مداهمة مزدوجة!
كانت الساعة الخامسة بالضبط عندما وصل المفتش، وهو لا يزال يستقلُّ سيارة أجرة «بيج بيل»، إلى جروفينر سكوير، تلك الساعة التي عندها كان كلُّ من لدَيهم الوقت، أو الميل، عمومًا يتناولون الشاي الذي، كما قيل لنا، يُنعش، لكن لا يُسكِر.
على الرغم من أنه قد أولى اهتمامًا كبيرًا لنفسه بعد تغيير ملابسه التالفة في دين ستريت، فإن العلامات التي خلَّفتها لكمات عميل المُخابرات الألمانية كانت لا تزال واضحةً على ملامحه. وقد استبدل ببدلة سافيل رو التي تلفت تمامًا أخرى مختلفة بالكامل؛ من النوع الذي قد يَرتديه أي موظَّف في عمله.
كان الشيء الذي يشغل عقل مكارثي للغاية في هذه اللحظة هو المهمَّة الصعبة المُتمثلة في الدخول إلى منزل البارونة إيبرهارت دون أن يَنتبه أي من ساكنيه. فكر أنه إذا توجَّه إلى الباب الأمامي وطلب الدخول، فربما سيَمنح ذلك تلك السيدة القليل من الوقت اللازم لإخفاء الأوراق التي تحوي الخطط، أو حتى تهريبها خارج المنزل؛ وحينها فإن الحصول عليها مرةً أخرى سيُصبح مهمةً شديدة الصعوبة، هذا إن كان بالإمكان إنجازها من الأساس.
وفي ظل هذا الوضع، مع كل شيء جاهز لتهريب تلك الخطط المهمة للغاية إلى خارج البلاد هذه الليلة، كان من المُرجَّح للغاية أنه ليس فقط السيدة نفسها، ولكن أيضًا المتورطون في عملية التجسس هذه من الموجودين في منزلها، سيُصبحون مُنتبِهين ومتشكِّكين ويقِظين حتى لا يحدث أي شيء قد يضر بما يخططون له. ومع جرائم القتل التي ارتكبت خلال عملية الحصول على الأوراق، فربما هم مُتحفِّزون تجاه أي شيء، أو أي شخص، قد يُخرِّب مُخططهم، حتى في اللحظة الأخيرة.
لقد ترك ويذرز مع السيارة بالقُرب من زاوية في الميدان بحيث لا يراه أحد من المنزل، وكان يلقي نظرة هادئة على محيطه الخارجي عندما وقعت عيناه على السير ويليام هاينس وهو يقترب بسرعة من اتجاه بارك لين، ومن المؤكَّد أن المفوض المساعد قد أتى بكامل أناقته لأداء المهمة. إذ كان معطفه الصباحي على أحدث طراز، وبنطاله مكويًّا بعناية، بينما كان حذاؤه وقبعته مُلمَّعين على نحوٍ واضح. أدار مكارثي على الفور ظهره لمشهد الأناقة هذا، لم يكن لدَيه أدنى رغبة في أن يتعرَّف عليه المفوض المساعد في تلك المرحلة من اللعبة، ولكن حتى قبل أن يفعل ذلك، رأى أن وجه صديقه لم يكن سعيدًا. إذ لم يجد المفوض المساعد أي متعة خاصة في هذا الجزء من القضية.
أظهرت له نظرة سريعة ثانية إلى الخلف السير ويليام عند أعلى درجة خارج المدخل الأمامي الضخم، ويَنتظِر، مع بطاقة في يده، الباب كي يُفتح له. كما أظهرت له نفس النظرة أيضًا أن شاحنتَين من الشاحنات الثقيلة التي دخلت الميدان قد توقَّفَتا أمام فتحة الفحم الموجودة في الرصيف والتي من الواضح أنها تخصُّ المنزل؛ وعلى ما يبدو، أنهما تحملان إمداد السيدة الشتوي من الفحم. ولَّد هذا في عقل مكارثي الذكي فكرة.
فأسرع بالعودة إلى سيارة الأجرة، وأشار لويذرز بالنزول منها.
