المُفتش يُعاني من صدمة!
إنَّ الجثة التي وجدها مكارثي مُمدَّدة وهي بكامل ملابسها على لوح في المشرحة عندما تمكن أخيرًا من شقِّ طريقه إليها، تُطابِق بلا شك الوصف الذي قدَّمه عنها المفتش في جولدرز جرين من حيث أنها امرأة ذات وضعٍ اجتماعي مُعين، وبالتأكيد، ظروف معيشية رغدة.
وجد الطبيب الشرعي قد تسلَّمها بالفعل والذي، من العجيب أن نقول، تقبَّل الاستدعاء الأخير المُوجَّه إليه وهو مُبتهِج تمامًا؛ وبالفعل، بدا عليه أنه سعيد بهذه المهمة بخلاف غيرها. فبحسب ظنِّه، لا بدَّ أن المفوض المساعد قد تملَّق الطبيب جيدًا وعلى نحوٍ حقيقي عندما اتَّصل به، حتى يُحدِث هذا التأثير على طبيعته غير الفلسفية المعتادة.
وعند إلقاء نظرةٍ على غرفة المكتب الصغيرة حيث يحتفظ حارس المشرحة بالمُتعلِّقات، الموضوعة في مُغلفات والمصنَّفة بعناية، والخاصة بأولئك التُّعَساء بما يكفي لإحضارهم إلى هذا المثوى المُظلم، تبيَّن له أن «داني ذا ديب» قد أُرسِل مع الجثة، وأُجلِس على كرسي وقد بدا وكأنه نصف مُستيقظ من نومٍ ثقيل مُخدِّر. في الواقع، حدَّق فيَّ المفتِّش وكأنه لا يستطيع التعرُّف عليه.
فسأل بهدوء: «هل يُمكنك إعطاء هذا الرجل جرعةً مِن أيِّ دواء كي يستعيد كامل تركيزه، أيها الطبيب؟»
أجاب الطبيب مع نظرةٍ مُتشكِّكة إلى النشال الملطَّخ بالدماء ذي المظهر الأشعث: «يُمكنني.» وتابع: «ولكن إذا كنتَ ترغب في الحصول على أيِّ معلومات منه على الفور، فإنني أرى أن كوبًا من الشاي الساخن والمُركَّز ستكون له نتائج أسرع. يبدو من خلال مظهره أنه قد حصل على حقنة من أحد العقاقير المُخدِّرة. المورفين أو الهيروين، في رأيي.»
نظر مكارثي إلى حارس المشرحة. ثم سأله: «هل يُمكنك تولِّي هذا الأمر، هل تظنُّ ذلك؟»
فهزَّ الرجل الفاضل رأسه بالإيجاب. لم يكن هناك الكثير ممَّن هو على استعدادٍ لتحمُّل أي مشقَّة من أجلهم في تلك الساعة من الصباح، لكن المُفتِّش مكارثي كان شخصًا مُفضلًا على نحو خاص عنده. وكان يُمكن للطبيب الشرعي أن يطلب منه ذلك حتى يذبل لسانه دون أن يستجيب ذلك الموظَّف القوي البنية.
فقال، بلكنته الأيرلندية القوية: «هذا أمر بسيط، أيها المفتش.» وتابع: «سوف أضع الغلاية على مَوقِد الزيت الصغير الخاص بي.» ثم أحنى رأسه الضخم نحو المُفتِّش وألقى نظرةً خاطفة على ريجان الفاقد التركيز. وهمس: «هل لاحظتَ الحالة التي عليها ملابسه؟» وأضاف: «إن الدماء تُغطِّيه من رأسه حتى قدَمَيه. لكنها ليست أبدًا نتيجة تلك الضربة على رأسه، ولا يبدو عليه أنه مُصاب في أي مكانٍ آخر.»
أجاب مكارثي، مع نظرةٍ قلقة تجاه مُساعِدِه: «وهذا ما أبلَغَني به المُفتش في جولدرز جرين.» وتابع: «سوف نبحث ذلك لاحقًا، عندما يكون في حالة أفضل. امنحه الشاي الساخن والمُركَّز.»
