تيسا دومينيكو ترتقي لأعلى
عندما وصلا أمام رقم المنزل الذي تسكن فيه تيسا دومينيكو، طلب المفتش من ويذرز أن يبتعد إلى الأمام قليلًا ويقف على الجانب الآخر من الطريق.
«أريد أن أُلقيَ نظرة عامة جيدة على المكان قبل أن أدخل هناك. إنه شيء غريب، يا ويذرز، كيف يُمكن للجزء الخارجي من المكان أن يُخبرك بالكثير من المعلومات عنه وكيف تجري الأمور بداخله، ولكنه بالتأكيد يمكنه ذلك.»
وجد أنه أحد المنازل الجورجية القديمة الكبيرة التي يُوجَد مدخلها الرئيسي في وسط الجزء الأمامي منها مع وجود نوافذ على جانبَيه والتي لا يزال يُوجَد عدد قليل منها في المنطقة المجاورة، على الرغم من أن الغالبية العظمى منها قد تحوَّل منذ فترة طويلة إلى مكاتب يشغلها المحامون في الجزء الأكبر منها. وخارج النوافذ الفرنسية للطابق الأول، والتي يَبدو أنها تنتمي جميعًا إلى غرفةٍ واحدة ضخمة، كانت تُوجَد إحدى تلك الشرفات المزخرفة ذات القضبان الحديدية والمحبوبة جدًّا من أجداد أجدادنا.
كانت اثنتان من تلك النوافذ مفتوحتَين، وإن لم تمنعه ستائر الدانتيل التي لم تكن شديدة النظافة من إلقاء نظرة خاطفة على الغرفة. كان هناك شيء وحيد لا يمكن أن تُخطئه العين هو وجود لافتة كرتونية مطبوعة كبيرة معلَّقة على إحداها تحمل عبارة «غرفة معيشة ونوم أمامية كبيرة ومريحة للإيجار». ومن ثم، فكَّر على الفور في أن هذا سبب مناسب للدخول إلى المكان وتبادُل بضع كلمات هادئة مع صاحبة المكان قبل استجواب الآنسة دومينيكو نفسها. لقد كان من المدهش حقًّا مدى سهولة استدراج السيدات اللائي يتَّسمن بالثرثرة، وقد أراد التحقُّق من حقيقة أن مكالَمة الساعة الواحدة قد أجريت من الهاتف الخاص بالمنزل، وأيضًا أن من أجرتْها هي تيسا نفسها. لقد جعلته الخبرة السابقة يُدرك جيدًا أن القليل جدًّا يحدث في منزل من هذا النوع دون أن تكون صاحبته على علمٍ به، سواء كانت راضية أم لا.
كان على وشك عبور الطريق عندما جاءت سيارة إيطالية كبيرة الحجم وباهظة الثمن للغاية وتوقفت أمام الباب. ونزل منها، مما سبَّب له دهشة عميقة، آخرُ شخص في العالم كان يتوقع أن يراه؛ الرجل ذو العينين الجامدتَين. فواصل مكارثي على الفور سيره البطيء عبر الرصيف، متخذًا الاحتياطات اللازمة إذ أسدل حافة قبعته المرنة على عينيه؛ إذ إن آخر شيء أراده هو أن ينظر هذا الرجل باتجاهه ويعرفه. ولحُسن الحظ، ظلَّ نظرُه مستقيمًا، وصعد الدرجات الست أو السبع إلى الباب الأمامي، وطرق الباب. ولكن قبل حدوث ذلك، جاءت سيدة بسُرعة من الغرفة المؤدية إلى الشرفة ولوَّحت للزائر، الذي كانت تنتظره كما يبدو، وهي تَرتدي قبعةً ومن الواضح أنها كانت ترتدي كذلك ملابس للخروج.
ردًّا على الطرق، انفتح الباب وظهرت في البداية امرأة تبدو غير مهندمة إلى حدٍّ ما والتي تحدث إليها الرجل، ثم استدار مرة أخرى ووقف منتظرًا بجانب باب السيارة. لاحظ مكارثي أن من يقودها هو رجل يرتدي زي سائق خاص وكان من المؤكد أنه غريب المظهر. وكان بنفس القدر غريب السلوك؛ لأنه لم يقُم بأي محاولة للتحرُّك وأداء أي من الأمور المعتادة الشائعة للسائق الخاص. بدا وكأنه يجلس على شيء يرفعه إلى أعلى بطريقةٍ غريبة لم يستطع المفتش فهمَها تمامًا؛ في الواقع، كما لو كان مدعَّمًا بوسادة يجلس عليها مثل لعبة جاك في الصندوق.
