تنمية القيم الداخلية الأساسية
لنتذكَّر النهجَ ذا الشقَّين للممارسة الأخلاقية الحقيقية: العمل على كبْح جماح مشاعرنا الهدَّامة من ناحية، والعمل بنشاط على تنمية صفاتنا الداخلية الإيجابية من ناحيةٍ أخرى. في الفصل السابق، ناقشتُ مسألة المشاعر الهدامة واستكشفتُ سبلًا قد تمكِّننا من خلال الوعي بالمشاعر وتنظيمها، من التعامل بأسلوب بنَّاء مع التحديات التي تطرحها. وفي هذا الفصل أعالجُ الشق الآخر لهذا النهج. من الصفات الإيجابية التي توجد بداخلنا طبيعيًّا، تلك الصفة الأكثر أهميةً على الإطلاق؛ الرأفة، وقد تحدثتُ عنها بالفعل بشيءٍ من التفصيل. ذكرتُ أيضًا شيئًا عن فضيلة العفو في سياق العدالة. وفيما يلي سأعرض مناقشةً موجزة لبعض القيم الإنسانية الرئيسية الأخرى: الصبر أو التحمل، والرضا، والانضباط الذاتي، والكرم.
(١) الصبر والتحمل
في سياق الأخلاق العلمانية، ربما يكمن الترياق للمشاعر الهدامة التي تتصل بحياتنا اليومية على نحوٍ مُلحٍّ للغاية ومباشر، فيما يُسمَّى في اللغة التبتية «سوي با». على الرغم من أن مصطلح «سوي با» عادةً ما يُترجَم إلى الصبر، فمعناه ينطوي أيضًا على فضائل التسامح والتحمل والعفو. وما يعنيه حقًّا هو القدرة على تحمُّل المعاناة. إنه يشير إلى عدم الاستسلام لدافعنا الغريزي للاستجابة إلى الصعوبات التي تواجهنا على نحوٍ سلبي. بالرغم من ذلك، فإنَّ مفهوم «سوي با» لا يمتُّ بأي صلة للسلبية أو الضعف. فهو ليس مرادفًا للتسامح مع شيءٍ ما لأنك لا تمتلك القدرة على المقاومة فحسب. ولا هو يعني تحمُّل الظلم على مضض وكراهية. إنما يستلزم الصبرُ الحقيقي قوةً عظيمة. فهو في جوهره ممارسة لضبط النفس استنادًا إلى الانضباط الذهني. وينطوي الصبر أو التحمُّل على جوانبَ ثلاثةٍ علينا مراعاتها: التحمُل تجاه مَن يتسبَّبون لنا في الأذى، وتقبُّل المعاناة، وتقبُّل الواقع.
(١-١) الصبر على مرتكبي الأذى
مثلما اقترحتُ بالفعل، فإن التفكير في حقيقة أن كل شيء يعتمد على عددٍ كبير من الأسباب والظروف يمكن أن يساعدنا كثيرًا في تحمُّل الأخطاء التي يُلحِقها بنا الآخرون. عندما يجرحنا الناس بطريقةٍ ما، سيكون من المفيد أن نتذكر وجود مجموعةٍ كبيرة من العوامل قد أسهمت في سلوكهم. وعندما نواجه العداوة أو عدم الاحترام، يجدر بنا التفكير في السبب وراء تصرُّف الأشخاص العدوانيين أو غير المحترمين بتلك الطريقة. فالأرجح أنَّ سلوكهم يعكس الصعوبات التي يواجهونها هم أنفسهم. وربما يخفِّف هذا الإدراك من غريزتنا للانتقام.
ومن المفيد أيضًا أن نتذكَّر أن الغضب ليس شيئًا يريده أي شخص في الواقع. عندما نغضب نحن على سبيل المثال، فهل نفعل هذا لأننا نريد ذلك؟ لا. إنما يحل علينا لا إراديًّا. فالغضب كالإصابة بالمرض، كلاهما ليس بالشيء الذي نفعله عَمدًا. علاوة على ذلك، نظرًا إلى أن مرتكبي الأذى هم مثلي ومثلك تمامًا، بشر يتطلعون إلى السعادة ويرغبون في تجنُّب المعاناة، فهم أيضًا يستحقون رأفتنا واهتمامنا. ولذلك، فإن الطيبة والعفو ملائمان أكثر من الغضب في الاستجابة للعِداء.
كما هو الحال مع ممارسة العفو، فإننا بحاجة إلى التمييز بين الفِعل والفاعل، بين الأذى والشخص الذي ارتكبه. فبينما نظل راسخين في معارضتنا للفِعل الظالم نفسه، نستطيع الاحتفاظ أيضًا بحس الاهتمام والرأفة لمرتكب ذلك الأذى.
