لقاء مع الزعيم!
فجأة هبطَت طائرة رقم «صفر» خلف الكهف السري في سكون، وسرعان ما انفتحَت الأبواب الصخرية … كانت بداخلها العربة في الانتظار لتصلَ به داخل الكهف … وبسرعة ومن خلال شاشة البث التلفزيوني، شاهد الزعيم تمارين الشياطين في ميدان الرماية بالكهف السري. كان الشياطين مقسَّمين إلى ثلاث مجموعات؛ وكان «أحمد» و«بو عمير» و«خالد» بالمجموعة الأولى التي أُطلق عليها «أمهر الرماة»، وكانت المنافسة بينهم وبين مجموعة «عثمان» و«إلهام» و«قيس» على أشدِّها. ابتسم رقم «صفر» وهو يتابع التمارين الصعبة، وكان السلاح المستخدم في هذه المنافسة، المسدسات الصغيرة الحجم السريعة الطلقات … وكانت الأهداف المتحركة تظهر ثم تختفي بسرعة قبل أن تُصيبَها طلقاتُ الرصاص المُحكمة.
أربع ساعات قضاها الشياطين بميدان الرماية، والتي أسفرَت لأول مرة عن تعادل «أمهر الرماة» مع مجموعة «عثمان» و«إلهام» و«قيس»، بعدها أسرع الشياطين في تنظيف أسلحتهم ثم توجَّهوا جميعًا للراحة بعد شوط التمارين الطويل … في ميدان الرماية الواسع.
وما إن دخلوا المقر السري حتى سمعوا جميعًا صوتَ رقم «صفر» وهو يدعوهم للاجتماع بقاعة الاجتماعات الصغرى بعد نصف ساعة.
كانت مفاجأة للشياطين أن يكون رقم «صفر» بانتظارهم، وقد فوجئ الشياطين بشيء آخر، وهو أن الاجتماع عاجل وفي منتهى الخطورة والأهمية.
كانت ساعة الكهف السري تُعلن الواحدة بعد الظهر حين توجَّه الشياطين صوب قاعة الاجتماعات الصغرى، وقد دارَت الأسئلة والاستفسارات على ألسنتهم، وما إن جلسوا في القاعة الدائرية، حتى سمعوا جميعًا صوتَ رقم «صفر» يُحيِّيهم بعبارته الشهيرة: مرحبًا بكم أيها الشياطين!
ثم أكمل: وإنني أُحيِّي مجموعة «كولومبيا» الذين قاموا بأروع عمل … لقد كان «كارلوس روبيرتو» الرجل ذو «السبعة أرواح» مشكلة رهيبة … لم تصدق السلطات «الكولومبية» نفسها عندما بدأت التحقيق معه، لقد كشف لهم عن أسرار في غاية الأهمية … وسكت رقم «صفر» قليلًا قبل أن يُكمل حديثه قائلًا: إنني أتوجه بالشكر للشيطان رقم «١»، لقد أدى دوره بإحكام شديد … ويكفي أنه قد خدع «خالد» … لقد كان التنكر في الشكل وتغيُّر نبرات الصوت رائعًا … أعود فأقول: إنني في غاية الفخر بكم، وأتمنى لكم مزيدًا من التقدم على ما تقومون به من أعمال رائعة! الآن فلنبدأ الحديث عن المغامرة القادمة.
صمت رقم «صفر» طويلًا … كان الشياطين خلالها في حالة استغراق كاملة … وأخذ كلُّ واحد منهم يتخيل نوع المغامرة، وفي أي مكان ستكون، ولم يتركهم رقم «صفر» كثيرًا؛ فقد بدأ قائلًا: إن المغامرة القادمة غريبة فعلًا … فليست مجموعة واحدة هي التي ستسافر، ولكنكم جميعًا ستكونون في هذه المغامرة … فقط لن تكونوا في مكان واحد ولا في بلدة واحدة!
نظر الشياطين لبعضهم نظرات لها معنى الغموض والحيرة! قال رقم «صفر» وهو يرد على هذه النظرات قائلًا: إن المغامرة التي سأحدثكم عنها جديدة فعلًا، وتستحق منَّا الاهتمام والتعامل معها بدقة …
والحكاية باختصار: هناك مجموعة عصابات … تجارتها الرائجة ليست المخدرات أو السموم بشتى أنواعها … ولا السرقات ولا الجراثيم، ولكنها تجارة من نوع آخر … لا يخطر ببالكم، ولعلكم لو تابعتم الأحداث الأخيرة في الوطن العربي، لعرفتم على الفور فيما تتاجر هذه العصابات.