وكذلك لم يحاول الخروج وتقديم يد المساعدة عندما ظهرت خادمة — غير مهندَمة، بالمناسبة، مثل سيدتها — ورجل يرتدي صديري بكُمَّين مثل زي «مُلمِّع أحذية في فندق»، ونزلا على السُّلَّم حاملَين صندوق ملابس جديدًا وباهظ الثمن للغاية. وشرَعا في وضعه على رفِّ الأمتعة في الجزء الخلفي من السيارة، وتركاه غير مربوطٍ وسارعا عائدَين، على الأرجح لإحضار آخَر. ومما أثار دهشة مكارثي إلى حدٍّ كبير أن السائق ذا المظهر الغريب ظلَّ جالسًا بثباتٍ خلف عجلة القيادة وتركهما يُتابعان العمل. وعندما عاودا الظهور بصندوقٍ ثانٍ من نفس الحجم والفئة، حتى لم يُدِر رأسه نحوهما؛ من الواضح أنه شخص مُتكبِّر للغاية.
مع مجيء الصندوق الثاني، شرَع الرجل الذي يرتدي الصديري الذي بكُمَّين في ربط الاثنين بإحكام، ومن أجل ذلك تلقَّى بقشيشًا سخيًّا للغاية من الرجل ذي العينين الجامدتَين، إذا كان بإمكان المرء أن يحكم من خلال المظهر المُتفاجئ على نحوٍ سعيد الذي ظهر على وجهه المهموم إلى حدٍّ ما. ومن ثم وجد مكارثي، الذي كان يتطلَّع إلى الصندوقَين ولدَيه فكرة جيدة إلى حدٍّ ما عن تكلفة تلك النوعية من السِّلَع، نفسه يُفكر في أن الأمور كانت على ما يبدو في ازدهار مع تيسا الجميلة (أو، على وجه الدقَّة، الغامِضة للغاية).
ثم جاءت تلك السيدة نفسها عبر الباب، مُرتدية الآن معطفًا طويلًا من الشينشيلا كان مكارثي ليراهن بأي مبلغ على أنَّ سعره لا يقلُّ عن أربعة أرقام. فهو لدَيه خبرة كبيرة في استرداد البضائع المسروقة من تلك الفئة وعلى دراية جيدة بالأسعار التي تُقدَّر بها. مما لا شك فيه أن الفتاة الصغيرة ابنة العجوز دومينيكو قد ارتقت إلى آفاق لم يَحلُم بها أبوها وأمها اللذان يعملان بجد. وقد أرشدت إلى السيارة كما لو كانت ملكة، وجلس الرجل ذو العينين الجامدتَين على مقعده بجانبها، وبدأت السيارة تتحرَّك، وسارَت في اتجاه هولبرن.
وعلى الفور بدأ هذا الحدس الخاص الذي يُعطي المحقِّق الموهوب بالفطرة تلميحًا عن دوافع أولئك الذين يهتمُّ بهم، يعمل بشدة في ذهن مكارثي. لماذا تشرع تيسا دومينيكو في علاقة جديدة خلال ساعات قليلة من جريمة القتل البشعة للرجل الذي أعطته موعدًا قبل فترة قصيرة جدًّا من وقوع الجريمة، ومن المعروف أنها كانت ستتزوَّجه قريبًا جدًّا؟ إذا كان بإمكان المرء أن يحكم من خلال الهدوء والسكينة على ملامحها البريئة؛ فقد كانت الإجابة هي أحد أمرَين؛ إما أنها قاسية تمامًا بخصوص موت ماسكاني، أو في جهل تامٍّ بها. وماذا عن السبب الحقيقي وراء مجيء ذلك الرجل ذي العينين الجامدتَين لها، ذلك الرجل الذي مثْلَ نوعٍ عصري من الأمير الوسيم الذي جاء إلى سندريلا، والذي يَملك سيارة سعرها أكبر بكثير من أي عربةٍ زجاجية ملَكية صُنعت على الإطلاق؟
ماذا عن هذين الصندوقين الفاخرَين الجديدَين تمامًا؟ كيف يمكن تفسير أمرهما في ضوء حقيقة أنه في موعِدٍ لا يتجاوز الساعة الواحدة من ذلك الصباح، اتصلت تيسا بخطيبها — حسبما يعرف كل من في سوهو وشارع سافرون هيل — ودَعتْه إلى مقابلتها؟ والآن ها هو ماسكاني قد قُتل، فانطلقت تيسا مع رجل في مكانةٍ مختلفة تمامًا. إن الأمرَين متناقضان؛ هناك أمر مُثير للريبة، في تصرُّفات تيسا الجميلة.