(١-٢) الصبر عبر تقبُّل المعاناة
من الأبعاد المهمة في ممارسة الصبر أو التحمُّل، تنمية درجةٍ أكبرَ من تقبُّل المعاناة والصعوبات التي هي في الواقع، أجزاءٌ لا مفرَّ منها في وجودنا. يأتي هذا التدريب على الصبر في شكل تكوين موقفٍ من التقبُّل الأصيل لحقيقة أن الحياة تنطوي على المشقة. إن إنكار المعاناة أو توقُّع أن تكون الحياة سهلة، لا يعود على الإنسان إلا بمزيد من البؤس. لست أعني بقولي هذا أن المعاناة جيدة في حد ذاتها، إنما أعني أنَّ التقبُّل سيُسهِّل مِن تحمُّلها.
في أسفاري حول العالم، لاحظتُ أن الناس في البلدان الأقل تطورًا، حيث الحياة الصعبة من الناحية المادية، يبدون في كثير من الأحيان أكثرَ رضًا من سكان البلدان الأكثر ثراءً، الذين يعيشون حياةً سهلة نسبيًّا. ذلك أنه تحت ذلك الثراء الخارجي في المجتمعات المتقدمة ماديًّا، يكمن قدرٌ كبير من القلق الداخلي وعدم الرضا، أما في البلدان الأفقر فعادةً ما يُدهشني الفرح البسيط الذي يلاقيه المرءُ في معظم الأحيان. كيف نفسِّر هذا؟ يبدو أن المشقة إذ تضطرنا إلى التحلي بقدرٍ أكبر من الصبر والتحمل في الحياة، تجعلنا في الواقع أقوى وأكثر صمودًا. فمن اختبار المشقة بصفةٍ يومية، تتولد لدينا قدرةٌ أكبر على قبول الصعوبات دون فقدان شعورنا الداخلي بالهدوء. لقد لاحظتُ هذا أيضًا في بعض أصدقائي الأوروبيين. فهؤلاء الذين ينتمون إلى جيلي، مِمَّن عايشوا صعاب الحرب العالمية الثانية، يبدو أنهم يتحلَّون بقدرٍ من التحمل وقوة الشخصية بدرجةٍ أكبر من الأجيال الأصغر سنًّا الذين لم يسبق لهم أن واجهوا مثل هذه الصعوبات. إنَّ تجربة فقْد الأصدقاء والعائلة، والعيش في حالة من عدم اليقين، والاكتفاء بالقليل جدًّا من الغذاء، قد زادت هذا الجيلَ صلابةً على ما يبدو. إنهم أكثر قدرة على التعامل مع الشدائد دون أن يفقدوا روح الدعابة. لا أريد بالطبع أن أدافع عن اتخاذ المشقة نهجًا للحياة، بل أريد أن أُبيِّن فحسب أنَّ التعامل مع المشقة على نحوٍ بنَّاء من خلال رؤية فوائدها، يمكن أن يعود علينا بالقوة الداخلية والجَلَد.
لكن كيف لنا أن نتعامل مع العقبات المعتادة في الحياة؟ مرةً أخرى، أجد نصيحة شانتيديفا، المفكِّر الهندي الذي عاش في القرن الثامن، مفيدة للغاية.
إنني أُسمي هذه النصيحة بنهج «لا حاجة، لا مغزى» في التعامل مع المشكلات. إذا كان للمشكلة حَلٌّ، فينبغي ألا تكون سببًا للقلق المفرط. وبدلًا من الشعور بالعجز، ما علينا سوى العمل بهمة للوصول إلى الحل. وإذا استنتجنا بعد دراسةٍ متأنية أنه لا يوجد حل، فلن نجني شيئًا من القلق. والحقُّ أننا كلما أسرعنا في تقبُّل عدم وجود حل للمشكلة، كان من الأسهل علينا مواصلة حياتنا. ففي كلتا الحالتَين، لا فائدة من القلق المفرط! ذلك أن الأمر لا يتوقف عند انعدام جدواه فحسب، بل يمكن أيضًا أن يؤذينا بشدة؛ إذ يجعلنا أضعف، والأسوأ أنه قد يؤدي إلى الاكتئاب.
لا أعنى بهذا بالطبع أنَّ علينا «الاستسلام» للمعاناة. على العكس من ذلك؛ إذ إنَّ «تقبُّل» المعاناة لا يتضمن الاستسلام إطلاقًا، بل هو الخطوة الأولى في مكافحة ضررها. فحين نتقبل المشقة، نبدأ في إدراك أنها ليست سلبية تمامًا. ذلك أنها قد تكون على سبيل المثال، قوة هائلة تجمعنا بالآخرين من خلال إحياء خَصْلتَي التعاطف والرأفة فينا. والأهم من ذلك كله أنَّ المعاناة تساعدنا في إدراك صلة القرابة التي تجمع بيننا. وبهذا الإدراك، لا نعود نشعر بالهزيمة أمام الصعوبات، بل نكتسب القوة التي نحتاج إليها لمواجهة التحديات التي نجدها في حياتنا.
