الرأفة: أساسُ الرفاهية
مثل جميع الثدييات الأخرى، نُولد — نحن البشر — من أمهاتنا، ونظل لبعض الوقت بعد الميلاد معتمدين اعتمادًا تامًّا على اهتمام أمهاتنا أو غيرهن من مقدِّمي الرعاية البالغين. لمدة تسعة أشهر نتغذَّى في أرحام أمهاتنا، وفي لحظة الميلاد نكون لا حول لنا ولا قوة. لا يمكننا الجلوس أو الزحف، فضلًا عن الوقوف أو المشي، فلا يمكننا البقاء على قيد الحياة من دون عناية الآخرين واهتمامهم بنا. وفي حالة الضعف المطلق تلك، يكون أول عمل لنا كأطفالٍ حديثي الولادة هو الرَّضاعة من أثداء أمهاتنا. وبلبنهنَّ نتغذى ونحصل على القوة. والواقع أنَّ فترة الاعتمادية لدى صغار البشر طويلة على نحوٍ خاص. وينطبق هذا علينا جميعًا، بما في ذلك حتى أسوأ المجرمين. فلولا الرعايةُ المُحبة التي نتلقَّاها من الآخرين، لما عاش شخصٌ منَّا أكثرَ من بضعة أيام. ونتيجة لهذه الحاجة الشديدة إلى الآخرين في المرحلة المبكرة من نموِّنا، فإنَّ النزعة نحو العاطفة جزء من تكويننا البيولوجي.
تلك سِمة نتشارك فيها مع العديد من الثدييات الأخرى، ومع الطيور أيضًا؛ أي مع كل تلك الكائنات التي يعتمد بقاؤها في مراحل النمو المبكرة على تلقِّي الرعاية من الآخرين. ومن الجلي أنَّ جميع هذه الحيوانات تعرف شكلًا من أشكال الشعور بالاتصال أو الترابط. حتى إذا كنا لا نستطيع أن نسمي هذا الشعور بالعاطفة على نحوٍ صريح، فجميع هذه الكائنات تتمتع بشكلٍ ما من مشاعر القرب. وفي المقابل، نختلف نحن عن السلاحف أو الفراشات، التي تضع بيضها ثم تتركه ولا ترى نسلها بعد ذلك أبدًا. لا توجد لهذه الحيوانات فترة تنشئة، ولهذا فإنني أتساءل إن كان بإمكانها إدراك العاطفة أم لا. منذ عهدٍ قريب خلال حديث في جامعة أكسفورد، اقترحتُ بشيءٍ من المُزاح أن يجري العلماءُ الحاضرون بعضَ الأبحاث في هذا الشأن. هل تتعرف تلك الحيوانات التي لا تتطلب أي فترة للتنشئة على والدَيها، على سبيل المثال؟ أشك في ذلك نوعًا ما. وهو شيءٌ سأكون مهتمًّا للغاية برصده.
أما بالنسبة إلى البشر، فمن الجلي مع فترة تنشئتنا الطويلة أنَّ اهتمام الآخرين وعاطفتهم يؤدي دورًا جوهريًّا لبقائنا ورفاهيتنا. إنَّ الأبحاث الطبية الحديثة توضح أن الاتصال الجسدي من الأم أو من الشخص المُقدِّم الرعاية خلال فترة الطفولة المبكرة يمثِّل عاملًا جوهريًّا في زيادة حجم الدماغ. ويؤكِّد علم النفس الحديث أنَّ الرعاية التي نتلقَّاها في سن الرضاعة والطفولة تترك أثرًا عميقًا في تطورنا العاطفي والنفسي. يشير هذا البحث أيضًا إلى أن الأشخاص الذين يفتقرون إلى العاطفة في فترة الطفولة أكثر عرضةً لأن ينتابهم في الحياة بعد ذلك شعورٌ مترسخ بانعدام الأمان.
ثمَّة برنامجٌ سمعتُ عنه منذ بضع سنوات يعمل على تحسين الرعاية التي تُقدِّمها دُور الأيتام في بعض الأماكن المضطربة في أمريكا اللاتينية. وبالرغم من أنَّ التدابير التي يدعمها هذا البرنامج هي ثمار أبحاثٍ علمية ونفسيةٍ مهمة، فهي أيضًا أمورٌ بسيطة للغاية وتدركها الفطرة السليمة؛ إذ تعكس جميعها الدور الجوهري للدفء البشري والعاطفة في تطورنا النفسي والبدني. تتضمَّن هذه التدابير، على سبيل المثال، إسكان الأطفال في مهاجعَ أصغر وأكثر حميميةً، وتوزيعهم في مجموعاتٍ صغيرة على أفراد مقدمي الرعاية؛ حتى تُتاح لهم الفرصة لتطوير علاقةٍ شبيهة بالعلاقات الأسرية الطبيعية. وفي حالة الرُّضَّع، يحثُّ مقدمو الرعاية على ممارسة المزيد من الاتصال الجسدي والتحدث مع الأطفال والنظر في عيونهم أثناء تغيير حفَّاضاتهم وما إلى ذلك من الأعمال. وهذه التدابير، على الرغم من بساطتها، يمكن أن تُحدِث تأثيرًا يدوم مدى الحياة.
