لم يكن «عثمان» يتوقع ما حدث
نظر «كريليوني» إلى «توب» وقال: أعتقد أنه من عصابة «الجناح الطائر»، عليك بمعرفة التفاصيل حتى آتي إليك.
انصرف «توب»، فنظر «كريليوني» إلى «عثمان» لحظة، ثم قال: هيا اجلس، وحدثني.
جلس «عثمان»، وقال: أنا لا أعرف شيئًا عن لحظة خطف الآنسة «بلانش»، إن ما حدث هو أنني لمحت شعر «بلانش» من زجاج السيارة الخلفي، عندما لم أجدها في مكانها.
سأل «كريليوني»: ثم ماذا؟
قال «عثمان»: كنت حسنَ الظنَّ، فقد وجدت سيارة «بورش» على جانب الطريق، ويبدو أن صاحبها، قد نزل لشراء شيءٍ، وترك مفاتيحها فيها، قفزت إليها، وانطلقت خلفهم، لكنهم لم يكونوا أذكياء، فقد اتجهوا غرب المدينة، ولم تكن سيارتهم في نفس قوة «البورش»، ولذلك استطعت الوصول إليهم، في منطقة تصلح للصراع.
ابتسم «كريليوني»، وقال: إنك تثبت يا «لو» أنك سوف تكون ذراعي الأيمن.
قال «عثمان» مبتسمًا: إن ذلك سوف يكون تقديرًا عظيمًا يا سيدي.
سأل «كريليوني»: وبعد؟
أجاب «عثمان»: استطعت أن أتقدم سيارتهم، حتى أتمكن من إيقافهم، بعدها دخلنا معركة بالأيدي …
ثم ابتسم، وقال: كانت لصالحي!
قالت «بلانش»: لقد سمعت طلقات رصاصٍ.
فكَّر «عثمان» بسرعةٍ أن «بلانش» يمكن أن تكشفه، لو أنها ظلت تضيف كلماتها.
قال بسرعة: لقد استخدموا مسدساتهم، لكني كنت حريصًا ألا أشتبك معهم، خوفًا على «بلانش».
سأل «كريليوني»: هل معك مسدس؟
رد «عثمان»: لا أحمله أبدًا يا سيدي، إنه يدفع الإنسان إلى التهور.
ضحك «كريليوني» بعمقٍ، ثم قال: ماذا فعلت إذن؟
ردَّ «عثمان»: حرصت أن أشتبك مع أحدهم بالأيدي، ساعتها لا تكون للمسدسات أي قيمة تذكر.
مرةً أخرى غرق «كريليوني» في الضحك، ثم قال وهو يقف: سوف أسمع منك بالتفصيل كل شيءٍ فيما بعد، الآن تستطيعان أن تقضيا وقتكما، حتى أعود.
تحرك «كريليوني» مبتعدًا، بينما شعر «عثمان» بالراحة؛ لأنه يستطيع أن يرتب أفكاره، حتى يحكي للزعيم «كريليوني» تفاصيل ما حدث. قطعت «بلانش» أفكاره وهي تقول: هيا بنا نكمل يومنا.
ابتسم «عثمان» وقال: هل ما زلت تملكين الرغبة في قضاء يومٍ مرحٍ؟
أجابت: بالتأكيد، خصوصًا في حمايتك.
غير أن «عثمان» كان يفكر في شيءٍ آخر، أن يعيد السيارة إلى المدينة، حتى يكون صادقًا فيما يقول، ولذلك قال: ينبغي أن أعيد السيارة إلى مكانها، فمن المؤكد أن صاحبها سوف يبحث عنها طويلًا إن لم يلجأ إلى الشرطة، حتى تبحث له عنها.
ابتسمت «بلانش» وقالت: يمكن أن يقوم أحد غيرك بذلك.
ردَّ «عثمان» بتأكيدٍ: لا أظنُّ، ينبغي أن أفعل ذلك بنفسي.
نظرت له لحظة، ثم قالت: هل سوف تغيب؟
ابتسم قائلًا: سوف أعود بسرعة.
انصرف «عثمان» بسرعة، قطع الطريق إلى حيث توجد السيارة في خطواتٍ حاسمة، لكن الدهشة تملكته، فقد كانت السيارة غير موجودة، قال في نفسه: هل أتركها أم يجب أن أبحث عنها؟ نظر حوله لحظةً، ثم فكَّر: هل أرسل إلى «أحمد»؟
تردد في أن يفعل ذلك، فهو في منطقة العصابة، ويمكن أن ينكشف في أي لحظة، فجأةً ظهر «ميرو». نظر «عثمان» ناحيته مبتسمًا، فقال «ميرو»: إنك تبحث عن السيارة، لا تبحث، فقد أعدتها إلى حيث كانت.
أخفى «عثمان» دهشته، فكيف عرف «ميرو» مكانها، مع ذلك قال: أشكرك أنك قمت بذلك، لكن أين تركتها؟
قال «ميرو»: عند مطعم «بيتسا» أليس كذلك؟
ابتسم «عثمان» وقال: تمامًا، لقد كانت هناك.