يمكن أن تكون المعاناة الشخصية أيضًا حافزًا للنمو الروحاني الفردي. فإضافةً إلى ما تعطينا إياه من قوة، يمكن أيضًا أن تمنحنا شيئًا من التواضع وأن تساعدنا على أن نكون أكثر انسجامًا مع الواقع. إنَّ جميع التقاليد الدينية الكبرى في العالم تقرُّ بهذه الآثار للمعاناة. ثمَّة شيءٌ آخر أيضًا شعرتُ به في حياتي الخاصة. ذلك أنني لا أشكُّ إطلاقًا في أن تجربتي في المنفى قد منحتني فهمًا للحياة أعمقَ مما كنت سأكتسبه لو أنني ما زلت أعيش في التبت بصفتي حاكم البلاد الذي يتمتع بامتيازات.
(١-٣) الصبر من خلال تأمُّل الواقع
يتضمَّن البُعد الثالث لممارسة الصبر التركيزَ على سمات الواقع التي يجد الأفراد في تقبُّلها صعوبةً كبرى. ومن ذلك على سبيل المثال، الشيخوخة والموت. غالبًا ما تُعَدُّ هذه الموضوعات من المحرمات لأن كثيرًا من الناس لا يريدون التفكير فيها. يبدو أن هذا يحدث بصفةٍ خاصة في المجتمعات الأكثر ثراءً، حيث تُعزِّز النزعة الاستهلاكية ثقافة الشباب. غير أن التفكير في مثل هذه الموضوعات قد يُعزِّز من رفاهيتنا. فالتأمُّل في حتمية التقدُّم في العمر والموت ودورهما كأجزاءٍ من وجودنا يمكن أن يقودنا إلى قدرٍ أكبر من التسامح تجاه هذه الجوانب من الواقع، والتي قد تسبِّب لنا اليأس والاكتئاب لو نظرنا إليها بطريقةٍ أخرى.
كما سبق واقترحتُ عدة مرات، فإنَّ كل شيءٍ في العالم يأتي نتيجةً لعدة عوامل. وفي أي حدثٍ معين، لا تمثل أفعالنا سوى عامل واحد بين نطاقٍ كبير من الأسباب والظروف. وبالمثل، فدائمًا ما يتسم أيُّ موقف بالعديد من الجوانب. ولذا؛ عندما تحل علينا محنةٌ ما، مثل عدم الحصول على الوظيفة التي كنا نأمل فيها، يجدر بنا التفكير في أن القرار نفسه الذي خيَّبَ آمالنا سيكون قد أفادَ شخصًا آخر، ربما شخصٌ أكثر حاجةً إليه منا. على الرغم من أنَّ التفكير على هذا النحو ليس بالأمر السهل، فإن مثل هذه الاعتبارات قد تخفِّف من إحساسنا بالخسارة؛ إذ تشعرنا بشيءٍ من الفرح تعاطفًا مع حُسن حظ الآخرين. وفي الوقت نفسه، سيكون للفِعل البسيط المتمثل في تحويل تركيز انتباهنا بعيدًا عن أنفسنا، ذلك التأثير الذي يجعل المشكلة تبدو أقل صعوبة في تحمُّلها.
إنَّ فوائد تنمية الصبر واضحة. ذلك أنَّ ممارسة الصبر تحمينا من فقدان رباطة الجأش، وبذلك تمكِّننا من ممارسة الفطنة، حتى في أوج احتدام المواقف الصعبة. إنها تعطينا مساحةً داخلية. وداخل تلك المساحة، نكتسب درجةً من ضبط النفس، مما يمكِّننا من اختيار الاستجابة إلى المواقف بطريقةٍ مناسبة تتسم بالرأفة بدلًا من أن توجِّهنا في ذلك دوافعُنا القهرية. ومن خلال التنمية المستمرة، فإنَّ الصبر على النحو الذي وصفتُه به، يُعِدُّنا للتعامل مع تقلبات الحياة التي لا مفرَّ منها. علاوة على ذلك، لا شك أن الصبر صفة يُقدِّرها الآخرون كثيرًا! فمن خلال التحلي بالصبر، نصبح بطبيعة الحال أكثرَ جاذبية للآخرين. ذلك أنه يساعد في تهدئة الناس حين يكونون معنا ويجعلهم يستمتعون بصحبتنا. لكن الأهم من هذا كله أنَّ الصبر هو ترياقٌ قوي للمشاعر الهدامة من غضب وإحباط.