يتضح اعتمادنا على الآخرين بأكبر درجة في مرحلة الطفولة، لكنه لا ينتهي عندها. فكلما واجهنا صعوبات في الحياة، لجأنا إلى الآخرين للحصول على الدعم. عندما نمرض، على سبيل المثال، نذهب إلى الطبيب. وعلى مدار حياتنا بأكملها، تستفيد حتى صحتنا البدنية من مشاعر المودة والدفء البشرية البسيطة. إنَّ التعافي من المرض في حد ذاته لا يقتصر على تلقي العلاج الطبي المناسب أو وضع المواد الكيميائية المناسبة في مجرى دمائنا، بل يعتمد أيضًا إلى حدٍّ كبير على الرعاية البشرية التي نتلقاها.
تعزَّزت هذه الفكرة لديَّ مؤخرًا عندما خضعتُ لعمليةٍ جراحية في دلهي لإزالة المرارة. كان من المفترض أن تكون عمليةً جراحيةً بسيطة، لكن حدثت بعضُ المضاعفات، وما كان ينبغي أن يستغرق عشرين دقيقة قد استغرقَ أربع ساعات، واضطُرِرتُ إلى قضاء بضعة أيام للتعافي في المستشفى. ومن حسن الحظ أنَّ الأطباء والممرضات هناك كانوا طيبين وعطوفين معي للغاية، وأتذكَّر الكثير من الفرح والضحك. فلا يساورني كثيرٌ من الشك في أن بيئة الدفء الإنساني والسعادة التي ساهموا في خلقها ساعدت في التعجيل بشفائي.
نحن نعتمد أيضًا بشكلٍ كبير على دفء مشاعر الآخرين وعطفهم عندما نصل إلى نهاية حياتنا. كم هو من الأفضل كثيرًا أن نخرج من هذا العالم محاطين بالحب والعاطفة وفي بيئة من السلام والسعادة، عن أن نكون محاطين باللامبالاة أو العداء وفي بيئة من النزاع والاستياء! من وجهةِ نظرٍ عقلانيةٍ بحتة، ينبغي ألا نكترث لمشاعر الآخرين تجاهنا عندما نكون على وشك الموت؛ إذ لا يمكن لمواقفهم أن تؤثر فينا عندما نرحل. لكننا في الحقيقة نهتم بالأمر كثيرًا. فعند لحظة الموت، تهمنا النوايا الحسنة للآخرين على نحوٍ كبير. وهذه ببساطة إحدى حقائقِ الطبيعةِ البشرية.
ليس البشر وحيدين بالطبع في هذا الاعتماد على دفء مشاعر الآخرين ومودتهم. ذلك أنَّ الدراسات العلمية تسفر عن استنتاجاتٍ مماثلة فيما يتعلق بالثدييات الأخرى المختلفة التي تحتاج أيضًا إلى فترة التنشئة. على سبيل المثال، سمعتُ مؤخرًا عرضًا تقديميًّا لبعض العلماء بشأن سلوك القردة. وقد لاحظوا أن القرود الصغيرة التي عاشت مع أمهاتها كانت في الغالب أكثر مرحًا وأقل مشاكسةً من تلك التي انفصلت عن أمهاتها عند الولادة. فقد أظهرت تلك التي انفصلت عن أمهاتها سلوكًا عدوانيًّا؛ مما يشير إلى أنها مضطربة عاطفيًّا وتفتقر إلى الشعور الداخلي بالأمان. وأظهرت دراسةٌ أخرى دَور العناية بالتنظيف في التطور البدني المبكر للفئران. فحتى الفئران التي جرت تربيتها خِصِّيصًا لتكون قلقة، قد أظهرت استجابةً إيجابية لسلوك اللَّعْق بغرض التنظيف، وانحسر سلوكها القلِق تدريجيًّا تحت تأثير هذا الاهتمام. لقد تمكَّن العلماء أيضًا من تتبُّع التغيرات الجسدية في أدمغة هذه الحيوانات التعِسة، وأوضحوا أن التنظيف قد أطلقَ بالفعل موادَّ كيميائيةً مهدئة في الدماغ وخفَّضَ من مستويات هرمونات التوتر في الجسم.
لا أقصدُ من هذا كله أن أقترح أن رفاهيتنا سلبية تمامًا أو تعتمد على الطريقة التي يعاملنا بها الآخرون. فالأهم حتى مما نتلقاه من دفءٍ ومودة هو ما نمنحه للآخرين من دفءٍ ومودة. فمن خلال تقديم الدفء والعاطفة، ومن خلال الاهتمام الحقيقي بالآخرين؛ بعبارةٍ أخرى، من خلال الرأفة، نصل إلى شروط تحقيق السعادة الحقيقية. ولهذا السبب، فإن منح المحبة أهم حتى من أن يكون المرءُ محبوبًا.