وبعد الإسراع بالعودة إلى سيارة الأجرة، قال: «تتبَّعْهم، يا ويذرز، ولأجل الربِّ عليك أن تتوخَّى الحذر. لا أريد إثارة أدنى شكٍّ في ذِهنَي هذين الرفيقَين بأن هناك من يراقبهما.»
تحرك الركب من هولبرن واتجه مباشرة إلى أكسفورد ستريت، ومن هناك إلى زاوية بارك لين، حيث التفَّ وتوجَّه إلى الفناء الأمامي لمجموعة الشُّقَق الفخمة التي بُنيت حديثًا، والتي تتبَّع ويذرز الرجل في وقتٍ سابق من ذلك الصباح حتى وصل إليها، والتي بالتأكيد يبلغ إيجارها مبلغًا باهظًا مثل كل شيء في ويست إند في لندن. وتصادف أن مكارثي كان يعرف أن أسعارها تُذهل حتى فاحشي الثراء.
توقَّفَت السيارة خارج المدخل الرئيسي وخرج منه عامل استقبال ضخم يرتدي زيًّا فخمًا، تعرَّف المفتش على وجهه على الفور على أنه شخصٌ قد رآه في مكانٍ ما أو آخر، وعلى نحوٍ مِهَني، ثم فتح باب السيارة لهما. وبعد ذلك، أثناء مرورهما إلى الردهة المزخرفة للمبنى، استدعى عامل الاستقبال عاملَين آخرين يرتديان زيًّا رسميًّا بصوت صافِرة يحملها.
صاح «بيج بيل» من خلال النافذة الداخلية الصغيرة التي تَفصل بين السائق والراكب: «يا للعجب، أيها الرئيس!» وتابع: «انظر إلى ذلك الرجل الضخم، جيم ديلاني، المتأنِّق مثل ميجور جنزال لعين! أقسم بأنه لم يكن في الخدمة الليلة الماضية عندما جاء هذا الرجل. لكنها نفس السيارة بالفعل؛ يُمكنك أن ترى العلامات الموجودة على واقي الطين الخاص به نتيجة اصطدامه بسيارتي.»
أطلق مكارثي صافرة منخفضة. وقال: «هذا صحيح، يا ويذرز، لقد كنتُ أحاول تذكر أين قابلت هذا الرجل من قبل. ديلاني، أتساءل كيف حصل على هذه الوظيفة بالتحديد؟ إنها حالة أخرى من رسائل التزكية المزورة، كما أظن.»
وهو شك منطقي تمامًا؛ حيث إن الرجل، منذ فترة قصيرة، قد اشتُبه في تورُّطه بواحدة أو اثنتين من عمليات السطو على شُققٍ في ويست إند في مبانٍ كان هو موظف استقبال على مدخلها. وعلى الرغم من أنه أفلت من التُّهمة في كل حالةٍ بأعجوبة، فإن لدى الشرطة شيئًا أقوى بكثيرٍ من الشك في أن الحارس الفخم كان هو في الواقع الشريك «الداخلي» في عملية السطو.
قبل ذلك، كان لدى السيد ديلاني سجلٌّ إجرامي في إدارة الشرطة يتضمَّن العديد من «السوابق» الإجرامية المثبتة، وكيفية حصوله على هذه الوظيفة بالذات، إلا من خلال رسائل التزكية «المزوَّرة»، كانت بلا ريب أمرًا لا يعلمه مكارثي. لا بد أن لديه «واسطة» في مكانٍ ما؛ قد يكون الأمر أن شخصًا ذا صلة بالمكان هنا علم قصَّته وأنه قرَّر العيش باستقامة في المستقبل. وإن كان قد قرَّر ذلك فكلُّ الأمنيات له بالتوفيق. ولكن … من خلال هزة رأسٍ مُتشككة للغاية قرَّر المُفتِّش طرد السيد ديلاني من عقله في الوقت الحالي، ولكن في الوقت الحالي فقط.
