إنسانيتُنا المشتركة
(١) رؤيتُنا لأنفسنا
تخبرنا الملاحظة أن كيفية تعامُل البشر مع بعضهم، وفي الواقع مع العالَم من حولهم، تعتمد إلى حدٍّ كبير على الطريقة التي يرون بها أنفسهم. كلنا لدينا العديد من الطرق المختلفة لرؤية كينونتها وماهيتنا، وتؤثِّر وجهات النظر المختلفة هذه في سلوكنا. على سبيل المثال، يمكن أن ننظر إلى أنفسنا من منطلق النوع الاجتماعي كرجال أو نساء، أو كأتباع لهذا الدين أو ذاك، أو كأفراد في هذا العِرق أو ذاك أو هذه الجنسية أو تلك. وقد نرى أنفسنا من منظور الأسرة، كأب أو أم، على سبيل المثال. ويمكن أيضًا أن نحدِّد هويتنا تبعًا لمهنتنا، أو مستوى تعليمنا أو إنجازاتنا. ووفقًا للمنظور الذي نتبناه، نطرح توقعاتٍ مختلفة عن أنفسنا. وهذا بدوره يؤثر في سلوكنا، بما في ذلك تعاملنا مع الآخرين.
لكل فرد هويته المستقلة. ولذلك، فمن المهم للغاية في أي محاولة لوَضع نهجٍ عالميٍّ حقيقي للأخلاق أن يكون لدينا فهمٌ واضح لما يوحِّدنا جميعًا، وهي إنسانيتنا المشتركة. إننا جميعًا من البشر؛ السبعة مليارات نسمة بأكملهم بشر. وفي هذا الصدد، جميعنا متشابهون بنسبة مائة بالمائة.
في البداية إذن، دعونا نفكِّر فيما يجعل منا بشرًا حقًّا. حسنًا، أولًا وقبل كل شيء، إنه واقعنا المادي البسيط: جسمنا هذا المكوَّن من عدة أجزاء من عظام وعضلات ودم، والكثير جدًّا من الجزيئات والذرات وما إلى ذلك.
على المستوى المادي الأساسي، لا يوجد فرقٌ نوعي بين المادة التي يتكون منها جسم الإنسان والمادة التي تتكوَّن منها كتلة من الصخر على سبيل المثال. فمن حيث التكوين المادي، تتألف كلٌّ من كتلة الصخر وأجسامنا البشرية في جوهرها من مجموعات من الجسيمات الدقيقة. يقترح العلم الحديث أنَّ جميع مواد الكون هي موادُّ يُعاد تدويرها على نحوٍ لا نهائي. والأكثر من ذلك أنَّ العديد من العلماء يذهبون إلى أنَّ ذرات أجسامنا نفسها كانت ذات يوم في نجومٍ بعيدة في الزمن والمكان.
ومع ذلك، فمن الواضح أنَّ الفئة التي ينتمي إليها الإنسان تختلف تمامًا عن الفئة التي تنتمي إليها كتلةٌ صخرية. إننا نُولد، وننمو، ثم نموت، وكذلك هي الحال في النباتات وجميع الحيوانات الأخرى. لكننا بخلاف النباتات، نتمتع أيضًا بتجربةٍ واعية. فنحن نشعر بالألم ونختبر المتعة. إننا كائناتٌ واعية، وهو ما نسمِّيه في اللغة التبتية «سيمدن».
خلال إحدى المناقشات العديدة التي أجريتها مع صديقي الراحل عالِم الأعصاب فرانسيسكو فاريلا، تحدَّثنا عما يميز أشكال الحياة الواعية عن أشكال الحياة النباتية. وحسبما أتذكَّر، فقد اقترح معيارًا لهذا التمييز: «قدرة كيانٍ ما على تحريك نفسه من مكان إلى آخر»، أو كلماتٍ أخرى بهذا المعنى. إذا كان الكائن الحي يستطيع نقل جسمه بأكمله من مكان إلى آخرَ للهروب من الخطر والبقاء على قيد الحياة، أو للحصول على الغذاء والتكاثر، فيمكن إذن اعتباره كائنًا واعيًا. أثار هذا التعريف اهتمامي لأنه يشير، حتى من وجهة نظر علمية، إلى أن ما يميِّز مثل هذا الكائن الحي مرتبط بالقدرة على الشعور بالمتعة والألم، وبالاستجابة لهذه المشاعر، حتى وإن كانت هذه الاستجابات غريزية في معظمها أو حتى بأكملها. فعلى مستوًى أساسي للغاية، تُعدُّ قدرة المرء على الاستجابة لبيئته المحيطة من خلال التجربة الواعية هو ما يمكننا اعتباره «العقل»، بالمعنى الأوسع للكلمة.