قال له حارس المشرحة مؤكدًا: «سأمنحه نصف لترٍ منه، وهو يَغلي، خلال خمس دقائق.» وتابع: «وإذا لم يفِ ذلك بالغرَض، سأمنحُه نصف لترٍ آخر.»
ومع هذا التأكيد استدار مكارثي نحو الجثة الأنثوية المُسجَّاة على لوح التشريح.
لم يكن هناك شكٌّ في أنها امرأة جميلة وترتدي ملابس رائعة بالتأكيد، ولكن قبل أن تُذبَح منذ بضع ساعاتٍ قصيرة، ولم يكن المفتش في جولدرز جرين مُبالغًا عندما قال إن المعطف الذي يُغطِّي ثوب السهرة ذا الياقة العالية — وبدون شكٍّ الظهر المكشوف — يبلغ ثمنه مبلغًا كبيرًا من المال. لقد كان مصنوعًا من الفراء الأبيض ومُفصَّلًا على أحدث طراز، لكن الياقة والجزء الأمامي من الثوب كانا غارقَين في الدماء من جرح الرقبة المُروِّع الذي تسبب بالتأكيد في وفاتها.
كما قال المفتش، كان رأسها شِبه مقطوع عن جسدها، وهو عمل شخصٍ وحشي للغاية. وقد فسَّرت وحشية الجريمة على الفور لمكارثي كمية الدم الكبيرة المُتناثِرة على الباب، ودرجات السُّلَّم الخارجية وحتى الدرابزين. وفسَّر المعطف أيضًا، من خلال سَماكة فرائه، الوسيلة التي نُقل بها الجسد دون ترك أي آثار غير تلك المذكورة: فقد لُفَّ الرأس والكتِفان بالكامل فيه؛ ومن ثمَّ منع أي تسرُّب للسائل الذي قد يَشي بالأمر. ومن المُمكن أيضًا أن تكون السيارة، أيًّا كان نوعها، المُستخدمة لنقل الجثة من الميدان، خاليةً بنفس القدر من بُقَع الدم عندما يتمُّ العثور عليها في نهاية المطاف، هذا إذا حدث ذلك من الأساس.
سأل الطبيب الشرعي: «هل أنت متأكِّد تمامًا من أن هذه هي الجثة الخاصة بجريمة القتل التي وقعت في سوهو، يا ماك؟»
أجاب مكارثي في ثقة: «تمامًا.» ثم أضاف: «ما لم تُقتَل امرأتان في لندن هذه الليلة في نفس الوقت تقريبًا وبنفس الطريقة، وكلاهما استخدَمَت العطر نفسه بدرجة أكبر مما تعتاده مُعظم النساء في يومِنا هذا. لقد شممتُ رائحته بقوة خارج ذلك المنزل الموجود في سوهو سكوير ولا يوجد أي شك في أنه نفس العطر الذي كانت تضعُه هذه المخلوقة البائسة.»
أومأ الطبيب برأسه. وقال: «أنا أشمُّه بنفسي.» وتابع: «إنه غريب.»
كان على لسان مكارثي أن يسأل عما هو غريب فيه، لكن بما أنه لم يرغب في الاستماع إلى أي كلام عن العطور، بوجهٍ عام، وهذا العطر بالتحديد، فقد حجب السؤال وعاد إلى فحصِه مرةً أخرى. لقد حمل كل ما كانت تَرتديه، والأحذية، والجوارب، والملابس الداخلية سِمات علوِّ الثمن والجودة. كانت هناك، كما أخبره مُفتِّش جولدرز جرين، علامات مُحدَّدة على أصابعها تدلُّ على أنها كانت تَرتدي خواتم في كل يد، كما يُمكن بوضوح رؤية العلامة الدالة على نزع حلقٍ واحد، على الأقل، بلا رحمةٍ من حلمة الأذن اليُمنى. ونظرًا لأن أيًّا من الأُذنَين لم تكن مثقوبة، فلا بد أن الحلقَين كانا مُثبتَين ببراغيَّ أو مشابك، ويدلُّ أخذهما على أنهما لا بدَّ أن يكونا ذوَي قيمةٍ كبيرة. في الجزء الداخلي من المعطف، الذي كان مفتوحًا على مصراعَيه الآن ويتدلى من لوحِ التشريح من جانبٍ واحد، كان يُوجَد جَيب أدخل فيه يده وأخرج علبة سجائر ذهبية صلبة والتي، مع ذلك، لم تَحمِل حرفًا واحدًا أو أيَّ وسيلة تعريف مُمكنة أخرى؛ وكذلك ليس هناك، عبر الفحص السريع، أي حروفٍ مُميزة على الملابس الداخلية.