قالت «إلهام» وهي ترفع يدها باتجاه منصة الزعيم الذي يراها ولا ترى منه شيئًا سوى سماع صوته وهو يقول: تفضلي يا «إلهام».
قالت «إلهام»: لعلك تقصد تجارة الأسلحة؟!
قال رقم «صفر»: شكرًا لكِ يا «إلهام»، هذا ما أقصده فعلًا … وأكمل: إن الأسلحة التي تُحارَب بها الدول العربية كثيرة ومتنوعة … فمن المخدرات بشتى أنواعها؛ كالهيروين والكوكايين، وغيرها من المواد السامة القاتلة، إلى أنواع أخرى من الأسلحة التي من شأنها إضعاف الدول العربية للسيطرة عليها … لقد نشطَت عصابات تجارة الأسلحة بشكل خطير، وصارت البنادق «الكلاشنكوف» الروسي … والمسدسات «البرتا» الألماني، وغيرها من الأسلحة التي وصلَت إلى حد المدافع الصغيرة … والقنابل اليدوية الخطيرة … ولعل جرائمَ القتل والإرهاب المنتشر الآن على الساحة العربية أبلغُ ردٍّ على تفشِّي ظاهرة التجارة في هذه الأسلحة، وخاصة للدول العربية!
صمت رقم «صفر» مرة أخرى قال بعدها: إن الدول العربية تعمل ما بوسعها للسيطرة على قدوم هذه الأسلحة، ولكنها لم تستطع حتى الآن منعها؛ فتُجار الأسلحة أكثر فنًّا ووعيًا عن تجار المخدرات؛ فالهيروين مثلًا أو أي مخدر آخر من السهل عمله، وتضليل السلطات، ولكن السلاح يختلف؛ فهو كبير الحجم، مما يجعل المهمة أصعب؛ ولذلك فهم على درجة أكبر من الذكاء والوعي، ويستخدمون أحدث الوسائل في تهريب هذه الأسلحة، سواء بالبر أو البحر أو الجو … ولهم وسائل نقل متعددة … إما أصحاب شركات طيران أو سفن بحارة أو غيرها من وسائل النقل. وأخيرًا لقد توافرت لدينا معلومات خطيرة تُفيد بأن معظم تجار الأسلحة يجتمعون في «إيطاليا» كل فترة محددة للتنسيق فيما بينهم، وذلك في حجم الشحنات وعقد الصفقات مع التجار العرب، ولدينا الآن مجموعة من الأسماء الذين يتعاملون مع هؤلاء التجار، وهذه مشكلة تخص السلطات في هذه البلاد العربية، وستقوم هي بعمل اللازم تجاههم، وتبقى المشكلة الرئيسية، وهي كيفية القبض على هؤلاء التجار!
سكت رقم «صفر» قليلًا ليكمل حديثه قائلًا: إن مسألة القبض على هؤلاء التجار ليست سهلة على أي حال … ولذلك سنحاول التنسيق بين المجموعات المسافرة إلى «إيطاليا»، و«ألمانيا»، وفرنسا … فضلًا عن توجُّه مجموعة أخرى … إلى مكان معين لم يُحدَّد بعدُ لتفجير شحنة جديدة من السلاح قد تصل خلال أيام.
أكمل رقم «صفر» حديثه: المطلوب منكم الآن تجهيز شفرات ملائمة لربط خيوط المغامرة، وتحديد المجموعات المسافرة إلى «إيطاليا» و«ألمانيا» و«فرنسا»، وإلى أن نلتقيَ في الاجتماع القادم لتحديد موعد السفر، أتمنى لكم وقتًا سعيدًا!
سمع بعدها الشياطين صوتَ أقدام رقم «صفر» وهي تبتعد عن المنصة لتغادرها في سكون.
نهض بعدها الشياطين وغادروا قاعة الاجتماعات وهم يتحدثون عن المغامرة القادمة.
قالت «إلهام»: إنه من الغريب حقًّا أن ننطلق جميعًا في آنٍ واحد!
ردَّت عليها «زبيدة» قائلة: قد يكون ذلك في صالح المغامرة؛ فمن الممكن أن تكون المغامرة لها أكثر من شقٍّ، ونحن نُكمل بعضنا البعض سواء من ناحية المعلومات أو حتى التحركات.