وقال له: «اذهب وتعرف على رئيس عمال الفحم هؤلاء وأحضرْه هنا.» وتابع: «لقد أوحى لي مشهدهم بطريقةٍ لدخول هذا المنزل ومداهمة الأشخاص الذين أريدهم قبل أن يحصلوا على أدنى فرصة لتهريب الأوراق التي نسعى للحصول عليها.»
«هل سنُداهم ذلك المكان هناك أيها الرئيس؟ أنت وأنا فقط؟»
قال المفتش: «هذه هي الفكرة كما أراها في الوقت الحاضر، يا ويذرز.» وأضاف: «بمساعدة هؤلاء السادة المحترمين، سنُداهمهم قبل أن يشعروا بنا.» وأردف: «وأنا لا أشك في أننا سنحصل على قدر كبير من الإثارة المُمتعة خلال هذه المهمة.»
ألقى السيد ويذرز نظرة سريعة جدًّا على بروزٍ مُريب تحت الجانب الأيسر من معطف المفتش؛ بروز يشير على نحوٍ صريح إلى أن مكارثي يحمل مسدسًا آليًّا أو مسدسًا دوَّارًا من عيار ثقيل نسبيًّا. ودون أن يَنبِس ببنت شفة، أعاد فتح الباب الذي بجانب مقعد السائق، وانحنى ووضع يده في صندوق الأدوات الخاص به وأخذ منه مفتاح ربط ثقيلًا مقاس ١٨ بوصة وأسقطه في جيب معطف القيادة الذي يَرتديه. قد لا تكون هناك حاجة لذلك، ولكن مع المفتش في هذا النوع من المهام، لم تكن لتَعرف أبدًا ما الذي سيحدث بعد ذلك!
ومن ثم أحضر ويذرز الشخص الضخم المسئول عن عمال الفحم أمام المفتش، الذي أظهر له أولًا بطاقة تُثبت منصبه، ثم طلب مساعدته بمقابل. أعلن الرجل المعني على الفور أنه فخور وسعيد جدًّا بتقديم المساعدة. علاوة على ذلك، أضاف أنه إذا اعتقد المفتِّش أنه من المحتمل حدوث بعض العراك، فسيُصبح هو ورفاقه سعداء للغاية للانضمام.
قال مكارثي، بعد أن شكره على نحوٍ مُناسب على هذا العرض الكريم: «أكثر ما أريد معرفته هو طريقتكم المعتادة في أداء هذا العمل.»
فأخبره على الفور بالطقوس التي تحكم هذا الإجراء. عندما تُفرَغ شحنة الشاحنتَين الثقيلتين، واللتين تحمل كلٌّ منها خمسة أطنان من الفحم في أجوال، داخل فتحة الفحم، ينزل اثنان من رجاله على درجات السلم إلى البدروم ويدخلان إلى قبو الفحم. وهناك يجرفان الفحم على نحوٍ جيد ومستوٍ لتسهيل وصول خدم المنزل إليه. كان هذا هو الروتين المُعتاد على مدى السنوات الثلاث الماضية، وبعد ذلك تُقدَّم زجاجة من الجعة لكلٍّ من العمال مع بقشيش، ثم يغادرون المكان.
قال مكارثي: «حسنًا إذن.» وتابع: «عندما يصل العمل إلى مرحلة النزول إلى البدروم، أنا وصديقي، هنا، سنَنزل ونجرف الفحم بدلًا من رَجُلَيك. حتى لا تُثار أي شكوك بأي حال من الأحوال، يُمكن لاثنين من فريقك التسلُّل والجلوس في سيارة الأجرة هنا حتى نعود، أو يمكنهما بأي نحو الابتعاد عن الأنظار حتى يحين الوقت المناسب لهما للظهور مرة أخرى.»
لكن رئيس العمال هزَّ رأسه على نحو مُتشكِّك عند هذا الاقتراح.