ليس هذا بالمكان المناسب للشروع في معالجةٍ مطوَّلة للقضية الكبيرة المتمثلة فيما يشكِّل «العقل»، والطرق التي يتميَّز بها العقل البشري عن غيره من عقول الكائنات الأخرى؛ ولذا سأكتفي بذكر القليل عن هذا الشأن هنا.
إن المكونات الأساسية للتجربة البشرية، وفقًا للعلم الحديث، هي بيانات حواسنا: البصر، والسمع، واللمس، والتذوق، والشم. وفي مستوًى آخر من الإدراك، تكمن خبراتنا الذاتية لهذه الأحاسيس الأساسية، وهو المستوى الذي يتحدَّد فيه إن كنا نختبرها كتجاربَ ممتعة، أو مزعجة، أو محايدة، أو مزيج من هذا كله. وحسبما نعرف حتى الآن، فإننا نتشارك في هذا النوع من الإدراك للتجربة الحسية من متعة أو ألم مع حيواناتٍ أخرى. فيبدو أنَّ الطيور والثدييات على سبيل المثال، تدرك التجربة الحسية على نحوٍ شبيه للغاية بطريقة إدراكنا لها، بينما يبدو أن أنواعًا أخرى من الحيوانات، مثل الأسماك والحشرات، تختلف عنا اختلافًا كبيرًا في هذا الصدد.
وبصرف النظر عن اتساع نطاق الوعي وتنوُّعه عبر أنواع الحيوانات المختلفة، فمن الواضح أن جميع الكائنات التي تتمتع بتجربةٍ واعية تتجه نحو السعي وراء التجارب الممتعة وتجنُّب التجارب غير السارة أو المؤلمة. وفي هذا الجانب الأساسي، لا نختلف نحن البشر عن الحيوانات الأخرى. فعلى غرار الحيوانات، نسعى لتجنُّب المعاناة وننجذب انجذابًا طبيعيًّا نحو التجارب الممتعة أو السعيدة.
لكن إذا كان هذا التوجُّه الأساسي سمةً مميِّزة للكائنات الواعية في العموم، فإن البشر يشكِّلون فئةً خاصة نسبيًّا. فلا شك أنَّ الخبرة الإنسانية تنطوي على ما هو أكثر من الاستجابة للتجربة الحسية. نحن لسنا كالكلاب أو القطط، على سبيل المثال، التي تستجيب بشكلٍ عام لتجاربها بناءً على غريزتها فقط. لقد تطور لدينا، نحن البشر، على مدى عدة آلاف من السنين، تعقيدٌ هائل يميزنا عن جميع الحيوانات الأخرى. وينعكس هذا الاختلاف في الحجم الكبير لأدمغتنا ذات القشرة الجبهية المتطورة بدرجةٍ أكبر كثيرًا مما هي عليه في أدمغة الأنواع الأخرى.
(٢) الوعي البشري والتعاطف
في مناقشتي لتعقيد العقل البشري، لا أقصد عملياتنا الفكرية أو العقلانية فحسب وقدرتنا على التفكُّر الذاتي، وإنما النطاق الكامل لتجربة الوعي التي نختبرها، والتي لا تقتصر على الأفكار والخيال والذاكرة فحسب وإنما تشمل المشاعر والعواطف أيضًا. الواقع أنني حين أتحدَّث عن «العقل» أو «التجربة» بهذه الطريقة العامة نوعًا ما، أفكِّر عادةً في الكلمتَين التبتيتَين: «سِم» (العقل) و«شيبا» (الإدراك)، وكلتاهما لا تشير فحسب إلى الأنشطة الفكرية السائدة التي عادةً ما ترتبط بكلمات مثل «العقل» و«ذهني» في اللغة الإنجليزية وغيرها من اللغات الغربية، بل إلى جميع مجالات تجربتنا الداخلية، بما في ذلك المشاعر والعواطف التي غالبًا ما تُوصَف في تلك اللغات على أنها أمورٌ متعلقة بالقلب.
