، لكنه لم يجد شيئًا … فكر: هل تكون خدعة أراد «كريليوني» أن يخدعه بها؟! هل تكون «بلانش» نفسها تداعبه؟
عاد «عثمان» من جديد إلى حيث يقع المطعم. كان لا يزال يحمل الساندويتشات في يده … فجأة شعر بدفء جهاز الاستقبال، وضع يده في جيبه. كان الجهاز يستقبل رد «أحمد» … كان ردًّا شفريًّا. أخذت أصابعه تلمس أزرار الجهاز.
وكان الرد: «٢–٥٠–١٦–١٤–٢٨–٢٤» وقفة «٥» وقفة «٤٠–٢٥–١٤–٦٠–٧٠» وقفة «٤٠–٢٣–٢–٥–٢٨–٧٠» انتهى.
ظهرت الدهشة على وجه «عثمان»، قال في نفسه: هل يمكن أن تكون هي؟
أسرع يرسل رسالة إلى عميل رقم «صفر»، وبسرعة جاءه الرد: انتظر في مكانك.
لم تمضِ دقيقتان، حتى كانت سيارة «بورش» بيضاء، تقف أمام «عثمان» نزل سائقها، ثم رفع يده بالتحية، وغادر السيارة … قفز إليها «عثمان»، وانطلقت في الاتجاه الذي حدده «أحمد».
كان الاتجاه إلى غرب المدينة، حيث تقع المناطق الزراعية. كان «عثمان» يفكر: إذا اختفت «بلانش» إلى الأبد … فإن كل ما فعله يكون قد حقق فشلًا كبيرًا … وربما … تكون نهايته أيضًا.
كانت السيارة «البورش» البيضاء تنطلق كالصاروخ، فجأة وصلت رسالة من «أحمد»: «الاتجاه ٤٥ درجة …»
انحرف «عثمان» بالسيارة بنفس الزاوية التي حددتها رسالة «أحمد»، فجأة رأى غبارًا كثيفًا يعلو، يكاد يغطي الطريق … فكر: هل تكون هذه هي السيارة التي حددها «أحمد» في رسالته؟
ضغط قدم البنزين أكثر، فارتفعت سرعة السيارة. أرسل رسالة إلى «أحمد» يقول فيها: «أين أنت الآن بالتحديد؟»
رد «أحمد» بسرعة في النقطة «م١» عرف «عثمان» أن الغبار الكثيف يعلو بسبب سرعة السيارتين؛ سيارة «أحمد» وسيارة العصابة. اقترب أكثر فأكثر، ثم فجأة ضغط زرَّ الإضاءة في السيارة، فاخترق شعاعٌ قويٌّ الغبار الكثيف، وظهرت السيارتان.
عرف «عثمان» بسرعة سيارة «أحمد»، أعطى إشارة ضوئية فهمها «أحمد» فرد عليها … كانت سيارة «أحمد» قد اقتربت تمامًا من سيارة العصابة، ثم اصطدمت بها بقوة، واهتزت السيارتان. ركز «عثمان» في الطريق أمامه … ثم اختار جانب الطريق الأيمن، ورفع سرعة السيارة إلى أعلاها. كانت المسافة لا تسمح بمرور السيارة البورش؛ لأنها عريضة، إلا أن «عثمان» استطاع أن يمر بصعوبة، حتى أصبح في المقدمة أمام السيارتين اللتين كانتا في صراعٍ عنيفٍ.
هدَّأ «عثمان» من سرعة السيارة، وهو يأخذ مكانه أمام سيارة العصابة التي اضطرت إلى أن تهدئ من سرعتها أيضًا، أخذ «عثمان» يبطئ من سرعة سيارته شيئًا فشيئًا، حتى توقفت تمامًا أمام سيارة العصابة، التي شاهد فيها لأول مرة «بلانش»، وقد وضعت العصابة قناعًا فوق عينيها، وهي تجلس بين اثنين في المقعد الخلفي، بينما كان في المقعد الأمامي سائق السيارة، وأحد الرجال. ولم يكن أمام سيارة العصابة إلا أن تقف.
فجأة دوَّى صوت طلقات الرصاص، مصطدمًا بسيارة «عثمان»، لكنها لم تتأثر، فهي مجهزة ضد الرصاص. أسرع «عثمان» بإخراج مسدسه، وأطلق على «كاوتش» السيارة، حتى لا تتحرك مرة أخرى.
