«كريليوني» يكشف «عثمان»
عندما وصل «عثمان» إلى الفندق، كان كلُّ شيءٍ في انتظار عودته. كان «كريليوني» يجلس هادئًا. وما إن رآه حتى ابتسم قائلًا: لم تستطع البقاء في «سان مارينو» كثيرًا … سوف نعود إليها مرة أخرى.
ابتسم «عثمان» ولم يُجب، وفي دقائق كانت السيارة تنقلهم إلى مطار «سان مارينو». وخلال دقائق أخرى كانت الطائرة تحلق بهم. جلس «عثمان» خلف «كريليوني» مباشرة، ولم يكن في الطائرة سواهما وطاقمها.
قال «كريليوني»: «لو» … تعالَ.
قفز «عثمان» من مكانه بسرعة، فأصبح أمامه، قال «كريليوني» وهو ينظر إليه: اجلس.
جلس «عثمان»، فقال «كريليوني» بعد لحظة وكأنه يتحدث إلى نفسه: إن هذا الرجل «توب» قد أتعبني كثيرًا.
أخفى «عثمان» دهشته، فهو يعرف أن «توب» أحد رجال الزعيم المقربين، إن لم يكن أقربهم. و«عثمان» لم يرَ غير «توب».
نظر «كريليوني» إليه، وقال: هذا الرجل ينبغي أن نتخلص منه.
ابتسم لحظة ثم قال: لقد أفسد كلَّ شيءٍ.
نظر من نافذة الطائرة إلى الفضاء الأزرق، ثم عاد ينظر إلى «عثمان» قائلًا: إنني لا أحب الخيانة.
صمت مرةً أخرى، ثم قال: هل تذكر حادثة خطف «بلانش»؟
أجاب «عثمان» بسرعةٍ: نعم يا سيدي.
قال «كريليوني» بألمٍ: إن «توب» خلف عملية الخطف، ولولاك لكانت «بلانش» قد انتهت.
ظهرت الدهشة على وجه «عثمان»، وقال بطريقةٍ تمثيليةٍ: السيد «توب»؟
تنهَّد «كريليوني» وهو يقول: هذه حكاية قديمة طويلة، قد أحكيها لك يومًا.
سكت لحظة، ثم قال: هذه فرصتك لتكون خليفتي.
اتسعت عينا «عثمان» دهشة، فهو لم يكن يتصور أن تتطور الأمور بهذه الطريقة.
وهمس: خليفة السيد «كريليوني»؟
ابتسم الزعيم وقال: يومًا ما.
تنهد مرة أخرى، ثم قال: اسمع يا عزيزي «لو»، نحن نعيش في غابةٍ. وإذا لم تكن الأقوى فسوف يأكلك الأقوى منك، وعندما يظهر من يريد أن يكون هو الأول، فيجب أن تتخلص منه بسرعة، وإلا فإنه سوف يتخلص منك.
صمت لحظةً، ثم أضاف: أنت ما زلت صغيرًا، وغدًا سوف تعرف الكثير.
ضغط زرًّا في مسند الكرسي، فظهر أحد أفراد طاقم الطائرة.
قال «كريليوني»: أعطني بعض القهوة.
ثم نظر إلى «عثمان» وقال: وعصيرًا من أجل «لو».
انصرف الرجل، وألقى «كريليوني» بنظرة خارج الطائرة … كان «عثمان» يتأمل وجه «كريليوني» الشاحب قليلًا. وذلك الهدوء الذي يرتسم على ملامحه … في نفس الوقت كانت تظهر في الفضاء انعكاسات، تجعل الفضاء الأزرق في لون الذهب. عادت عينا «كريليوني» إلى «عثمان». نظر له لحظة، كان الرجل قد عاد بالقهوة والعصير قدمهما وانصرف.
فقال «كريليوني» وهو يرتشف القهوة: ماذا قلت يا «لو»؟
ابتسم «عثمان» وقال: أنا يا سيدي أنفِّذ ما تأمرني به.
