الأوراق المسروقة تُغير وجهتها
عند الساعة الحادية عشرة إلا خمس دقائق تمامًا، أخلى فازولي الحانة، ثم أغلق الباب المزدوج الأمامي لتشيركولو فينيتسيا. وقد جلب إغلاقه المبكِّر غير المُعتاد اعتراضاتٍ شديدة من بعض زبائنه، والتي لم يُعِرها انتباهًا على الإطلاق. لكن العجيب في الأمر، أن أكثر شخص توقَّع منه إثارة المشاكل، وهو باولو فانادي، لم يُثر أيًّا منها مُطلقًا؛ لأنه عندما بدأ في جمع الأكواب المتَّسخة، كان ذلك الرجل، بعد أن تمادى في السُّكْر حتى وصل إلى حالة حمقاء، قد اختفى ببساطة.
وبعد أن أغلق الحانة، لم يَشرع فازولي في تنظيفها كالمعتاد، لكنه صعد للغرفة العلوية، وجلس ينتظر بجانب الهاتف. وعند الساعة الحادية عشرة إلا دقيقتَين رن جرس الهاتف. وسمع عبره نفس الصوت البارد الذي تحدَّث مع ماسكاني قبل ذلك هذا المساء.
حيث قال: «أنا قادم إليك، عند الباب الخلفي، بعد ثلاث دقائق بالضبط.» وتابع: «أحضر الأوراق التي أعطاها لك ماسكاني اليوم كي تَحفظها في مكانٍ آمن. ليس لديَّ رغبة في البقاء أكثر من اللازم. هل ماسكاني عندك؟»
قال، على نحو مُتردِّد: «كلَّا يا سنيور، لكني أتوقَّع وصوله بين لحظةٍ وأخرى. لم تبلغ الساعة الحادية عشرة بعدُ يا سنيور. إن ماسكاني شخص مُطيع.» وتابع: «لا بدَّ أن شيئًا غير مُتوقَّع قد أخَّره. ثِق أن فلو سيُنفِّذ الأوامر.»
وبمجرَّد أن قال هذا سمع صوت صفيرٍ مُنخفِضًا غريبًا يأتي من الساحة الخلفية.
فقال: «إنَّ ماسكاني قد عاد الآن يا سنيور. لقد سمعتُ صوت صفيره.»
وبعد أن وضع سماعة الهاتف أسرع إلى الباب الخلفي، وسحب المزلاج، وفتحه بحِرص. فدخل ماسكاني بمُفردِه.
قال له فازولي: «لقد اتَّصل للتو.» وأضاف: «وسيأتي خلال دقيقتَين أو ثلاث.»
زمجر ماسكاني قائلًا: «أتمنَّى أن تَنكسِر رقبته اللعينة وهو في الطريق إلى هنا.» وتابع: «إنه يُريد الأوراق، عليك أن تُجهزها. فسموُّه لا يُحبُّ الانتظار، تبًّا له.»
نظر إليه فازولي على نحوٍ غريب، وبدا للحظةٍ أنه على وشك أن يقول شيئًا ما. لكن مِن الواضِح أنه تراجَع عن ذلك ومِن ثم اتَّجه ثانيةً نحو الباب الخلفي.
وقال: «أغلِقه بعد أن أُغادر.» وأضاف: «وافتحْه عندما يأتي.»
وانتظر خارج بابه حتى سمع ماسكاني وهو يَسحب المزلاج. وفجأة، ولكن على بُعد مسافة قصيرة، انطلق وسط هدأة الليل صوت شجارٍ صاخِب عنيف، علا خلاله جدال بصوتٍ هيستيري عالٍ. تَعرف فازولي على الصوت بقدرٍ كبير من الارتياح؛ فقد كان صوت ذلك المجنون، باولو فانادي، وقد وقَع في قبضة الشرطة مرة أخرى! ولولا الأموال التي كان يُنفقها بسخاء خلال زياراته المُتقطِّعة للحانة، لتمنَّى فازولي أن يظلَّ في قبضتهم مدى الحياة. كان الشجار الصاخب لا يزال على أشده بينما كان يسير في طريقه عبر ساحةٍ صغيرة والتي تُعتبر مكانًا غير آمن بالفعل لأي غريب يحاول المرور عبرها في هذا التعتيم الحالك، لكن مالك الحانة عبَرَ عقباتها بكل ثقة نحو كوخ مُتهالك عند زاوية الساحة. ومن ثم اختفى بداخله، وبمجرد أن فعل، اختفى صوت الشجار الصاخب البعيد على نحوٍ مفاجئ يُوحي بأنه قد جرت السيطرة في النهاية على فانادي غير المنضبط، غالبًا بهراوة شرطة.
