لقاء في أعماق البحر
أخذ «عثمان» يتأمل الغرفة، كان يشعر بالسعادة؛ لأن زعيم العصابة نفسه أصبح تحت يده، وهو يستطيع التخلص منه في أي لحظةٍ، بجوار أنه سوف يعرف كل التفاصيل عن العصابة؛ لأنه الحارسُ الخاصُّ ﻟ «كريليوني».
فجأة ظهرت مشكلة. هذه المهمة التي سيقوم بها، وطلقات الرصاص الخاصة التي يحملها، وأحد الشياطين الذي سوف يتعرض للضرب بالنار، الآن عليه أن يسرع بالاتصال ﺑ «أحمد» أو رقم «صفر»، حتى لا تتعقد الأمور.
وقف يتساءل: ماذا يفعل الآن؟ وكيف يتصرف؟ إلا أن جهاز الاستقبال أنقذه، لقد كانت هناك رسالة استقبلها، وكانت من «أحمد»، كانت تقول: ماذا حدث؟ هل هناك جديد؟ أسرع بالرد على «أحمد» قال في رسالةٍ سريعةٍ وقصيرةٍ: يجب أن نلتقي حالًا.
وبسرعة غادر الغرفة، خارجها وجد العملاق يجلس وكأنه تمثالٌ، اقترب منه «عثمان» وقال: أين أجد الآنسة «بلانش»؟
ردَّ العملاق: في رقم ٢٠.
نظر «عثمان» حوله يبحث عن تليفون، ابتسم العملاق وقال: عمَّ تبحث؟
ردَّ «عثمان»: أريد أن أتحدث إلى الآنسة «بلانش».
قال العملاق: هذه اللوحة أسفلها عدة أزرار، وكل زر يحمل رقمًا … اضغط الرقم الذي تريده، يتحدث إليك صاحبه.
كانت هناك عدة لوحات زيتية معلقة على الجدران، لم يعرف «عثمان» أي الأزرار يمكن أن يحمل رقم حجرة «بلانش» غير أن حيرته لم تستمر، فقد ظهرت «بلانش»، وقد ملأت وجهها ابتسامة عريضة عندما رأت «عثمان» وقالت: أهلًا بك في بيتنا يا «لو».
ابتسم «عثمان»، وقال: أهلًا يا آنستي.
سكت لحظة، ثم أضاف: كنت أنوي الخروج في جولةٍ بحريةٍ، وفكرت أن أعرض عليك ذلك.
لمعت عيناها وقالت: هذه فكرةٌ جيدةٌ، هيا بنا.
خرج الاثنان إلى الحديقة، كان «عثمان» يفكر بسرعةٍ، فهو يريد أن يتحدث إلى «أحمد».
قال: هل تصلح هذه الملابس لرحلةٍ بحريةٍ؟
نظرت إلى ثيابها، ثم قالت: سوف أستعدُّ حالًا.
أسرعت «بلانش» إلى داخل الفيلا في الوقت الذي نظر «عثمان» حوله، يبحث عن إحدى الأشجار، التي تساعده في تحقيق ما يفكر فيه. وقعت عيناه على بيتٍ صغيرٍ في أقصى الحديقة، فعرف أنه بيت نباتات الظل، أسرع إليه، حتى وقف أمامه. كان البيت بلا باب، دخل في تمهلٍ فرأى مجموعة رائعة من نباتات الظل، لكن ذلك لم يشغله، أسرع يرسل إلى «أحمد» رسالة شفرية.
قال في الرسالة: «سوف أكون في عرض البحر خلال ربع ساعة، هذه فرصة طيبة حتى نتحدث …»
جاءه الردُّ سريعًا: «سوف ألقاك هناك.»
خرج «عثمان» من بيت النباتات، ووقف عند الباب قليلًا. كانت «بلانش» قد خرجت ووقفت تبحث عنه عندما رأته، أشارت له فاقترب مسرعًا وهو يقول: هذه نباتاتٌ رائعةٌ.
ابتسمت «بلانش» وقالت: إن أبي يهوى هذه النباتات تمامًا.
أخذا طريقهما إلى خارج الحديقة، بعد أن ركبا سيارة خاصة ﺑ «بلانش»، كانت هي التي تقود … بينما كان «عثمان» يجلس بجوارها عندما وصلا إلى حيث توجد مجموعة اليخوت، استقلَّا واحدًا منها، وانطلقا إلى عرض البحر، كانت «بلانش» هي التي تقود اليخت، ألقى «عثمان» نظرة على باطن اليخت، فرأى ملابس الغطس. كتم فرحة، كادت تظهر على وجهه، فهذه فرصةٌ جيدةٌ أخرى يمكن استغلالها، ولا يستطيع أحد كشفها.