ابتسم «كريليوني» ابتسامة ملأت وجهه، وقال: كنت متأكدًا من ذلك.
استغرق «كريليوني» في ارتشاف القهوة، وأخذ «عثمان» يشرب العصير في هدوء. فجأة قال «كريليوني»: عندما نصل إلى «ليفورنو» سوف أعطيك الخطة.
وقف «عثمان» لينصرف، فقال «كريليوني»: حاول أن تنام بعض الوقت، فقد لا ننام الليلة بأكملها.
انصرف «عثمان» إلى مقعده، كان يفكر: هذا العالم الغريب إنهم يتخلصون بعضهم من البعض في بساطة، وكأن هذه مسألة عادية، عالم غريب عالم العصابات.
أغمض «عثمان» عينيه، وحاول أن ينام، لكنه لم يستطع. إن الأحداث تجري بسرعة غريبة وغير متوقعة، وهو لا يعرف ماذا يمكن أن يفعل، فقد يكون هناك من ينتظره ليتخلص منه هو الآخر، ومن يدري ماذا يدور في هذا العالم الغريب.
غير أنه غرق في النوم، ولم يستيقظ إلا عندما شعر أن يدًا تهزُّه، فتح عينيه، فرأى وجه «كريليوني» مبتسمًا، وقف بسرعة فقال «كريليوني»: لا داعي للعجلة، لقد أردت فقط أن أوقظك قبل أن تهبط الطائرة.
جلس «كريليوني» بجوار «عثمان»، وابتسم وهو يقول: سوف تهبط الطائرة في مطار خاص، في «ليفورنو» ينبغي أن تكون يقظًا تمامًا، فقد يكون هناك من ينتظرنا؛ ليتخلَّص منا … إن الليلة وغدًا سوف يكون العمل صعبًا وخطرًا. وهذه أول تجربة لك، أرجو أن تكون قادرًا عليها.
وقف «كريليوني» وانصرف إلى مقعده، كانت الطائرة تأخذ طريقها للهبوط، نظر «عثمان» من نافذة الطائرة، كان المطار يبدو مظلمًا. وكانت هناك عدة طائرات صغيرة تقف متفرقة.
قال في نفسه: لعلها طائرات العصابة. لمست عجلات الطائرة أرض المطار، فاهتزت الطائرة قليلًا، ثم أخذت تدور حتى توقفت في مكانها. شاهد «عثمان» عددًا من الرجال يقفون. فجأة أحس كأنه يفقد توازنه، فقد رأى «توب» يقف في جانبٍ ومعه رجلٌ آخر، قال في نفسه: يبدو أن ما قاله «كريليوني» صحيحٌ، وأن الليلة سوف تكون ليلة صعبة.
توقفت الطائرة فهمس «كريليوني»: «لو».
أسرع «عثمان» إليه، فقال «كريليوني»: هل أنت مستعدٌّ؟
ردَّ «عثمان» بسرعة: نعم يا سيدي.
قال «كريليوني»: اهبط أنت أولًا.
ابتسم «عثمان» وهزَّ رأسه بنعم، ثم أخذ طريقه إلى باب الطائرة. نظر في اتجاه «كريليوني» الذي كان ينظر إليه وعلى وجهه ابتسامة هادئة. انتظر «عثمان» لحظة، ثم فتح الباب فجأة.
وكانت المفاجأة، لقد انهمرت طلقات الرصاص على الباب. لم يكن «عثمان» قد خرج بعد فالتصق بجانب الطائرة. تذكر في لحظة سريعة فيلم الرصاصة الأخيرة، قال في نفسه: لقد أراد «كريليوني» أن ينفذ نفس الطريقة … معي.
لكنه قال أيضًا في نفس اللحظة لنفسه: قد يكون «كريليوني» بريئًا، ويكون توقعي هو الصحيح.
تصرف «عثمان» بسرعةٍ أخرج عدة قنابل من الدخان، ثم قذفها بقوة في اتجاههم. وعندما اصطدمت بالأرض تصاعد الدخان بسرعة.