بمجرَّد أن اختفى فازولي فُتحت بحرص بوابة خلفية تؤدي إلى زقاق، ودخل منها شخصان آخران إلى الساحة. لا بد أن الشخص الذي في المقدمة كان يتمتَّع بعينَين حادَّتَين مثل عينَي قطٍّ كي يتفادى الاصطدام بشيء، أو أنه، مثل فازولي، يَعلم تفاصيل المكان بدقَّة تُمكِّنه من عبوره مغمض العينين. وبعد لحظاتٍ نقر بطريقة غريبة على الباب؛ وبدون تردد سحب ماسكاني المزلاج وفتح الباب.
كان المفتِّش مكارثي سيتعرَّف على الفور على أول من دخل، رغم أنه كان يُخفي وجهه تقريبًا الآن، إذ كان سيُدرك أنه الرجل الذي كان يتناول العشاء في مطعم السنيورا سبادوجليا في الليلة الماضية؛ الرجل الذي أطلق عليه في ذهنه وميَّزه باسم: «الرجل ذي العينين ذواتَي اللون الأزرق الثلجي». وفي هذه اللحظة لم يكن لون عينَيه الغريبتي المظهر بلون الثلج بقدر ما كان بلون الصلب المصلد بالتبريد. وكانت ملابسه مختلفة تمامًا عن تلك التي كان يَرتديها الليلة السابقة، حيث كان يرتدي بدلة من صوف التويد ومِعطفًا ثقيلًا من نفس المادة، والذي رفع ياقته حتى أُذنيه. وأسدل قبعته المرنة المصنوعة من اللباد التي يرتديها فوق رأسه على عينيه كي يداري تلك العينين الغريبتَين، ولكن بمجرد أن دخل الغرفة رفع القبعة إلى أعلى فظهرت عيناه ورمق ماسكاني بنظرة ثابتة بدا أنها تضمر الشرَّ من فرط شدَّتها.
لكن الشخص الذي كان برفقته هو بالتأكيد مَن جذَبَ الانتباه أكثر منه في هذه اللحظة، وهو، بالمناسبة، مَن قاد الآخر عبر الساحة المُظلِمة التي تتناثر بداخلها البراميل. إذ كان حرفيًّا قزمًا لا يَزيد طوله على أربعة أقدام، لكنَّ كتفَيه عريضتَين مثل كتفَي رجل أطول منه بمقدار قدمَين. ولمزيد من غرابة مظهرِه الذي لم يكن طبيعيًّا بالفعل، كان رأسه ويداه بحجم أمثال ما لدى رجل له نفس الطول المذكور سابقًا، ومع ذلك كانت قدماه صغيرتَين.
لقد كان يَرتدي زيَّ سائقٍ ذي لون رمادي داكن، ويَحمل في يده اليُسرى زوج قفازات جلدية. وبالنِّسبة إلى ملامح وجهه فهي مُنفِّرة مثل أي رجل له نفس الأبعاد غير المُعتادة التي كانت لديه. وكان يَحمل وجهه بالكامل ندوبًا كثيرة تدلُّ على سابق إصابته بمرض الجدري، بينما كان أنفه قصيرًا للغاية ويبدو أنه بلا قصبة، وأنه يَبرز في الوجه باعتباره فتحة أنفٍ واسِعة واحدة. وأذناه كانتا ضخمتَين تتعامَدان على وجهه، بينما فمُه، بسبب القَسوة المُطلَقة، كان يُشبه بشدة فم أسماك القرش الضخمة. وفي اللحظة التي طرق فيها هذا الرجل الباب وفتَحَه ماسكاني، تراجع خلف الرجل الآخر الذي هو رئيسه على ما يبدو، ثم وقف عند زاوية بجانب الباب.