قال «أحمد»: قد يكون هذا صحيحًا يا «زبيدة» … وأكمل قوله: فمن المعروف أن هذه العصابات بالذات لها اتصالات واسعة، وشبكة تهريب الأسلحة لا بد أن تُكمل بعضها البعض وإلا كان من السهل التعامل معها والقضاء عليها.
قال «عثمان»: إنني أرى عكس ذلك تمامًا … فأغلب الظن أن تلك العصابات تعمل في حالة انفرادية، نظرًا لتباين الأماكن ونوع الأسلحة، وغيرها من الاختلافات التي تجعل من أمر تجمُّعها في عمل واحد شيئًا مستحيلًا.
قاطعه «خالد» قائلًا: ولكن يا «عثمان» لا بد أن يكون هناك تنسيق بينهم وإلا لتعارضوا في أشياء كثيرة، أذكر منها على سبيل المثال: سعر الأسلحة نفسها، التي قد تجعلها تدخل في منافسات حامية تخفض من قيمة هذا السلاح!
هنا صاح «بو عمير» وهو يردد: من أجل النقطة التي أثارها «خالد»، فأنا أرى أن هذه العصابات تعمل بشكل جماعي، كما أن هناك تنسيقًا تامًّا بحيث تكون المضاربة في سعر السلاح لصالحهم أولًا وأخيرًا … وأنا هنا أؤيد كلام «أحمد».
تدخَّل «قيس» في النقاش قائلًا: ما عليكم … سنعرف غدًا عند لقاء الزعيم أي الآراء والأفكار أرجح، وعلى كل حال فأنا أؤيد رأْيَ «هدى».
ضحك الشياطين، فلم تكن «هدى» قد أدلَّت برأيها بعدُ!
سارع بعدها الشياطين لمشاهدة فيلم تسجيلي عن أحدث طرق الدفاع عن النفس، بواسطة لعبة «الجودو» الشهيرة، وكان النزال بين اثنين من أبطال العالم في هذه اللعبة، وهما من «اليابان»، واستمتع الشياطين بحركاتهم البارعة وقوتهم الخارقة!
ثم توجهوا بعدها للنوم وقد سكن الليل، وهدأت الحركة في كهفهم السري الذي لا يعرف الهدوء.
في الصباح الباكر كان الشياطين جميعًا يرتدون ملابسهم الرياضية، ويتوجهون إلى ساحة العدو، وظلوا طيلة ساعة ونصف الساعة في الجري حول المضمار، ثم مارسوا بعضَ التمارين «السويدية»، وهي عبارة عن بعض الألعاب أو الحركات التي تساعد الجسم على أداء أصعب الحركات وتحمُّل أصعب المواقف. توجَّه بعدها الشياطين للاستحمام تمهيدًا للاجتماع بالزعيم رقم «صفر».
كانت ساعة الكهف السري تشير إلى الحادية عشرة صباحًا حين انتهى الشياطين من تناول طعام الإفطار … توجهوا بعدها إلى القاعة الصغرى، وجلسوا حول المنضدة المستديرة، وسرعان ما سمعوا أصواتًا تقترب من منصة الزعيم … كانت الأصوات لخطوات منتظمة محسوبة … عرفوا بعدها أن الزعيم رقم «صفر» يقترب من منصته المجهولة.
جلس رقم «صفر» خلف زجاج منصته الداكن، وحيَّا الشياطين بعبارته الشهيرة قائلًا: مرحبًا بكم أيها الشياطين! وأكمل: وقتًا سعيدًا … ثم ضغط على زرٍّ صغير بجانبه، فأُضيئَت الشاشة الفوسفورية، وسرعان ما ظهر بعض الرجال الجالسين حول منضدة من الزجاج اللامع، وكل واحد أمامه دوسيه ضخم مليء بالأوراق.
قال رقم «صفر» وهو يُشير بعصاته الفضية الطويلة باتجاه الشاشة الصغيرة: هؤلاء هم أكبر تجار السلاح في العالم، وهم يجتمعون من حين إلى آخر في مكان ما … وهذا اللقاء تم في «إيطاليا»، وبالتحديد في «ميلانو». وأكمل رقم «صفر» حديثه: إن لقاء هؤلاء الزعماء وتجار الأسلحة عادة ما يكون بسبب التنسيق بينهم بشأن كمية السلاح المتوجه إلى الشرق الأوسط، وأنواع هذه الأسلحة.