في نفس اللحظة، كان قد جهز مسدسه، صوبه بسرعة في اتجاه «توب»، وأطلقه فرآه وهو يسقط على الأرض. نظر نظرة سريعة إلى «كريليوني» الذي كان لا يزال يقف في مكانه مبتسمًا نفس الابتسامة الهادئة، وكأنه غير مهتمٍّ بشيءٍ.
قال له: ينبغي أن تغادر الطائرة بسرعة يا سيدي، فقد تنفجر في أي لحظة …
أسرع «كريليوني» ينفذ ما قاله «عثمان»، واقترب من الباب. نزل «عثمان» بسرعة، فقد كان الدخان يخفي الطائرة، وعندما وصلا إلى الأرض، كانت ألسنة اللهب قد بدأت تتصاعد من الطائرة، نزل طاقم الطائرة بسرعة، وفجأة انفجرت الطائرة انفجارًا هز أرجاء المطار، وأضاء جوانبه. في نفس الوقت كانت طلقات الرصاص لا تزال تدوِّي فيتردد الصوت في فضاء المطار.
أمسك «عثمان» بيد «كريليوني»، وأسرع يجري. كان طاقم الطائرة يتبعهما، فجأة أضيء مبنى المطار، انسحب «عثمان» إلى جدار المباني. كان «كريليوني» يقف بجواره، قال «عثمان»: أعطني ما معك من أسلحة يا سيدي.
نظر له «كريليوني» مبتسمًا، وأخرج مسدسًا صغيرًا قدمه له وهو يقول: لا أدري إن كنت ذكيًّا جدًّا، أو أن الظروف هي التي خدمتك.
أبدى «عثمان» دهشةً مصطنعةً وهو يقول: لماذا تقول ذلك يا سيدي؟
مرت لحظة قبل أن يقول «كريليوني»: لقد كشفتك من حادث خطف «بلانش» فلم تكن وحدك، وكنت أريد التخلص من «توب» بيدك، لكني الآن أقدم إعجابي بك؛ لأنك فعلًا كنت ذكيًّا، وكنت واثقًا تمامًا مما تفعله …
سكت لحظة، كان «عثمان» ينظر مبتسمًا، وقال «كريليوني»: مع من تعمل؟
ردَّ «عثمان»: ليس مع أحد يا سيدي.
سأل «كريليوني»: كم سوف تنال مقابل مغامرتك الصعبة؟
ابتسم «عثمان» وقال: لا شيء يا سيدي إنني أعمل من أجل سلام البشر.
هز «كريليوني» رأسه، ثم وضع يده في جيبه وأخرجها بهدوء، ثم وضع شيئًا في فمه. فهم «عثمان» ما الذي فعله «كريليوني» حاول أن يمنعه، إلا أنه كان قد ابتلع ما وضعه في فمه.
في نفس اللحظة ظهر «أحمد» داخلًا من باب مبنى المطار ومعه رجال الشرطة السريون. نظر «كريليوني» إلى «عثمان» مبتسمًا، وقال: هذه عملية ناجحة … تمامًا.
أسرع «أحمد» إلى «عثمان»، فتحدث إليه بلغة الشياطين وبسرعة كان «كريليوني» ينتقل إلى المستشفى في الوقت الذي كانت الشرطة الإيطالية قد قبضت على رجال العصابة الذين تجمعوا في المطار … أما بقية رجالها وأماكنها فقد كان «عثمان» يعرف الأماكن، حيث يمكن القبض على الرجال فيها.
نظر «أحمد» إلى «عثمان» وقال: لقد قمت بمغامرتين عظيمتين.
رد «عثمان»: الشياطين دائمًا جاهزون.
أرسل «أحمد» إلى رقم «صفر» بانتهاء المغامرة، فجاء ردُّ رقم «صفر»: لقد كنت متأكدًا من براعة «عثمان»، الاجتماع غدًا في الساعة الثانية.
ضحك «عثمان» و«أحمد»، وأخذا طريقهما خارج المطار للعودة إلى المقر السري لتبدأ مغامرة جديدة.