(٢) القناعة
في رحلاتي الأولى إلى الدول الغربية، اعتدتُ زيارة مراكز التسوق أحيانًا. في تلك الأيام، لم تكن مثل هذه المراكز التجارية موجودة في الهند، وكان من المثير للإعجاب بالنسبة إلينا — نحن التبتيين — أن نرى كل المحالِّ التجارية الأنيقة بواجهاتها المضاءة بجميع أنواع المنتجات الاستهلاكية. وأنا أحب الأشياء الميكانيكية، مثل الساعات، منذ الطفولة؛ ولذا وجدتُ الأدوات الميكانيكية والإلكترونية الحديثة في هذه المتاجر هي الأكثر جاذبية. وعند النظر إليها، كنت أُحدِّث نفسي أحيانًا قائلًا: «آه، أريدُ هذا»، «أرغب في ذلك!». لكني كنت أسأل نفسي بعدها: «هل أحتاج إلى هذا الشيء حقًّا؟» في معظم الأوقات بالطبع، كانت الإجابة بالنفي. إذن، كانت أفكاري الأولى تنبع من نوع من الطمع الغريزي، لكن حالما كنت أراجع نفسي وأنظر نظرةً واقعية إلى الأمر، لا أعود أشعر بأي حاجة إلى الحصول على هذه الأشياء أو السيطرة عليها. وهذا ما فهمتُه من خلال ممارسة القناعة.
في بعض الأحيان، يؤدي وصفُ القناعة بأنها قيمةٌ أخلاقية أساسية إلى قليل من الالتباس. فقد يُقال إنَّ القناعة ليست قيمةً أخلاقية في حد ذاتها؛ لأنها تُعنى برفاهية الفرد لا رفاهية الآخرين. أليست القناعة هي ما يُشكِّل السعادة التي تأتي من الاهتمام بالآخرين والرأفة بهم في الحياة؟ إذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن اعتبارها قيمةً أخلاقية يمكن تغذيتها في حد ذاتها؟ علاوة على ذلك، قد يُقال إن القناعة لا يمكن ممارستها، بل ينبغي الوصول إليها.
عندما أتحدَّث عن القناعة بصفتها قيمةً أخلاقية على هذا النحو، فلست أتحدَّث في حقيقة الأمر عن حالةٍ عامة من الرفاهية أو السعادة، بل عن مفهوم أكثر تحديدًا للقناعة نسميه في اللغة التبتية «شوجشي». وأنا لا أعرفُ أيَّ ترجمةٍ بسيطة لهذا المصطلح باللغة الإنجليزية أو أي لغةٍ أخرى، وبما أنه يُترجَم عادةً إلى «القناعة»، فأنا أستخدم هذا المصطلح أيضًا. لكن ما يعنيه مصطلح «شوجشي» حقًّا هو «غياب الطمع». ومعناه الحرفي: «معرفة [ما هو] القدْر الكافي» أو «معرفة الحد الذي ينبغي أن يَقْنَع عنده المرء». إنه يعني القدرة على الشعور بالرضا دون البحث عن المزيد.
وعليه، فإن القناعة وفقًا لهذا المنظور، شبيهة بفضيلة الاعتدال. ذلك أنها تنطوي على قدْرٍ معيَّن من التواضع في الطموح، أو أن يكون للمرء رغباتٌ محدودة. فمن خلال العيش بتواضع ووضع حدودٍ مقبولة، نحرِّر أنفسنا من الشعور بانعدام الأمان والنقص اللذين يتولدان من الاشتهاءِ المُلحِّ المستمر. من خلال ممارسة القناعة، نسمح لأنفسنا بالاستراحة في حالةٍ كامنة من الرضا، واثقين في معرفة أننا نعيش تبعًا للمُثُل التي نسعى لدعمها. ومن خلال الحد من متطلباتنا ورغباتنا، نتجنب المعاناة من الاستياء والإحباط اللذين يولدهما الجشع.
ثمَّة عبارةٌ مأثورة في التبت تقول: «على باب الغني البائس ينام المتسول الراضي». ليس المقصد أن الفقر فضيلة، لكن أن السعادة لا تأتي من الثروة، وإنما من وضع حدود لرغباتنا والعيش ضمن تلك الحدود برضًا.
أشعرُ بأن تنمية الرضا أمرٌ مهم للغاية في عالم اليوم المادي الذي تسود فيه النزعة الاستهلاكية العالمية. إنَّ المجتمع المادي يضع الأشخاص تحت ضغطٍ مستمر يجعلهم يرغبون في المزيد وينفقون أكثرَ بكثير مما يلبي حاجاتهم الأساسية. تُصمَّم الإعلانات الأنيقة لإثارة الخيال وتوليد تصوُّر بأن السلع المادية ستجعلنا سعداء، وأن لدينا نقصًا بطريقة أو بأخرى ما لم نحصل على أحدث الكماليات أو الأدوات أو الأزياء. ومن ثمَّ، فإن مادية المجتمع الحديث تجعل ممارسة الاعتدال والقناعة ضرورةً يومية إذا أردنا مقاومة الاستسلام للشعور بعدم الرضا الشخصي المتولِّد من الرغبات الملِحَّة غير الواقعية.