الكثيرون من الناس يفترضون خطأً أنَّ الرأفة ممارسةٌ دينية. وليس ذلك بصحيح. فبالرغم من أن الرأفة جوهرية في التعاليم الأخلاقية لجميع التقاليد الدينية الكبرى، لكنها ليست قِيمةً دينية في حد ذاتها. فالكثير من الحيوانات تدركها وتقدِّرها مثلما قُلتُ، وتمتلك الثدييات القدرة على ممارستها بالطبع.
يفترض الكثير من الناس أيضًا أن الشعور بالتعاطف مع الآخرين هو أمرٌ جيد للآخرين فقط وليس لأنفسهم. وهذا أيضًا غير صحيح. ذلك أنَّ مسألةَ ما إذا كانت طيبتنا ستجلب النفع للآخرين أم لا، تعتمد على العديد من العوامل التي سيكون بعضها خارج نطاق سيطرتنا. لكن سواء أنجحنا في تحقيق النفع للآخرين أم لا، فإن المستفيد الأول من ذلك التعاطف هو أنفسنا دائمًا. عندما تنشأ فينا الرأفة أو الدفء ويتحوَّل تركيزنا بعيدًا عن مصلحتنا الذاتية الضيقة، فإن الأمر يغدو وكأننا فتحنا بابًا داخليًّا. تقلل الرأفة من خوفنا، وتعزِّز ثقتنا، وتجلب لنا قوةً داخلية. وبتقليلها لانعدام الثقة، تجعلنا منفتحين على الآخرين وتجلب لنا إحساسًا بالتواصل معهم وشعورًا بوجود هدف في الحياة ومغزًى منها. ثم إنَّ الرأفة تمنحنا أيضًا هُدْنَة من الصعوبات التي تواجهنا.
منذ وقتٍ مضى، في أثناء زيارتي لبود جايا، وهو موقعُ حجٍّ بوذي مهم في الهند، أُصِبتُ بعدوى شديدة في الجهاز الهضمي. كان الألم شديدًا لدرجةِ أنني اضطررتُ لإلغاء سلسلة التعاليم بأكملها التي كان من المقرر أن أُلقيَها هناك. شعرتُ بالأسف الشديد لإحباط آلاف الأشخاص الذين سافروا من أجل الحضور، وكثيرٌ منهم من أماكنَ بعيدة. غير أنني اضطُرِرتُ للذهاب إلى المستشفى بشكلٍ عاجل. وكان هذا يعني مروري بالسيارة عبر أفقر المناطق الريفية في الهند.
كان الألم يعتصر بطني. وفي كلِّ مرة تهتز فيها السيارة على الطريق، كنت أشعر بأنَّ الألم يغمرني. وعندما نظرتُ من نافذة السيارة، رأيتُ مشاهدَ من الفقر المستشري. رأيتُ أطفالًا يعانون نقصَ التغذية يركضون عُراةً في التراب. ولمحتُ رجلًا عجوزًا للغاية يرقد على سريرٍ نقَّال بالقرب من الطريق. بدا وحيدًا وليس لديه مَن يعتني به. وبينما استمرت السيارة في طريقها، لم أستطِع التوقُّف عن التفكير في مأساة الفقر والمعاناة الإنسانية. وقد لاحظتُ بعد ذلك أنه عندما تحوَّلت أفكاري من معاناتي إلى التأمل في مصاعب الآخرين، هَدَأَ ألمي.
إنَّ الملاحظة المتمثلة في أن اهتمامنا بالآخرين يسهم في تحقيق رفاهيتنا لها أيضًا ما يدعمها من الأبحاث العلمية. ذلك حيث توجد الآن أدلةٌ علميةٌ متزايدة على أن الحب والطيبة والثقة وما يشبهها من المشاعر، لا تعود بالفوائد النفسية فحسب، بل تعود أيضًا بفوائدَ ملحوظةٍ على الصحة البدنية. إنني أعرفُ دراسةً حديثة تُبيِّن أن تحرِّي تنمية الحب والرأفة يمكن أن يؤثر حتى في حمضنا النووي نفسه. وقد لوحِظَ هذا التأثير في أجزاء حمضنا النووي المعروفة باسم «التيلوميرات»، التي تربط العلومُ الطبية بينها وبين عملية التقدُّم في العمر.
علاوةً على ذلك، تبيَّن أيضًا أن المشاعر السلبية مثل القلق والغضب والاستياء تُقوِّض من قدرتنا على مكافحة المرض والعدوى. فقد أخبرني أحدُ أصدقائي من العلماء مؤخرًا أن مثل هذه المشاعر السلبية المستمرة تلتهم جهازنا المناعي في حقيقة الأمر.