في هذه الأثناء، من خلال الموقع الذي ينظرون منه عبر سور الحديقة، شاهدا اثنين من الحمَّالين يفكَّان أربطة الصندوقَين ويستعدَّان لإنزالهما من السيارة. لكن في هذه المرة، قرَّر السائق الخاص الإشراف على الأمور ونزل من السيارة. ولدهشة المُفتِّش، كان الرجل قزمًا حقيقيًّا، بالكاد يَزيد ارتفاعه عن أربع أقدام، رغم المظهر الخادع تمامًا لكتفَيه العريضتَين وارتفاعه وهو يجلس فوق وسادة موضوعة على كرسي السائق. وبينما كان يدور حول السيارة، متوقفًا أولًا للحظة ليَفحص، في عبوس، العلامات على واقيَي الطين، بدا مثل شمبانزي كبير يرتدي زيًّا رسميًّا أكثر من أي شيءٍ آخر.
صاح الرجل الذي تسبَّبت سيارته في إحداث تلك العلامات: «يا لَلعجب! إنه مجرَّد قزم حقير! اللعنة، إنه أقصر من ديك قزم!» وقال للقزم: «هذا صحيح، أيها التافه، افحصها جيدًا؛ إنك لن تصلح تلك الخدوش بسهولة.»
سأل مكارثي في حيرة: «كيف بحقِّ الجحيم يُمكنه استخدام الدبرياج وفرملة القدم مع هاتَين الرِّجلَين القصيرتَين، يا ويذرز؟»
«لا تتعجَّب، يا سيدي. لا بد أن هناك بالسيارة نوعًا من الأدوات المجهَّزة؛ فهو لن يستطيع أن يصل إليهما أبدًا باستخدام أرجُله القصيرة، هذا شيء مؤكد.»
وافق مكارثي على ذلك بقوله: «لا بد أن هناك شيئًا من هذا القبيل.» وخطرت في ذهنه فكرة أن القزم لا بد أن يكون خادمًا شخصيًّا ذا فائدة كبيرة في عدة أوجه؛ لأنه لا يُوجَد رجل عاقل، بدون المعرفة الفردية للشخص المعني، يمكن أن يختار مثل هذا الفرد الغريب الهيئة لقيادة سيارة بهذا الحجم وتلك والجودة.
بينما كانت تلك الفكرة تدور في ذهنه، قفَز القزم مرة أخرى إلى مقعده المرتفع، وبدأت السيارة تتحرك ببطءٍ بعيدًا عن الباب.
قال مكارثي بسرعة: «من المؤكد أنه سيأخذها إلى مرآبها.» وأضاف: «تتبَّعها. وتأكَّد من مكان وقوفها، وعُدْ إلى هنا في أقرب وقتٍ مُمكن. سأذهب للحديث مع صديقنا ديلاني.»
إن القول بأن المُشتبه به السابق قد فُوجئ بالظهور المفاجئ وغير المتوقع تمامًا للمفتش المُحقق مكارثي لهو تقليل إلى حدٍّ كبير من التعبير المرتسِم على وجه الرجل. فقد تحوَّل لون وجهه من لونٍ وردي صحِّي تمامًا، إلى مزيج من الرمادي والأخضر الباهت.
حيَّاه مكارثي بهذا الصوت الناعم الخافت: «آه، ديلاني!» وتابع: «ها نحن نلتقي مرة أخرى، تخيل!»
ألقى الرجل نظرة خائفة على الردهة حيث يُمكن سماع الحمَّالَين وهما يدخلان بالأمتعة في مصعد.
وشرع يقول: «أنا … أنا لم أفعل شيئًا أيها المفتش»، عندما قاطعه مكارثي بتلويحة من يده.
وقال بهدوء: «لم يَقُل أحد أنك قد فعلت يا جيمس.» وأضاف على نحوٍ جدِّي: «كل ما أطلبه هو القليل من المعلومات، المعلومات الرسمية.» وتابع: «وكلما حصلتُ على المزيد من المعلومات الصحيحة منك، كان من المرجَّح أن أنسى … أشياء أخرى.»
في أقل من دقيقتَين، حصل مكارثي على معلومات مفادها أن السيدة والرجل اللذَين وصلا لتوِّهما هما الكونت والكونتيسة هيلنر، وهما من النُّبلاء النمساويين حسبما فهم! وأن الرجل قد أخذ أغلى جناح مؤثَّث في المكان لنفسه ولزوجته قبل حوالي ثلاثة أيام؛ وأن حقائبه لم تصل بعد.