ثم أعطى قدرًا كبيرًا نسبيًّا من الوقت لدراسة الوجه نفسه، والذي بدا عليه بغرابةٍ شحوب الموت الرمادي بسبب الطبقة الكثيفة من مساحيق التجميل التي كانت تضعها المرأة. وقرَّر أنها بالتأكيد أوروبية، وليست إنجليزية؛ كان سيقول إنها ألمانية، ذات سماتٍ قوية بنحو غير عادي بالنسبة لواحدةٍ من جنسها.
ومن ثم سأل: «ما الجنسية التي ستُسجِّلها في أوراقها، أيها الطبيب؟»
أجاب الطبيب الشرعي بلا تردُّد: «ألمانية. إن بها مجموعة مثالية من السِّمات الألمانية؛ لا شكَّ لديَّ في ذلك.» وتابع، مع نبرةٍ في صوته جعلت المُفتِّش يُلقي نظرة سريعة عليه: «هل هذا هو الشيء الوحيد الذي تُلاحِظه بشأنها، يا ماك؟»
سأل مكارثي: «ماذا هناك كي أُلاحظه أيضًا؟» وتابع: «إلى جانب أنها كانت امرأة ذات وجاهة اجتماعية في أوائل أو مُنتصَف الثلاثينيات من عمرها، في رأيي، وذات ملامح قوية على نحوٍ خاص، ما الذي يُمكن ملاحظته؟»
أجاب الطبيب: «الكثير مما سيُفاجئك.» وعدل قائلًا: «هذا إذا كان هناك أي شيء يُمكنه أن يُفاجئك.»
أكد له مكارثي على نحوٍ هادئ: «لا يُوجَد ما يُمكنه أن يُفاجئني، لكنَّني مع ذلك سأستمع.»
قال الطبيب بإيجاز: «حسنًا، سأَندهِش بشدة إذا لم يُفاجئك ذلك.» وتابع: «إنَّ هذه المرأة، يا مكارثي، هي في واقع الأمر رجل!»
لم يكن من المُجدي للمُفتِّش أن يُحاول حتى إخفاء المفاجأة الكاملة والمُطلقة التي ملأته. حيث اتَّسعَت عيناه وفغر فاه.
وشهق قائلًا: «حسنًا، يا له … يا له من أمر عجيب!» وسأل بسرعة: «أنت لا تُحاول أن تتلاعَب بي، أليس كذلك؟»
زمجر الطبيب قائلًا: «إذا كنتَ تَعتقِد أنني أستمتع للغاية بتركي لسريري في هذه الساعة من الصباح لدرجة أن أبدأ في التلاعُب بالناس، فأنت مُخطئ للغاية.» وأضاف: «إن هذه المرأة، أُكرِّر، هي في واقع الأمر رجل. وكي تَقتنِع فقط مرِّر يدك لأعلى تحت الذقن. إذا لم تكن هناك شُعَيرات خشنة كافية تحت طبقة مساحيق التجميل لتُقنعَك بهذا الأمر، فإنك لا تقتنع بالأشياء بسرعة.»
فعل مكارثي بحذَرٍ شديد كما قيل له، ليجد، بما لا يدع مجالًا للشك، أن هناك شعيرات لحية قوية تحت يدِه، لكنها مُغطَّاة بمهارة شديدة من خلال مساحيق التجميل لدرجة أنها، بالطريقة العادية، لم يكن من الممكن اكتشافها على الإطلاق.