منذ سنوات، حضرتُ عرضًا تقديميًّا في نيويورك اقترحَ فيه أحدُ علماء الطب أن الرجال الذين يكثرون في استخدام ضمائر المتكلم، مثل «أنا»، و«لي»، بدرجةٍ لا تتناسب مع الضمائر الأخرى، هم أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بالنوبات القلبية. لم يُقدِّم العرض حينها تفسيرًا للأمر، لكني كنت أرى أنَّ دلالته واضحة إلى حدٍّ كبير. إن كثرة استخدام ضمائر المتكلم تشير على الأرجح إلى مستوًى عالٍ من التركيز على الذات. والأرجح أنَّ هؤلاء الأشخاص أكثرُ عرضة للإجهاد والقلق اللذين يصاحبان التمركز حول الذات. ومن المعروف بالطبع أن الإجهاد والقلق مُضرَّان بالقلب. بالرغم من هذا، فأولئك الذين يكثرون من الحديث عن أنفسهم صادقون على الأقل، وذلك في رأيي أفضل من التظاهر بالتعاطف مع التمركز حول الذات في حقيقة الأمر!
إنَّ تلك العلاقة التي لا تنفصم، بين الحالة العقلية والوجدانية من ناحية وبين الرفاهية والصحة من ناحيةٍ أخرى، توحي لي بأنَّ بنية أجسامنا نفسها، ترشدنا إلى المشاعر الإيجابية. فمثلما أقول في كثير من الأحيان، يبدو أنَّ تقدير الحب والعاطفة يسكن في خلايا دمائنا.
حسنًا، ينبغي التوضيح أنه ما من خطأٍ جوهري في السعي وراء المصالح الفردية. وإنما هو على العكس من ذلك تعبيرٌ طبيعي عن نزعتنا الأساسية في السعي وراء السعادة وتجنُّب المعاناة. الحق أنَّ اهتمامنا باحتياجاتنا الخاصة هو ما يمنحنا القدرة الطبيعية على تقدير مودة الآخرين وحبهم. ولا تصبح غريزة المصلحة الذاتية هذه أمرًا سلبيًّا إلا عندما نفرِط في التركيز على الذات. فعندما يحدث هذا، تضيق رؤيتنا؛ مما يقوِّض قدرتنا على رؤية الأمور في سياقها الأشمل. وفي ظل هذا المنظور الضيق، يمكن حتى للمشكلات الصغيرة أن تُحدِث إحباطًا هائلًا، ويعتقد المرءُ أنها لا تُطاق. وعندما تظهر تحدياتٌ كبرى حقيقية ونحن في مثل هذه الحالة، يكمن الخطر في أننا سنفقد كلَّ أمل، ونشعر باليأس والوحدة، ويستنزفنا الإشفاق على الذات.
المهم في الأمر أنه عند السعي وراء مصلحتنا الذاتية، يجب أن نكون «أنانيين حكماء» وليس «أنانيين حمقى». والأنانية الحمقاء هي السعي وراء مصالحنا الخاصة بطريقةٍ محدودة قصيرة النظر. أما الأنانية الحكيمة فهي التحلي بنظرةٍ أشمل وإدراك أن مصلحتنا الفردية الطويلة الأجل تكمن في صالح الجميع. إنَّ الأنانية الحكيمة تعني أن نتحلى بالتعاطف.
إذن، فقدرة الإنسان على الاعتناء بالآخرين ليست شيئًا تافهًا أو شيئًا يمكن الاستهانة به. وإنما هي ملَكة ينبغي الاعتزاز بها. إنَّ التعاطف من عجائب الطبيعة البشرية، إنه موردٌ داخليٌّ نفيس، وهو أساسُ رفاهيتنا والانسجام في مجتمعاتنا. ولهذا، إذا كنا نسعى لتحقيق السعادة لأنفسنا، فعلينا أن نتحلى بالتعاطف، وإذا كنا نسعى لتحقيق السعادة للآخرين، فعلينا أيضًا أن نتحلى بالتعاطف!