إنَّ التحكم في رغبتنا للحصول على المزيد، وتعلُّم العيش ضمن حدودٍ واقعية، لا يخدم مصلحتنا الفردية فحسب. وإنما هو ضروري أيضًا إذا أردنا التغلب على تحديات الحياة على الأرض التي يولِّدها سعينا المتواصل للحصول على المزيد. فالموارد المادية لهذا الكوكب محدودة. أضِف إلى ذلك أنَّ عدد السكان العالمي يزداد بسرعة وأن سكان البلدان الأقل نموًّا يطمحون بطبيعة الحال إلى مستوى الراحة الذي يتمتع به سكان العالم المتقدم، وذلك حقهم بالطبع؛ فيبدو من الجلي أن المسار الذي نتخذه حاليًّا مسارٌ غير مستدام. تسهم المساحات الطبيعية الرائعة في العالم بالكثير في الحفاظ على التوازن البيئي للكوكب. غير أن الغابات، والمحيطات، والبيئات الطبيعية الأخرى تتعرض للانتهاك والتدمير، وقد انقرضتْ خلال حياتي أنواعٌ كثيرة من الحيوانات والنباتات. وبهذا؛ فإن أنماط الحياة العصرية المريحة التي يَعُدُّها الكثير منا من المسلَّمات، ويطمح آخرون كُثُر في الوصول إليها؛ تكلِّفنا الكثير في الواقع.
تتجلى الحاجة إلى القناعة على نحوٍ مؤلم في الأزمة المالية الأخيرة، التي لا نزال نشعر بتداعياتها في أنحاء عالمنا العميق الترابط. من السهل إلقاء اللوم على السياسيين لفشلهم في تنظيم المؤسسات المالية تنظيمًا كافيًا. مع ذلك، نشأت هذه الأزمة بصفةٍ أساسية بسبب الجشع نفسه، وبسبب الفشل في ممارسة الاعتدال المناسب وضبط النفس في السعي الأعمى وراء تحقيق المزيد والمزيد من المكاسب. إضافةً إلى ذلك، فقد أوضحَ لي رجلُ أعمالٍ إيطاليٌّ أنَّ العالم كان يشهد مضارباتٍ مفرطة. تعني كلمة «مضاربة» في حد ذاتها، التصرف دون كامل معرفة. وفي هذه الحالة، من الواضح أنَّ مستوى الحذر والتواضع الملائم للإجراءات المتخذة دون معرفةٍ كاملة، لم يكن موجودًا. وفي هذه الحالة، كانت المشكلة في الأساس هي الغطرسة وقِصَر النظر. أما المشكلة الثالثة فكانت الافتقار إلى الشفافية، مما سمحَ بزيادة عدم الأمانة والخداع دون رقابة. لم يكن هناك شيءٌ حتميٌّ بشأنِ أيٍّ من هذه العوامل. فجميعُها ببساطة نقائصُ أخلاقية يأتي الجشع في مقدمتها. والترياق الوحيد الفعال للجشع هو الاعتدال والقناعة.
من المؤكَّد أنني لا أقترح أنَّ الفقر أمرٌ مقبول حين أحتفي بفوائد البساطة والتواضع. على العكس تمامًا، فالفقر مشقةٌ رهيبة، علينا أن نفعل كلَّ ما يسعنا فعْله لإنهائها. فعلاوةً على أنه يجعل البقاء صراعًا، فإنَّ الفقر غالبًا ما يُضعِف البشر، ويؤدي إلى شعورهم بالروع أو وهن العزيمة. وقد يؤدي أيضًا إلى كربٍ نفسيٍ عميق ويسلب الناسَ أيَّ فرصة في تحسين وضعهم الاقتصادي. وبهذه الطرق، يتسبَّب في معاناة الفقراء بشدة. لكن على المستوى الشخصي، كلما أسرعنا في تقبُّل أن الثروات وحدها لا تجلب السعادة، وكلما أسرعنا في تعلُّم العيش بحسٍّ من التواضع، أصبحنا أفضل حالًا، لا سيَّما فيما يتعلق بسعادتنا.
سيفرض المكان والزمان دائمًا قيودًا على مقدار الثروة الذي يمكن لأي شخصٍ أن ينجح في تجميعه في حياته. وعلى ضوء هذا الحد الطبيعي، يبدو من الحكمة أن يضع المرءُ حدوده الخاصة من خلال ممارسة القناعة. ولكن على النقيض من ذلك، عندما يتعلق الأمر باكتساب الثروات العقلية، فلا حدود للإمكانات. وفي ذلك الجانب حيث لا يوجد حَدٌّ طبيعي، من الملائم «ألَّا» تقنع بما لديك وتظل تسعى باستمرار من أجل المزيد. غير أنَّ معظمنا للأسف يفعل العكس تمامًا. فنحن لا نرضى أبدًا بما لدينا ماديًّا، لكننا نميل إلى الرضا التام بثرواتنا العقلية.