وقال: «لن يَنجح الأمر، أيها الرئيس، لأنه عمل صعب ويجب وجود شخص يعرف كيف يؤدِّيَه. ونحن نُراقَب طوال الوقت من قبل كبير الخدم الشرس هذا، الذي اسمُه هاينريش، أو شيء من هذا القبيل، والذي يبدو لي كما لو كان يعمل رقيبًا في الجيش الألماني الذي واجهناه في الحرب. فهو يُراقبنا طوال الوقت كما لو كنا سنَسرق شيئًا ما. سأنزل إلى هناك معكما، حتى لا يظنَّ أن هناك أمرًا غريبًا؛ لأنه يعرفني جيدًا، على الرغم من أنه ليس سعيدًا بذلك. انتظرني دقيقة!»
ومن ثم التف حول الزاوية نحو الشاحنتَين وعاد إلى الظهور الآن مع اثنين من رجاله اللذين سرعان ما جرَّدا أنفسهما من مئزرَيهما الجلديَّين، وصديرِيَّيهما ذَوَي الأكمام وغطاءَي الرأس الخاصين بهما، وسلموها إلى ويذرز ومكارثي.
وقال رئيس العمال: «والآن، انتظرا أنتما الاثنان في سيارة الأجرة هذه، ولا تخرجا منها حتى يُطلب منكما ذلك.» وأضاف: «فقط عندما تسمعان جلبة شديدة جدًّا، انزلا منها وافعلا شيئًا مفيدًا.»
وبعد التأكُّد بشدة من هذا الأمر، تبع مكارثي وويذرز الضخم قائدهما إلى الشاحنتَين. وعندما حان الوقت، تقدمَّهما عبر درجات السُّلَّم المُؤدية إلى بابٍ صغير ولكنه صلب للغاية وطرق عليه؛ لاحظ مكارثي أنه قد سُحبَت ثلاثة مزاليج ثقيلة قبل فتحه. من الواضح أن منزل البارونة إيبرهارت كان منزلًا لا يسمح بدخول أي مُتسلِّلين عبر البدروم.
وقرَّر مكارثي أن رئيس العمال لم يُغالِ في وصفه للرجل المُكتنز والمتجهِّم بشدة الذي فتح الباب لهم. إذا لم يكن ضابط صف ألمانيًّا من النوع العتيق الوحشي، فإن مكارثي سيكون مخطئًا للغاية. لم يُلقِ الرجل عليهم أي «تحية» أو أي شيء يدلُّ على أنه شخص مُتحضِّر، لكنه أشار فقط عبر مَمرٍّ مظلم يُشبه ممرات السجون نحو بابٍ من ضمن ثلاثة أبواب تقع في صفٍّ واحد. لاحظ المفتش أن اثنَين منهما مُغلقان بإحكامٍ بقفل وقضبان من الخارج. أما الذي أشير إليه فكان مفتوحًا وبالقطع وراءه قبو ضخم يُمكن أن يتَّسِع لتخزين عشرة أطنان من الفحم في المرة الواحدة.
ومن ثم توجه إليه رئيس العمال مباشرة وقال لمرءوسيه على نحوٍ فظٍّ: «والآن، إذن، فلنبدأ العمل!» وقادهما إلى أكثر قبوٍ كئيب المنظر يتذكَّر مكارثي أنه قد شاهده في حياته. كان مصدر الإضاءة الوحيد له هو شعاع من ضوء النهار يأتي عبر فتحة الفحم الموجودة في الرصيف. وبعد أن تلقَّيا الأمر بدآ العمل على نحوٍ حقيقي في الكومة الضخمة من الفحم، التي كانت لا تزال تتزايد بفعل الرجال بالأعلى. وظلَّ كبير الخدم هذا، هاينريش، يُراقب الباب طوال الوقت، وهو يُشبه أكثر من أي شيءٍ آخر كلب بولدوج يُوشك على الانقضاض عليهم.
تمتم «بيج بيل» بينما كانت أسنانه مُغلَقة: «ماذا لو لم يغادر المكان ويصعد إلى أعلى، أيها الرئيس؟»
أجاب مكارثي بنفس الطريقة: «إذن سوف تَجري إزاحته!»