إن إيجار تلك الشقة بالتحديد — أشار إلى أنها تلك التي لها ستُّ نوافذ ذات شرفة على يمين الواجهة والتي تُطلُّ على بارك لين وتلك الحديقة نفسها — هو ١٥٠٠ جنيه في السنة، وهذا، عند التفكير فيه، يعني أن مجرَّد الحصول على مثل هذه الشقة يعدُّ دليلًا ليس فقط على الغنى الشديد، ولكن أيضًا على الاحترام؛ حيث كانت الاستعلامات التي أجراها المدير في كلا الاتجاهَين دقيقة.
كان هناك عدد كبير من الأشياء الأخرى التي علمَها مكارثي بسهولة أو أجبر الحارس الضخم على الإفصاح عنها، الأمر الذي عزَّز أكثر من أي وقتٍ مضى الرأي القائل بأنه، عندما يتصل الأمر بجمال تيسا دومينيكو، فإن هناك بالتأكيد شيئًا خفيًّا أكثر مما تراه العين.
ثم طرح سؤالًا أخيرًا، لكنه أكثر أهمية، على عامل الاستقبال.
قال: «أظن، يا جيمس، لو أنني أردتُ القيام بزيارة صغيرة للشقة، زيارة رسمية بحتة، أنت تعي ما أقصد، دون أن تُتَّخذ الإجراءات الشكلية ويَجري الإعلان عنها، أو، في هذا الصدد، يعلم بها أي شخص، فسوف يمكنك تدبُّر الأمر، أليس كذلك؟»
ظهرت نظرة خائفة إلى حدٍّ ما على وجه الرجل.
فقال بهدوء: «لا تنسَ أن سكوتلاند يارد هي التي تسأل يا ديلاني.» وتابع: «ونحن لا ننسى الخدمات الصغيرة.»
قال السيد ديلاني بعصبية: «أنا … أنا أظن …»
قاطعه مكارثي بمرح: «إذن كلُّ شيء على ما يرام.» وأضاف: «ربما أعود لاحقًا … ربما في وقتٍ يُمكنك فيه ترتيب الأمر بحيث تكون في مهمة تأخذُكَ بعيدًا عن الباب الأمامي. ليس هذا هو المهم!»
في تلك اللحظة عادت سيارة الأجرة الخاصة بويذرز وانتظرت في المكان الذي كانت تقف فيه قبل ذلك.
فتمتم مكارثي في بهجة: «إلى اللقاء يا جيمس، إلى اللقاء.»
ومع تلويحة أخرى من يده غادَرَ واستقلَّ سيارة الأجرة.
ومن ثم قال: «أظن، أننا سنعود أولًا سريعًا إلى داوتي ستريت. إذ يتوجَّب عليَّ الحديث مع صاحبة المنزل الذي كانت تسكُن فيه تيسا دومينيكو. أستميحها عذرًا، الكونتيسة هيلنر.»
كان سؤال مكارثي الوحيد لتلك السيدة مختصرًا ومحددًا. هل أجرت المستأجِرة السابقة، الآنسة تيسا دومينيكو، مكالَمة هاتفية من هاتف المنزل عند الساعة الواحدة هذا الصباح؟ وجاءت إجابة السيدة المالكة بنفس القدْر من الاختصار والتحديد. إذ لم تُجرِ الآنسة دومينيكو أي مكالمة هاتفية، لسببٍ بسيط جدًّا؛ هو أنها منذ مغادرتها المنزل عند حوالي الساعة الحادية عشرة والنصف في الليلة السابقة، لم تَعُد إليه سوى عند الساعة السابعة والنصف هذا الصباح.
شرعت تقول بنبرة أخلاقية: «مثل تلك التصرُّفات»، عندما قاطعها مكارثي.
وقال بينما ينظر حوله على الردهة المتَّسخة: «أنا أعلم؛ أنا أعلم.» وتابع: «مثل تلك التصرفات لم تَعهديها في هذا المنزل المحترم من قبل. حسنًا، أنا أصدقك يا سيدتي، لكن هناك الآلاف ممن لن يصدقوك، ومن ضِمنهم رجال القسم «إي»، في شرطة العاصمة.»
لكن على الرغم من رُوح السخرية هذه، غادر مكارثي المكان في حالةٍ من التفكير العميق، وفي الواقع، من العبوس الشديد.