قال الطبيب الشرعي: «إنه نوع شائع بدرجة كافية في ألمانيا في الوقت الحاضر. في المرة الأخيرة التي ذهبت فيها إلى برلين، كانت صالات فندق أدلون، والأماكن المُماثلة، مليئة بهم.» وتابع ساخرًا: «يبدو أن الآري النقي لدَيه ميل واضح جدًّا في هذا الاتجاه. ومن مظهر هذه الشعيرات، فهو ربما يحلق مرتَين أو ثلاث مرات في اليوم؛ ولو كان على قيد الحياة وفعل ذلك هذا الصباح، لما وجدنا أثرًا لها. لا بدَّ أن الطبيب الشرعي في جولدرز جرين قد ألقى نظرة خاطفة جدًّا عليه، يجب أن تُخبره الأسنان وحدَها بالحقيقة، على الرغم من أنني أقرُّ بأنها صغيرة على نحو استثنائي.»
قال مكارثي بحزن: «إنها لم تُفصح عن شيء لي.»
رد الطبيب بحدة: «وهذا دليل، إذا كنتَ بحاجة إلى واحد، على أنك لا تَعرف قدْر ما تعتقد أنك تعرفه، يا ماك.»
سأل مكارثي، رغم أنه كان يُوجِّه السؤال لنفسه أكثر من أي شخصٍ آخر: «ولكن لماذا يظهر، هنا في إنجلترا، بهذه الطريقة؟»
هز الطبيب الشرعي كتفَيه. وقال: «إن «مهمتك» هي الكشف عن ذلك. أنا شخصيًّا، أرى أنها قضية تجسُّس على نحوٍ أو آخر. يُوجَد قدر كبير منهم هنا بين «اللاجئين» و«المُعادين للنازية». نحن أسوأ الحمقى على وجه الأرض عندما يتَّصِل الأمر بهذا النوع من الأشياء.»
صاح مكارثي: «أتفق معك تمامًا!» وأضاف: «يجب أن تستمِع إلى رجال الفرع الخاص بشأن ذلك الأمر.»
قال الآخر بعد برهة: «أنا لستُ في حاجةٍ إلى ذلك.» وتابع: «لديَّ الكثير من الشكاوى الخاصة بي، دون الحاجة إلى الاستماع إلى شكاواهم. ومع ذلك، فأنت تُدرك الآن أنها جريمة قتل رجل التي تُحقِّق فيها، وليست امرأة.» ثم عدل كلامه قائلًا: «هذا على الرغم — وأنا أتحدَّث بكل حذَر — من أنني أرى أنه كان مُعتادًا على ارتداء ملابس نسائية على نحوٍ مُنتظِم، هذا إذا كان كلامي واضحًا.»
أومأ مكارثي برأسه. وقال: «هل تَقصِد أنني أُحقِّق في قضية مقتل رجل غير معروف في البلاد كرجلٍ على الإطلاق، ولكن كامرأة؟»
«هذا هو مقصدي. والآن، سأكون مُمتنًّا لو أخليتَ المكان وسمحتَ لي بمواصَلة عملي.» وأضاف، مع إيماءة من رأسه تجاه جثةٍ أخرى مُمدَّدة على لوح تشريح في الطرف الآخر من الغرفة الباردة: «إلا إذا كان هناك أي شيء تُريد معرفته عن الشرطي المقتول. لقد أجريتُ فحصًا دقيقًا لجرحه، وتوصَّلت إلى استنتاجٍ مفادُه أنه من المُرجَّح للغاية تعرُّضُه للطعن بسلاحٍ مُماثل لذلك السلاح الذي أريتني إيَّاه. وكلما أسرعتَ بعرض السلاح عليَّ لفحصه، كان ذلك أفضل، وسأُجري فحص الدم الذي أردته.»
وعَد مكارثي قائلًا: «سأتَّصِل بخبير البصمات كي يُسرع في إنهاء عمله مع البصمات.» كان يستدير ليغادر نحو المكتب، الذي يُوجد فيه «داني ذا ديب» وهو يَستمتِع الآن بكوبٍ ضخم من الشاي، والذي، من البخار المُتصاعد منه، لا بد أنه كان قريبًا من الغليان، عندما خطر بباله شيء آخر. فقال مع إيماءةٍ باتجاه الجثة المُمدَّدة أمامهما: «إذن هذا الشَّعر لا بد أنه شَعر مُستعار.»
«بالطبع؛ لا يُمكن لأيِّ رجلٍ تدريب شَعره على النمو بهذه الطريقة، حتى لو كان على الجانب القصير.»