ولكن مرَّت خمس دقائق ولم تبدُ أي إشارة تدل على أنه سيصعد لأعلى، وكان مكارثي قد قرَّر التصرف بنفسه عندما رن جرس من الأعلى على نحوٍ حاسم، ثلاث مرات. ومن ثم تمتم لنفسه باللغة الألمانية، على الرغم من أن ذلك كان بنبرة خفيضة للغاية بحيث لم يتمكَّن المفتش من التقاط كلماته، وتحرَّك، بعد نظرة فاحصة أخرى على الثلاثة رجال، نحو الجزء السُّفلي من سلمٍ حجري على بُعد نحو عشرين قدمًا عبر الممر.
كان من الصعب سماع وقع خطوات الرجل على السُّلَّم بسبب صوت المجاريف وهي ترفع الفحم الذي ينزلق أيضًا مُحدثًا ضوضاء شديدة، لكن مكارثي أعطاه ما اعتبره وقتًا كافيًا كي يصلَ إلى أول بسطة ويَغيب عن مجال الرؤية، وبعد ذلك اتجه بسرعة عبر الممر. إذ كان يجب أن تجري المحاولة الآن.
كان من المنطقي الاعتقاد أن البارونة هي من تجلس مع هاينس، وربما ضيوف آخرون، على الرغم من أنه كان يشكُّ في دعوتها لأي ضيوف في ظلِّ ما يحدث داخل بيتها في هذا اليوم بالتحديد. وبعد أن همس لرئيس العمال بأنه على وشك القيام بالمُحاولة التي حدَّثه عنها، وطلب من ويذرز أن يَتبعه، توجَّه بحذَرٍ نحو السُّلم الحجري.
ولم يكد يبدأ حتى سمع صوت الرجل وهو عائد، حيث كان يَصنع وقع أقدامه رنةً واضحة على الدرجات الحجَرية وهو يَهبط. إذ يبدو أن شيئًا ما قد أثار شكَّه، على الرغم من أن مكارثي لم يستطع تخمين السبب مُطلقًا. ثم خطر على ذِهنه فجأةً أن وجهَه ووجهَ ويذرز النظيفَين تمامًا، واللذَين يخلُوان بالكامل من غبار الفحم أو أي علامات تدلُّ على وظيفتِهما المفترضة، لا بد أنه هو سبب شك رجل من هذا النوع.
لقد كانت ملامح صديقهما الذي يَجرف الفحم في القبو مُغطاة بالسواد مثل لون المادة التي يتعامل معها؛ وكذلك كان الرجال الذين يُلقونها من أعلى، بينما ملامح ويذرز، على الرغم من أنه ليس حسَن المظهر، كانت بيضاء مثل الثلج عند مُقارنتها بملامحهم. وبالنسبة إلى وجهه هو، فهو يُدرك تمامًا أنه بعد أن اغتسل وبرغم الكدمات البادية عليه، فلا بد أنه كان يَلمع إلى حدٍّ ما مثل وجه طفل رضيع نظيف تمامًا. لقد كان في واقع الأمر تقديرًا أحمقَ للموقف، وهو بلا شكٍّ سبب قرار ذلك الرجل المتشكِّك بطبيعته ألا يتركهم للحظة. حسنًا، لقد فات أوان فعل أي شيء الآن لتدارُك الموقف، وكان عليهما فعل أي شيء كي يتمكَّنا من الصعود إلى المنزل.
وفي اللحظة التي وضع فيها الرجل قدَمَه على أرضية الممرِّ مرة أخرى وقعت عيناه الصغيرتان القاسيتان على مكارثي وهو يجلس القرفصاء هناك، على بُعد نحو خمس ياردات أو أكثر من القبو الذي كان يجب أن يعمل بداخله.
فزمجر قائلًا بالألمانية: «يا إلهي!» واستدار وهو ينتوي بوضوح أن يصرخ ليُحذِّر شخصًا ما لا بد أنه كان يعلم بوجوده أعلى السلالم ويمكنه أن يسمعه. ولكنه لم يتمكن من فعل هذا!