سأل الوافد الجديد، بصوتٍ حادٍّ وفظٍّ والذي بدا طبيعيًّا له: «حسنًا، هل لديك أي معلومات جديدة لتُخبرَني بها؟»
هز ماسكاني رأسه بالنَّفي في تجهُّم.
وأجاب: «كلا.» وتابع: «لكنَّني حاولت أنا وثلاثة من رجالي البحث عنه في كل مكانٍ أمكنني التفكير فيه، لكن لم يُصادفنا التوفيق. إنه ليس في سوهو هذه الليلة، أنا متأكد من ذلك.»
قال الآخر وقد قطَّب حاجبَيه: «لقد كان في ويست إند في الساعة الثانية هذا اليوم.» وأضاف: «هذا ما أنا متأكِّد منه.»
هز ماسكاني كتفيه وهو ما زال على تجهُّمه. وقال: «ربما ما يزال هناك.» وتابع: «كل ما أستطيع قوله إنني قد فتَّشت عنه في سوهو، ولم أستطع إيجاده، ولم أُصادف أحدًا قد رآه هذه الليلة. كان من المُمكِن أن أُواصِل البحث، لكنك أردتَ منِّي مُقابلتك هنا عند الساعة الحادية عشرة، وعملية البحث تأخُذ وقتًا.»
كانت هناك نبرة تحدٍّ فظ في صوت الإيطالي المولود في سوهو وهو يتحدث؛ نبرة لم يكن الآخر بطيئًا في ملاحظتها. زاد البريق الفولاذي في العينين الشاحبتَين على نحوٍ طفيف، على الرغم من أنه لم يبدُ على أي نحوٍ آخر أنه مُنزعِج أو، بهذا الخصوص، مُهتم.
وقال على نحوٍ هادئ، وبالفعل، ودِّي: «ربما أنا مُخطئ، لكنك تبدو مُستاءً بعض الشيء، أليس كذلك يا ماسكاني؟»
شجعت النَّبرة التي تحدَّث بها رجل العصابات على أن يُزيح عن صدره شيئًا جثم بداخله منذ أن أُحبطَت خطته للخروج مع تيسا دومينيكو بسبب أوامِر هذا الرجل الصارمة.
فقال بعصبية، وقد ظهرت شراستُه الأصلية للمرَّة الأولى أمام الرجل الذي نظَر له دون أن يَرمش: «إن كان ذلك يعني أنني غاضب، فيُمكنُك اعتباري كذلك بالفِعل.» وتابع: «لا بأس أن تأمُر بفعل هذا أو ذاك، وتتحدَّث إليَّ كما لو كنتُ كلبًا في قاع المدينة. لكن لا تنسَ شيئًا واحدًا …»
قاطعه الآخر، بصوتٍ هادئ على نحو غريب: «وما هو؟»
«لم أكن أنا مَن قتَل المرأة في سوهو سكوير في الليلة الماضية، لستُ أنا مَن يَسعى وراءه مكارثي.»
«أتعتقِد ذلك؟»
«أجل! يُمكنك أن تقول لي إني مشارك في الجريمة مثلما تُريد، وردِّي على هذا أنني لم أكنْ أعلم عنها شيئًا إلى أن رأيتُك ترتكبها، ولو كنتُ أعرف، لم أكن لأُوجَد هناك. تأكَّد من هذا.»
سأل الرجل ذو العينين الجامدتَين وهو مُبتهِج تقريبًا: «وما الفارق، أمام القانون، بين جريمة القتل هذه وجريمة القَتل الأخرى؟» وأضاف: «مَن الذي قتَل مالك عرَبة القهوة؟»
قال ماسكاني بسُرعة: «لم يكن أنا.» وتابع: «لستُ سفَّاحًا كَي أفعل ذلك.»