ثم أشار رقم «صفر» إلى أحد الرجال، وكان يتوسط المائدة، وهو أشقر اللون غزير الشعر رغم عمره الكبير الذي ظهر على تقاسيم وجهه، والثنايات العديدة التي على رقبته. قال رقم «صفر»: هذا الرجل يُدعى «جون بوستر» وهو ألماني الجنسية، وقد تخصص هذا الرجل في نوع واحد من الأسلحة، فهو المصدِّر الرئيسي لجميع المسدسات الألماني السريعة الطلقات، ويسمونه «الأخطبوط» لكثرة تعاملاته مع عدة تجار من العرب في آنٍ واحد … فهو لا يعقد صفقة واحدة فقط، ولكنه يبرم عدة صفقات في وقت واحد … ويتسلَّم نقوده مقدمًا … وهو من أشهر تجار الأسلحة في العالم … وتتعامل معه معظم المنظمات الإرهابية وهو شديد الذكاء … وتحيطه مجموعة من الرجال يديرون أعماله بشكل منظم، ويُعدُّون له الاجتماعات فضلًا عن طاقم حراسته الفولاذي، وهم مجموعة من العساكر والضباط الذين تركوا الخدمة العسكرية في بلادهم نظير الأجر الخيالي الذي يتقاضونه؛ فقد وصل راتب الواحد منهم إلى أكثر من عشرين ألف دولار في الشهر الواحد!
أشار رقم «صفر» إلى رجل آخر كان قصير القامة أصلع الرأس … قال وهو يشير إليه بعصاته الفضية: وهذا الرجل يُدعى «ماكس» وهو إيطالي الجنسية، وتتركز تجارته في القنابل اليدوية بشتى أنواعها، ويُلقبونه بالرجل القنبلة نظرًا لعصبيته الشديدة، فهو حادُّ اللهجة، وكثيرًا ما يتشاجر ويختلف مع زملائه؛ ولذلك لُقب بالقنبلة، فضلًا عن تخصصه في هذه النوعية من السلاح.
تنقلت الكاميرا لتتفحص بقية الوجوه، وتركزت من جديد على رجل طويل القامة نحيف، قد غطَّت ذقنُه الطويلة الصفراء معظمَ وجهه، فلم يظهر منه سوى عينَيه الزرقاوين اللتين تُشعَّان بالذكاء والمكر.
قال رقم «صفر»: هذا هو «الساحر» كما يُطلقون عليه، فهو بارع جدًّا في إقناع الآخرين، بالإضافة إلى عبقريته الشديدة في التعامل مع كل الجنسيات، وبالإضافة إلى إجادته التامة لأكثر من عشر لغات منها اللغة العربية؛ ولذلك فهو دائمًا على صلة كبيرة بالتجار العرب، وقد تخصص هذا «الساحر»، واسمه الحقيقي «لورا»، وهو فرنسي الجنسية يُدعى «لورا» أو «الساحر»، ليس له مكان ثابت، فمعظم وقته يضيع في التنقل من بلد إلى آخر … يعقد صفقة ويمهد لأخرى … ولذلك فقد اعتبروه العقل المدبر لهؤلاء الرجال جميعًا.
سكت رقم «صفر» قليلًا ثم أكمل بعدها حديثه بقوله: إن «لورا» أو «الساحر» الفرنسي تم القبض عليه عدة مرات، ولكنهم لم يستطيعوا إدانته … واستمرت الكاميرا في التنقل بين الوجوه حتى استقرت على وجه لرجل آخر دلَّت ملامحُه على أنه عربي برغم محاولته تقليد الأوروبيِّين … قال رقم «صفر»: وهذا هو «نعيم العربي» ذو الأصل اللبناني، ولكنه حصل على الجنسية الفرنسية منذ وقت طويل، وهو رجل ذكي ويعتبر همزة الوصل بين هؤلاء الزعماء والتجار في معظم بلدان وطننا العربي الكبير.
انطفأت الشاشة الفوسفورية ورقم «صفر» يسحب عصاته الفضية ويقول: لعلكم قد أخذتم بعض المعلومات عن الرجال الذين سوف تواجهونهم عن قريب … وسيكون لديكم غدًا بعض الصور الفوتوغرافية مدوَّن على كل صورة المعلومات الكافية عن صاحبها، بعدها سيكون الاجتماع الأخير تمهيدًا للسفر وبدء المغامرة الجديدة!