(٣) الانضباط الذاتي
يُعَدُّ الانضباط الذاتي من الأمور الوثيقة الصلة بقيمة القناعة. حقيقة الأمر أنَّ قيمة القناعة تستلزم ممارسةَ درجةٍ معينة من الانضباط الذاتي، وينطبق ذلك بالطبع على جميع القيم الداخلية التي يناقشها هذا الكتاب.
إنَّ أهم ما يتعلق بفضيلة الانضباط الذاتي، هو أنها يجب تبنِّيها طواعيةً. فعندما يُفرَض الانضباط من الخارج، نادرًا ما يكون فعَّالًا، بل يؤدي أحيانًا إلى نتيجةٍ عكسية. وعندما يُفرَض الانضباط بالخوف، سواء أكان الخوف من سلطة خارجية أم الخوف النابع من تهيئتنا الثقافية أو الدينية، فغالبًا ما يمارسه الفرد بحماسٍ شديد الضآلة. ونتيجةً لذلك، نادرًا ما يأتي الانضباط المفروض من الخارج بتحولٍ داخلي.
من الناحية الأخرى، إذا مارسنا الانضباط الذاتي طواعيةً، تقديرًا لقيمته وفوائده في الامتناع عن العادات السيئة، فمن الطبيعي أن نتعهده بعزمٍ أكبر. وهذا بدوره يجعل انضباطنا الذاتي أكثرَ استدامة.
من أجل تنمية مثل هذا الانضباط الذاتي الطَّوْعي، علينا مرةً أخرى أن نستغرق بعض الوقت في إدراك فوائده العديدة والتعمق فيها، وليس ذلك فيما يتعلق بالفوائد التي تعود علينا فحسب، بل تلك التي تعود على الآخرين أيضًا وحتى البشرية ككل. من خلال القيام بذلك، يمكننا توليد الحماس المطلوب للحفاظ على تحفيزنا وتصميمنا.
من المفيد أن نبدأ بالتفكير في الضرر الذي نلحقه بأنفسنا، حتى على المستوى الجسدي، عندما ننصاع وراء الإغراء والعادات السيئة. كما يمكننا النظر بعد ذلك في الضرر الذي تُلحِقه عاداتُنا السيئة بالآخرين. من السهل أن نفترض أن سلوكنا الشخصي وعاداتنا أمورٌ لا تترك تأثيرًا حقيقيًّا لدى الآخرين، لكن ذلك نادرًا ما يكون صحيحًا. فلنفترض على سبيل المثال، أن فردًا في إحدى العائلات مدمنٌ للمخدرات. رغم أنَّ أفراد العائلة الآخرين لن يعانوا بالطبع الآثارَ السلبيةَ المباشرة للمخدرات، الجسدية منها والنفسية، فهذا لا يعني أنهم لن يُصابوا بالأذى. فمن المرجح جدًّا أنهم يكونون في غاية القلق والهمِّ، وسيعانون أيضًا ما قد يصاحب الموقفَ من آلامٍ شديدة ومضاعفات. ولذا، عند النظر في الضرر الذي نتسبَّب فيه عند الافتقار إلى الانضباط الذاتي في عاداتنا الشخصية، يجب أن نتذكَّر دائمًا أولئك الذين يهتمون بصالحنا، والذين يرتبط صالحهم بصالحنا ارتباطًا وثيقًا.
قد يكون من المفيد أيضًا تذكُّر الآثار الضارة لافتقار الانضباط الذاتي على مستوًى اجتماعيٍّ أوسع. فأنا أعتقد أنَّ مشكلة الفساد التي تسود في مناطقَ كثيرةٍ من العالم ليست في الواقع سوى انعدام الانضباط الذاتي. فدائمًا ما يكون الفساد استسلامًا للسلوكيات التي تخدم المصالح الشخصية من جشع، وتحيُّز، وغش. وحتى وجود نظامٍ قانونيٍّ عادل ومُنصِف لا يفيد كثيرًا عندما يَشله الفساد.
من خلال الوعي الذي يتشكَّل من التفكير في عواقب الافتقار إلى الانضباط الذاتي، يمكننا أن نُنمِّي تدريجيًّا قدرةً أكبر على مقاومة الإغراءات في حياتنا. وفي النهاية، سنبدأ من خلال الممارسة المستمرة في التحلِّي بالانضباط الذاتي تلقائيًّا ولن يعود يتطلب جهدًا واعيًا وقوة إرادة. وفي تلك المرحلة، عندما يتحقق ضبط النفس والاعتدال على نحوٍ طبيعي، نبدأ في الشعور بالحرية الكبيرة التي تنبُع من التحكُّم في النفس. تمتدح جميعُ التقاليد الدينية الرئيسية حول العالم فضيلةَ الانضباط الذاتي. ففي الإسلام على سبيل المثال، ثمَّة تركيزٌ قوي على فضيلة «الصبر»؛ أي الرسوخ أو التحكم في النفس، أو الحِلم، أو الثبات، وأولئك الذين يتمتعون بهذه الصفة؛ الصابرين، قِيل عنهم إن الله يحبهم.