ومن ثمَّ رفع الطبيب الشرعي الرأس، وفك عدة دبابيس شعر غير مرئية تقريبًا، وسحب شعرًا مُستعارًا رائعًا على نحو مُدهش والذي كان ذا لونٍ بُني داكن، مع لمسةٍ طفيفة من اللون الرمادي، كان مُثبتًا في الرأس. وعلق قائلًا: «قطعة رائعة من الشعر الحقيقي.» وتابع: «أفضل ما رأيت على الإطلاق، يجب أن يكون قد صنعه فنان في هذا المجال. إنه غير قابل للكشف عمليًّا بالطريقة العادية.»
مدَّ مكارثي يدَه من أجل الحصول على الشَّعر المستعار، وعندما أخذه، فحصه بدقة. من بين المعلومات المتنوعة التي حصل عليها من أصدقائه المسرحيين، كانت هناك حقيقة تتمثل في أن صانعي الشعر المُستعار من الدرجة الأولى دائمًا ما يَخيطون به علامةً بأسمائهم وتاريخ صنعه، وفي كثير من الأحيان يُكتَب عليها اسم الشخص الذي صُنع الشعر المستعار من أجله، على الشبكة الداخلية التي يُنسَج الشعر عليها. إذا كان من قبيل حسن الحظ الأمر كذلك في هذه الحالة — وبالتأكيد فإن الشَّعر المستعار الرائع الذي ارتدته «المرأة» لا يُمكن أن يكون إلا من عمل صانع من الدرجة الأولى — فربما هناك دليل مباشر قد يؤدي، في النهاية، إلى التعرُّف على هوية الرجل المقتول. كما هو مُتوقَّع تمامًا، على أحد أركان الأشرطة، التي تحمل نوابض أساس الشعر المستعار، وجد علامةً صغيرة مطبوعة عليها النقش التالي: «هاينريش، لندن». لكنه لم يتمكَّن من العثور على تاريخ أو أي شيء آخر من شأنه أن يُعطيَ أدنى فكرة عمن صُنع هذا الشعر المستعار من أجله.
فقال لحارس المشرحة: «سأحتاج إلى هذه لبعض الوقت.» وتابع: «ضعها في مُغلف، وسأُوقِّع على استلامها. كيف حال ريجان؟»
فأجابه: «بخير.» وتابع: «لقد أفاده الشاي للغاية، مثلما قال الطبيب الشرعي. ولكن هناك أمرٌ ما، أيها المفتش، وهو أنك يجب أن تجلب له معطفًا من نوع أو آخر قبل أن تتمكَّن من إخراجه من هنا. إذا خرج إلى الشارع كما هو، والدماء جافَّة في كل مكان عليه، فسيقبض عليه قبل أن يَبتعِد لمائة ياردة، حتى وأنت معه.»
نظرة سريعة على المكتب حيث جلس ريجان وهو يَحتسي الشاي المغلي وقد ارتسمَت على ملامحه نظرات مُروِّعة، أقنعت مكارثي بحقيقة الملاحظة. فقال: «اعثر له على شيءٍ في الوقت الحالي.» وتابع: «وسآخُذُه معي إلى المنزل لسماع قصته، وأُعيد أي شيءٍ ستعثر عليه له في وقتٍ لاحق من اليوم.»
ثم سأل وهو يدخل المكتب: «كيف حالك الآن، يا دان؟»
نظر إليه النشَّال من خلال عينَيه نصف المُنتبهتَين.
وأجاب بنبرة لم تترك مجالا للشك في ذهن مكارثي حول حقيقة كلماته: «مروع للغاية.» وتابع، وهو يهز رأسه: «لقد ضربوني بقوة، أيها المفتش، بينما كانوا في ذلك المكان.» ثم أضاف: «عجبًا، لقد ضُربت كثيرًا بقُضبان وزجاجات وعِصِي، لكنَّني لم أشعر بمثل هذا الشعور أبدًا.»
أوضح له مكارثي قائلًا: «أريد التأكُّد منك يا دان إن كانوا قد أعطوك شيئًا آخر.» وتابع: «جرعة من شيء من شأنها أن تُبقيَك في المكان الذي يُريدونه طالما أنه يُناسبهم.»