(١) محبة أم
كانت أمي هي أول مَنْ عَلَّمني الرأفة. كانت زوجة مزارعٍ بسيطة وأُميَّة لا تفقه القراءة والكتابة، لكني لا أستطيع تصوُّر مثالٍ أفضل منها على شخصٍ متشبع بروح الرأفة حتى أعماقه. كلُّ مَن قابلها قد تأثَّر بلطفها ومودتها. كان هذا على النقيض من أبي، الذي كان حاد الطباع بدرجةٍ كبيرة، حتى إنه كان يصفعنا أحيانًا ونحن أطفال. ولأنني ابنُ أمي، فقد كنت محظوظًا بما يكفي لتلقي جرعةٍ خاصة من عاطفتها، وأنا على يقين من أن هذا ساعدني على أن أكون أكثر تراحمًا. ومع ذلك، فربما أكون قد أسأت استغلال طيبتها من وقتٍ لآخر حين كنتُ طفلًا. فعندما كانت تحملني على كتفَيها، كنت أقبض على أذنَيها بيدي. وعندما كنت أريدها أن تذهب إلى اليمين، كنت أجذب أذنها اليمنى. وعندما كنت أريدها أن تذهب إلى اليسار، كنت أجذب أذنها اليسرى. وإذا ذهبتْ في الاتجاه الخطأ، كنت أحدِثُ جلبةً كبيرة. وبالطبع كانت تكتفي بالتظاهر بعدم فهْم إشاراتي، وقد تحمَّلتْ نوباتي الصاخبة دون أن تغضب. الحقُّ أنني لا أتذكَّر أنَّ أمي فقدت أعصابها مع أي شخص. كانت شخصًا لطيفًا للغاية، ليس مع أطفالها فحسب، بل مع كل شخص قابلتْه.
لا شكَّ أن حب الأم لطفلها هذا هو حبٌّ بيولوجي إلى حدٍّ كبير. فغريزة الأمومة قوية للغاية، وتساعد الأم على التغاضي عن تعبها البدني وإرهاقها خلال رعايتها لطفلها. وليس لهذه التضحية بالنفس علاقة بمستواها التعليمي، أو بفهمها للأخلاق، أو بأي شيءٍ آخر، بل هي أمرٌ طبيعي تمامًا.
لقد تذكَّرتُ قوة عاطفة الأم تجاه طفلها حديث الولادة في أثناء رحلةٍ جوية بين اليابان وأمريكا قمتُ بها مؤخرًا واستغرقت ليلةً كاملة. جلسَ في الصف المجاور لي على متن الطائرة زوجان شابان بصحبتهما طفلان صغيران. كان الطفل الأكبر في الثالثة أو الرابعة من عمره تقريبًا، بينما كان الأصغر لا يزال رضيعًا، ربما يبلغ من العمر سنةً واحدة. فور أن أقلعت الطائرة، بدأ الطفل الأكبر يركض هنا وهناك، ممتلئًا بالطاقة والإثارة. استمر الأب في ملاحقته وإعادته إلى مقعده. في إحدى المرات، قدَّمتُ للصبي حلوى. أخذها دون أن يقول أيَّ شيء، ثم واصلَ السير في الأرجاء. في هذه الأثناء، كان الطفل الأصغر يبكي، وتناوب الوالدان على تهدئته وحمله ذهابًا وإيابًا في الممر. في النهاية، نالَ التعبُ من الصبي الأكبر ومكثَ لينام، لكن الرضيع كان لا يزال قلقًا واستمرَ في البكاء. في البداية، ساعد الأب في الاعتناء بالرضيع، ولكنه في النهاية جلسَ هو أيضًا لينام. في الصباح، لاحظتُ احمرار عينَي الأم. لم تنم، وقضت الليلة بأكملها في الاعتناء بالرضيع، لكني لم ألحظ أيَّ أثر للاستياء أو المرارة عليها؛ فقد كانت لا تزال ترعى أطفالها بحنان وتفانٍ رائعَين. أنا عن نفسي لا أتصوَّر أنني أستطيع أن أكون صبورًا إلى هذا الحد!
إنَّ هذا النوع من سلوك المحبة غير المشروطة؛ سلوك الأم تجاه مولودها، هو ما أعنيه عندما أتحدَّث عن الرأفة بصفتها مصدرَ جميع قيمنا الأخلاقية أو الروحية المشتركة. هذا هو الحب الذي يتجلَّى في الرمز المسيحي للعذراء مع طفلها يسوع، وهو ما أجده قويًّا للغاية.
(٢) مستويات الرأفة
إنني أميِّز بوجهٍ عام بين مستويين من الرأفة. الأول هو المستوى البيولوجي الذي كنت أصفه، وتمثله عاطفة الأم تجاه وليدها. والثاني هو المستوى الممتد، الذي يجب تنميته عَمدًا.
على الرغم من أن الرأفة في المستوى البيولوجي يمكن أن تكون غير مشروطة، كحب الأم لطفلها، فهي أيضًا متحيِّزة ومحدودة النطاق. ومع ذلك، فهي ذات أهميةٍ قصوى؛ لأنها البذرة التي يمكن أن تنمو منها الرأفة غير المنحازة. فيمكننا أن نستند إلى قدرتنا الفطرية على الود، ثم نعمل على تمديدها باستخدام ذكائنا وقناعتنا.