إنَّ اكتساب السيطرة على نزعاتنا الهدامة من خلال ممارسة الوعي والانضباط الذاتي على مستويات الجسم والكلام والعقل، يحرِّرنا من الاضطراب الداخلي الذي ينشأ طبيعيًّا عندما يتعارض سلوكنا مع مُثُلنا. وبدلًا من هذا الاضطراب، تأتي الثقة والنزاهة والكرامة، وكلُّها صفاتٌ بطولية يتطلع إليها جميع البشر بطبيعتهم.
(٤) الكرَم
يبدو لي أنَّ قيمة الكرَم جديرة بأن نتحدَّث عنها بعضَ الشيء. الكرم هو التعبير الخارجي الطبيعي عن التوجه الداخلي المتمثل في الرأفة والحنان الناشئ عن الحب. عندما يرغب المرء في التخفيف من معاناة الآخرين وتعزيز رفاهيتهم، فحينئذٍ يكون الكرم في الفِعل والقول والفِكر، هو الممارسة الفعلية لهذه الرغبة.
من المهم أن ندرك أن «الكرم» في هذا السياق لا يشير إلى العطاء بالمعنى المادي فحسب، وإنما إلى كرم القلب أيضًا. وهو على هذا النحو يرتبط ارتباطًا وثيقًا بفضيلة العفو. فمن دون كرم القلب، يكون العفو الحقيقي مستحيلًا.
إنَّ النصوص البوذية الكلاسيكية تصف الكرم من خلال أربعة أنواع للعطاء؛ فلدينا أولًا عطاء السلع المادية، وعطاء التحرُّر من الخوف الذي يعني توفير السلامة والأمن للآخرين والتعامل معهم بصدق ثانيًا، ولدينا ثالثًا عطاء المشورة الروحية الذي ينطوي على تقديم العون والاهتمام والنصيحة لدعم رفاهية الآخرين النفسية والشعورية، ولدينا رابعًا عطاء الحب.
من المهم أنَّ ندرك في البداية أنَّ الهدف من أيٍّ من هذه الأنواع الأربعة للعطاء ينبغي ألَّا يكون أبدًا هو نيل الحظوة لدى الآخرين، بل ينبغي أن يكون الهدف دائمًا هو إفادة المتلقي. إذا كان الدافع مرتبطًا بالسعي وراء المنفعة الشخصية بأي حال من الأحوال، فليس هذا كرمًا حقيقيًّا.
تشير النصوص البوذية الكلاسيكية أيضًا إلى الحاجة إلى الفطنة عند الانخراط في أعمال الكرم. فإضافة إلى التأكُّد من سلامة دافع المرء على سبيل المثال، تناقش هذه النصوص الحاجة لأن يكون الفرد على دراية بالسياقات الخاصة التي قد يكون العطاء فيها غير مناسب. فالعطاء غير المتناسب أو العطاء لأحد الأشخاص في وقتٍ غيرِ مناسبٍ قد يضرُّ المتلقي أكثر مما ينفعه. ومن الجلي بالطبع أن هناك أشياءَ معينةً، مثل السموم والأسلحة، هي بطبيعتها غير مناسبة للعطاء. إذا كان ما نعطيه سيُستخدَم على الأرجح لإيذاء الآخرين، فإن مبدأ الرأفة يقضي بالإعراض عن العطاء في هذا السياق. علاوةً على ذلك، تؤكِّد هذه النصوص ضرورةَ التأكد من أننا نعطي للمتلقي احترامًا له، وليس من منطلق الشعور بالتفوق. ففِعل الكرم الحقيقي يحترم كرامة المتلقي. أعتقد أن هذه كلها تعليماتٌ مفيدة يجب أن نأخذها في الاعتبار.
(٥) العطاء الخيري والعمل الخيري
قبل بضع سنوات، شاركتُ في حلقة نقاش شائقةٍ في نيويورك عن موضوع العمل الخيري. فيما يتعلق بالعطاء الخيري، فأنا أجد أنَّ أكثر المجالات إلحاحًا هي الصحة والتعليم. فالصحة ضرورية لكرامة الإنسان ورفاهيته، لكن الموارد اللازمة للرعاية الصحية الحديثة لا تتوافر في واقع الأمر للكثيرين في العالم. أما التعليم فهو يوفر الوسائل التي تمكِّن الناس من اكتساب ما يَلزم من المهارات وسعة الحيلة للفرار من الفقر.
تُركِّز الديانات الإبراهيمية بصفةٍ خاصة على العطاء الخيري؛ إذ يُعدُّ العطاء للمحتاجين واجبًا دينيًّا مهمًّا. لطالما أُعجِبتُ بالعمل الخيري في العالَم النامي، الذي تباشره في الغالب الجمعيات الخيرية المسيحية. وقد كنا نحن التبتيين أنفسنا، لا سيَّما في أثناء سنوات المنفى الأولى الصعبة، متلقِّين لهذا الكرم وشعرنا بفائدته مباشرةً. وفي الإسلام، يمثل التصدق أو «الزكاة» أحدَ الأركان الخمسة التي يجب على كل مؤمن أن يمارسها، وفي اليهودية أيضًا، يُعدُّ العطاء الخيري عنصرًا رئيسيًّا في ممارسة الشعائر الدينية.