منذ حين، بدأ العلماء الغربيون في إجراء اختباراتٍ عصبيةٍ علمية على ممارسي التأمُّل لوقتٍ طويل من التبتيين، وذلك لقياس الآثار البيولوجية لممارساتهم التأملية. قيل لي إنَّ العلماء في إحدى المناسبات، كانوا يتحدثون عن تجربتهم مع مجموعة من الرهبان في دير «نامجيال» هنا في دارامسالا. ولتوضيح تقنياتهم، ارتدى أحد العلماء على رأسه قبعةً بيضاء تبرز منها كتلةٌ كبيرة من الأسلاك والأقطاب الكهربائية. وعندما رآه الرهبان على هذا، انفجر بعضهم في الضحك. ظنَّ العلماء أنهم كانوا يضحكون على المنظر الغريب لعالِمٍ غربي بأسلاكه المتصلة برأسه. لكن اتضح أنهم كانوا يضحكون أيضًا لدهشتهم من أن الأسلاك كانت متصلة بالرأس فقط دون أي جزءٍ آخر من الجسد. فعلى أية حال، إذا كان الغرض هو قياس صفات مثل الرأفة أو الحنان الناشئ عن الحب، أفلا يكون لأجزاءٍ أخرى من الجسم، كالقلب، الأهميةُ ذاتها؟ في هذه الأيام، صرنا على درايةٍ أفضلَ بالنماذج العلمية المعاصرة ولم نَعُد نندهش كثيرًا من المركزية التي يوليها العلم الحديث للدماغ. وقد غيَّر العلماء أيضًا طرقهم إلى حدٍّ ما؛ إذ تشمل الآن إجراء قياسات للكشف عن التغيرات في القلب.
عند التطرُّق لما يميز عقل الإنسان عن عقول الكائنات الأخرى، تظهر على الفور بعض السمات الرئيسية. فنحن البشر نتمتَّع بقدرةٍ قوية وبارعة على التذكر، وهي على ما يبدو أكبر بكثير من تلك الموجودة لدى العديد من الحيوانات الأخرى؛ مما يسمح لنا بالذهاب بأفكارنا إلى الماضي. ونحن نتمتع أيضًا بالقدرة على الذهاب بأفكارنا إلى المستقبل. علاوة على ذلك، فإن لدينا خيالًا قويًّا للغاية وقدرةً شديدة التطور على التواصل باستخدام لغةٍ رمزية. ولعل الأمر الأكثر تميزًا هو أن لدينا القدرة على التفكير المنطقي؛ القدرة على التقييم النقدي ومقارنة النتائج المختلفة في كلٍّ من المواقف الحقيقية والخيالية. وبالرغم من أن الحيوانات الأخرى قد يكون لها بعض هذه القدرات بدرجةٍ محدودة، فهي لا تتطابق مع البشر في مستوى تعقيدها.
إلى جانب هذه السمات، لدينا خاصيةٌ أخرى أساسية للغاية في هويتنا كبشر؛ وهي قدرتنا الغريزية على التعاطف. لسنا وحيدين في ذلك بالطبع. فبعض الحيوانات تصدر عنها سلوكياتٌ يبدو أنها تدل على التعاطف. ومع ذلك، فهي سمةٌ إنسانيةٌ جوهرية. عندما نرى شخصًا يتألم، حتى وإن كان غريبًا في الشارع أو ضحيةً لكارثةٍ طبيعية نشاهدها في التلفزيون أو نسمع عنها في الراديو، فإننا نستجيب استجابةً غريزية لمعاناته. ولا يتوقف الأمر عند هذا فحسب، بل نشعر أيضًا بدافعٍ غريزي للقيام بشيء حيال الأمر؛ لمساعدة ذلك الغريب في الشارع، أو للتخفيف من معاناة مَن نراهم على شاشات التلفزيون، وذلك بصرف النظر عما إذا تصرفنا بناءً عليه أم لا.