بشكلٍ عام، ننزع — نحن البشر — بدرجةٍ كبيرة لأن نشمل باهتمامنا الأشخاصَ الأقرب إلينا أولًا، ثم توسعة هذا الاهتمام ليشمل مجتمعنا الأوسع؛ أي أولئك الذين نتشارك معهم في اللغة، أو المكان، أو الدين، على سبيل المثال. ذلك طبيعيٌّ تمامًا ومن شأنه أن يكون فعالًا إلى حدٍّ كبير. فعندما ينبع حافزُ الأفراد من الإخلاص لقضيةٍ ما أو من مشاعر القرب تجاه مجموعة بعينها، يصبحون قادرين على فعل أشياءَ عظيمة. يمكن لمثل هذه المشاعر أن تجمع الناس معًا وتساعدهم على تجاوز مصلحتهم الذاتية الضيقة. وبهذا المعنى، تصبح هذه المشاعر نافعة. بَيدَ أنه من المؤسف أنَّ مثل هذه العلاقات القائمة على الأسرة أو المجتمع أو الأمة أو اللغة أو الدين، غالبًا ما يصاحبها تمييزٌ متصاعد بين «نحن» و«هم». المشكلة هي أننا عندما نرى أنفسنا من منظور هذه المجموعة أو تلك فقط، فإننا نميل إلى نسيان هويتنا الأوسع كبشر.
من العناصر الأساسية في هذه المشاعر المتحيزة هو ما يمكن أن نطلق عليه مصطلح «التعلُّق». ذات مرة، في مؤتمرٍ علمي في الأرجنتين، أخبرني أحد معلمي صديقي فرانسيسكو فاريلا أنه كعالِم ينبغي ألا يتعلق كثيرًا بمجال بحثه؛ لأن هذا قد يشوِّه قدرته على تقييم الأدلة بموضوعية. حين سمعتُ هذه الكلمات شعرتُ على الفور أنها لا بد أن تنطبق أيضًا على المجال الديني. فبصفتي بوذيًّا على سبيل المثال، يجب أن أسعى جاهدًا ألا يكون تعلقي بالبوذية مفرطًا. لأن ذلك ما سوف يعيق قدرتي على إدراك قيمة التقاليد الدينية الأخرى.
علاوة على ذلك، ففي ظل عنصر التعلق، غالبًا ما تعتمد عاطفتنا تجاه الآخرين واهتمامنا بهم على علاقة هؤلاء الآخرين بنا. إننا نهتم بمَن يعتنون بنا ويعاملوننا جيدًا. بالرغم من ذلك، فعندما تعتمد عاطفتنا على تحقيق أهدافنا وتوقعاتنا الشخصية، التي نُسقِطها على الآخرين، فستكون دائمًا شديدة الهشاشة. ومن ثمَّ، فما دامَ الآخرون يحققون توقعاتنا، يسير كلُّ شيء على ما يرام، لكنهم حالما يتوقفون عن ذلك، من السهل أن تتحول عواطفنا إلى استياءٍ، بل وحتى كراهية.
وعلى العكس من ذلك، فإن الرأفة الشاملة الممتدة ليست متجذِّرة في أي عنصر يتعلق بالذات، بل في الإدراك البسيط المتمثل في أن الآخرين جميعهم بشرٌ يطمحون مثلنا تمامًا إلى تحقيق السعادة وتجنُّب المعاناة. ومع هذا النوع من الرأفة، يكون شعورنا بالاهتمام بالآخرين مستقرًّا تمامًا ولا يتأثر بأي موقف قد يتخذونه منا. حتى لو هدَّدنا الآخرون أو أساءوا لنا بالكلام، فإننا نظل نشعر بالرأفة تجاههم ونظل مهتمين بصالحهم. ومن ثمَّ، فإنَّ الرأفة الحقيقية لا توجَّه نحو سلوك الأشخاص بل نحو الأشخاص أنفسهم.
لمَّا كانت مشاعر الاستياء والغضب والعداوة لا تعود علينا بأي نفع، فمن الجلي أنه من مصلحتنا أن ندعم موقفنا تجاه جميع الآخرين بهذا النوع الحقيقي غير المشروط وغير المتحيز من الرأفة. ولا شك بأنَّ ذلك سيجلب لنا المنافع.
ما أطالبُ به هو أن نتجاوز شعورنا المحدود أو المتحيز بالقرب من هذه المجموعة أو تلك أو بهذه الهوية أو تلك، وأن ننمِّي بدلًا من ذلك الشعورَ بالقرب من العائلة البشرية بأكملها. فمن الممكن أن يؤدي الموقف القائم على «نحن» و«هم» إلى الصراع وحتى الحرب، وهو ما يؤدي إليه بالفعل في كثير من الأحيان. ومن ثمَّ؛ فالأفضل كثيرًا والأكثر واقعيةً هو الموقف القائم على «نحن جميعًا».