إذ اندفع مكارثي نحوه كالنمر وأوقف أي صوت قد يَصدُر من فمه بلكمة عنيفة شقَّتْه حتى اللثة. وتبعتها أخرى وقعت على فك الرجل وأرجعت رأسه إلى الخلف مع رجَّة عنيفة. كانت اللكمة كفيلة بأن تُفقِد أغلب الرجال وعيَهم، ولكن هذا المخلوق الشبيه بالثور احتملَها ثم وضع يده على فمه كي يَصرخ على مَن هم بالطابق العلوي. وعندئذ، وقبل أن يتمكَّن مكارثي من القيام بحركة أخرى ليوقف الصوت المخيف، هبطت ضربة من شيء ما على جمجمة الرجل فسقط فاقدًا الوعي كالحجر. كان هذا الشيء هو مفتاح الربط الخاص بويذرز.
وقال هذا الرجل الرائع: «معذرة يا سيدي، لكنني أعلم أنه ليس لديك وقت لتُضيِّعه مع أمثاله، وإذا بدأ في الصراخ، فلا أحد يعلم مَن سيَجلب من الأعلى. ماذا سنفعل معه؟»
قال مكارثي هامسًا: «ضعه في إحدى هذه الأقبية.» وأضاف: «لن يسمعوا صراخه من داخلها.»
وقد نُفذ الأمر فور صدوره.
ومن ثم اتجه المفتِّش على الفور نحو السُّلَّم الحجري، وتنصَّت للحظة، ثم بدأ في الصعود. وعندما أوشك على الوصول إلى أعلى، اكتشف أن ويذرز قد تبِعه.
فقال هامسًا في شك: «أنا لست واثقًا بشأن مشاركتك معي يا ويذرز.» وتابع: «فأنا لا أدري مدى قوة العصابة هنا، وليس لديَّ أي حق في المخاطرة بك وأخاف أن تُقتَل أو تُجرح. ففي نهاية الأمر أنت رجل مدني.»
قال ويذرز: «يُمكنك أن تعتبرني في هذه اللحظة شرطيًّا.» وأضاف: «نوع من رجال الشرطة الخاصين.»
قال المفتش: «في مكانٍ ما على بسطة الدرج سنجد وكرًا للخدم.» وتابع: «إن بيتًا بهذا الحجم من المؤكد أنه يحتوي على عددٍ كبير منهم، ويُمكنك أن تراهن على أن جميعهم، رجالًا ونساء على حدٍّ سواء، من نفس الصنف. فبمجرد أن يدركوا حقيقة مُهمتنا، سيقاتلوننا بضراوة.»
قال «بيج بيل» بقوة: «هذا من سوء حظِّهم هم.» وأضاف: «ما هي الخطة أيها الرئيس؟»
أشار مكارثي نحو بابٍ على بسطة الدرج، كان بإمكانهما سماع همهمة أصوات من خلفه.
وقال هامسًا: «أظن أن هذا هو المطبخ.» وتابع: «بعد أن أزحنا هاينريش عن الطريق، إذا تمكنَّا فقط من حبسِهم بالداخل هناك، فسيُصبح الطريق ممهدًا أمامنا لنصعد للدور العلوي.»
أشار ويذرز إلى المفتاح الذي يمكن رؤيته بوضوح وهو بداخل قفل الباب.
«ما رأيك أن نُدير المفتاح ونغلق قفل الباب عليهم، وهكذا يكون قد انتهى الأمر، إن جاز لي القول.»
هز مكارثي رأسه. ثم قال: «الأمر ليس بهذه السهولة، يا ويذرز.» وأضاف: «فنحن لا نعلم ما إذا كانت هناك أبواب أخرى لتلك الغرفة يُمكنهم الهرب عبرها، وربما يوقعوننا في فخ. علينا أن ندخل إلى هناك أولًا، ونتأكد من ذلك.»
ومن ثم سحب مُسدَّسه الآلي من جراب كتفه، وأخرج كاتم الصوت الخاص به من جيب معطفه وثبَّته جيدًا في الفوهة.