«أظنُّ أنك إذا وقفت يومًا في قفص الاتِّهام بتُهمة التورُّط في أيٍّ من الجريمتَين، فإن الحقيقة المجرَّدة المتمثِّلة في أنك لم تَرتكِب الجريمتَين فعليًّا بيدَيك لن تُحسن موقفك في القضية. فأنت شريكٌ في الجريمة، مثلَما ينصُّ القانون الإنجليزي، قبل وبعد كلتا الجريمتَين.»
تجهَّم ماسكاني. ثم زمجر قائلًا: «عندما أقفُ في قفص الاتهام بسبب هذا، يُمكن أن تراهن بكل ما تمتلك أنك ستقف بداخله معي. أؤكد لك ذلك.»
«هكذا، إذن؟ هذا ما ستئول إليه الأمور، أليس كذلك؟» تحرَّك المتحدِّث في صمتٍ بخُطوات واسعة سَلِسة نحو ماسكاني، الذي على الفور تراجَع مُبتعدًا عنه ووضَع يده في جيب معطفه الأيمن. وتابع المتحدِّث: «احذر، أيها الأحمق، لا تُحاول سحب سلاحك الذي تضعه هناك إذا كنت حريصًا على حياتك التافهة العديمة القيمة. وسأستعير كلماتك، أؤكد لك أنك ستموت، قبل أن تتمكَّن حتى من تصويبِه نحوي. أنصحك بإخراج يدِك من جيبك قبل … قبل أن يحدث لك شيء غير سار على الإطلاق.»
نظر ماسكاني نظرة واحدة سريعة إلى هاتين العينين الثابتتين، ثم أخرج يدَه ببطء من جيبه خالية.
«هذا أفضل، أفضل بكثير. والآن، أنصت إليَّ. إن أول خطوة تتَّخذها في أي اتجاه، والتي قد أعتبرها عدائية تجاهي أو تجاه ما أخطط له، ستُصبح آخر خطوة لك. أنا واثق تمامًا من أنك جبان للغاية ولن تَنطِق أبدًا بكلمة قد تضعك، حيث يجب أن تكون منذ زمن بعيد، في قفص الاتهام مع مُرتكبي الجنايات. ورغم ذلك، ها أنا ذا أمنحك هنا والآن هذا التحذير الواضح، وهو شيء أنا لا أُزعج — بوجه عام — نفسي بفعلِه عندما يخصُّ الأمر جرذًا مثلك. أقدَمَ على تصرُّف واحد خاطئ، وأنت تَعرف العواقب.»
سمع صوت طرقة على الباب، وهي تُشبه تلك الطرقة المميزة التي طرقها عندما جاء.
فأمر بإيجاز: «افتح الباب، يا لودفيج.»
ففعل القزم ذلك بدون أن يتفوَّه بكلمة واحدة، وأسرع فازولي إلى داخل الغرفة ثم بسرعة أغلق الباب وسحب المزلاج خلفَه. ونظر نظرة سريعة نحو الرجلَين اللذَين يقفان هناك، وبعد ذلك أخرج شيئًا مسطحًا ملفوفًا في قطعة من المشمَّع من داخل قميصه، وسلَّمه للرئيس.
وقال مع نَبرة خنوع كاملة في صوته: «إليك ما طلبته يا سنيور.»
ثم قال في تملُّق: «لقد لففتُ الأوراق في قطعة المشمع تلك.» وتابع: «كي تمنع اللون الأزرق من تلويث الأصابع.»
قال الرجل ذو العينين الجامدتين: «شكرًا.» ثم فتح اللفافة بحرص واهتمام وفحص محتواها، وأعاد لفَّها بنفس الحرص ووضَعها في جيب صدر معطفِه. وأخرج من محفظته لفافتَين من المال، وأعطى اللفافة الصُّغرى لفازولي، الذي لمعَت عيناه عند رؤية النقود.
وقال صاحب الحانة في تذلُّل تقريبًا، وهو يُمسك بالنقود: «أشكرك يا سنيور؛ أشكرك.»