قال: هل تجيدين الغطس؟
قالت «بلانش»: إنني أخشى الأعماق.
ثم أضافت بعد لحظةٍ: وأنت؟
قال: إنني أهوى الغطس تمامًا.
ثم أسرع إلى ملابس الغطس، فلبسها في نفس الوقت، كانت عيناه تبحثان في عرض البحر عن «أحمد»، حتى وقعتا على يخت، ينطلق بسرعة في اتجاههما، فعرف أنه «أحمد».
فجأةً دار يخت «أحمد»، ثم توقف بعيدًا عنهما لحظة، ثم قفز «أحمد»، واختفى في الماء. فقال عثمان: سوف أقوم بجولة في الأعماق … هل تنتظرين؟
ردت «بلانش» مبتسمة: هل ستستغرق الجولة كثيرًا؟
قال: ليس كثيرًا بالتأكيد.
ثم فجأة ألقى نفسه في الماء، ظلت «بلانش» ترقبه فترة، ثم بدأت تبحث عن معدات الصيد، اختفى «عثمان» في أعماق الماء. كان يفكر أن «أحمد» سوف يأخذ طريقه إلى نفس الاتجاه.
فجأة كان «أحمد» قد ظهر. اقترب «عثمان» منه، حتى التقيا وبطريقة الإشارات … حكى له كل شيء.
قال «أحمد»: سوف أتحدث إلى رقم «صفر» حالًا، عليك فقط برصد كلِّ شيءٍ، خصوصًا مقرَّ العصابة.
عندما انتهى حديثهما افترقا. أخذ «عثمان» طريقه إلى اتجاه اليخت، ثم ظهر بجواره. كانت «بلانش» تمدُّ صنارةً في الماء، عندما ظهر «عثمان» ضحكت وقالت: هذا صيدٌ ثمينٌ.
ابتسم «عثمان»، وأضافت «بلانش»: هل أشبعت هوايتك؟
قال «عثمان» وهو يقفز داخل اليخت: تمامًا.
قالت: إذن هيا نسابق الأمواج قبل أن نعود إلى الشاطئ.
أخذ «عثمان» مكان القيادة، ثم انطلق باليخت في اتجاه «أحمد» الذي كان مشغولًا بالحديث إلى رقم «صفر» في هذه اللحظة، إلا أن «عثمان» استطاع أن يراه وهو يدور حوله في سرعة عالية، بعدها أخذ اتجاه الشاطئ حتى وصل إليه.
عاد «عثمان» و«بلانش» إلى الفيلا، فقالت: ماذا بعد ذلك؟
قال «عثمان»: سوف أنام مبكرًا فغدًا سوف أبدأ عملًا جديدًا.
ابتسمت «بلانش» وهي تقول: أتمنَّى لك التوفيق.
ثم انصرفت، فأخذ «عثمان» طريقه إلى حجرته، حيث كان العملاق لا يزال في مكانه. حيَّاه «عثمان»، ثم دخل غرفته مباشرة، ودون أن يفكر كثيرًا أخذ حمَّامًا، ثم ألقى نفسه في السرير، فقد كان يشعر بالإجهاد.
غير أنه استيقظ مبكرًا، وغادر فراشه، ثم أدَّى بعض التمارين. لمعت لمبة حمراء في جانب السرير، ثم جاء صوتٌ: الإفطار جاهز.
فكَّر قليلًا، وقال لنفسه: إنهم يعرفون كلَّ شيءٍ.
ثم أخذ طريقه إلى خارج الغرفة. كان العملاق موجودًا، وكأنه لم يغادر مكانه منذ أمس حيَّاه وسأله عن قاعة الطعام، فأشار إلى باب في صدر الصالة الواسعة.
انتهى «عثمان» من إفطاره، وعندما غادر مائدة الطعام كان «توب» يقف عند الباب.
قال مبتسمًا: لعلك نمت جيدًا يا عزيزي «لو».
ابتسم «عثمان» وقال: نعم يا سيدي.
قال «توب»: إذن هيا بنا.
تقدَّم «توب» إلى خارج القاعة في اتجاه الحديقة، فتبعه «عثمان» وعند سلم الفيلا كانت سيارة في انتظارهما. كان «توب» يقود السيارة، و«عثمان» بجواره.
في الطريق قال «توب»: إن أمامك أسبوعًا فقط لتكون جاهزًا لاستلام عملك الهام. وسوف تقضي الأسبوع في معسكرٍ خاصٍّ تتلقَّى فيه كل التفاصيل عن مهمتك الشاقَّةِ، سوف تكون مسئولًا عن حياة الزعيم.