لكن العطاء الخيري لا يفيد المتلقِّين فقط. فبالنسبة إلى مقدِّمي العطاء، ماذا عساه أن يكون أكثر إرضاءً من معرفة أن كثيرين مِمَّن هم أشخاصٌ حقيقيون لهم احتياجاتٌ حقيقية، يستفيدون من مساعدتهم؟
إنَّ الثروة الإضافية لا تجلب للأغنياء أيَّ قيمةٍ حقيقية بعد مستوًى معين، إلا إذا استخدموها في النفع. فحتى الملياردير تظل معدته بالحجم نفسه مثل جميع الأشخاص الآخرين، وعدد البيوت التي يمكن أن يعيش فيها المرء محدود. بعد حدٍّ معين، لا يكون للمزيد من الرفاهية والبذخ تأثيرٌ فعلي على مستوى راحة المرء. ففي النهاية، تصبح الثروة مجرد سلسلة من الأرقام على الورق أو على شاشة الكمبيوتر. علاوة على ذلك، إذا كان المرء يهتم بالمبادئ الأخلاقية أو بالحفاظ على حسٍّ أساسي من اللياقة، فإن الإفراط في الترف على المستوى الشخصي، بينما كلُّ هذا الفقر موجود في العالم، يمكن أن يُشكِّل مشكلة. فالأمر يشبه إلى حدٍّ ما شخصًا يأكل وجبةً بِنَهم أمام متسول يتضوَّر جوعًا!
من حُسن الحظ أنه يوجد اليوم بعضُ الأشخاص المميزين الذين يشاركون، من خلال نشاطهم الخيري، ثروتهم الضخمة مع المحتاجين والفقراء في كثير من بقاع العالم، ولا سيَّما في مجالَي الصحة والتعليم. فقد ذكرتُ مسبقًا بيل جيتس وميليندا جيتس اللذين يبذلان الكثير للآخرين من خلال عملهما الخيري. أعرفُ أيضًا بصفةٍ شخصية العملَ الخيري الرائع الذي يقوم به بيير وباميلا أميديار اللذان يسهمان بجزءٍ كبير من ثروتهما لمساعدة الآخرين. عندما أقابل مثل هؤلاء الأفراد، أُعربُ دائمًا عن تقديري لكرمهم تجاه المحتاجين حول العالم. ولذلك فإنني أناشد مرةً أخرى جميع مَن يتمتعون بالمستويات نفسها من الثروة إلى التفكير بجدية في مشاركة مواردهم مع الآخرين من خلال العمل الخيري.
ومع ذلك، فليس شديدو الثراء فحسب هم مَن يجب عليهم التفكير بجدية في العطاء. فحتى ذوو الموارد المحدودة يجنون فوائدَ كبيرةً من الكرم؛ إذ يفتح قلب المرء ويمنحه الشعور ببهجة التعاطف تجاه الآخرين وتوطيد أواصر الصلة بهم. إن إعطاء السلع المادية هو أحدُ أشكال الكرم، لكننا نستطيع التوسُّع في موقف الكرم ليشمل سلوكنا كله. إن الطيبة، والانتباه، والصدق في التعامل مع الآخرين، وتقديم الثناء عند استحقاقه، وتوفير الراحة والنصيحة أينما تجلَّت الحاجة إليهما، وحتى مجرد مشاركة وقت المرء مع شخصٍ ما، كلُّ ذلك من أشكال الكرم، ولا تتطلب أيَّ مستوًى خاص من الثروة المادية.
(٦) الفرح في العطاء
من الجوانب المهمة لممارسة الكرم في رأيي الاستمتاع به. في التقليد الهندي الكلاسيكي، توجد عادةٌ لتكريس أعمال الكرم من أجل هدفٍ إيثاريٍّ أسمى. يساعد هذا في ضمان ألا يكون الكرم أعمى أو مدفوعًا بمحاباة أو تحيُّز، بل موجَّهًا نحو الصالح الأعم للبشرية بأسرها. تتيح أيضًا عادةُ التكريس لمقدِّم العطاء أن يفرح بعطائه. إن الاستمتاع بالعطاء مفيدٌ للغاية؛ لأنه يجعلنا أكثرَ ميلًا إلى الانخراط في أعمال الطيبة والإحسان المماثلة في المستقبل.
الرائعُ في العطاء أنه لا يفيد المتلقي فحسب، بل يجلب على مقدِّم العطاء أيضًا فوائدَ بالغة. وكلما مارسنا العطاء، ازداد استمتاعنا به.