في نفس اللحظة كان «أحمد» قد غادر سيارته، وهو يلقي بقنبلة دخانٍ سرعان ما لفت سيارة العصابة بسحابة من الدخان الكثيف، بينما كان يضع جهاز المناعة والرؤية، واقترب بسرعة، وأمام الدخان لم يكن أمام العصابة إلا النزول.
كان «عثمان» قد رأى ما فعله «أحمد»، فأسرع في قفزةٍ واحدة إلى جوار باب السائق، الذي نزل فعاجله «عثمان» بضربةٍ جعلته يطير في الهواء.
في نفس الوقت كان «أحمد» قد تلقَّى أحد الرجلين الجالسين في الخلف، وضربه ضربةً قويةً، أطاحت به. اشتبك «عثمان» مع الرجل الآخر، الذي كان جالسًا بجوار السائق، وكان قويًّا لدرجة أنه ضرب «عثمان» ضربةً قويةً، جعلته يتراجع بسرعة إلا أن «أحمد» كان قريبًا منهما، فطار في الهواء، وضرب الرجل ضرب قوية، جعلت الرجل يدور حول نفسه، ثم يسقط على الأرض.
أسرع «عثمان» إلى «بلانش» … ووضع على فمها جهاز المناعة ضد الدخان وهو يقول: إنني «لو».
قالت «بلانش» بفرحٍ: «لو».
رد «عثمان» وهو يجذب يدها لتخرج من السيارة: نعم.
نزلت «بلانش» بسرعة … تركها «عثمان» معصوبة العينين، ومكتوفة الأيدي، حتى لا ترى «أحمد»، ثم أخذها إلى سيارته.
في نفس الوقت الذي كان فيه «أحمد» قد انتهى من بقية الرجال … وحمل أحدهم، ثم وضعه في حقيبة سيارة «عثمان» وحدثه بالإشارات. تعاون الاثنان في إزاحة سيارة العصابة من الطريق، وحيَّا كل منهما الآخر، ثم قفز «عثمان» إلى سيارته، حيث كانت «بلانش» لا تزال تجلس كما هي، لا ترى شيئًا. أدار محرك السيارة، ثم انطلق عائدًا.
في نفس الوقت كان «أحمد» يرقبه وهو يختفي وقال لنفسه: لقد انتهت المعركة بسلامٍ!
قالت «بلانش» ﻟ «عثمان»: «لو» ينبغي أن تفكَّ يديَّ.
أوقف «عثمان» السيارة، ثم فكَّ يديها، ورفع العُصابة عن عينيها، فهتفت: أنت رائعٌ يا «لو».
انطلق «عثمان» مرةً أخرى في طريقه إلى حيث يوجد «كريليوني» في منطقة الشاطئ، وعندما وقفت السيارة ظهر «توب» وقد ارتسمت على وجهه الدهشة وقال: ماذا هناك؟
هتفت «بلانش»: لقد أنقذني «لو».
نظر «توب» إلى «عثمان» وقال: ماذا حدث يا «لو»؟
أجاب «عثمان»: مسألة غير متوقعة.
صحب «توب» إلى حقيبة السيارة، ثم فتحها، فظهر رجل العصابة.
قال «توب»: ما هذا؟
كانت «بلانش» قد انضمت إليهما، فصاحت: إنه هو!
سأل «توب»: ماذا تعنين؟
قالت: الذي خطفني هو وزميله.
ظهرت الدهشة على وجه «توب»، وسأل: ماذا تقصدين؟
أشار «توب» إلى حارسين، وأمرهما أن يأخذا الرجل، ثم صحب «عثمان» و«بلانش» إلى حيث «كريليوني»، حكت «بلانش» ما حدث لها عندما اقتربت منها سيارة، ثم دفعها أحد الرجال داخلها، وانطلقت هاربة، ثم قالت: ولا أدري، كيف ظهر «لو»، حتى خلصني منهم.
كانت الدهشة على وجه «كريليوني»، وكان «عثمان» يفكر ما الذي سيقوله للزعيم إذا سأله كيف استطاع أن ينقذ «بلانش»؟