أخفى «عثمان» ابتسامة، فهو هنا من أجل أن يقضي على حياة الزعيم، وليس من أجل الحفاظ عليها.
وصلا في النهاية إلى مطارٍ صغيرٍ، فعرف «عثمان» أنه سوف يذهب إلى نفس المكان الذي قابل فيه «كريليوني»، فقد كانت نفس الطائرة التي ركبها قبل ذلك. ودَّعه «توب» ثم تركه، وفي دقائق كانت الطائرة تأخذ طريقها إلى الفضاء. وبعد نصف ساعة كانت تهبط في المكان الذي توقعه.
كان أسبوعًا حافلًا وشاقًّا، وكانت تجرى هناك تدريباتٌ في الذكاء، كان ينجح فيها من أول مرة، رماية … جودو … وكاراتيه … ملاكمة … جري … سباق سيارات … ركوب خيل … كل ما يجيده «عثمان» أعدَّه في المعسكر.
في النهاية جاءت اللحظة الحاسمة، كانت لحظة تقديم المعلومات عن الأماكن التي سيتواجد فيها «كريليوني»، والتي سيكون مسئولًا عن حراسته فيها. امتدت الخرائط تحدد الأماكن وما يحيط بها.
وعندما انتهى الأسبوع، كان «عثمان» قد وضع يده على أهم الأشياء في العصابة كلها، خصوصًا الأجهزة الحديثة للاتصالات والنسف وغيرها.
وعاد «عثمان» إلى فيلا «كريليوني» مرة أخرى، كان يشعر بالقوة، لكن نوعًا من الشك كان يصيبه في بعض الأحيان. كان يخشى أن يتصرف أيَّ تصرفٍ خاطئٍ؛ لأن ذلك يعني نهايته.
في اليوم التالي استدعاه «كريليوني»، وأخبره أنهما سوف يسافران بعد نصف ساعة. وعندما سأله «عثمان» عن المكان، كان رد «كريليوني» أنه سوف يعرف عندما يصل إلى هناك … قال ذلك بلهجةٍ حادةٍ، ففهم «عثمان» أن سؤاله لم يكن ذكيًّا.
عندما مرت نصف ساعةٍ كان «عثمان» يتبع «كريليوني» في طريقه إلى المطار الصغير، ثم إلى مدينة «سان مارينو». وفي هذه الفترة، لم يستطع أن يتحدث إلى «أحمد»، أو إلى رقم «صفر»، لكنه في نفس الوقت كان يبحث عن فرصة للاتصال.
في «سان مارينو» … لم يستطع «عثمان» أن يبتعد خطوة عن «كريليوني»، وكانت هذه مسألةً صعبةً، فلا أحد يعرف الآن أين هو، وهو نفسه لم يكن يعرف ماذا تم بعد لقائه ﺑ «أحمد» في أعماق البحر الأدرياتيكي، وجاءت اللحظة، إنه سوف يسافر إلى «ليفورنو» على خليج «خبوا»، وإن اجتماعًا هامًّا سوف يعقد هناك.
في هذا اليوم قال «كريليوني»: أنت حرٌّ اليوم، حتى الساعة الثامنة.
هزَّ «عثمان» رأسه بمعنى «نعم»، وأضاف «كريليوني»: قد نغادر «سان مارينو» الليلة، أو قد أستدعيك في أي وقت.
ثم انصرف. أسرع «عثمان» إلى الشارع، واندس في زحامه، حتى لا يراه أو يعرفه أحد … كانت عيناه تبحثان عن دار سينما، وعندما وجدها أسرع يشتري تذكرة، ثم دخل. وعندما أطفئت أنوار السينما، أخرج جهاز الإرسال الصغير، وأسرع في الظلام يرسل رسالة شفرية إلى «أحمد»، وعندما انتهى منها جاءه الرد من خلال لمسة يد رقيقة في المقعد المجاور له، ثم جاءه صوت يقول: لقد وصلت الرسالة.
كان الجالس بجواره هو «أحمد» نفسه.
حكى له «عثمان» كل ما حدث بسرعة، وسأله «أحمد» عمَّا حدث للرجل الذي كان «كريليوني» يريد التخلص منه، فقال «أحمد»: إن كل شيء انتهى بشكلٍ جيد.
سكت «عثمان»، ثم قال بعد لحظةٍ: إنه يستدعيني.
ردَّ «أحمد»: لا بأس إنني خلفك دائمًا.
قدَّم له «أحمد» زرًّا صغيرًا وهو يقول: ثبِّته في قميصك. وسوف أعرف دائمًا أين أنت.
غادر «عثمان» السينما، وبعده بقليل غادرها «أحمد» أيضًا. لقد كان كلُّ شيءٍ يقترب من نهايته.