ثم ألقى الرجل اللفافة الثانية على الأرض عند قدمَي ماسكاني. وقال ببرود: «هذا هو الأجر الذي وعدتُك به.» وأضاف: «دع هذا يُذكرك، يا ماسكاني، بحقيقةٍ مهمَّة للغاية: وهي أنني «أفي» بوعودي عند الثواب، والعقاب.» وأشار بإيماءةٍ مُفاجِئة نحو الباب. وقال آمرًا على نحو فظ: «اخرج.» وتابع: «اخرج قبل أن أُغير رأيي حول طريقة التعامُل معك.»
التقط ماسكاني لفافة النقود دون أن يَنطق بكلمة، ودسَّها في جيبه، واتجه نحو الباب، متفاديًا نظرة الغضب في عينَي الرجل الآخر. فتح فازولي، وقد استشعر قُرب وقوع مأساة عنيفة، الباب على عجل، فاندفع ماسكاني عبره دون أن ينطق بكلمة. وبعد خمس دقائق غادر الضيفان الآخران، ومع تنهيدة ارتياح شديد، أغلق الباب وسحب المزلاج، للمرة الأخيرة، في هذه الليلة، حسبما كان يأمل.
وتمتم بعد أن تناهى إلى سمعه آخر صوتٍ يدلُّ على مغادرتهم للساحة الخارجية: «يا إلهي!» ثم قال: «أنا لا أُحب هذا الرجل! أنا أخاف منه.»
وبمجرَّد أن تسلَّل الاثنان خلسة عبر تعتيم الزقاق الخلفي لمتجَر فازولي، تحدث الرجل ذو العينين الجامدتَين مرةً أخرى.
فقال بهدوء: «سأقود السيارة بنفسي إلى المنزل، يا لودفيج.» وتابع: «أظنُّ أنه من الحكمة بالنسبة إليك أن تُؤدِّي مهمةً صغيرة هذه الليلة، وألا تُخاطر بتركها إلى وقتٍ لاحق.» وأضاف: «وهي مهمَّة محبَّبة إلى قلبك. أتفهم ما أقصد؟»
قال القزم مع ضحكة مكتومة: «أجل أيها البارون.» وتابع: «إنها محبَّبة إلى قلبي، بالفعل!»
وبعد لحظة، اختفى في الظلمة الحالكة للتعتيم في جريك ستريت.
واصل رئيسه المسير باتجاه أكسفورد بخُطى توحي بأن تلك العينَين الغريبتَين لديهما قدرة خارقة على الرؤية في الظلام. وتوقَّف مرةً واحدة فقط عندما سمع حركةً ليست بعيدة عنه، فوقف منصتًا للحظة، ثم واصل المسير مرة أخرى.
وبعد أن فعل ذلك، واصل شخص يتسلل خلفَه كحيوانٍ بري، عملية التتبُّع عبر الجانب الآخر من الطريق، على الرغم من أنه بالتأكيد، إذا كانت هذه عملية تتبُّع، فهو لا يستطيع رؤية فريسته. وعند زاوية ما توقف ذلك الشخص الثاني غير المرئي كما لو أنه قد وقَع في حيرة، ثم تلمَّس طريقه داخل زقاق ضيِّق يصل بين جريك ستريت والجهة الخلفية من مقرات الشركات فيه. وبعد لحظة تمكَّن بصعوبة من الالتصاق بالحائط عندما دخلت سيارة مُسرعة إلى الزقاق بينما أطفأت أنوارها تمامًا، وقد لمسه تقريبًا واقي الطين الخاص بها. واتجهَت السيارة نحو جريك ستريت، وقبل أن يتمكَّن المُتتبِّع من الوصول إلى الزاوية أضيئت أنوارها بعد أن التفَّت مرةً أخرى داخل أكسفورد ستريت، مُتجهة نحو الشرق. لكن كان هناك ضوء واحد غير مُضاء، والذي كان ينبغي أن ينير، حتى ولو على نحو خافت، وهو ذلك الخاص بلوحة الأرقام الخلفية.
صاح المتتبِّع في أسف: «لقد فقدته.» وتابع: «كان يجب أن أستعدَّ لشيء من هذا النوع.»