•••
قد يبدو للبعض أن فكرة الرأفة العالمية هذه مثالية للغاية وربما حتى دينية. غير أنني لا أعتقد أنها مثالية للغاية. فالكثير من الأشياء التي نتعامل معها الآن كأمورٍ مُسلَّم بها، مثل فكرة التعليم الشامل، كانت لِتبدو مثاليةً للغاية في الماضي، لكنها تُعَدُّ الآن أفكارًا عملية تمامًا وضرورية بالفعل. أما عن القول بأن فكرة الرأفة العالمية هي فكرةٌ دينية، فأنا لا أوافق هذا الرأي. لا شك أن الإيثار والخدمة التي يوليها بعض الأشخاص للآخرين هي أمورٌ متجذرة في نُسُكهم الدينية، مثلما نجد في مبدأ خدمة الرب. لكن في الوقت نفسه، يوجد اليوم عددٌ لا يُحصى من الأشخاص في العالَم ممَّن يهتمون بالبشرية جمعاء، وهم مع ذلك لا يتَّبعون أي دين. يَرِدُ على ذهني الآن جميعُ الأطباءِ وعمَّالِ الإغاثة المتطوعين في أماكنَ مثل دارفور أو هايتي أو في أي مكان به نزاع أو كارثةٌ طبيعية. ربما يكون بعضهم من المؤمنين، لكن الكثيرين منهم ليسوا كذلك. إنَّ اهتمامهم لا يقتصر على هذه المجموعة أو تلك، بل هو مُوجَّه ببساطة إلى البشر. إنَّ دافعهم في ذلك هو الرأفة الحقيقية؛ العزم على التخفيف من معاناة الآخرين.
ولهذا؛ لا يساورني أدنى شك في إمكانية تعزيز الرأفة العالمية ضمن إطارٍ علمانيٍّ بحت. لقد قال لي صديقي القديم البروفيسور بول إيكمان ذات مرة، وهو أحد الرواد في مجال علم العاطفة، إنه حتى تشارلز داروين، مؤسِّس النظرية الحديثة في التطوُّر، كان يرى أنَّ «حُبَّ جميع الكائنات الحية هو أنبل صفات الإنسان».
إنني أتذكَّر جيدًا الاستجابة العالمية لإعصار تسونامي الآسيوي الذي حدثَ في ديسمبر من عام ٢٠٠٤. لقد فاجأني فَيْضُ الاهتمام العام الذي أعقبَ تلك الكارثة، ورأيتُ أنه تمثيلٌ قوي لوحدتنا كعائلة بشرية. ولم تكن تلك حالةً منفردة. ذلك أنَّ هذه الاستجابة قد تبعتها استجاباتٌ عالميةٌ مشابهة من الرعاية والاهتمام بالمآسي الأخيرة. ففي عصرٍ تنتقل فيه الأخبارُ بسرعةٍ كبيرة في جميع أنحاء العالم، نما إحساسُنا بالمجتمع واهتمامنا بمَن يبعدون كثيرًا عنا، على نحوٍ هائل. في أوائل القرن العشرين، كانت المشاعر القومية قويةً للغاية، بينما كان الوعي بإنسانيتنا ككل ضعيفًا للغاية. ففي تلك الأيام، كان الناسُ أقل وعيًا بما يحدث في مناطقَ أخرى أو قاراتٍ أخرى. أما الآن، فمع نقل وسائل الإعلام العالمية للأخبار بهذه السرعة، أصبح لدينا وعيٌ أعمق بالترابط بين الناس في كل مكان. وإلى جانب هذا، يبدو أن اهتمام الناس بالبشرية جمعاء، وإدراكهم لقيمة حقوق الإنسان الأساسية يتعمَّق أيضًا. وبالنسبة إليَّ، فإنَّ هذا التوجُّه مصدرٌ كبير للتفاؤل بشأن المستقبل.
إنَّ التحلي بهذا النوع من الاهتمام بجميع إخواننا من البشر لا يتطلب منا أن نكون أشخاصًا مميزين من أي نوع أو قديسين. فعلى العكس من ذلك، تكمن هذه الرأفة الشاملة لدى كلٍّ منا. خلال الديكتاتورية النازية مثلًا، بذلَ بعضُ الألمان كلَّ ما في وسعهم لحماية اليهود وإنقاذهم، مع تعريض حياتهم نفسها لخطرٍ جسيم. وعندما سُئِلوا عن سبب قيامهم بذلك، أجابَ معظمهم بأنهم شعروا بأنه واجبٌ عليهم، وأنَّ أي شخص كان ليفعل مثلما فعلوا لو كان في موقفهم. وقد كان هؤلاء الأشخاص عاديين تمامًا، مثلي ومثلك. فمن خلال التعاطف؛ ذلك الاهتمام بإخواننا من البشر، يصبح الجميعُ قادرين على القيام بأعمالٍ بطوليةٍ مماثلة.