ينطبق الأمر نفسه عندما نرى الناس ينتصرون على الشدائد؛ إذ تتيح لنا قدرتنا الفطرية على التعاطف مع تجارب الآخرين أن نشاركهم فرحتهم. أعتقد أن جزءًا من السبب في أنَّ الكثيرين منا يحبون مشاهدة الأفلام، والألعاب الرياضية، والمسرحيات، وقراءة الكتب المسلية، وغير ذلك؛ هو أنها، بخلاف ما تقدِّمه لنا من إثارة، تمنحنا الفرصة للشعور بأفراح الآخرين وأحزانهم كما لو كانت أفراحنا وأحزاننا. إننا نستمتع بطبيعتنا بتجربة التعاطف، وننشدها كثيرًا في حياتنا. ومن الأمثلة على هذا، ذلك السرور الذي يشملنا حين يفرح الأطفال الصغار؛ إذ نحب أن نرى وجوههم متوهِّجة عندما نبتسم لهم، أو نعطيهم شيئًا، أو نحكي لهم قصة. وعلى غرار ذلك أيضًا، فإننا نستمتع تلقائيًّا بسعادة أحبائنا. الجميع يُفضِّل رؤية الآخرين مبتسمين على رؤيتهم عابسين.
ولأننا حيواناتٌ اجتماعية؛ أي نظرًا لأن بقاءنا وازدهارنا يعتمدان على كوننا جزءًا من مجموعة أو مجتمع، فإنَّ لقدرتنا على التعاطف آثارًا عميقة على طلبنا للسعادة والرفاهية.
(٣) السعادة والمعاناة
أعتقد أنَّ الزعم بأننا جميعًا نسعى إلى حياةٍ سعيدة هو زعم لا يحتاج إلى تبرير. ما من أحد يتمنَّى الصعوبات أو المشكلات. وهذا شيء تؤكِّده بنية أجسادنا. ذلك أنَّ العلوم الطبية تشير على نحوٍ متزايد إلى أن الشخص الذي يشعر بالسعادة والسكينة، وتخلو حياته من الخوف والقلق، سوف يتمتع بفوائدَ صحيةٍ ملموسة. من المنطقي كذلك أنه حتى الأشخاص المصابون بالمرض يكونون أفضل كثيرًا إذا كانوا يتمتعون بمنظور إيجابي. ولهذا؛ ثمَّة حقيقةٌ بسيطة في رأيي تتمثَّل في أنَّ جسدنا البشري هذا ينشد الحياة السعيدة. فالعقل السعيد هو عقلٌ سليم صحيًّا، والعقل السليم صحيًّا مفيد للجسم.
غير أنَّ سعادة الإنسان ومعاناته ليستا مباشرتَين، وذلك على العكس من الحيوانات الأخرى. فقد يجد الكلب السعادة عندما يتناول وجبةً جيدة ثم يذهب إلى الشرفة للاستلقاء. وعلى الرغم من أننا قد نستوعب مثل هذه المتع البسيطة، فمن الجلي أنها ليست كافية بأي حال من الأحوال لتحقيق الرضا الحقيقي للبشر.
إنَّ السعي البشري الدائم لتحقيق السعادة وتجنُّب المعاناة لا يفسِّر أعظم الإنجازات البشرية فحسب، بل يفسر أيضًا التطور الذي شهده دماغنا الكبير هذا على مدى آلاف السنين. أعتقد أنَّه حتى مفهوم الدين ذاته قد نشأ عن هذا السعي. ذلك أننا نواجه حتمًا في مسار الحياة مشكلاتٍ تفوق قدرتنا على التحكم. ولهذا؛ فللحفاظ على الأمل وارتفاع معنوياتنا، نطوِّر مفهوم الإيمان، ولكي ندعم الإيمان نلجأ إلى الصلاة، والصلاة عنصرٌ جوهري في الدين. وعلى المنوال نفسه أقترحُ أنَّ الإنجازات البشرية الاستثنائية في العلوم والابتكارات التكنولوجية على مدى القرون القليلة الماضية قد نشأت عن الرغبة في التغلب على المعاناة وتحقيق السعادة.