تحرك «ميرو» منصرفًا وهو يقول: إلى اللقاء، وأتمنى لك حظًّا طيبًا.
ظل «عثمان» ينظر في أعقابه حتى اختفى. قال في نفسه: ينبغي أن أرسل رسالة ﻟ «أحمد»، حتى أتأكد إن كانت السيارة قد وصلت أم لا.
تحرك في طريق العودة إلى حيث كانت «بلانش»، كانت تجلس وسط الحديقة الواسعة، فوق كرسي أبيض، وقد شردت وهي تنظر إلى السماء … ظلَّ يتأملها، قال في نفسه: كيف تكون فتاة مثل «بلانش» ابنة لزعيم عصابة؟
تحرك رأس «بلانش» في اتجاهه، ثم فجأة قفزت قائلة: هل غيَّرت رأيك؟
ابتسم «عثمان»، وقال: لقد قام «ميرو» بالمهمة.
هتفت: رائعٌ، والآن هيا بنا.
قضى «عثمان» وقتًا طيبًا هو و«بلانش»، وعندما عادا إلى نفس المكان في الحديقة كان «كريليوني» يجلس هناك، ويبدو شاردًا تمامًا، قالت «بلانش» بصوتٍ مرتفعٍ: هل أنهيت المسألة يا أبي؟
نظر «كريليوني» في هدوءٍ ناحيتهما، ثم قال: كل شيء سوف يكون جيدًا يا عزيزتي، هيا دعي «لو» الآن، فإنني في حاجةٍ إليه.
حيَّت «بلانش» «عثمان»، ثم انصرفت. اقترب «عثمان» من «كريليوني» الذي قال: اجلس يا «لو».
جلس «عثمان» في أدبٍ، نظر له «كريليوني» لحظة، ثم قال: أين يعيش والدك يا «لو»؟
كان السؤال مفاجئًا، لكن «عثمان» لم يتردد، فقد قال في هدوءٍ وبنبرةٍ حزينةٍ: لقد فقدت أسرتي كلها يا سيدي.
لم يظهر أن «كريليوني» قد تأثر، وسأل بشكلٍ عادي: كيف؟
رد «عثمان»: في إحدى المجاعات التي تجتاح بلادنا كثيرًا.
هزَّ «كريليوني» رأسه، ثم قال بعد فترة طويلة إلى «عثمان»: سوف تبقى معي هنا يا «لو»، ومن اليوم سوف تكون حارسي الخاصَّ.
كاد «عثمان» يقفز من الفرح، لكنه أخفى ذلك، وقال بابتسامةٍ هادئةٍ: لا تزال هناك مهمة يا سيدي، لم أنتهِ منها بعد.
ابتسم «كريليوني» وهو يقول: سوف يقوم بها أحد رجالي.
وفجأة وقف «كريليوني» منصرفًا دون أن يضيف كلمة واحدة.
ظل «عثمان» يرقبه وهو يختفي. في نفس اللحظة كان يتمنى أن يرسل ﻟ «أحمد» ليقول له: إن كل شيء على ما يرام، وإنه يقترب من اللحظة التي رسمها رقم «صفر»، وإن الشياطين قادرون دائمًا على تحقيق أهدافهم.
ولم تمضِ دقائق، حتى ظهر «توب»، كان يخفي ابتسامة وقال: «لو» سوف تنال بعض الدروس الخاصة، حتى تستطيع أن تقوم بمهمتك جيدًا، وهذه الدروس سوف تبدأ غدًا.
سكت «توب» لحظة، ثم أضاف: حجرتك في الدور الأول، وسوف يرشدونك إليها.
ثم انصرف «توب»، قال «عثمان» لنفسه: أخيرًا سوف أكون في قلب العصابة، هذه مسألة لم أكن أتوقعها.
أخذ «عثمان» طريقه إلى الفيلا الأنيقة الموجودة وسط الحديقة، وعندما أصبح بجوار الباب ظهر فجأةً عملاقٌ ضخمٌ ابتسم وهو يقول: مرحبًا بك يا سيد «لو» … تستطيع أن تتبعني.
دخل «عثمان» الفيلا خلفه، ملأته الدهشة وهو يرى الأناقة في كل شيء … قال لنفسه: أنت محظوظٌ يا سيد «لو».
كان العملاق يمشي أمامه، حتى وقف أمام باب حجرة أسفل سلم الدور الثاني، نظر له قائلًا: سوف تجد في الداخل خريطة للمكان كله.
ثم انصرف العملاق، فتح «عثمان» الغرفة ودخل، كانت غرفة أنيقة تمامًا، لكن المدهش أنها تضم أجهزة مثيرة. أخفى «عثمان» ابتسامته، فقد تأكد الآن أن المعركة الأخيرة قد أوشكت.