ربما لا يزال بعضُ القراء يشعرون بشيءٍ من الرفض لفكرة الرأفة العالمية. فبينما يروقُ لهم هذا التوجُّه حين يتبناه الآخرون، قد يشعرون بأن تحليهم به سوف يستلزم منهم تحمُّل مسئولية «ويلات العالم»، وأنه ليس لديهم متسعٌ لكل هذه المعاناة الإضافية في حياتهم. وبمعنًى محدود، فمن الصحيح أنَّ الاهتمام بالآخرين ينطوي على المشاركة في مصاعبَ لا تخصُّنا. رغم ذلك، فإن التعبَ النابع من مشاركة ألم الآخرين يختلف تمامًا عن اختبار معاناتنا الشخصية على نحوٍ مباشر. عندما تتعاطف مع شخص في ضائقة، قد تشعر في البداية ببعض الإرهاق النفسي. لكنَّ اختيارك الطوعي بالانفتاح على صعوبات ذلك الشخص الآخر يُظهر شجاعةً، والشجاعة تمنح الثقة. وعلى النقيض من ذلك، عندما يكون الألم ألمك، فأنت لا تمتلك مثل هذه الحرية أو الاختيار. الفرق بين الحالتَين واضحٌ إذن.
علاوة على ذلك، على الرغم من أن الرأفة تنشأ من التعاطف، فإن الاثنين ليسا سواءً. يتميز التعاطف بكونه نوعًا من الرنين العاطفي؛ أي مشاركة مشاعر الشخص الآخر. أما الرأفة، فهي لا تقتصر على مشاركة الخبرات مع الآخرين، بل تنطوي أيضًا على الرغبة في رؤيتهم وقد ارتاحوا من معاناتهم. إنَّ التحلِّي بالرأفة لا يعني أنك ستظل على مستوى الشعور بالكامل، وهو الأمر الذي قد يكون مستنزفًا للغاية. فبالرغم من كل شيء، لم يكن الأطباءُ المتحلون بالرأفة ليصبحوا فعَّالين بقدرٍ كبير إذا ظلوا منهمِكين على الدوام في مشاركة مرضاهم في آلامهم. فالرأفة تعني الرغبة في القيام بشيءٍ ما للتخفيف من مصاعب الآخرين، وهذه الرغبة في المساعدة، بعيدةٌ كل البُعد عن جذبنا أكثر إلى الشعور نحن أنفسنا بالمعاناة، بل هي تمنحنا في واقع الأمر الطاقة والإحساس بالغاية والاتجاه. وعندما نتصرف بناءً على هذا الدافع، فإننا نستفيد أكثر، نحن ومَن حولنا.
بالرغم من ذلك، بما أنَّ الرأفة الشاملة تنطوي على توسعٍ تدريجي لدائرة اهتمام المرء بحيث تشمل في النهاية البشريةَ كلها، فإنها تحتاج إلى تنميةٍ مستمرة. ومن خلال توظيف ذكائنا وقناعتنا بضرورتها وقيمتها، نتعلم تدريجيًّا كيفية تمديد نطاق اهتمامنا وتوسيعه، نبدأ بعائلتنا القريبة أولًا، ثم نضمِّن كلَّ مَنْ نتعامل معهم، بما في ذلك أعداؤنا بصفةٍ خاصة، ثم عائلتنا البشرية بأكملها، وحتى جميع الكائنات.
(٣) التدريب على الرأفة
أولئك الذين يؤمنون بالأديان لديهم مواردُ غنيةٌ لتنمية الرأفة، ويمكن للنُّهج الدينية أن تقدِّم مواردَ عظيمةً للإنسانية بأكملها. لكن الدين ليس ضروريًّا لتنمية الرأفة. فثمة أساليبُ علمانيةٌ للتدريب على الرأفة تُستخدم بالفعل، بل إن فعاليتها قد أُثبتت علميًّا أيضًا. يبدو أنَّ تنمية القيم الداخلية تشبه التمارين البدنية إلى حدٍّ كبير. كلما درَّبنا قدراتنا بدرجةٍ أكبر، أصبحت أكثر قوة. فعلى سبيل المثال، أظهرت أبحاث علم الأعصاب التي أجراها صديقي القديم البروفيسور ريتشارد ديفيدسون أنه حتى الفترات القصيرة من التدريب على الرأفة، حتى وإن كانت بقصر أسبوعَين فحسب، يمكن أن تؤدي إلى تغييراتٍ يمكن ملاحظتها في أنماط الدماغ، إضافةً إلى زيادة النزعة تجاه العطاء الخيري. إنني آمل أن يمهِّد مثل هذا البحث الطريقَ لإدخال التدريب على الرأفة في المدارس، وهو أمرٌ قد يكون مفيدًا للغاية. ذلك أنَّ التعليم الحديث يرتكز بدرجةٍ كبيرة على القيم المادية. لكن مثلما أشير في كثير من الأحيان، من الضروري ألا نهمل تثقيف قلوب أطفالنا بينما نثقِّف عقولهم، وتغذية طبيعة الرأفة لديهم من العناصر الأساسية في تثقيف القلوب. وسوف أعود إلى مناقشة هذا الموضوع فيما بعدُ.