وعلى أية حال، فبالرغم من أن تطورنا العقلي الاستثنائي يميزنا — نحن البشر — عن أشكال الحياة الأخرى ويدفع النجاح المذهل لنوعنا، فإن هذا التعقيد العقلي ذاته، هو في الوقت نفسه مصدر للعديد مما نواجهه من المشكلات والصعوبات الأكثر استمرارًا. معظم المشكلات التي نواجهها في العالم اليوم، مثل الصراع المسلح والفقر والظلم والتدهور البيئي، قد نشأت واستمرت بفِعل النشاط البشري المعقَّد. علاوة على ذلك، فإن المصادر الأشد إلحاحًا للمعاناة الداخلية على المستوى الفردي؛ الخوف والقلق والتوتر على سبيل المثال، ترتبط هي أيضًا ارتباطًا وثيقًا بتعقيد عقولنا وبمخيلاتنا المستعدة للإثارة.
(٤) المساواة الجوهرية
إننا جميعًا متماثلون جوهريًّا في سعينا لتحقيق السعادة وتجنُّب المعاناة؛ ومن ثمَّ متساوون. هذه نقطةٌ مهمة. ذلك لأننا إذا تمكنا من دمج إدراكنا لهذه المساواة الإنسانية الجوهرية في نظرتنا اليومية، فأنا واثق تمامًا من أن ذلك سيعود بفائدةٍ كبيرة علينا كأفراد، لا على المجتمع بشكلٍ عام فحسب. أنا عن نفسي متى ما التقيت بالناس، سواء أكانوا رؤساءَ أم متسولين، من السود أم من البيض، قصارَ القامة أم طوالًا، أغنياء أم فقراء، من هذا الشعب أم من شعب آخر، من معتنقي هذا المعتقد أم ذاك، أحاول أن أتعامل معهم بوصفهم بشرًا فحسب يسعون، مثلي، لتحقيق السعادة ويرغبون في تجنُّب المعاناة. أجد أنَّ تبني هذا المنظور يولد شعورًا طبيعيًّا بالقرب حتى مع أولئك الذين كانوا حتى تلك اللحظة غرباء عني تمامًا. فعلى الرغم من كل السمات الفردية التي نتمتع بها، وبغضِّ النظر عن التعليم الذي تلقَّيناه أو المكانة الاجتماعية التي ربما نكون قد ورثناها، وبصرف النظر أيضًا عما حققناه في حياتنا، فنحن جميعًا نسعى لإيجاد السعادة وتجنُّب المعاناة خلال حياتنا القصيرة هذه.
ولهذا كثيرًا ما أشير إلى أنَّ العوامل التي تقسِّمنا هي في الواقع أكثر سطحيةً بكثير من تلك التي نشترك فيها. فرغم جميع السمات التي تميزنا: العِرق واللغة والدين والنوع الاجتماعي والثروة وكثير غيرها، جميعنا متساوون من حيث إنسانيتنا الأساسية. والعلم يثبت هذه المساواة. فقد أظهر تسلسل الجينوم البشري، على سبيل المثال، أن الاختلافات العِرقية لا تشكِّل سوى جزءٍ ضئيل من تركيبتنا الجينية التي نتشارك جميعًا في الغالبية العظمى منها. حقيقة الأمر أنه على مستوى الجينوم، تظهر الاختلافات بين الأفراد أكثر وضوحًا مما هي عليه بين الأعراق المختلفة.
في ضوء هذه الاعتبارات، أعتقد أنه قد حان الوقت لكلٍّ منا كي يبدأ في التفكير والتصرف على أساس هويةٍ مترسخة في عبارة «نحن بشر».