وقال موضحًا: «نحن لا نُريد إحداث ضوضاء حتى لا ينتبه أحد بالطابق العلوي.» وتابع: «فكلَّما تمَّت المهمة بسرعة وهدوء، كان ذلك أفضل.»
دون تردُّد سار نحو الباب، وفتحه، ودخل، وتبعه ويذرز، ومفتاح الربط في يده تحسبًا لأي طوارئ. كان من الواضح أن الحظ يُحالفهما للغاية حيث بدا أن غالبية خدم المنزل، على الأقل، قد تجمَّعوا بالداخل، وكذلك كان الحال فيما يتعلَّق بحقيقة أنهم بوغتوا تمامًا بمفاجأة هذا الوصول غير المتوقع.
بدا أن رئيسهم هو طباخٌ سمين للغاية، يَرتدي الزي المُميز لمهنتِه، والذي شحب وجهه كالموتى عندما وقعت عيناه على السلاح الذي لوَّح به مكارثي نحو جميع الموجودين.
على طاولة مطبخ ضخمة، كانت تجلس أربع خادمات، وكذلك خادمان؛ كان جميعهم، بدون استثناء، بالتأكيد من الألمان وهو ما وشت به ملامحهم. حاول خادم من الخادِمَين النهوض على قدمَيه، لكنه جلس مرة أخرى حينما وجَّه مكارثي فوهة سلاحه البشع نحوه.
نصحه المفتِّش في تجهُّم قائلًا: «أظن أنه من الأفضل أن تظلَّ جالسًا.» وتابع: «سأشعر بالأسف للغاية إذا اضطُرِرتُ لقتل أحدكم بمسدسي هذا، لكني أستطيع أن أؤكد لكم أني سأفعل ذلك بدون أدنى تردُّد إذا جرت أي محاولة للمقاومة من أي شخصٍ منكم.» وحرك المسدس ليُغطي مداه الطباخ مرةً أخرى. وأضاف في سرور: «أظن أنه من الأفضل أن تجلس أنت أيضًا أيها الطباخ، وهناك عند ذلك الركن حيث لا يُوجَد أي أدراج في مُتناول يدك والتي من المحتمَل أن تحتوي على أدوات حادَّة. عليكم أن تفهموا أنكم قيد الاعتقال، على الرغم من أن تحديد إلى أيِّ مدًى أنتم مُدانون بشيء يضرُّ بأمن هذه المملكة لهو أمر سيُناقَش فيما بعد.»
وتفقدت عيناه الغرفة ببطء فوجد أن لها بابَين آخرَين، أحدهما مفتوح، حسبما رأى، على حجرة مُؤَنٍ ضخمة. وعندما ذهب إليها اكتشف أنها تحصل على الضوء والتهوية عبر نافذةٍ صغيرة للغاية، وقد غُطي الجانب الخارجي منها بالزنك المثقوب، ولن يستطيع أيٌّ من الموجودين الذين يتَّسمون بالبِنية الضخمة، ناهيك عن البدانة، أن يمرُّوا عبرها. وحتى أنحف الخادمات يصعب مساعدتها على المرور عبرها، وبالنسبة للطباخ، نفسه، فهذا سيكون مُستحيلًا.
«سأزعجكم جميعًا، بما فيكم السيدات، وأطلب منكم رفع أيديكم باتجاه السقف، وإبقاءها على هذا النحو، وإلا …»، وتابع حينما نفَّذوا الأمر على الفور: «ويذرز، اذهب وفتِّش ثياب الرجال بحثًا عن أي أسلحة مخفية ربما يحملونها معهم. على الأرجح هم لا يحملون أسلحة، لكن هناك احتمالًا أنهم ربما يفعلون ذلك. ولا أظنُّ أن عليك تفتيش السيدات. لا يبدو عليهن أنهن من النوع الذي يحمل أسلحة، أو يمكنهن استخدامها بمهارة إن حملنها.»