وبينما كان يتحدث، أخذت عيناه تتفحَّصان البقع السميكة الداكنة على ملابس ريجان. فسأل: «أنت ليس لدَيك فكرة عما حدث لك بعد أن ضربوك على رأسك، يا داني؟»
هز ريجان رأسه نافيًا. وقال: «بعد أن ضربوني، أيها الرئيس، وفقدتُ الوعي، لم أشعر بشيء. لا بد أني أُلقيت في سيارة، لأنهم خرجوا من سيارةٍ قبل أن يُلقوني منها، ولم يكن بإمكاني الانتقال كل هذه المسافة إلى هامبستيد بأيِّ طريقة أخرى، كما لا بدَّ أني فعلت.»
أومأ مكارثي برأسه موافقًا.
وقال: «أجل، يا داني، لقد كانت سيارة، هذا صحيح تمامًا. سآخُذُك معي إلى المنزل لتناول القليل من الإفطار، وسأسمَع قصتك حتى تلك اللحظة هناك. إنَّ الشيء الذي يُثير اهتمامي أكثر في هذه اللحظة هو أين وكيف أتيتَ بكل هذا الدم على ملابسك. أنت بالتأكيد لم تَحصُل عليه أبدًا من ذلك الجرح في الجمجمة.»
هز ريجان رأسه وهو في غاية التعب. وقال: «لا تسألني، أيها المُفتِّش.» وتابع: «أنت تعرف عن ذلك بنفسِ القدْر الذي أعرفه.»
أخذ مكارثي مطواةً صغيرة من جيبه، ومسَح النصل ونظَّفه، ثم كشط بعناية بعض الدم اللزج، والذي لا يزال رطبًا في بعض الأجزاء، من فوق معطف ريجان. وفرده بعناية على ورقة بيضاء حصل عليها من موظَّف المشرحة، وقدَّمها إلى الطبيب وطلب منه مقارنته بدم ذلك الرجل الذي يرتدي ملابس نسائية.
وقال: «أعتقد، أيها الطبيب، أن جسد هذا الرجل كان بالفعل في الجزء السُّفلي من السيارة الذي أُلقي فيه ريجان، وأنك ستجد أن دم هذا الرجل هو نفسه الدم الذي لطَّخ ريجان.»
قال الطبيب الشرعي بفظاظة: «اترُكها هنا.» وتابع: «سأفعل كل شيءٍ في نفس الوقت. وإذا كان هناك أي شيء آخر يُمكنك التفكير فيه ليُبقيَني عالقًا هنا طوال اليوم، فلا تتردَّد في التعجيل به.» وأضاف ساخرًا: «وقتي لا قيمةَ له على الإطلاق.»
قال مكارثي بابتسامة: «لن أتردَّد»، ولمَّا رأى مساعده المضروب يَرتدي معطف مطر قديمًا كبيرَ الحجم للغاية بالنسبة له، اتَّجَه نحو الباب.
مُلقيًا نظرة أخيرة على الجثة التي كان يخلع عنها الطبيب الساخط الآن ملابسها المُضلِّلة، استرعى انتباهه شيءٌ ما بشأنها، حتى تلك اللحظة، لم يكن قد استرعاه.
أكد الرأس المحلوق بدون الشعر المُستعار بنحو كبير الأصل الألماني لوجه الرجل الميت، حتى وهو مُغطًّى بمساحيق التجميل كما كان. وهنا، مما لا شك فيه، اتَّضح أن هذا البروسي من فئة الضباط. إذ خلال زياراته العديدة لقارة أوروبا في مهامَّ شُرطية، رأى العشرات ممن قد يكونون إخوة أشقاء للرجل الميت. وكان لدَيه القليل من الشك في أنه، عندما يُنظَّف الوجه في النهاية، سيُعثر على ندوب مُبارزة طلابية بارزة فيه.
فتمتم: «قضية تجسُّس، هذا صحيح تمامًا.» وتابع: «ولكن فيما يتعلق بأي مسألة، ومن هو الشخص المُعادي بما يكفي لما كنتَ تنوي القيام به، كي يجزَّ عنقك، بالطريقة التي استخدمها؟»