وبعد أن فتش السيد ويذرز جميع الذكور بدقة تجعل احتمال وجود أي أسلحة مُميتة معهم مُستبعدًا للغاية، أشار مكارثي نحو باب غرفة المؤن بمسدَّسه.
وقال: «ليدخل الرجال أولًا، وليضعوا أيديهم خلف رءوسهم.» ثم وجَّه كلامه للطاهي، الذي رغم شحوب وجهِه الشديد كان يتصبَّب عرقًا بغزارة: «بالمناسبة …» «كم عدد الموجودين في قاعة الخدم، إن كان هذا هو المصطلح الصحيح؟»
فقيل له إنه باستثناء كبير الخدم، هاينريش بوشيل، فإنَّ جميع خدم المنزل موجودون هنا.
صاح مكارثي بارتياحٍ حقيقي للغاية: «رائع!» وأضاف: «وربما يُمكنك أيضًا إخباري عن الضيوف الموجودين في الطابق العلوي، باستثناء ضيف تصادف أني أعرفه.»
فأبلغَتْه إحدى الخادمات أن البارونة تَستضيف شخصًا واحدًا في تلك اللحظة، رغم أنهم علموا أن لديها ضيوفًا آخرين سيأتون لاحقًا لتناول العشاء.
قال المفتِّش وهو يهزُّ رأسه في أسف: «أخشى أنهم سيَأتُون في فترة صعبة.» وتابع: «والآن ادخلوا، من فضلكم، واجعلوا أنفسكم مرتاحين قدْر الإمكان.» وأضاف مُحذرًا: «واعلموا أن هناك رجلًا يقف للحراسة والذي لن يتردَّد على الإطلاق في التعامل بحسمٍ مع أي شخصٍ يحاول الهروب.» وأردف مؤكدًا: «لن يتردَّد «على الإطلاق».»
وبعد أن أغلق الباب، أغلق القفل بعناية، ثم وضع كرسيًّا تحت مقبضه. وقال: «أعتقد أن علينا وضع صديقنا رئيس عمال الفحم هنا للحراسة فقط كإجراء احترازي.» وأضاف: «إذا قرَّر الطباخ أن يُلقي بثقله على الباب، فأنا أشكُّ في أن القفل أو الكرسي سيتحملان.»
«إنه مرعوب بشدة؛ لن يُحاول فعل ذلك. عندما فتشتُه كان يرتجِف مثل الهلام.»
قال مكارثي: «لن نجازف»، واستدعى رئيس عمال الفحم، وشرع في إعطائه تعليماته. ونظرًا لأن الرجل، كان يتوقَّع مثل هذه المهمة، فقد أحضر مجرافه معه، والذي اعتُبر سلاحًا كافيًا تمامًا لهذه المهمة. ونظرًا لأنه أكد لمكارثي أنه لن يتردد في استخدامه تجاه أي ألماني، ذكرًا كان أم أُنثى، بعد أن أمضى عامَين في معسكر اعتقال ألماني، فقد تُرِك لأداء المهمَّة مع ثقةٍ تامة بأنه سيؤديها على نحو جيد.
«والآن، يا ويذرز، على الرغم من عدم ارتدائنا ملابس ملائمة لمثلِ هذه المناسبة؛ إذ، في الواقع، هي غير ملائمة للغاية، فسنَصعد إلى الطابق العُلوي إلى غرفة الاستقبال، ونُوجِّه تحياتنا إلى البارونة. أشكُّ في أنها ستصبح سعيدة برؤيتنا، لكن ما باليد حيلة.»
تنبأ «بيج بيل» مع ابتسامةٍ عريضة: «أُراهن أن السير ويليام سيفاجأ بشدة عندما نقتحم المكان.»
وافقه مكارثي قائلًا: «أراهن أنه سيَفعل.» وتابع: «في الواقع، فإن اليقين بأنه سيفاجأ هو أحد أكبر الأشياء التي كنتُ أفكر فيها عندما طلبتُ منه المجيء إلى هنا. سيُعلِّمه هذا أنه حتى المفوضون المساعدون لا يَعرفون بقدْر ما يعتقدون أنهم يعرفون.»